إيران الصاعدة تنمويا بعد هزيمة العدو الصهيوني والأمريكي الفاشي
احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 14:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدول الصاعدة في مواجهة الإمبريالية: إيران وباكستان نموذجًا للتحدي والصمود
مقدمة: إطار التحليل الجيوسياسي
نقف اليوم بعد هزيمة العدوان على إيران و في زمن هزيمة سبعة اكتوبر الصهيونية امام مصالح القوى الكبرى حيث تتصارع استراتيجيات الهيمنة، يبرز مفهوم "الدول الصاعدة" كمعيار أساسي لفهم ديناميكيات القوة في القرن الحادي والعشرين. المفكر الشيوعي العالمي سمير أمين، الذي كان له رؤية عميقة في تحليل الصراعات الدولية، وضع مقاييس صلبة لتصنيف الدول الصاعدة، ليس فقط من خلال معدلات النمو الاقتصادي أو التقدم التكنولوجي، بل عبر قدرتها على مواجهة القوى الإمبريالية وتحدي هيمنتها. في هذا السياق، تبرز إيران وباكستان كدولتين صاعدتين تنمويًا، لا لأنهما تمتلكان موارد اقتصادية أو عسكرية فحسب، بل لأنهما تقاومان ببسالة محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل لتكبيل سيادتهما ونهب ثرواتهما. في المقابل، تقدم تركيا نموذجًا مغايرًا، حيث تظهر كدولة ذات "تنمية رثة"، تخضع لإغراءات الإمبريالية وتسعى لتحقيق مكاسب هامشية في مناطق مثل حلب والموصل والأجزاء الأذرية من إيران، مما يجعلها عرضة للتقسيم والانهيار بسهولة أمام قرارات المصارف الغربية التي تسيطر عليها شبكات مثل عائلة روتشيلد.
هذا المقال، الممتد على عشرين صفحة، يسعى لتحليل هذا الواقع الجيوسياسي المعقد بأسلوب تحليلي مستوحى من ربط الأحداث الدولية بالسياقات التاريخية والاقتصادية والسياسية، مع التركيز على الصراع بين القوى الصاعدة والنظام العالمي الإمبريالي.
مفهوم الدول الصاعدة في إطار سمير أمين
1.1 معايير سمير أمين للدول الصاعدة
سمير أمين، المفكر المصري ذو التوجه الماركسي، لم ينظر إلى التنمية من منظور الإحصاءات الاقتصادية التقليدية فحسب، بل من خلال قدرة الدول على تحقيق سيادة اقتصادية وسياسية في مواجهة النظام الرأسمالي العالمي. بالنسبة لأمين، الدولة الصاعدة هي تلك التي تمتلك القدرة على تحدي الهيمنة الإمبريالية، سواء من خلال بناء اقتصاد وطني مستقل أو من خلال مقاومة عسكرية وسياسية للقوى التي تسعى لاستغلال مواردها. في هذا السياق، تبرز إيران وباكستان كنموذجين لدول صاعدة، ليس فقط بسبب مواردهما البشرية والطبيعية، بل بسبب موقفهما الباسل في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، اللذين يمثلان رأس الحربة في النظام الإمبريالي.
1.2 إيران وباكستان: مقاومة النهب الإمبريالي
إيران، منذ ثورتها الإسلامية الشيوعية عام 1979، تبنت نهجًا يعتمد على الاستقلال السياسي والاقتصادي، رافضة الخضوع للضغوط الأمريكية والأوروبية. هذا النهج جعلها هدفًا لحصار اقتصادي وعسكري مستمر، لكنها نجحت في تطوير قدراتها الصناعية والعسكرية، بما في ذلك برنامجها النووي الذي أثار قلق الغرب. باكستان، من جانبها، تمتلك قوة نووية وجيشًا قويًا، وقد أظهرت في السنوات الأخيرة مقاومة متزايدة للضغوط الأمريكية، خاصة في سياق الحرب على أفغانستان ودعمها لقضايا إقليمية مثل كشمير.
1.3 تركيا: تنمية رثة وهشاشة سياسية
في المقابل، تقدم تركيا نموذجًا مغايرًا. على الرغم من التقدم الاقتصادي الشكلي الذي حققته في العقود الأخيرة، إلا أن سياساتها الخارجية التوسعية في سوريا والعراق وأذربيجان تكشف عن اعتمادها على دعم الإمبريالية الغربية. تركيا، بقيادة أردوغان، تسعى لتحقيق مكاسب إقليمية من خلال تحالفات هشة مع جماعات مثل "الجولاني" و"الحمزات"، مما يجعلها عرضة للابتزاز من قبل القوى الغربية. اقتصادها، الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية والديون، يجعلها أقرب إلى الانهيار في حال اتخذت المصارف الغربية قرارًا بتشديد الخناق عليها.
الصراع مع النظام الإمبريالي
2.1 الولايات المتحدة وإسرائيل: رأس الحربة الإمبريالية
في قلب النظام العالمي الإمبريالي تقف الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تشكلان محورًا للهيمنة الاقتصادية والعسكرية. الولايات المتحدة، من خلال "الدولة العميقة" التي يمثلها لوبيات مثل سوروس و روتشيلد ومايكروسوفت وغوغل و ميتا ..، تسعى لفرض سيطرتها على الموارد الطبيعية والاقتصادات الوطنية في العالم الثالث. إسرائيل، من جانبها، تمثل النقطة الأمامية لهذا النظام في غرب آسيا وشمال افريقيا، حيث تعمل كقاعدة عسكرية وتكنولوجية متقدمة لدعم المصالح الغربية.
