اتفاقيات الإطار العالمية : أداة نقابية لتنظيم العولمة وحماية حقوق العمال
جهاد عقل
الحوار المتمدن
-
العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 10:04
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
مقدمة
تشكل اتفاقيات العمل الجماعية العالمية أحد أهم الأدوات النقابية الحديثة في مواجهة التوسع المتزايد للشركات متعددة الجنسيات. ففي عالم تُدار فيه الشركات عالمياً بينما تُقيّد حقوق العمال وطنياً، تبرز هذه الاتفاقيات كوسيلة عملية لإعادة التوازن في علاقات القوة.
* ما هي اتفاقيات العمل الجماعية العالمية؟
اتفاقياتالعمل الجماعية العالمية أو "إتفاقيات افطار العالمية"، هي اتفاقيات تُبرم بين اتحادات نقابية عالمية وشركات متعددة الجنسيات، وتهدف إلى ضمان احترام المعايير الأساسية للعمل وحقوق العمال في جميع فروع الشركة حول العالم.
* أهمية اتفاقيات العمل الجماعية في المرحلة الراهنة
تزداد أهمية هذه الاتفاقيات في ظل إعادة الهيكلة، الرقمنة، الأتمتة، وتفاوت القوانين الوطنية، حيث تشكل أداة لحماية العمال ومنع المنافسة بينهم عبر الحدود.
* الدور النقابي العالمي
تلعب الاتحادات النقابية العالمية دوراً محورياً في التفاوض، التنسيق، المتابعة، وضمان أن تتحول الاتفاقيات من نصوص سياسية إلى أدوات تنفيذية.
* اتفاقيات العمل الجماعية العالمية – من التضامن إلى التنظيم
تشكل اتفاقيات العمل الجماعية العالمية او اتفاقيات الإطار العالمية،تطوراً نوعياً في العمل النقابي الدولي. فهي تنقل النقابات من موقع ردّ الفعل على قرارات الشركات متعددة الجنسيات إلى موقع الشراكة التفاوضية العابرة للحدود، عبر اتفاقيات تُبرم مع الاتحادات النقابية العالمية وتغطي جميع فروع الشركة حول العالم.
* تعتمد هذه الاتفاقيات على:
- اتفاقيات منظمة العمل الدولية الأساسية
- الاعتراف بحرية التنظيم والمفاوضة الجماعية
- الحوار الاجتماعي المنظم
- آليات متابعة وتسوية نزاعات تتجاوز الحدود الوطنية
- في عالم تُدار فيه الشركات عالمياً بينما تُقيّد حقوق العمال وطنياً، تشكل اتفاقيات العمل الجماعية الدولية إطاراً نقابياً لإعادة التوازن في علاقات العمل ودحض القوة التي تتمتع بها الشركة في حال انفردت بتحديد حقوق العمال لديها بمختلف مواقع العمل والنشاط التجاري لها.
* لماذا أصبحت اتفاقيات العمل الجماعية ضرورة ملحّة اليوم؟
تتعرض قطاعات صناعية كاملة لضغوط متزامنة: إعادة هيكلة مستمرة ونقل للإنتاج، أتمتة ورقمنة وتسريح وظائف تقليدية، تفاوت كبير في الحقوق بين الدول، ضعف الكثافة النقابية في سلاسل التوريد العالمية،في هذا السياق، تصبح اتفاقيات الإطار العالمية: أداة لمنع المنافسة بين العمال،
شبكة أمان خلال الأزمات، قناة إنذار مبكر قبل القرارات الاستراتيجية، وسيلة لفرض حد أدنى عالمي من الحقوق.
* دور الاتحادات النقابية العالمية
تلعب الاتحادات النقابية العالمية، وفي مقدمتها الاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة والإتحاد الدولي لنقابات عمال البناء والأخشاب وغيرها دور العمود الفقري في التوقيع على اتفاقيا العمل الجماعية الدولية من خلال: التفاوض باسم شبكات نقابية عالمية،التنسيق بين النقابات الوطنيةن
مراقبة تنفيذ الاتفاقيات ،دعم النقابات في البلدان ذات الأطر القانونية الضعيفة.
قوة أي من الإتفاقيات الجماعية لا تكمن فقط في نصه، بل في شبكة العمال المنظمة القادرة على تفعيله.
* شركة سانوفي Sanofi – مثال لإتفاقيات العمل الجماعية العالمية أو اتفاقيات الإطار العالمية والواقع العمالي
بمبادرة الإتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة عقد إجتماع في مدينة باريس أيام 10 -12 كانون أول 2025، شارك فيه 50 نقابياً من القادة النقابيين في شركة Sanofi العولمية، للبحث في موضوع اتفاقية العمل الجماعية العالمية أو تفاقية الإطار العالمية للعاملين في مختلف فروع الشركة الشركة وكيفية تطويرها لتتلائم مع متطلبات العمال وحقوقهم.
* الحجم العالمي والانتشار لشركة سانوفي والتعريف:
شركة سانوفي (Sanofi) هي شركة أدوية عالمية عملاقة مقرها فرنسا، معروفة بإنتاج مجموعة واسعة من الأدوية واللقاحات، وتعمل في مجالات متعددة كالسكر، القلب، الأورام، المناعة، الأمراض النادرة والرعاية الصحية الاستهلاكية، ولها حضور في مختلف أنحاء العالم ، هذا وتُعد شركة سانوفي (Sanofi) من كبرى الشركات الدوائية في العالم. حيث لها فروع تعمل في نحو 90 دولة، كما وتضم ما يقارب 90 ألف عامل وعاملة حول العالم.
