اعتراف دون إيقاف حرب الإبادة
حميد كوره جي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 02:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بين "قطرة الماء" و"وعد المطر": نقد الاعتراف الرمزي بفلسطين وواقع غزة
في قلب الصحراء القاسية، كان طائر منهك يُصارع الموت بسبب العطش المتفاقم. في لحظة يأس، ظهر له طائر سمكة يحمل تحت منقاره كيساً صغيراً مملوءاً بماء عذب وبارد. توسل إليه الطائر العطشان بقلب منكسر: "يا أخي الكريم، أقصى أمنياتي الآن هي قطرة ماء واحدة من كيسك لإنقاذ روحي".
لكن طائر السمكة، الذي غلبت عليه نرجسية الحلول الكبرى، هزّ رأسه مشفقاً ورفض الحل السهل. بلهجة مبالغ فيها، قال: "كيف أُقدم لك حلاً ضئيلاً كهذا؟ سأفعل ما هو أعظم بكثير! سأذهب إلى الرياح لتستدعي الغيوم من أقاصي الأرض، وسآمرها أن تُغدق مطراً غزيراً يسقي الصحراء بأكملها، لنكون بصدد إنقاذ شامل وعظيم!".
استمع الطائر العطشان بإرهاق، ووجه عينيه الذابلتين نحو كيس الماء القريب، وقال بصوت خافت: "إنني في هذه اللحظة لا أحتاج سوى إلى تلك القطرة الصغيرة التي يحملها كيسك، فهي وحدها من يستطيع إنقاذي قبل فوات الأوان. أما الأمطار التي تعد بها، فلن أكون موجوداً لرؤيتها". ومع ذلك، غادر طائر السمكة لاهثاً وراء خطته الضخمة، تاركاً الطائر المسكين يلفظ أنفاسه الأخيرة.
الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية وتأثيره على الوضع الميداني، خصوصاً في ظل الحرب القائمة في غزة، يثير نقاشاً واسعاً حول أبعاده السياسية والإنسانية. هذا النوع من الاعتراف الذي اتخذ مؤخراً طابعاً رمزياً من عدة دول غربية يفتح المجال لفهم العلاقة بين الدبلوماسية الدولية والواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في الآونة الأخيرة، اتخذت فرنسا خيار الانضمام إلى مجموعة الدول الغربية التي قدمت دعماً دبلوماسياً لدولة فلسطين من خلال الاعتراف بها، مثل بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال وإسبانيا. هذا التحرك جاء في سياق من التقلبات السياسية والدبلوماسية العالمية، مما طرح تساؤلات حول أسبابه وتوقيته. الملاحظ أن بعض التصريحات الفرنسية المرافقة لهذا القرار تحمل إشارات غامضة حول دوافعه، مع توجيه رسائل مبطنة قد تشير إلى محاولة تهدئة مشاعر بعض الفئات المتأثرة بالصراع الفلسطيني، سواء كانت الجالية المسلمة داخل فرنسا أو المواطنين الفرنسيين الذين يظهرون تعاطفاً واضحاً مع القضية الفلسطينية.
بالتدقيق في هذا الجانب، يبدو أن الاعتراف الدولي بفلسطين يحمل وزنًا دبلوماسيًا أكبر من تأثيره المباشر على الأرض. فالأوضاع على الأرض، وخاصة الوضع في غزة، لا تزال تواجه عراقيل وتحديات مستمرة لم تُحل بالاعترافات الرسمية. هذا يدفع للتساؤل حول ما إذا كانت هذه القرارات ستسهم فعلاً في التخفيف من الأزمات الإنسانية أو الضغط على الأطراف المعنية لإيجاد حلول جذرية للصراع المستمر.
على الجانب الآخر، لا تزال هناك مجموعة كبيرة من الدول التي تعارض الاعتراف بدولة فلسطين أو لم تتخذ قرارًا بهذا الشأن حتى الآن. من أبرز هذه الدول الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وبنما والكاميرون. وعلى المستوى الأوروبي، تستمر دول رئيسية مثل ألمانيا وإيطاليا في رفض الاعتراف، مما يجعل ما يقارب نصف الدول الأوروبية خارج دائرة هذا الاعتراف.
تركيز النقاش الدولي حول مسألة "أين يمكن إقامة دولة فلسطين" يُبعد الاهتمام عن الكارثة الإنسانية المستمرة. هناك محاولات إعلامية لتقليل حجم الجريمة المتمثلة في قتل الشعب الفلسطيني في غزة على يد إسرائيل. إذا كان الهدف من هذا الاعتراف الرمزي هو إنهاء المجازر في غزة، فذلك يُعد خطوة إيجابية. أما إذا كان مجرد إجراء شكلي لا يسهم في وقف القتل والمعاناة، فإنه يصبح بلا قيمة ولا يبرر استمرار العنف. إذا كان الهدف من هذا الاعتراف الرمزي هو إنهاء المجازر في غزة، فهو خطوة إيجابية. لكن إذا كان مجرد إجراء شكلي لا يوقف القتل والمعاناة، فإنه يصبح بلا قيمة ويُعتبر "كلاماً فارغاً". أن وقف العنف المتوحش ضد الشعب الفلسطيني في غزة يجب أن يكون الأولوية المطلقة. فالحلول الدبلوماسية والتحركات الرمزية بين القادة، بما في ذلك إقامة دولة دون إنهاء فعلي للمعاناة، هي مجرد "لعبة" بين القوى الكبرى، ترسم سياسات موجهة للجمهور العام دون تقديم "قطرة الماء" المباشرة لإنقاذ المحتاجين.
يجب وقف العنف المتوحش ضد الشعب الفلسطيني في غزة فورًا. أي تحرك رمزي أو إعلان عن إقامة دولة دون أن يؤدي إلى إنهاء المعاناة فعليًا يبقى مجرد كلام فارغ لا جدوى منه. إن المواقف والتصريحات الرسمية بين القادة تُظهر أنها غالبًا لا تُحسن أوضاع الناس العاديين بل تزيدها سوءًا. هذه التحركات الدبلوماسية تبدو كأنها لعبة بين القوى الكبرى تُخفي سياسات موجهة للجمهور العام دون تقديم حلول ملموسة وحقيقية.