الانتقال العادل وصحة العمال في قلب مؤتمرتغيّر المناخ -كوب – 30”


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 20:44
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

مقدمة
ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين لتغيّر المناخ (كوب – 30) في مدينة بيليم البرازيلية خلال الفترة من 10 إلى 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، تحت رعاية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (UNFCCC).
جاء تنظيم المؤتمر بمبادرة من حكومة البرازيل وبمشاركة واسعة من الدول الأعضاء، والوكالات الأممية، والمنظمات العمالية الدولية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، وممثلي الشعوب الأصلية، إلى جانب مشاركة فعّالة للنقابات العمالية الدولية وعلى رأسها الاتحاد الدولي للنقابات (ITUC) والإتحادات النقابية :الاتاحد الدولي لعمال البناء والأخشاب ( BWI) والاتحاد الدولي لعمال الخدمات(PSI) والإتحاد الدولي لعمال الصناعة (IndustriALL) والإتحاد الدوللعمال النقل والمواصلات (ITF) وغيرها.
اتسمت دورة هذا العام بتركيز خاص على العلاقة بين المناخ والصحة ولسلامة والعمل، وذلك عبر إطلاق "خطة بيليم للصحة" التي اعتُبرت لحظة مفصلية في الاعتراف بأن أزمة المناخ هي أيضًا أزمة صحية واجتماعية وعمّالية.
تدخل النقابات العمالية مؤتمر" كوب – 30 " بمطالب واضحة، مستندة إلى وثيقة الإتحاد الدولي للنقابات العمالية (ITUC ) الرسمية التي أكدت أربعة مطالب أساسية: التمويل العادل، الانتقال العادل، حماية العمال، وضمان المشاركة الفعلية في القرارات المناخية.

أولاً: النقابات العمالية في " كوب – 30 " – مشاركة قوية ورؤية واضحة
دخلت النقابات العمالية "مؤتمر كوب – 30 برؤية متقدمة جعلت من حقوق العمال محورًا رئيسيًا في النقاشات المناخية. وقد أبرز الاتحاد الدولي للنقابات العمالية في وثيقته الرسمية أربع مطالب رئيسية وجهها للحكومات والمفاوضين:
- ضمان انتقال عادل يحمي العمال المتأثرين بتحولات الطاقة والاقتصاد.
- وضع سياسات وطنية تشمل خلق وظائف لائقة خضراء مع الالتزام بمعايير العمل الدولية.
- توفير تمويل مناخي عادل يضمن استثمارات في التدريب وإعادة التأهيل المهني والحماية الاجتماعية.
- إلزام الحكومات بإشراك النقابات والعمال في صياغة السياسات المناخية عبر الحوار الاجتماعي.

ثانياً: الصحة في قلب "مؤتمر كوب – 30 ط – خطة بيليم للصحة
مثّل إطلاق "خطة بيليم للصحة" نقطة تحول محورية في المؤتمر، إذ اعتُمدت الخطة من قبل منظمة الصحة العالمية، وحكومة البرازيل، وجامعة الأمم المتحدة، ووكالات أممية أخرى.
تركز الخطة على تعزيز قدرات الأنظمة الصحية في مواجهة موجات الحرارة، الفيضانات، الجفاف، والعواصف، وتعزيز دور المجتمعات المحلية والعمال في عملية الحوكمة الصحية والمناخية.
تتضمن الخطة ثلاث ركائز أساسية:
1. بناء أنظمة صحية قادرة على الصمود في وجه الصدمات المناخية.
2. حشد التمويل والتكنولوجيا لدعم خفض الانبعاثات والتكيف الصحي.
3. ضمان مشاركة المجتمعات المحلية والعمال وتعزيز العدالة الصحية.

ثالثاً: القضايا العمالية التي برزت في المؤتمر
1. الحرارة القاتلة وظروف العمل: طالبت النقابات بوضع حدود حرارية رسمية توقف العمل عند درجات الحرارة الخطرة، وضمان حق العمال في الحماية والتبليغ دون عقوبات.
2. عمال الغابات والأمازون: دافعت النقابات عن حقوق عمال الأخشاب والصيد والنقل النهري، مؤكدة ضرورة ضمان بدائل عادلة في المناطق التي ستُفرض فيها قيود بيئية.
3. عمال سلاسل التوريد العالمية: حذرت النقابات من استخدام الشركات الكبرى لسياسات المناخ كذريعة لخفض الكلفة عبر نقل الإنتاج أو تسريع الأتمتة دون ضمانات للعمال.

رابعاً: النتائج الأولية للمؤتمر وتأثيراتها على العمال
1. اعتراف رسمي عالمي بأن المناخ قضية صحية وعمّالية.
2. إدراج العمال والصحة المهنية ضمن خطط التكيف المناخي.
3. التزام متزايد بتمويل برامج الانتقال العادل.
4. فتح باب المفاوضات لوضع معايير للوظائف الخضراء.
لكن رغم التقدم، تبقى تحديات كبيرة أمام العمال، من أبرزها ضعف التمويل وتأخر سياسات التدريب وإعادة التأهيل.

