اليمن،وحيدا، خارج مسارات الاسلام الصهيوني العربي


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 22:41
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني     

في أواخر القرن العشرين كما اليوم ، عندما تتجول في شوارع القاهرة، حيث المدينة لا تزال تحتفظ ببقايا من رونقها الثقافي، رغم أن رياح التبعية للغرب كانت قد بدأت تعصف بأحيائها. كان الحديث عن المعجزات العلمية في القرآن والسنة وبول البعير ومازال يتردد في الأوساط الشعبية، يروج له أشخاص مثل زغلول النجار، واشباهه كالقره داغي والريسوني والعريفي والقرني، الذي قدم نفسه كعالم ومفكر، لكنه في الحقيقة لم يكن سوى أداة في يد الإمبريالية الأمريكية. هذه الدعايات، التي تُروج تحت شعارات دينية، لم تكن سوى جزء من مشروع أكبر لتدمير العقل العربي، لإلهاء الشعوب عن قضاياها الحقيقية، ولمنعها من بناء وعي سياسي واجتماعي يقود إلى التحرر. في الوقت الذي كانت فيه هذه الدعايات تُبث، كانت غزة تقاوم ببسالة، تدافع ليس فقط عن أرضها، بل عن كرامة الأمة العربية بأسرها، وعن الأحرار في العالم. لكن الأمة، التي أُلهيت بهذه الروايات المزيفة، ظلت صامتة إزاء الإبادة الصهيونية التي تُمارس بحق المقاومة في غزة، باستثناء شعب واحد، شعب اليمن، الذي نهض بملايينه ليمنح قيادته العبقرية تفويضًا شعبيًا للدفاع عن غزة بكل ما أوتي من قوة.

زغلول النجار، الذي ألف كتبًا تحمل عناوين براقة عن المعجزات العلمية في القرآن والسنة، لم يكن سوى واجهة لمشروع أمريكي صهيوني أُعدت خطوطه العريضة في مكاتب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. هذه الكتب، التي تُروج لفكرة أن النصوص الدينية تحمل إجابات علمية لكل شيء، حتى بول البعير، لم تكن سوى أداة لتدمير العقل العربي. كانت تهدف إلى إبقاء الشعوب غارقة في جدل عقيم، بعيدًا عن مواجهة التحديات الحقيقية: الاحتلال، الإمبريالية، والتبعية. هذه الدعايات لم تكن حكرًا على النجار وحده، بل كانت جزءًا من استراتيجية أوسع، تبنتها أنظمة مثل نظام كامب ديفيد في مصر ومحميات الخليج الصهيو-أمريكية، التي أنفقت مليارات الدولارات لتمويل هذه الأفكار المدمرة. في الوقت الذي كان فيه النجار يُكرم بجوائز مثل جائزة الملك فيصل، التي أُطلق عليها اسم "خدمة الإسلام"، كان في الحقيقة يخدم إسلامًا صهيونيًا مصنوعًا في تل ابيب لتفتيت المجتمعات العربية ومنعها من النهوض.

في لبنان و اليوم مازالت مستمرة بغزة، كانت المقاومة تخوض معركة وجودية ضد الاحتلال الصهيوني، الذي يتلقى دعمًا غير محدود من الولايات المتحدة وأوروبا. هذه المقاومة، التي أذهلت العالم بصمودها في وجه آلة الحرب الصهيونية، لم تكن تدافع فقط عن فلسطين، بل عن كل عربي وعن كل حر في العالم. لكن الأمة، التي أُلهيت بالدعايات المغلفة بالدين، لم تتحرك. كانت غارقة في جدل حول معجزات مزعومة، بينما كانت دماء أهل غزة تُراق في شوارع القطاع. في هذا السياق، برز شعب اليمن كاستثناء ملهم. هذا الشعب، الذي خرج بالملايين في مظاهرات تضامنية مع غزة، منح قيادته، التي أثبتت عبقريتها ووطنيتها، تفويضًا شعبيًا للدفاع عن المقاومة بكل الوسائل المتاحة. اليمن، الذي واجه العدوان الصهيو-أمريكي بقيادة محمد بن سلمان، أظهر أن التضحيات، مهما كانت ثقيلة، هي أقل بكثير من الاستسلام لقوادي الاستعمار، مثل أردوغان، تميم، محمد بن سلمان، ومحمد بن نهيان، وكل من يدور في فلكهم من الخونة.

