العقوبات الاقتصادية والجوع أشد فتكا من الحروب
رشيد غويلب
الحوار المتمدن
-
العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 18:15
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
لذاكرة البشرية ترى في الحروب واحدة من أكثر صور البشاعة في حياة المجتمعات، وفي ظل هذه الحروب تنزوي الآثار المدمرة للعقوبات الاقتصادية القسرية، وحالات الجوع التي تعاني منها بلدان عديدة نتيجة لاستغلال شمال العالم لجنوبه، وتزايد الظلم الاجتماعي داخل هذه البلدان.
في هذه المساهمة سنشير إلى دراسة حديثة بشأن عواقب العقوبات الاقتصادية، وكذلك معطيات منظمة " المساعدة على مكافحة الجوع" غير الحكومية العالمية.
العقوبات الاقتصادية
نشرت مجلة "ذا لانسيت" الطبية، التي تعد واحدة من أشهر المجلات المختصة في العالم، في 23 تموز 2025 دراسة أكدت فيها، ان العقوبات الاقتصادية قاتلة. فهي تُسبب وفيات تفوق الحروب بخمسة أضعاف،. واستنتجت الدراسة أنه خلال سنوات 1971 -2021، لقي ما يُقدر بـ 564 ألف انسان حتفهم سنويًا نتيجة العقوبات الاقتصادية، مقارنةً بمتوسط 106 آلاف حالة وفاة نتيجة العمليات القتالية في الحروب.
وفقًا لأستاذ الاقتصاد فرانسيسكو رودريغيز، أحد واضعي الدراسة، في مقابلة مع مركز البحوث الاقتصادية والسياسية (CEPR) عادةً ما تفرض الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي عقوبات أحادية الجانب على دول الجنوب العالمي، وفقًا لمبادئهما الليبرالية، بهدف تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام. في الواقع، عادةً ما تهدف هذه العقوبات إلى الإطاحة بحكومات غير مرغوب فيها. والنتيجة هي "انهيار اقتصادات الدول المستهدفة" والعقاب الجماعي لشعوبها. وذاكرة العراقيين ما تزال تخزن مآسي الحصار الاقتصادي الجائر، الذي فرضته الولايات المتحدة على شعبنا في سنوات 1991 – 2003.
وبينت دراسة أن معدلات الوفيات وفق الفئات العمرية في 152 دولة، بالإضافة إلى زيادة سنوية في معدل الوفيات بأكثر من نصف مليون ضحية، وأظهر الباحثون أيضًا ارتفاعًا في وفيات الرضع والأمهات. ويرون أن للعقوبات الاقتصادية آثارًا سلبية كبيرة على الرعاية الصحية وإمكانية الحصول على الأدوية والغذاء، وبشكل خاص بالنسبة للفئات الضعيفة. اشارت الدراسة، إن 51 في المائة من الوفيات كانت دون سن الخامسة.
بواسطة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، وحصته الكبيرة في التجارة العالمية، وتأثيره على الجهات المانحة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تتمتع الدول الصناعية الغربية بنفوذ كبير، تستخدمه ضد الدول التابعة والفقيرة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك كوبا، التي تعاني من حصار اقتصادي جائر منذ عام ١٩٦٢. وعادة تُقدم العقوبات على أنها "وسيلة سياسية أقل فتكًا، وأكثر سلمية من القوة العسكرية"، كما يرى مارك وايزبروت، أحد واضعي الدراسة. في حين تُظهر الدراسة أن العكس هو الصحيح. ومع ذلك، تُستخدم الأحصرة بوتيرة متزايدة. لقد أثرت في عام 1960 على ٨ في المائة من دول العالم، وارتفعت النسبة إلى ٢٥ في المائة خلال سنوات ٢٠١٠ -٢٠٢٢.
تفاقم الجوع
أعلنت منظمة" المساعدة على مكافحة الجوع"، في 24 تموز 2025، أن قرابة عُشر سكان العالم يعانون من الجوع، جاء ذلك خلال تقديم المنظمة تقريرها السنوي في العاصمة الألمانية برلين. بلغ عدد الذين يعانون الجوع في العام الفائت 733 مليونًا، بزيادة قدرها 152 مليون، مقارنة بعام 2019. ويشير التقرير، "لو كانت هناك إرادة سياسية" و" تمويل كاف"، لكان من الممكن التغلب على الجوع بسرعة. لكن الواقع يتحدث لغة أخرى: فبينما أدت الكوارث المناخية والحروب إلى تفاقم انعدام المساواة والجوع عالميًا، فإن "أكبر الجهات المانحة"، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، "خفّضت ميزانياتها المخصصة للتعاون الإنمائي بشكل كبير".
يذكر التقرير أن "أكبر أزمة جوع في العالم" تتصاعد حاليًا في السودان. فبسبب الحرب الأهلية المستعرة، يعتمد 25 مليون شخص هناك على المساعدات الإنسانية. وقد تمكنت المنظمة من دعم 300 ألف منهم. ومع ذلك، فإن "أسوأ أزمة إنسانية في عصرنا" ناجمة عن أعمال الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة. وبحلول نهاية عام 2024، كان 90 في المائة من السكان قد نزحوا. والكثيرون منهم "على شفا المجاعة". وأفاد موظفو المنظمة المحليون ان هذه "الظروف المروعة" أسوأ من "أي منطقة أزمات أخرى". فالجوع هناك ليس نتيجة، بل سلاح تستخدمه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
عادة يؤثر الجوع على النساء والفتيات بشكل أشد، تمامًا مثل الفقر أو الحرمان من الحقوق. علّق الرئيس التنفيذي للمنظمة ماتياس موغ خلال عرض التقرير قائلاً: "المساواة بين الجنسين ركيزة أساسية للقضاء على الجوع بشكل مستدام". وعند تعزيز الصحة والتعليم والتنمية الريفية، يجب على الحكومات "القضاء على أوجه عدم المساواة القائمة ومنح المرأة فرصًا أفضل للوصول إلى الموارد والمشاركة في صنع القرار".
لقد دمّر الاستغلال الرأسمالي بقاعًا كثيرة من العالم لدرجة أن الناس بالكاد يستطيعون العيش هناك، ناهيك عن الازدهار. لذلك، ووفقًا للتقرير، فإن "الالتزام بمكافحة الجوع مرتبط بحماية فضاءات الحياة". وخطط طموحة، على سبيل المثال، يجب "إعادة هيكلة جذرية" لقطاعات التغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة والصحة والمساعدات الإنسانية لضمان قدرتها على الصمود، ويجب "توسيع الشراكات مع المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال والمؤسسات الحكومية".