تمتلك شركة سانوفي عشرات مواقع الإنتاج والبحث والتطوير والمراكز التجارية،تشكل أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا ركائز أساسية لنشاطها، مع توسع كبير في الأسواق الناشئة.
هذا الحجم يجعل من شركة سانوفي (Sanofi) شركة عالمية بالمعنى الكامل للكلمة، حيث تُتخذ القرارات الاستراتيجية مركزياً بينما تُنفّذ آثارها محلياً.
* الشبكة النقابية العالمية لعمال شركة سانوفي
منذ ما يقارب عشر سنوات، بنى عمال Sanofi شبكة نقابية عالمية نشطة، سمحت بـ:
-تبادل المعلومات حول إعادة الهيكلة، تنسيق المواقف بين القارات ،بناء تضامن فعلي خلال النزاعات
غير أن هذه الشبكة بقيت من دون إطار مؤسسي ملزم.
* اجتماع باريس 2025: لحظة كاشفة
أكد اجتماع باريس (ديسمبر 2025) أن:
الشركة تمر بتحولات استراتيجية عميقة (تفكيك أنشطة، نقل مواقع، تقليص وظائف)، وأن القرارات ذات طابع عالمي لكن الحوار لا يزال محلياً أو إقليمياً، وقام الشركة بالاعتراف بالاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة كـ”جهة معنية“ خطوة سياسية، لكنها غير كافية، وعليه فإن الخلاصة التي توصل إليها العمال كانت واضحة: شركة بهذا الحجم تحتاج إلى اتفاق إطار عالمي، لا إلى ترتيبات ظرفية.
* لماذا اتفاقية عمل جماعية دولية في سانوفي ()Sanofi تحديداً؟
لأن سانوفي -Sanofi: توظف عشرات الآلاف في بيئات قانونية غير متكافئة،تعمل في قطاع حساس استراتيجياً (الصحة والدواء) ، تواجه تحولات تكنولوجية وبحثية جذرية، تشهد إعادة هيكلة عابرة للحدود.
اتفاق إطار عالمي من شأنه: ضمان حرية التنظيم والمفاوضة في جميع الفروع،تنظيم إعادة الهيكلة والتغيير التكنولوجي،حماية العمال من القرارات الأحادية،توفير الاستقرار والتوقعية حتى للإدارة نفسها.
* نماذج لاتفاقيات إطار عالمية وقعها الاتحاد لعمال الصناعة في شركات :سيمنز ،إتش آند إم، إنديتكس،سولفاي / سينسكو وأنجلو أمريكان، إينيلن ،إيرباص وغيرها.
* البعد الدولي – العمل اللائق والانتقال العادل
تؤكد منظمة العمل الدولية أن:التحولات الرقمية والصناعية يجب أن تُدار بالحوار ،غياب المشاركة العمالية يؤدي إلى نزاعات وعدم استقرار. وهذا ما يجعل الاتفاقيات الجماعية الدولية أداة عملية لتحقيق:العمل اللائق،الانتقال العادل، المساواة الجندرية،السلامة والصحة المهنية.
عن هذه الإتفاقيات يقول أتل هوي، الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعات.
"في عالمٍ تعمل فيه الشركات على مستوى عالمي بينما تبقى القوانين وطنية، تُسهم اتفاقيات الإطار العام في تحقيق تكافؤ الفرص. فهي تُوفر للنقابات مسارًا واضحًا للتصعيد عند انهيار الحوار الوطني، مُحوّلةً بذلك الصراع المحلي إلى صراع عالمي.
لكن اتفاقيات العمل الجماعية ليست مجرد بيانات مبدئية، بل هي أدوات فعّالة. فعندما تدعمها النقابات المنظمة والتنسيق المستمر، فإنها تساعد في حل النزاعات، ومنع الصراعات، وبناء حوار دائم بين العمال والإدارة”.
ويضيف :"نحن نناضل من أجلها، ونراقبها، ونستخدمها لبناء القوة من القاعدة إلى القمة. وبينما يجادل بعض النقاد بأن اتفاقيات المفاوضة الجماعية لا تحقق النتائج المرجوة دائمًا، فإن الأدلة تُظهر أنها غالبًا ما تحققها، عندما تشارك النقابات بنشاط في التنفيذ وتخضع الشركات للمساءلة"
* العولمة بلا تنظيم تعمق الفجوات
العولمة الاقتصادية بلا تنظيم اجتماعي تُعمّق عدم المساواة، بل تعمق الإستغلال للعاملين لذلك فإن الإتحادات النقابية المحلية والعالمية وحدها تستطيع مقاومة هذا الإستغلال من خلال توقيع اتفاقيات عمل جماعية تعتبر أساساً هاماً لمنع استغلال العمال ، ومن هنا نؤكد أن اتفاقيات الإطار العالمية أصبحت ضرورة نقابية وسياسية،إن حالة Sanofi تمثل نموذجاً صارخاً لشركة عالمية تحتاج إلى حوار عالمي منظم.
إن النضال من أجل اتفاق إطار عالمي في شركة سانوفي (Sanofi) ليس مطلباً قطاعياً، بل جزء من معركة أوسع من أجل ديمقراطية العمل في الشركات متعددة الجنسيات.