محمد بن سلمان، الذي اعترف علنًا بأن المملكة السعودية روجت لأفكار دينية متطرفة بأوامر من وكالة الاستخبارات الأمريكية، كان جزءًا من هذا المشروع. هذه الأفكار، التي تضمنت الترويج لمعجزات مزعومة في القرآن والسنة، لم تكن سوى أداة لمنع العرب من التقدم الاجتماعي والسياسي. الهدف كان واضحًا: إبقاء الأمة في حالة تخلف فكري، بعيدًا عن بناء أحزاب شيوعية أو تقدمية قادرة على قيادة نهضة تنموية، كما فعلت الصين مع شعبها. الصين، التي رفضت التطبيع مع الإمبريالية الغربية لعقود، استطاعت أن تبني اقتصادًا قويًا ومجتمعًا متماسكًا، بينما كانت الأمة العربية تغرق في مستنقع الدعايات المغلفة بالدين، التي مولتها محميات الخليج بمليارات الدولارات.

في سوريا، كانت هذه الدعايات جزءًا من مشروع أكبر لتدمير البلاد. محميات الخليج، بقيادة السعودية والإمارات وقطر، أنفقت أكثر من تريليوني دولار لتمويل جماعات إرهابية مثل جبهة النصرة، التي يقودها الجولاني، الذي لا يختلف في جوهره عن العملاء الصهاينة. هذه الجماعات، التي تُروج لنفس الروايات الدينية المزيفة، دمرت رموز الهوية الوطنية السورية، من نصب الشهداء في حلب إلى تمثال أبو العلاء المعري في معرة النعمان. الهدف لم يكن فقط تدمير البنية التحتية، بل محو الذاكرة الجماعية للشعب السوري، لضمان بقائه في حالة من التشرذم والتبعية.

في اليمن، كان المشهد مختلفًا. هذا الشعب، الذي واجه العدوان الصهيو-أمريكي بقيادة محمد بن سلمان، أثبت أنه المعجزة الحقيقية للقرن الحادي والعشرين. ملايين اليمنيين خرجوا إلى الشوارع، ليس فقط للتضامن مع غزة، بل ليؤكدوا أن المقاومة هي السبيل الوحيد لمواجهة الإمبريالية وأدواتها. قيادة اليمن، التي أظهرت عبقرية استراتيجية ووطنية، استطاعت أن تحول هذا التفويض الشعبي إلى عمل عسكري وسياسي، حيث استهدفت مصالح الاحتلال الصهيوني وداعميه في البحر الأحمر وخارجه. هذه المقاومة لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت تعبيرًا عن إرادة شعب يرفض الخضوع لقوادي الاستعمار.

في المقابل، كانت محميات الخليج، بقيادة السعودية والإمارات، تمول العدوان على إيران بستة تريليونات دولار، كما دعمت تدمير سوريا بمليارات أخرى. هذه الأنظمة، التي ارتبطت بالإمبريالية الأمريكية والصهيونية، لم تكتفِ بدعم الجماعات الإرهابية، بل مولت أيضًا اغتيال قادة المقاومة مثل حسن نصرالله. لكن هذه الأفعال لم تكسر إرادة الشعوب. إيران، التي واجهت عقودًا من العقوبات والعدوان، أثبتت أنها قوة لا تُقهر، قادرة على توجيه ضربات قاتلة للاحتلال الصهيوني وداعميه. ضرباتها على القواعد الأمريكية في العراق عام 2020، وعلى أهداف صهيونية عام 2024، وتدمير ثلث تل أبيب خلال عدة أيام في عام 2025 و لو استخدمت إيران الف صاروخ لدمرت منطقة غوش دان، وسوت بها الأرض، بسبع ساعات فقط ،أظهرت أنها ليست مجرد قوة إقليمية، بل قوة عالمية قادرة على تغيير موازين القوى.

