دروس لم تُستوعب بعد – حريق جديد في مصانع الملابس ببنغلاديش يذكّر بكارثة -رانا بلازا-
جهاد عقل
الحوار المتمدن
-
العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 00:28
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
* وراء كل قميص عمال يناضلون من أجل حقوقهم وسلامتهم"
تابعنا في الفترة الأخيرة العديد من النشاطات النقابية لعمال النسيج ف مختلف المناطق ، ومنها اتحاد النقابات الأوروبية ،وأخرى أجتماع مناطيقي في تركيا ،وتونس والمغرب ، ونشاطات نقابية بمختلف المناطق ، ولفت انتباهنا الإجتماع الهام الذي عقده الإتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة وفرعه الأوروبي وبإشتراك نقابيين من تركيا وكمبوديا وإندونيسيا ،مع ممثلين عن الإتحاد الأوروبي في بروكسل خلال الشهر الماضي بحث موضوع عمال النسيج جرى فيه تسليط "الضوء على الحاجة المُلحة إلى تعزيز جهود الاتحاد الأوروبي في العناية الواجبة وحماية حقوق العمال في صناعة النسيج. ومن خلال مناقشات واجتماعات رفيعة المستوى ومظاهرة عامة، دعت النقابات والحلفاء أوروبا إلى توفير استدامة حقيقية للعمال عبر سلاسل التوريد العالمية ...والحاجة المُلحة لتشريع أوروبي أقوى للعناية الواجبة لحماية عمال النسيج حول العالم”. وقالت النقابية كريستينا هاجاجوس كلاوسن، مديرة قطاع المنسوجات والملابس في الإتحاد العالمي لنقابات عمال الصناعة في الإجتماع:”وراء كل قميص مُصمم للمستهلكين الأوروبيين، عمالٌ يُناضلون من أجل حقوقهم الأساسية”.ونحن نقول ليس للمستهلكين الأوروبيين وحدهم بل لجميع سكان العالم.
*الإهمال في سلامة وصحة عمال صناعة النسيج يتواصل
نعود ونذكّر أنه في 24 نيسان/أبريل 2013، انهار مبنى رانا بلازا المؤلف من ثمانية طوابق في دكا، والذي كان يضم خمسة مصانع للملابس الجاهزة يعمل فيها أكثر من 3,500 عامل وعاملة. أدى الانهيار إلى مقتل أكثر من 1,130 شخصًا وإصابة آلاف آخرين، معظمهم من النساء، في واحدة من أسوأ الكوارث الصناعية في تاريخ العالم. وقد كشفت المأساة عن شروط العمل القاسية، وانعدام معايير السلامة، واستغلال العمال في سلاسل التوريد العالمية التي تزود كبرى العلامات التجارية الغربية.
أفضت تلك الفاجعة إلى إطلاق اتفاقية ملزمة قانونيًا بين النقابات العالمية والعلامات التجارية الكبرى، عُرفت باسم "اتفاقية السلامة في بناء المباني وأنظمة مكافحة الحرائق في بنغلاديش"، التي هدفت إلى ضمان التفتيش المنتظم وتحسين البنية التحتية للمصانع وتدريب العمال وتوفير آلية شكاوى فعالة ومستقلة. لاحقًا، توسعت هذه الجهود لتشكيل الاتفاق الدولي للصحة والسلامة في صناعة النسيج والملابس الجاهزة، الذي يعمل بالتعاون مع مجلس استدامة صناعة الملابس الجاهزة (RSC) كهيئة وطنية ثلاثية الأطراف تشرف على تنفيذ برامج السلامة في المصانع المشمولة بالاتفاق.
*مأساة جديدة: حريق ميربور يعيد فتح الجراح
في 14 أكتوبر 2025، اندلع حريق مدمر في مصنع للنسيج ومستودع للمواد الكيميائية بمنطقة ميربور في دكا ببنغلادش، مما أدى إلى مقتل 16 عاملاً وعاملة وإصابة آخرين، بعد أن حاصرتهم الأدخنة السامة نتيجة إغلاق باب السطح بالمفتاح. واستغرقت فرق الإطفاء أكثر من 27 ساعة لإخماد النيران. أظهرت التحقيقات أن المصنع غير مشمول ببرامج التفتيش والإشراف التابعة لمجلس استدامة صناعة الملابس ، ما يعكس استمرار الثغرات التنظيمية التي تضع حياة العمال في خطر.
