مقارنة فاشلة بين ترامب وروزفلت
حميد كوره جي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8449 - 2025 / 8 / 29 - 02:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة المترجم
يعتقد الكاتب، ميلفين إيه. غودمان أن الصحفي ديفيد سانغر ارتكب خطأً فادحاً في مقاله لصحيفة نيويورك تايمز بمقارنة الرئيسين الأمريكيين دونالد ترامب و ثيودور روزفلت. يرى غودمان أن المقارنة غير موفقة وتُظهر جهلاً عميقاً بتاريخ روزفلت وخصال ترامب.
يصفه الكاتب روزفلت بـ "الفارس الشجاع" الذي قاد هجمات على مرتفعات سان خوان خلال الحرب الإسبانية الأمريكية. بينما يصف ترامب بـ "صقر الدواجن" الذي تجنب الخدمة العسكرية في حرب فيتنام بسبب ما يُزعم أنها آلام عظمية، والتي يشكك الكاتب في حقيقتها.
يقول الكاتب إن روزفلت كان مفكراً استراتيجياً ودبلوماسياً بارعاً ولعب دور الوسيط المحايد في إنهاء الحرب الروسية-اليابانية، وحصل على جائزة نوبل للسلام نتيجة لجهوده. ويصف ترامب بأن مفاوضاته مع كيم جونغ أون وبوتين "مثيرة للسخرية، وأحياناً كارثية". يرى غودمان أن ترامب ليس استراتيجياً، ولا يملك فريقاً متخصصاً في السياسة الخارجية، مما يجعل المفاوضات معه محفوفة بالمخاطر.
يرى غودمان أن روزفلت كان يهدف إلى تحقيق توازن القوى العالمي، وكان حذراً في استخدام النفوذ الأمريكي لتحقيق الاستقرار. ويصف ترامب بأنه شخصية "انتقامية" وغير قادرة على التفكير المتزن. ويشير إلى ادعاء ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، وهو ما يراه غير واقعي. كما أن مواقفه -كما يعتقد- المتذبذبة من أوكرانيا وحلف الناتو تثير قلق حلفاء الولايات المتحدة.
يُشير الكاتب إلى أن مفاوضات ترامب مع خصومه لم تُسفر عن أي نتائج إيجابية، بل على العكس زادت كوريا الشمالية من ترسانتها النووية بعد مفاوضات ترامب. كما رد بوتين على محادثات ترامب بـ "أعنف قصف" منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
يختتم المقال بأن المقارنة بين الرجلين غير منطقية وأن ترامب يفتقر إلى المؤهلات الدبلوماسية والفكر الاستراتيجي ليكون وسيطاً ناجحاً. يرى الكاتب أن بقاء ترامب طرفاً في أي مفاوضات يجعل احتمالات نجاحها "ضئيلة للغاية".
--------------------------------------------
ديفيد سانغر من نيويورك تايمز يُجري مقارنة غير موفقة بين ترامب وتيدي روزفلت
بقلم: ملفين إيه. غودمان*
ترجمة: حميد كوره جي
يُعدّ ديفيد سانجر من صحيفة نيويورك تايمز أحد أفضل الصحفيين المختصين بالدبلوماسية في الولايات المتحدة بحسب العديد من الآراء. ومع ذلك، بعد مقال حديث له نُشر في الصحيفة بعنوان "دبلوماسية ترامب الشخصية تؤدي إلى ارتباك استراتيجي"، يبدو أنه حان الوقت للنظر في عمله بصورة أكثر نقدية. في هذا المقال، حاول سانجر مقارنة أسلوب دونالد ترامب الشخصي بأسلوب ثيودور روزفلت، لكنها مقارنة بدت غير معقولة على الإطلاق. سانجر يرى أن هذه المقارنة ذات أهمية وحاسمة لأنها تستند إلى اعتماد كلا الزعيمين على "قوة الإقناع كعنصر مركزي للنجاح في السياسة الخارجية الأمريكية وإنهاء الحروب".
