ثمانون عامًا على تأسيس الاتحاد العالمي للنقابات (1945–2025) فلسطين في قلب النضال النقابي الأممي منذ التأسيس
جهاد عقل
الحوار المتمدن
-
العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 21:33
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
* ثمانون عامًا من النضال الطبقي والأممي
في أكتوبر 2025، يحيي الاتحاد العالمي للنقابات (WFTU) الذكرى الثمانين لتأسيسه، في باريس عام 1945، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الشعوب على الفاشية. شكّل تأسيس الاتحاد محطة تاريخية مفصلية في مسيرة الطبقة العاملة العالمية، إذ أُعلن عن ميلاد أول منظمة نقابية أممية توحد العمال عبر القارات في مواجهة الاستغلال والاستعمار، وتدعو إلى السلام العادل والعدالة الاجتماعية، تحت الشعار الخالد: وحدة – نضال – تضامن.
ومنذ انطلاقته، رفع الاتحاد صوته دفاعًا عن حقوق العمال،ووقف إلى جانب الشعوب المناضلة ضد الاستعمار والهيمنة،مؤكدًا أن الحرية الاجتماعية لا تنفصل عن الحرية الوطنية،وأن الطبقة العاملة هي قوة التغيير نحو عالم أكثر عدلًا وإنصافًا.
* فلسطين في صفوف المؤسسين: أول حضور نقابي عربي
في هذه الذكرى، تستعيد الحركة النقابية الفلسطينية بفخر مشاركتها في المؤتمر التأسيسي للاتحاد العالمي للنقابات عام 1945، لتكون أول حركة نقابية عربية تنخرط في هذا المشروع الأممي التحرري.
لقد أدرك العمال الفلسطينيون باكرًا أن معركتهم ضد الاستعمار البريطاني والاستيطان الصهيوني هي جزء من معركة الشعوب ضد الاستغلال والهيمنة في العالم، فشاركوا في الجهود التحضيرية للمؤتمر، وأوفدوا مندوبين إلى لندن وباريس حاملين صوت الطبقة العاملة الفلسطينية وتطلعاتها للتحررو العدالة.
ونشرت صحيفة "فلسطين" في أعدادها الصادرة في شهر شباط/فبراير1945 تقريرًا تحت عنوان:
"العمال الفلسطينيون يتهيأون للمشاركة في المؤتمر النقابي العالمي لتوحيد كلمة العمال ضد الاستعمار والاستغلال.”(صحيفة فلسطين شباط 1945، )كما نشرت العديد من الصحف الأخرى أخبار عن سفر الوفد النقابي وعن أبحاث المؤتمر التحضيري الذي عقد أيام 6-17 شباط 1945، وما واجهه الوف من معارضة وهجوم من الوفد الصهيوني الذي حاول منع مشاركة الوفدالنقابي العربي الفلسطيني بإدعاء أنه – أي الصهيوني- هو يمثل جميع العمال في فلسطين ، إلا أن هذه المحاولات باءت في الفشل بفلصمود الوفد الفلسطيني وبعم من وفو نقابية أخرى .
كما تابعت جريدة "الاتحاد" – لسان حال مؤتمر العمال العرب في فلسطين – في اعدادها الصادرة في تشرين الأول/أكتوبر 1945 وأكدت بعد إنتهاء المؤتمر نجاحه :
لقد أُعلن في باريس عن قيام اتحاد عالمي للنقابات، يضم عمال العالم تحت راية واحدة تدعو إلى الحرية والمساواة والسلام، وقد شارك فيه مندوبو نقابات فلسطين حاملين همّ وطنهم وشعبهم وطبقته العاملة العربية الفلسطينية، مؤمنين أن حرية العمال لا تنفصل عنحرية الشعوب". (جريدة الاتحاد، تشرين الأول 1945)،
بهذا الحضور الريادي، أرست النقابات الفلسطينية أسس المشاركة العربية في النضال النقابي الأممي، وأكدت أن تحرر فلسطين هو جزء من تحرر الشعوب العاملة في العالم.
*من حيفا 1945 إلى غزة 2025: استمرارية النضال
على امتداد ثمانية عقود، ظلت الحركة النقابية الفلسطينية وفيّة لقيم الاتحاد العالمي للنقابات، حاضرة في صفوفه ومؤتمراته، ورافعة راية النضال الطبقي في وجه الاحتلال،والاستغلال الاقتصادي، والتمييز الاجتماعي، وعندما حدث الإنقسام في هذا الإتحاد بين الجانب النقابي الطبقي والجانب النقابي الموالي للمسار الإصلاحي وللدول الرأسمالية وعلى راسها الولايات المتحدة وبريطانيا ، وقفت الحركة النقابية العربية الفلسطينية الى الجانب الأول أي الطبقي بلا تردد.