خامساً: انعكاسات المؤتمر على العالم العربي والنقابات المحلية
تتعرض المنطقة العربية لتأثيرات مناخية قاسية تشمل الجفاف، الفيضانات، تراجع الإنتاج الزراعي، وارتفاع درجات الحرارة، ما يجعل العمال أكثر الفئات تضرراً.
تعد قطاعات البناء خاصة في دول الخليج ، الزراعة، النقل، والسياحة من أكثر القطاعات المعرّضة للخطر، خاصة مع وجود نسب كبيرة من العمالة غير المنظمة.لذلك نرى من المهم أن تكون التوصيات من قبل النقابات العربية:
- المطالبة بإدراج ممثلي العمال في الخطط الوطنية للمناخ.
- إنشاء وحدات للصحة المهنية والمناخ داخل النقابات.
- الضغط لاعتماد تشريعات لحماية العمال من الحرارة القاسية.
- الاستفادة من برامج الأمم المتحدة لتمويل مشاريع التكيف الصحي والمناخي.

سادساً: الدول المعارضة للمسارات المطروحة في" مؤتمر كوب – 30”
على الرغم من الإجماع الدولي الواسع حول أهمية دمج الصحة والعمل في سياسات المناخ، شهد "مؤتمر كوب – 30” بروز عدد من الدول التي أبدت اعتراضات أو تحفظات على بعض المقترحات، سواء المرتبطة بخطة" بيليم للصحة" أو بمفاهيم الانتقال العادل.

أولاً: الاعتراضات على تمويل الانتقال العادل
بعض الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريية ، التي تُعد من أكبر المساهمين في الانبعاثات أعربت عن تحفظها على الالتزامات المالية الإضافية، بحجة الأزمات الاقتصادية الداخلية. وبرز في هذا الإطار:
- بعض دول الاتحاد الأوروبي التي طالبت بربط التمويل بشروط تتعلق بالإصلاحات الداخلية في الدول النامية.
- دول أخرى رأت أن أي التزام مالي جديد يجب أن يتم وفق آليات السوق لا عبر تمويل مباشر.

ثانياً: الدول المنتجة للوقود الأحفوري
عدد من الدول الغنية بالنفط والغاز عبّرت عن خشيتها من أن يؤدي تسريع التحول الطاقي إلى خسائر اقتصادية كبيرة دون وجود ضمانات كافية لتعويض العمال أو تنويع الاقتصاد. وقد طرحت هذه الدول رؤية تقول بأن:
- التخلي السريع عن الوقود الأحفوري غير واقعي.
- يجب أن يكون الانتقال تدريجياً وعلى مدى زمني أطول.
- يجب الاعتراف بخيارات السيادة الوطنية في مسارات الطاقة.

ثالثاً: المواقف المعارضة لربط الصحة بالمناخ
بعض الدول اعتبرت أن توسيع أجندة المناخ لتشمل الصحة سيؤدي إلى تشتت الجهود، وأن الأولوية يجب أن تبقى على خفض الانبعاثات فقط. وقد أثار ذلك جدلاً واسعاً، خاصة أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن المناخ والصحة مترابطان بشكل لا يمكن فصله.

رابعاً: تأثير المعارضة على مفاوضات المؤتمر
ورغم الاعتراضات، نجحت العديد من الوفود والنقابات ومنظمات المجتمع المدني في إدراج الصحة والعمال بشكل رسمي في الوثائق الختامية. إلا أن بعض الالتزامات المالية لم تُحسم بسبب الضغوط التي مارستها الدول المعارضة.

خامساً: لماذا يجب على النقابات مراقبة هذه المعارضة؟
ترى النقابات أن المعارضة ليست مجرد موقف سياسي، بل قد تتحول إلى عائق أمام تحقيق انتقال عادل فعلي، خصوصاً فيما يتعلق بتمويل:
- برامج التدريب المهني.
- الحماية الاجتماعية.
- خطط التكيف الصحي.
وتؤكد النقابات أن استمرار الضغط الدولي، وتوسيع التحالفات مع المجتمع المدني والوكالات الأممية، هو الطريق لضمان عدم تعطيل المسارات المرتبطة بحماية العمال وصحتهم.

الخاتمة
وكان الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا حدد مسار الجلسة الافتتاحية، معلنا أن مؤتمر الأطراف الثلاثين يجب أن يشكل "هزيمة جديدة لمن ينكرون تغير المناخ". وقد أكدت العديد من الجهات خاصة من قبل ممثلي الأمم المتحدة بالتحذير من قضية التضليل التي تقوم بها جهات مناهضة لمحاربة قضية الإحتباس الحراري مشيرة الى : “ أن تصاعد التضليل المناخي يقوض المساعي الرامية إلى تجنب الاحتباس الحراري الكارثي. وتهدد تلك الأكاذيب، التي تنتشر بسرعة غير مسبوقة عبر الإنترنت، بعرقلة التقدم الهش في مجال العمل المناخي”.
وعليه اننا نرى أن "مؤتمر كوب – 30 " الذي يواصل أبحاثه في بيليم، يؤكد أن مستقبل العدالة المناخية لن يتحقق دون إدماج كامل للعمال ونقاباتهم في قلب السياسات المناخية. فالعامل ليس مجرد رقم في معادلة الانبعاثات، بل هو من يعيش آثار المناخ في ورش البناء، الحقول، المصانع، الموانئ، والمستشفيات. إن نجاح الانتقال الأخضر يعتمد على حماية صحة العمال وضمان حقوقهم وتحويل المناخ إلى فرصة للعدالة الاجتماعية، لا إلى مصدر جديد لعدم المساواة.