إجراء مقارنة بين ترامب وروزفلت يعتبر أمراً خاطئاً ومُضللاً على أي مستوى. روزفلت يُعد بلا شك واحداً من أكثر الرؤساء إثارة للاهتمام في تاريخ الولايات المتحدة، بينما ترامب يُعتبر الأكثر انتقامية في تاريخ الرئاسة الأمريكية وغير قادر حتى على التفكير المتزن. لعب روزفلت دوراً محورياً كوسيط في معاهدة بورتسموث التي أنهت رسمياً الحرب الروسية-اليابانية عام 1905. تولى مبادرة بدء محادثات السلام رغم التردد الأولي من الجانبين الروسي والياباني. بإدارة ماهرة للمفاوضات، نجح في تحقيق إنهاء النزاع وحصل لاحقًا على جائزة نوبل للسلام عام 2006. كان روزفلت مفكراً استراتيجياً يدرك أهمية توازن القوى لمصالح الولايات المتحدة في شرق آسيا، ولذلك بادر بتقديم "مكتبه الحسن" لتيسير حل النزاع. حافظ على موقف حيادي طوال العملية، وهو ما كان أساسياً لكسب ثقة كل من موسكو وطوكيو.
روزفلت يُعرف بلقب "الفارس الشجاع"، بطل الحرب الأمريكية الإسبانية، حيث قاد سلسلة من الهجمات على تل كيتل باتجاه مرتفعات سان خوان وهو يمتطي حصانه المسمى تكساس، بينما تبعه مقاتلوه مشاة على الأرض. أما ترامب، فهو مثال واضح لما يُعرف بـ "صقور الدواجن"، حيث ادعى إصابته بآلام في العظام لتجنب الخدمة العسكرية خلال حرب فيتنام. في إحدى المقابلات أثناء حملته الأولى، عجز عن تذكر أي قدم كانت المتأثرة، مما أثار تكهنات إضافية بأن تلك الآلام لم تكن موجودة من الأساس. علاوة على ذلك، حقيقة أنه أملى الرسالة على الطبيب الذي قام لاحقًا بتنظيم الإعفاء زادت من الرأي السائد بأن ترامب كان يكذب مرة أخرى.
كان اهتمام روزفلت بالشؤون الخارجية لا يقل حدة عن شغفه بالإصلاحات الداخلية. فقد كان واعيًا بتنامي مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية، كما كان قلقًا من أن تستمر النزاعات في شرق آسيا مما يؤثر على توازن القوى. أعلن روزفلت نفسه كـ"صانع للسلام" واستغل طاقته الكبيرة وحكمته للتوسط في عقد مؤتمر والتوصل إلى اتفاقية. لم تكن هذه المهمة سهلة على الإطلاق. أما بالنسبة لترامب، فقد استغل حملته الانتخابية الثانية للتصريح بأنه قادر على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة. وما زالت وسائل الإعلام التقليدية تتناول هذا الادعاء وكأنه معقول أو حتى قابل للتصديق.
المفاوضات المباشرة التي أجراها ترامب مع كيم جونغ أون في ولايته الأولى ومع بوتين في الثانية كانت مثيرة للسخرية، وأحيانًا كارثية. فقد سعى ترامب إلى نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، إلا أن كيم قابل ذلك بالتوسع الكبير في ترسانته النووية. وبالمثل، حين كان ترامب يبحث عن وقف إطلاق النار مع روسيا، رد بوتين بأعنف قصف منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022. وفي حين كان روزفلت يمارس دور الوسيط المحايد بين روسيا واليابان، يتأرجح ترامب بين اتهام أوكرانيا بإشعال الحرب وبين التشديد على أهمية أن تبقى أوكرانيا دولة حرة ومستقلة. تسببت هذه المواقف المتذبذبة في وضع دول الناتو وأوكرانيا في حالة ترقب خطيرة عندما التقى ترامب وبوتين في أنكوراج بولاية ألاسكا.
