لماذا تروج الوحدة 8200 أن روسيا غدرت بإيران وسورية ؟


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 15:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في قلب العاصفة العالمية، حيث تندلع حروب الطغمة المالية الأمريكية ، تقف روسيا كقوة جبارة، تحمل على عاتقها حربًا نيابية عن البشرية جمعاء ضد أغنى وأكثر دول العالم فاشية، تلك الدول التي يقودها حلف الناتو، بمساندة تركيا ومحميات الخليج الصهيو-أمريكية. هذه الأخيرة، التي تحقن مجمعات السلاح الأمريكية بستة تريليونات دولار، تسعى ليس فقط لمواجهة روسيا، بل لاستعباد شعوب العالم عبر حروب الإبادة والتجسس والغدر. في هذا السياق، يظهر صوت نرجسي عربي، يتهم روسيا بالخيانة لإيران أو سوريا، متجاهلاً أن التكنولوجيا الروسية هي التي مكنت إيران من تدمير ثلث تل أبيب بضربات صاروخية دقيقة، وهي التي قضت على عشرات الآلاف من الإرهابيين في سوريا، وسحقت ادوات العدو الصهيوني في معارك لا تُنسى على امتداد الأرض السورية حتى أواخر عام 2024. لكن هذا الصوت النرجسي، الذي يعتقد أنه مركز الكون، يتجاهل الحقيقة: روسيا تخوض حربًا عالمية ليس من أجل مصالحها فحسب، بل من أجل كرامة الشعوب التي ترفض الخضوع للإمبريالية.

هذه الحرب، التي تُدار بخبث الدول الاستعمارية ونذالتها، ليست مجرد صراع عسكري. إنها معركة وجودية ضد نظام عالمي يسعى لتقسيم العالم إلى أسياد وعبيد. الناتو، الذي تحول من تحالف دفاعي إلى أداة للحرب الدائمة، يقود هذه الهجمة بدعم من تركيا ومحميات الخليج، التي تمول حروب الإبادة بمليارات النفط. لكن روسيا، التي غيرت مصير البشرية بانتصارها في الحرب العالمية الثانية، تقف اليوم كحصن ضد هذا المد الفاشي. في تلك الحرب، قدم الشعب السوفييتي سبعة وعشرين مليون شهيد لسحق النازية، ومهد الطريق لتحرر شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بدءًا بانقلاب عبد الناصر على النظام العميل للإنجليز في مصر. واليوم، تواصل روسيا هذا الإرث، ليس فقط عبر قوتها العسكرية، بل عبر تنسيق استراتيجي مع الصين وإيران، لتشكيل محور مقاومة عالمي يتحدى الهيمنة الغربية.

في سوريا، كانت روسيا العمود الفقري للدفاع عن السيادة الوطنية. طائراتها، التي قضت على أكثر من سبعين ألف إرهابي، أنقذت البلاد من السقوط في يد عصابات داعش والنصرة، التي تمولها محميات الخليج وتدعمها الولايات المتحدة حتى أواخر عام 2024. التكنولوجيا الروسية، التي زودت إيران بصواريخ دقيقة، مكنت طهران من توجيه ضربة موجعة للكيان الصهيوني، حيث دمر ثلث تل أبيب في لحظات، مما كشف عن هشاشة هذا الكيان المدعوم أمريكيًا. لو استخدمت إيران ألف صاروخ، لكان تدمير منطقة غوش دان قد استغرق سبع ساعات فقط. هذه الضربات ليست مجرد انتصارات عسكرية، بل هي رسائل إلى العالم بأن المقاومة قادرة على تغيير موازين القوى.

في لبنان، يواصل حزب الله، بدعم من روسيا وإيران، صموده في وجه العدو الصهيوني. بفضل الحاضنة الشعبية في الجنوب، لم يسمح الحزب لإرهابي صهيوني واحد بأن يطأ أرض لبنان. لكن الغدر الداخلي، الذي مثله أشخاص مثل نواف سلام، سمح للمحتلين بتدمير بعض القرى عبر اتفاقيات مشبوهة. رغم ذلك، يعيد الحزب بناء نفسه، يعد العدة لحروب استنزاف ستلقن العدو درسًا لا يُنسى. في غزة، تستمر المقاومة الفلسطينية، بعد ثمانية عشر شهرًا من الحرب، في منع الاحتلال الصهيوني من السيطرة على القطاع. هذه المقاومة، التي تستخدم فتات الأسلحة مقارنة بترسانة الناتو، هي شهادة على إرادة شعب لا يركع.