ورغم ما تعانيه من ظروف قاسية تحت الاحتلال، فقد لعبت النقابات الفلسطينية دورًا رائدًا في الدفاع عن الحق في العمل اللائق، والعدالة الاجتماعية، والحرية النقابية، مؤمنة بأن النضال الاجتماعي لا ينفصل عن النضال الوطني.
وفي ظل الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، يواصل الاتحاد العالمي للنقابات وقوفه إلى جانب فلسطين، مطالبًا بإنهاء الاحتلال، ورفع الحصار عن غزة، وضمان الحق في تقرير المصير.
* مظاهرة باريس في الثالث من تشرين الأول 2025: استعادة رمزية التأسيس
في إطار فعاليات الذكرى الثمانين، نظم الاتحاد العالمي للنقابات في العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة 3 تشرين الأول/أكتوبر 2025 مظاهرة كبرى ومسيرة عمالية بمشاركة عشرات القادة النقابيين من مختلف القارات، تجسيدًا لوحدة الطبقة العاملة الأممية، واستعادةً للروح التي انطلقت منها الحركة النقابية العالمية بهذا التاريخ في باريس عام 1945.
شارك في المظاهرة وفود من آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، يتقدمهم الأمين العام للاتحاد العالمي للنقابات الذي ألقى كلمة قوية جدّد فيها الالتزام التاريخي بمبادئ النضال الطبقي، ودعا إلى بناء نظام عالمي جديد قائم على العدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية والسلام العادل، مؤكدًا أن صوت العمال سيبقى في مواجهة الحروب والاستغلال.
وكان لافتًا الحضور الفلسطيني في هذه الفعالية الأممية؛حيث شارك وفد نقابي فلسطيني يمثل الاتحاد العام لعمال فلسطين وعددًا من قادة النقابات القطاعية الفلسطينية، حاملين الأعلام الفلسطينية واللافتات التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال، ورفع الحصار عن غزة، وضمان حق العمال في الحرية والعمل اللائق.
وقد رفع الوفد شعارًا لخص رسالتهم:
"من باريس 1945 إلى باريس 2025... فلسطين في قلب النضال العمالي الأممي."
وشكّلت المشاركة الفلسطينية في مظاهرة باريس حدثًا رمزيًا ذا بعد تاريخي، إذ أعادت إلى الأذهان مشاركة نقابات فلسطين في مؤتمر التأسيس الأول، مؤكدة أن الالتزام النقابي الفلسطيني بالنضال الأممي ما زال راسخًا رغم كل التحديات، وأن فلسطين تظل مكوّنًا أصيلًا في الحركة النقابية العالمية التي تناضل من أجل الحرية والكرامة والعدالة.
* الاتحاد العالمي للنقابات: مواقف مبدئية لا تتغيّر
طوال ثمانين عامًا، بقي الاتحاد العالمي للنقابات ثابتًا على مبادئه:
- مناهضة الإمبريالية والاستعمار.
- دعم التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
- الدفاع عن الحقوق النقابية والحريات الديمقراطية.
- رفض العولمة النيوليبرالية وخصخصة الثروات العامة.
- التضامن الأممي مع الطبقة العاملة في كل مكان، وخاصة فلسطين.
- وفي مواجهة التحديات الجديدة — من الحروب إلى التفاوت الطبقي والبطالة والرقمنة — يؤكد الاتحاد أن المعركة منأجل عدالة اجتماعية شاملة لا تزال مستمرة.
* نحو عقد تاسع من النضال الأممي
مع دخول العقد التاسع، يوجّه الاتحاد نداءً جديدًا للطبقة العاملة في العالم:
"توحّدوا في مواجهة الاستغلال، انضموا في صفوف النضال الطبقي، واصنعوا نظامًا عالميًا جديدًا، قوامه العدالة والسلام والسيادة الوطنية."
نعم ،من باريس 1945 إلى باريس 2025، ومن حيفا إلى غزة، تظل فلسطين حاضرة في قلب النضال الأممي، ويظل شعار العمال خالدًا: وحدة – نضال – تضامن، حتى تتحقق الحرية والعدالة والسلام لكل الشعوب.