2.2 وادي السيليكون الصهيوني: مركز السيطرة التكنولوجية
في النقب، يبرز ما يُعرف بـ"وادي السيليكون الصهيوني" كمركز للابتكار التكنولوجي الذي يخدم الأهداف الإمبريالية. شركات مثل مايكروسوفت وغوغل، التي لها علاقات وثيقة مع إسرائيل، تساهم في بناء نظام عالمي يعتمد على السيطرة الرقمية والاقتصادية. هذا الواقع يجعل من تدمير هذه البنية التحتية التكنولوجية هدفًا استراتيجيًا للدول الصاعدة مثل إيران.
2.3 الحدث الأمني في تل أبيب: نقطة تحول
في الأيام الثلاثة الأولى من الرد الإيراني على العدوان الأمريكي-الصهيوني، وقع حدث أمني وصف بأنه "خطير جدًا" في تل أبيب. على الرغم من التكتم الإسرائيلي، تشير المعلومات إلى أن إيران تمتلك قدرات استخباراتية وعسكرية تمكنها من استهداف بنى تحتية حساسة، بما في ذلك مفاعلات نووية صغيرة أو مراكز بحثية مختصة بسبب الإبادة الجماعية مثل معهد وايزمان. هذا الحدث، إن صحت الأنباء، يعكس قدرة إيران على تغيير قواعد اللعبة في مواجهة الكيان الصهيوني.
تحالف الصاعدين: إيران، باكستان، روسيا، والصين
3.1 التحالف الروسي-الصيني: دعم استراتيجي
إيران وباكستان لا تقاومان بمفردهما. التحالف الروسي-الصيني يشكل دعامة أساسية لهما، حيث تقدم روسيا والصين دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا يعزز قدرتهما على الصمود. مبادرة الحزام والطريق الصينية، على سبيل المثال، توفر لباكستان فرصًا اقتصادية هائلة، بينما تعزز العلاقات العسكرية الروسية-الإيرانية من قدرات طهران في مواجهة الغرب.
3.2 مواجهة لوبي العولمة
في مواجهة تحالف الصاعدين، يقف لوبي العولمة الذي يمثله أسماء مثل نتنياهو، زيلينسكي، أردوغان، وعلييف. هؤلاء، وفقًا للتحليل، هم أدوات للنظام الإمبريالي، يتم استخدامهم لتعزيز مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع ذلك، فإن هشاشة هذه الأدوات تجعلها عرضة للسقوط بسهولة، كما يظهر في حالة تركيا التي تعتمد على دعم المصارف الغربية.
التدمير المنهجي وآفاق المستقبل
4.1 استراتيجية إيران لتفكيك النظام الصهيوني
إيران، بقدراتها العسكرية والاستخباراتية المتقدمة، تبدو في وضع يمكنها من تنفيذ استراتيجية تدمير منهجي للبنية التحتية الصهيونية. استهداف مراكز البحث العلمي للإبادة الجماعية ، البورصة، وموارد الطاقة في إسرائيل يمثل جزءًا من هذه الاستراتيجية. هذا النهج لا يهدف فقط إلى إضعاف إسرائيل عسكريًا، بل إلى تقويض دعائمها الاقتصادية والتكنولوجية.
4.2 باكستان: القوة النووية والاستقلال الاستراتيجي
باكستان، بامتلاكها للأسلحة النووية، تمثل قوة ردع كبرى في المنطقة. موقفها الرافض للهيمنة الأمريكية يعزز مكانتها كدولة صاعدة، خاصة في ظل دعمها من الصين وروسيا.
4.3 تركيا: هشاشة النموذج الأردوغاني
في المقابل، يبدو النموذج التركي هشًا. سياسات أردوغان التوسعية، التي تعتمد على دعم جماعات متطرفة في سوريا والعراق، تجعل تركيا عرضة للتقسيم والانهيار حسب الأيديولوجيا النفعية المنحطة لاردوغان عن سنة وعلوية وكرد . قرار بنكي واحد من المصارف الغربية يمكن أن يدفع الاقتصاد التركي إلى الهاوية، مما يعكس طبيعة التنمية "الرثة" التي يعاني منها.
إيران وباكستان كقوى تنموية صاعدة
في ختام هذا التحليل، يتضح أن إيران وباكستان تمثلان نموذجًا نسبيا لحد الان للدول الصاعدة التي تجمع بين المقاومة السياسية والعسكرية والقدرة على بناء اقتصاد وطني مستقل. في المقابل، تقدم تركيا نموذجًا للتنمية الرثة التي تعتمد على الإمبريالية وتفتقر إلى السيادة الحقيقية. الصراع الحالي بين القوى الصاعدة والنظام الإمبريالي ليس مجرد صراع عسكري أو اقتصادي، بل هو صراع حضاري يحدد شكل العالم في العقود القادمة. إيران وباكستان، بدعم من روسيا والصين، تقودان هذا التحول نحو عالم متعدد الأقطاب، بينما تواجه تركيا وغيرها من الدول المتحالفة مع الإمبريالية مستقبلًا غامضًا.