زغلول النجار، الذي استفاد من نظام كامب ديفيد ومحميات الخليج، لم يكن سوى مثال صغير لهذا المشروع. في حي المعادي الراقي بالقاهرة، حيث حصل على شقة أو فيلا فاخرة، كان يُكرم بجوائز مثل جائزة الملك فيصل، التي لم تكن سوى غطاء لخدمة الإسلام الصهيوني. هذا الإسلام، الذي يُروج له دعاة مثل النجار والعرعور والقرضاوي والغزالي وابن باز وال الشيخ ، لم يكن سوى أداة لتدمير العقل العربي، لمنع الشعوب من بناء أحزاب شيوعية أو تقدمية قادرة على قيادة نهضة تنموية. هذه الأفكار، التي مولتها السعودية والإمارات وقطروالكويت والبحرين ومن لف لفها ، كانت تهدف إلى إبقاء الأمة في حالة من التخلف الفكري، بعيدًا عن مواجهة التحديات الحقيقية.

لكن شعب اليمن، بملايينه التي خرجت إلى الشوارع، أثبت أن هذه الدعايات لا تستطيع كسر إرادة الشعوب. هذا الشعب، الذي واجه العدوان بصمود أسطوري، منح قيادته تفويضًا للدفاع عن غزة، ليس فقط لأنها قضية فلسطين، بل لأنها قضية كل حر في العالم. اليمن، الذي تحدى قوادي الاستعمار مثل محمد بن سلمان وأردوغان، أظهر أن المقاومة هي السبيل الوحيد للنهوض. في المقابل، فإن الأنظمة العربية الخائنة، التي ارتبطت بالإمبريالية، لم تقدم سوى الخيانة والتبعية. هذه الأنظمة، التي مولت تدمير سوريا وإيران، ودعمت الاحتلال الصهيوني، لن تستطيع كسر إرادة الشعوب.

غزة، التي تقاوم ببسالة، ليست مجرد قطاع صغير، بل هي رمز للكرامة العربية. المقاومة في غزة، التي أذهلت العالم بعمليات مثل طوفان الأقصى عام 2023، أثبتت أن الاحتلال الصهيوني ليس فقط هشًا عسكريًا، بل مهزوزًا سياسيًا ومعنويًا. هذه المقاومة، التي تدافع عن كل عربي وعن كل حر في العالم، هي الرد الحقيقي على دعايات المعجزات المزيفة. في الوقت الذي كانت فيه الأمة غارقة في جدل عقيم، كان شعب اليمن يخرج بالملايين، مؤكدًا أن المقاومة هي السبيل الوحيد لمواجهة الإمبريالية وأدواتها.

في النهاية، فإن النهوض العربي لن يتحقق إلا بتصفية الكيان الصهيوني المارق ومحمياته الخليجية الصهيو-أمريكية. شعب اليمن، الذي أثبت أنه المعجزة الحقيقية للقرن، هو النموذج الذي يجب أن تستلهم منه الأمة. هذا الشعب، الذي منح قيادته تفويضًا للدفاع عن غزة، أظهر أن التضحيات، مهما كانت ثقيلة، هي الطريق الوحيد للكرامة والحرية. أما الأنظمة الخائنة، التي ارتبطت بالإمبريالية، فستظل مجرد أدوات في يد المحتل، عاجزة عن مواجهة إرادة الشعوب. غزة، اليمن، إيران، هي رموز المقاومة التي ستكسر هيبة الاحتلال وداعميه، وستعيد تشكيل المنطقة على أسس العدالة والكرامة.