تحولات النظام العالمي ومستقبل الغرب


حميد كوره جي
الحوار المتمدن - العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 22:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

شهد العالم منذ عام 1917 تحولًا كبيرًا مع صعود الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى. بعد هزيمة القوى الإمبريالية التقليدية مثل ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية، تغيرت الخارطة السياسية، وأصبح النظام العالمي يميل إلى توازن بين القوى الكبرى.
بعد عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفيتي، أصبحت الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة، واستغلت هيمنتها لشن حروب أدت إلى تعزيز نفوذها في مناطق حيوية حول العالم.

يُعد صعود الجنوب العالمي تحولًا جوهريًا في النظام الدولي. ظهر هذا التحول بوضوح مع تنامي دور دول مثل الصين ودول أخرى في الجنوب العالمي، مما خلق توازنًا ثابتًا لأول مرة في التاريخ بين قوى الاستعمار السابقة والدول الناشئة.
اقتصاديًا نجحت هذه الدول في تقليل اعتمادها على الغرب. وسياسيًا تبنت سياسات مستقلة تخدم مصالحها الوطنية.
وعسكريًا عززت قدراتها الدفاعية لضمان سيادتها.
يتزامن هذا الصعود مع ما يسميه البعض "صحوة مخططة"، ويكشف عن تناقض بين الخطاب الغربي حول النظام العالمي، والواقع الجيوسياسي الذي يعكس صراعًا تاريخيًا بين الهيمنة الإمبريالية ومحاولات تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. ورغم أن مواقف ترامب ساهمت في تسريع تقارب دول مثل الهند وإندونيسيا مع الصين، فإن هذا التحول في ميزان القوى أكبر من أن يقتصر على شخصيات معينة أو دولة واحدة.

تنبأ المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في كتابه "دراسة للتاريخ" بصعود الشرق وتراجع الغرب. رأى توينبي أن الحضارات تمر بدورة حياة تشبه الكائنات الحية: النشوء، النمو، التدهور، ثم الانهيار، وأن الحضارة الغربية ليست استثناءً من هذه القاعدة. اعتقد أن الهيمنة الغربية لن تدوم، وأن الغرب قد وصل إلى مرحلة "الشيخوخة" بينما الشرق على أعتاب ولادة جديدة. عزا توينبي تدهور الغرب إلى عوامل داخلية مثل القومية المتطرفة، والحروب المدمرة، والمادية التي أدت إلى فقدان البعد الروحي.

يُعد تآكل الديمقراطية في الغرب مؤشرًا على ضعف بنيته. ساهم صعود الحركات الشعبوية في تقويض المؤسسات الديمقراطية التقليدية، واستغلت هذه الحركات الإحباط الاقتصادي والاجتماعي لتغذية الانقسامات. كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار المعلومات المضللة وتكوين "فقاعات" الرأي، مما أثر سلبًا على قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات سياسية واعية.
لم تعد الاقتصادات الغربية تحتفظ بالهيمنة الكاملة التي عرفتها في الماضي، حيث أدى صعود دول مثل الصين إلى زيادة المنافسة العالمية. كما أن الرأسمالية الحديثة، التي تركز على الربح المادي، أصبحت تتجاهل الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية. تستخدم الشركات جماعات الضغط والتمويل السياسي للتأثير على القوانين بما يخدم مصالحها. وتتسبب في تفاوت هائل في توزيع الثروة، حيث تتركز الأموال في أيدي أقلية محدودة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
كما تنتقل الشركات إلى المراكز الجديدة دون اهتمام بالوطنية أو القومية، مما يعزز فكرة أن الغرب ليس مجرد كيان جغرافي، بل نظام يُدار وفقًا للمصالح الرأسمالية.
هذه العوامل تشير إلى أن العودة إلى "العهد الذهبي" ليست مجرد حنين، بل تحدٍ يتطلب إعادة هيكلة جذرية للمنظومات السياسية والاقتصادية في الغرب.

مالمو
2025-09-10