ترامب يختلف تمامًا عن روزفلت في كل الجوانب. فهو ليس استراتيجيًا، ويجهل كيفية وضع عملية منظمة للتفاوض، كما أنه بعيد عن أن يكون دبلوماسيًا، ويعاني من غياب فريق متخصص في الأمن القومي والسياسة الخارجية. عدم ملاءمة وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يتولى أيضًا منصب مستشار الأمن القومي، ترك مجال التفاوض بيد رجل أعمال ملياردير من فلوريدا يدعى ستيف ويتكوف، الذي كثيرًا ما يتم تصحيح أخطائه في الحقائق من قبل فريق عمله.
تتمتع المفاوضات بفرصة للنجاح عندما يجتمع على الطاولة قادة أكفاء، وميسر غير منحاز، وأهداف معقولة ومشتركة فيما يتعلق بالنتيجة النهائية. ومع ذلك، طالما أن ترامب يظل طرفًا رئيسيًا في هذه المفاوضات، فإن احتمالات النجاح تظل ضئيلة للغاية. يُعتبر ترامب شريكًا خطيرًا للغاية بالنسبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وفي الوقت نفسه نظيرًا ساذجًا أمام بوتين. توقّع ترامب أن يتفق بوتين على وقف إطلاق النار دون الحصول على أي مقابل كان أمرًا مستغربًا للغاية، كما اقتراحه بشأن تقديم ضمان دفاع متبادل مستند إلى المادة الخامسة من ميثاق الناتو دون وجود دور فعّال للولايات المتحدة كان فكرة مرفوضة من الأصل.
نتيجة لذلك، حقق بوتين انتصارًا دبلوماسيًا من خلال قمة مع الولايات المتحدة على الأراضي الأمريكية، في حين لم يحصل ترامب على أي مكاسب. في الوقت نفسه، يبذل عدد من رؤساء الدول الأوروبية جهودًا للضغط على ترامب ومحاسبته، لكن الآفاق المتعلقة بأمن أوكرانيا وأوروبا لا تزال غير واضحة.
مقارنة مستحيلة ومستقبل مقلق
محاولة سانجر ربط ترامب بروزفلت ليست فقط غير دقيقة تاريخياً، بل هي إساءة لفهم روزفلت وإضفاء شرعية زائفة على ترامب. روزفلت كان صانع سلام حقيقياً بفضل شجاعته وحكمته واستراتيجيته الواضحة. ترامب، بطبعه الانتقامي وافتقاده للتوازن الفكري وغياب رؤيته الاستراتيجية، أثبت أنه شريك خطير (لزيلينسكي) وخصم ساذج (أمام بوتين).
عندما تجتمع على طاولة المفاوضات أهداف واضحة، ووسيط نزيه، وقادة أكفاء، تزداد فرص النجاح. لكن ما دام ترامب طرفاً رئيسياً في أي مفاوضات، فإن احتمالات نجاحها تظل معدومة تقريباً. مستقبل الأمن الأوروبي والأوكراني يبدو قاتماً تحت ظل عودته المحتملة، خاصة وأنه لم يتعلم من إخفاقاته السابقة، بل يواصل تقديم وعود مستحيلة وعروض خطيرة على حساب الاستقرار الدولي.
---------------------------------------------------------------------------
*ميلفين إيه. غودمان زميل بارز في مركز السياسة الدولية وأستاذ للحكومة في جامعة جونز هوبكنز. غودمان، الذي عمل سابقًا كمحلل في وكالة الاستخبارات المركزية، هو مؤلف كتاب "فشل الاستخبارات: انهيار وسقوط وكالة المخابرات المركزية" و"الأمن الوطني: تكلفة العسكرة الأمريكية"، بالإضافة إلى كتابه "مسرب في وكالة الاستخبارات المركزية". أحدث أعماله تشمل كتاب "المذبحة الأمريكية: حروب دونالد ترامب" (دار نشر أوبيوس، 2019) وكتاب "احتواء الدولة الأمنية الوطنية" (دار نشر أوبيوس، 2021). غودمان يكتب في مجال الأمن الوطني لموقع counterpunch.org.