هل توجد -الخروتشوفية-؟


حميد كوره جي
الحوار المتمدن - العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 16:55
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها     

هل هناك اليوم من يصف نفسه بـ"الخروتشوفي"، مثلما يصف بعضهم أنفسهم ب"التروتسكي" أو "الستاليني" أو "الماوي" أو "ماركسي لينيني"؟
غالبًا ما يجد المرء نفسه أمام غياب تام لأي تيار ماركسي أو يساري يتبنى أفكار نيكيتا خروتشوف أو يشيد به وبخلفائه في الاتحاد السوفيتي. هذه الحقيقة تعكس واقعًا سياسيًا؛ إذ إن مصطلح "الخروتشوفية" لا يُستخدم اليوم للدلالة على أيديولوجيا قائمة، بل كأداة نقدية من قبل تيارات ماركسية أخرى مثل "الستالينيين" و"الماويين."

يُنتقد خروتشوف بشكل أساسي لسياساته بعد وفاة ستالين، والتي يُنظر إليها من قبل خصومه على أنها "تحريفية" تخلّت عن المسار الاشتراكي الحقيقي. وعلى الرغم من الاعتراف بكون عهده أقل قسوة من عهد ستالين، خصوصًا في إنهاء
"الإرهاب الجماعي" وتخفيف قبضة الدولة، فإن هذا الاعتراف لا يمتد إلى دعم نهجه السياسي أو الاقتصادي بشكل كامل. يرى البعض أن نيات خروتشوف كانت حسنة عندما حاول إحداث قطيعة مع الستالينية، لكن قراراته كانت سببًا في انهيار الاتحاد السوفيتي على المدى الطويل.

مواقف الماركسيين من خروتشوف

تتباين مواقف الحركات الماركسية تجاه خروتشوف وتُظهر اختلافاتهم الأيديولوجية. يرى التروتسكيون أن خروتشوف ليس سوى جزء من البيروقراطية السوفيتية التي أفسدت الثورة الروسية. يعتبرون خطابه السري ضد ستالين في عام
1956 مجرد مناورة سياسية لتعزيز موقعه، وليس تحليلًا ماركسيًا حقيقيًا. إنهم يرون فشل خروتشوف في تغيير النظام البيروقراطي بشكل جوهري، وإنه حافظ على ما يسمونه "دولة العمال المشوهة بيروقراطيًا". كما انتقدوا سياساته الاقتصادية، التي اعتبروها بداية للتراجع الذي أدى في النهاية إلى تفكك النظام الاشتراكي.

عارضت التيارات الماوية خروتشوف بشدة، خاصة بعد الانقسام الصيني-السوفيتي. رأى ماو تسي تونغ وأتباعه، أن خروتشوف كان رمزًا "للتحريفية" والابتعاد عن مبادئ الماركسية-اللينينية. اتهموه بتفريط في نضال البروليتاريا العالمي من خلال ترويجه لسياسة "التعايش السلمي" مع الغرب، التي اعتُبرت تنازلًا عن الكفاح الثوري.

اعتبر الستالينيون خروتشوف خائنًا لإرث ستالين. شجبوا اتهاماته في الخطاب السري واعتبروها تشويهًا لسمعة ستالين. بالنسبة لهم، كانت فترة حكم خروتشوف محاولة لتدمير إنجازات عهد ستالين وإضعاف أسس الاشتراكية.

النقطة الأساسية هي -كما أرى- لا يوجد اي تيار ماركسي حقيقي يدعم خروتشوف بل على العكس، تنتقده التيارات المذكورة جميعها لأسباب مختلفة.

التروتسكيون ينتقدون بشدة سياسات خروتشوف، فهم يرون أن "اجتثاث الستالينية" الذي قام به كان سطحيًا ولم يعالج الأسباب الجذرية للبيروقراطية. كما ينتقدون إصلاحاته الاقتصادية التي أدت إلى تفكيك التخطيط المركزي وإدخال عناصر سوقية

عارض الماويون خروتشوف لأنه كان يمثل "التحريفية الحديثة" والعودة التدريجية إلى الرأسمالية داخل الاتحاد السوفيتي، وهو ما تسبب في الانشقاق الصيني-السوفيتي.

لنتخيل كيف كان ستالين والتروتسكيون سيتعاملون مع سياسة "التعايش السلمي" التي اتبعها خروتشوف.
كان ستالين يؤمن بأن الصراع مع الغرب أمر حتمي. كانت سياسة "التعايش السلمي" بالنسبة له مجرد "هدنة مؤقتة"
لإعادة بناء القوة السوفيتية. لذلك، كان من المرجح أن يعتبر سياسة خروتشوف تنازلًا ضعيفًا أمام الرأسمالية.

التروتسكيون، كانت لديهم نظرة مختلفة تمامًا. لم يؤمنوا ب" الاشتراكية في بلد واحد"، بل كانوا يؤمنون بـ"الثورة
الدائمة" العالمية. بالنسبة لهم، كان التعايش السلمي مستحيلًا على المدى الطويل، وكانوا سيعتبرونه خيانة للطبقة العاملة العالمية ويدعون لتكثيف الصراع الأيديولوجي.

أزمة الصواريخ الكوبية: ستالين مقابل التروتسكيين

لو كان ستالين في السلطة، لربما اتبع نهجًا أكثر تصعيدًا وخشونة، مستخدمًا الصواريخ كأداة ضغط قصوى. ورغم أنه كان براغماتيًا لتجنب حرب نووية، إلا أن تراجعه كان سيكون أكثر سرية وحذرًا، للحفاظ على هيبة الاتحاد السوفيتي.

التروتسكيون، كان موقفهم سيكون معارضًا لأي تسوية. كانوا سيدعون إلى تسليح الشعب الكوبي بشكل كامل، ويعتبرون قرار خروتشوف بسحب الصواريخ خيانة للقضية الكوبية وللنضال ضد الإمبريالية.

السياسة تجاه شيوعيي العالم الثالث: ستالين مقابل التروتسكيين

كان ستالين والستالينيون يرون الحركات الشيوعية في العالم الثالث كأدوات لخدمة المصالح الجيوسياسية للاتحاد السوفيتي. كان يقدم الدعم فقط عندما يخدم ذلك مصالح موسكو، وكان من الممكن أن يتخلى عن بعض الأحزاب الشيوعية إذا كان ذلك ضروريًا للاتفاق مع الغرب.

كانت نظرة التروتسكيين مختلفة جذريًا. كانوا يرفضون الاشتراكية في بلد واحد" ويدعون إلى دعم الثورات حول العالم دون قيد أو شرط، حتى لو كان ذلك يتعارض مع مصالح موسكو البيروقراطية. كانوا سيشجعون الثورات العمالية المستقلة، بدلًا من الاعتماد على الدعم العسكري أو المالي من الاتحاد السوفيتي.

مالمو2025-08-09