وقال الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة النقابي أتل هُويِ معقباً على هذا الحادث المؤلم :“إن الحريق في "ميربور " تذكير صارخ بأن حياة العمال والعاملات ما زالت مهددة في المصانع غير الخاضعة للرقابة. نحتاج إلى التزامات قانونية أقوى وانضمام المزيد من العلامات التجارية إلى الاتفاق لضمان سلامة كل عامل وعاملة في هذا القطاع الحيوي.”
وفي 16 تشرين أول/ أكتوبر، اندلع حريق آخر في مصنع Adams Caps and Textile-limit-ed بمنطقة "طتشاتوجرام الصناعية الحرة"، لكن أنظمة الإنذار والتدريب على الإخلاء حالت دون وقوع خسائر بشرية، مما يثبت أن التدريب المسبق والاستعداد الميداني هما خط الدفاع الأول ضد الكوارث.
*الصحة والسلامة في صناعة النسيج: بين الالتزامات والواقع
يعمل في قطاع الملابس الجاهزة في بنغلاديش أكثر من 4 ملايين عامل وعاملة، يشكّلون العمود الفقري لاقتصاد البلاد الذي يعتمد بشكل كبير على التصدير. ورغم مرور أكثر من عقد على كارثة "رانا بلازا"، ما زالت التقارير النقابية تشير إلى نقص كبير في أنظمة الإنذار المبكر ومخارج الطوارئ في مئات المصانع الصغيرة والمتوسطة، وغياب الرقابة الفعلية في المنشآت غير المشمولة بالاتفاق الدولي، وتراجع التزام بعض العلامات التجارية العالمية التي تنقل إنتاجها إلى مصانع أرخص خارج إطار الرقابة، وضعف تمثيل العمال في لجان السلامة المشتركة داخل مواقع العمل.
*الصحة والسلامة المهنية لعمال النسيج ليست رفاهية بل حق من حقوق الإنسان
تؤكد هذه الوقائع أن السلامة المهنية ليست رفاهية، بل حق أساسي من حقوق الإنسان والعمل اللائق. وتطالب النقابات بأن تكون الصحة والسلامة جزءًا لا يتجزأ من العقود التجارية وسلاسل التوريد العالمية، وأن تتحمل الشركات متعددة الجنسيات مسؤولية العناية الواجبة تجاه العمال الذين ينتجون أرباحها.
في ظل تفاقم هذه الحالات ، أي فقدان وسائل الصحة والسلامة المهنية ، يبقى عمل صناعة النسيج والملابس يعملون في ظل خطر كبير على صحتهم وحياتهم ، وعندما يجري الحديث عن موضوع الصحة والسلامة في هذا الفرع الهام ، نعي جيدًاً ، أن هناك الكثير من المصانع المتوسطة والصغيرة في مختلف أنحاء العالم ليس فقط في بنغلاديش تفتقد للحد الأدنى من وسائل السلامة المهنية.
لذلك نعود ونؤكد على مطالب الحركة النقابية العالمية على ضرورة، توسيع نطاق الاتفاق الدولي للصحة والسلامة ليشمل جميع المصانع في قطاع النسيج والملابس ببنغلاديش خاصة وفي العالم عامة دون استثناء. وضمان التفتيش المستقل والشفاف والمُلزم قانونيًا من قبل هيئات ثلاثية تمثل العمال وأصحاب العمل والحكومة. وإلزام جميع الماركات التجارية العالمية بالانضمام إلى الآليات القانونية التي تكفل حماية العمال في سلاسل التوريد. وأخيراً تعزيز ثقافة السلامة والتدريب المستمر لجميع العمال والعاملات في القطاع، وتأمين تعويضات عادلة وسريعة للضحايا وعائلاتهم في كل حادث عمل.
وفي النهاية نعود ونؤكد أن وراء كل قميص ووراء كل قطعة ملابس هناك عمال يحتاجون للحماية والسلامة ، كما يناضلون من أجل أجر لائق وشروط عمل لائقة.