تمرّد جمهوري لصالح النقابات يكشف فشل ترامب ويعيد الاعتبار لقوة العمال


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 20:06
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

البداية:
سبق وتناولنا موضوع الهجوم الذي قام به الرئيس دونالد ترامب على العاملين في القطاع العام ، وفصل الكثير منهم،لكن صمود الحركة النقابية في الولايات المتحدة أتى ثماره الإيجابية ، وهذا هو محور مقالنا هذا .
لم يكن تصويت مجلس النواب الأميركي مؤخراً لصالح قانون حماية قوة العمل الأميركية (Protect America’s Workforce Act) مجرّد حادثة تشريعية عابرة، بل شكّل تحوّلًا سياسيًا ونقابيًا ذا دلالات عميقة، كسر واحدًا من أكثر الثوابت رسوخًا في السياسة الأميركية: ألا وهي العداء البنيوي للحزب الجمهوري تجاه النقابات، ولا سيما نقابات القطاع العام.
للمرة الأولى منذ عقود، يصوّت 20 نائبًا جمهوريًا إلى جانب الحركة النقابية الفيدرالية، دفاعًا عن حق أكثر من مليون عامل حكومي في المفاوضة الجماعية، بعد أن كانت إدارة دونالد ترامب قد سلبت هذه الحقوق بقرارات تنفيذية استندت إلى ذرائع “الأمن القومي” الزائفة.

* عداء تاريخي… يتصدّع
من ريغان وكسر إضراب مراقبي الحركة الجوية عام 1981، إلى قوانين تفكيك النقابات في الولايات، وصولًا إلى حكم Janus الذي وجّه ضربة قاسية للنقابات العامة، شكّل استهداف التنظيم النقابي ركيزة أيديولوجية للمشروع المحافظ الأميركي.إلى القوانين المحلية التي قيّدت العمل النقابي في عدد من الولايات، وصولًا إلى حكم Janus v. AFSCME عام 2018، ظلّ الهدف واحدًا: إضعاف التنظيم الجماعي للعمال، خصوصًا في القطاع العام.
لهذا، فإن تصويت جمهوريين معروفين بسجلّات معادية للعمل المنظم—بعضهم لا تتجاوز نسبة تأييده للنقابات 10%—يمثل تصدّعًا حقيقيًا في هذا الجدار.

* لماذا تمرّد الجمهوريون؟
التفسير الأقرب للواقع ليس “صحوة ضمير”، بل فشل سياسي واضح لترامب.
تراجع شعبيته، واحتدام المخاوف من الانتخابات النصفية، دفع عددًا من نواب حزبه إلى إعادة حساباتهم. فالنواب الذين صوّتوا لصالح القانون يمثلون دوائر تضم عشرات آلاف العمال الفيدراليين، معظمهم في قطاعات الدفاع، الأمن، شؤون المحاربين القدامى، والطيران—وهي قطاعات لطالما شكّلت قاعدة انتخابية للجمهوريين.
هؤلاء النواب أدركوا حقيقة بسيطة:
العداء لعمال الدولة لم يعد سياسة رابحة.

* خصوصية النقابات الفيدرالية
ثمّة عامل حاسم آخر:
النقابات الفيدرالية لا تفاوض على الأجور، وممنوعة قانونًا من الإضراب، وتعمل أساسًا على:
- حماية شروط العمل
- الدفاع عن المبلّغين عن الفساد
- ضمان استمرارية وكفاءة الخدمة العامة
- أي أنها، حتى بمعايير محافظة، لا تشكّل “خطرًا اقتصاديًا”، بل صمّام أمان إداري وأخلاقي.
وإلغاء عقودها لا يعني “تحرير الإدارة”، بل فتح الباب أمام الفوضى، وتسييس الإدارة، وتقويض مبدأ احترام العقود—وهو مبدأ طالما تغنّى به المحافظون.

* فشل الهجوم على عمال الدولة
سياسات ترامب تجاه العاملين الفيدراليين—من الفصل التعسفي، إلى إلغاء التمثيل النقابي، إلى تفكيك العمل عن بعد، والهجوم الأيديولوجي على برامج المساواة—لم تُضعف النقابات فقط، بل أضعفت الدولة نفسها.
النتيجة كانت تراجعًا ملموسًا في الخدمات العامة:
_ تأخير في رعاية المحاربين القدامى
- خلل في التنبؤات الجوية والاستجابة للكوارث
- تراجع في سلامة الغذاء والصحة العامة
وعندما تتعطل هذه الخدمات، لا يلوم المواطنون النقابات، بل يطرقون أبواب نوابهم في الكونغرس. وهنا، بدأ عدد من الجمهوريين يدفع ثمن سياسات البيت الأبيض.

_* انتصار نقابي… ورسالة سياسية
صحيح أن تمرير القانون في مجلس النواب لا يضمن نجاحه في مجلس الشيوخ، حيث يلوح شبح التعطيل، لكن:
حجم التأييد الجمهوري شكّل اختراقًا غير مسبوق
ردّ إدارة ترامب الانتقامي بإلغاء عقد 47 ألف عامل في TSA كشف عداءً أعمى للنقابات، حتى على حساب القانون والقضاء
وهذا بالذات ما عزّز السردية النقابية:
أن الهجوم ليس على “امتيازات”، بل على العمال والخدمة العامة والديمقراطية الإدارية.

* دلالة أوسع للحركة العمالية
الأهم من القانون نفسه هو ما يكشفه هذا التصويت:
النقابات اليوم تحظى بثقة شعبية أعلى من الأحزاب السياسية.
وفي لحظة تآكل الثقة بالمؤسسات، تعود النقابات لتظهر كأحد آخر أشكال التنظيم الجماعي القادر على الدفاع عن المصلحة العامة.
ما جرى في مجلس النواب الأميركي لا يعني أن الحزب الجمهوري أصبح صديقًا للعمال، لكنه يعني شيئًا بالغ الأهمية:
كلفة معاداة النقابات بدأت تفوق مكاسبها السياسية.

* فشل لترامب ونصر للنقابات
فشل ترامب في كسر عمال الدولة لم يكن فشلًا إداريًا فحسب، بل فشلًا سياسيًا وأخلاقيًا. وإذا كان هذا التصدّع قد بدأ في أكثر البيئات عداءً للنقابات، فإن الدرس واضح للحركة العمالية في كل مكان:
عندما تربط النقابات حقوق العمال بالدفاع عن الخدمة العامة، وتخاطب المجتمع لا القواعد فقط، فإنها قادرة على فرض نفسها حتى على خصومها وتحقق النصر العمالي الذي يحق لها أن تفتخر به.