لكن ماذا عن الجيش السوري؟ كان بإمكانه، بفضل الأسلحة الروسية، أن يدمر نصف تل أبيب بسهولة، لو لم يتفكك بسبب عوامل داخلية. على عكس الجيش العراقي في عهد صدام حسين، الذي انهار تحت ضغط الخيانة والتكالب الدولي، كان الجيش السوري قادرًا على فعل المزيد، لولا التآمر الداخلي والخارجي. عصابات مثل تلك التي يقودها الجولاني، الذي لا يختلف عن عملاء الصهاينة، تحتفل بطائرات مسيرة بسيطة بينما تهبط مروحيات العدو الصهيوني في درعا وريف دمشق لتدمير ما تبقى من أسلحة الجيش السوري. هذه العصابات، التي تمولها محميات الخليج وتدعمها وحدة 8200 الإسرائيلية، تسعى لزرع الفتنة بين روسيا، إيران، وسوريا، لكن هذا المخطط محكوم بالفشل. المحور الصيني-الروسي-الإيراني ينسق بشكل وثيق، مدركًا أن خطر الناتو ليس فقط تهديدًا لهم، بل للبشرية جمعاء.

الناتو، الذي توسع من 12 إلى 32 دولة، لم يجلب السلام، بل أشعل الحروب. وعده بضم أوكرانيا دفع روسيا إلى الحرب، وبدلاً من الحوار، ضاعف الناتو تسليحه، مما أطال أمد الصراع. في غزة، يدعم أعضاء الناتو الكيان الصهيوني في إبادته الجماعية، دون أي جهد جاد للسلام. هذا الحلف، الذي يُروج لنفسه كمدافع عن الأمن، أصبح عائقًا أمام السلام العالمي. محميات الخليج، التي أنفقت ستة تريليونات دولار لدعم مجمعات السلاح الأمريكية، تشارك في هذه الجرائم، سواء في سوريا أو اليمن أو فلسطين. تركيا، بقيادة أردوغان، تلعب دورًا مزدوجًا، تدعم الإرهاب في سوريا بينما تتظاهر بالدفاع عن القضايا الإسلامية.

في مواجهة هذا الخبث الاستعماري، تقف روسيا كقوة تغير المعادلات الكونية. انتصارها في الحرب العالمية الثانية لم يكن مجرد نصر عسكري، بل كان نقطة تحول ألهمت شعوب العالم للانتفاض ضد الأنظمة الرجعية. اليوم، تحمل روسيا هذا الإرث، لكنها لا تقاتل وحدها. الصين، التي أصبحت معمل العالم ومركز التفوق التكنولوجي، تقدم نموذجًا بديلًا يعتمد على التعاون والتنمية. إيران، التي كسرت هيبة الكيان الصهيوني، أثبتت أن المقاومة يمكن أن تغير قواعد اللعبة. اليمن، الذي هزم الأساطيل الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، أظهر أن الإرادة الشعبية لا تُقهر.

لكن التحدي الأكبر يبقى داخليًا. لا أحد يمنع المقاومة من تصفية الخونة، سواء كانوا من عصابات الجولاني أو غيرهم. الشعوب هي التي تحرر أوطانها، وليست روسيا أو إيران أو الصين. هذه الدول تقدم الدعم، لكن المهمة الأساسية تقع على عاتق الشعوب نفسها. النرجسيون، الذين يتهمون روسيا بالغدر، يتجاهلون أن المعركة الحقيقية هي ضد نظام عالمي يسعى لاستعباد البشرية. عندما تنجح روسيا في قلب المعادلات الدولية، سينهار الكيان الصهيوني وأردوغان ومحميات الخليج. لكن هذا لن يحدث إلا بمقاومة الشعوب، التي أثبتت في فلسطين ولبنان واليمن أنها قادرة على صنع المعجزات.

هذا المحور الصيني-الروسي-الإيراني ليس مجرد تحالف عسكري، بل هو مشروع تحرري عالمي. محاولات زرع الفتنة بين أطرافه، سواء عبر عصابات الإخوان المسلمين أو داعش أو مرتزقة الخليج، ستفشل لأن هذه الدول تدرك حجم التحدي. التنسيق بينها ليس مجرد تعاون تكتيكي، بل استراتيجية وجودية لمواجهة خطر الناتو، الذي يهدد ليس فقط هذه الدول، بل مستقبل البشرية. في النهاية، فإن النصر لن يتحقق إلا بصمود الشعوب، التي أثبتت أنها قادرة على تحدي أقوى الإمبراطوريات وصنع عالم يسوده العدل والكرامة.