سباق التسلح الإمبريالي هروب إلى الأمام من التحديات


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 08:31
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

تواجه دول المركز الاحتكارية الغربي أزمة هيكلية عميقة تكشف عن عجز النظام الرأسمالي العالمي، بقيادة الولايات المتحدة، عن الحفاظ على هيمنته في مواجهة تحولات اقتصادية وتكنولوجية غير مسبوقة. الصين، التي أصبحت معمل العالم ومركز التفوق التكنولوجي، تقود هذا التحول بقوة لا تُضاهى، حيث أصبحت الشريك التجاري الأول لأغلب دول العالم، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة التقليديين. هذا التحول ليس مجرد تغيير في موازين القوى الاقتصادية، بل هو إعادة تشكيل للنظام العالمي نفسه، يكشف عن هشاشة الهيمنة الغربية التي اعتمدت على البلطجة العسكرية لتعويض عجزها الاقتصادي والتكنولوجي. في هذا السياق، تبرز قمة حلف الناتو الأخيرة في لاهاي، التي أُعلن فيها عن هدف إنفاق عسكري يبلغ 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة بحلول 2035، كدليل صارخ على هذا العجز، وعلى محاولة يائسة لاستعادة الهيمنة عبر سباق تسلح يهدد بإفقار المجتمعات وإثراء مقاولي الأسلحة.

الأزمة الهيكلية للرأسمالية الغربية ليست جديدة، لكنها تتجلى اليوم بوضوح غير مسبوق. الولايات المتحدة، التي كانت تعتمد على قوتها الاقتصادية والعسكرية لفرض هيمنتها، تجد نفسها عاجزة عن المنافسة مع الصين، التي حولت نفسها إلى مركز إنتاج عالمي بفضل تخطيط اقتصادي استراتيجي وقوى عاملة مؤهلة. مصانع الشركات الأمريكية العملاقة، مثل آبل، التي حاولت نقل عملياتها إلى الهند لتقليل الاعتماد على الصين، فشلت في تحقيق ذلك. السبب بسيط: المهندسون الصينيون، الذين يديرون العمليات الإنتاجية المعقدة حتى في الشركات الأمريكية، يمتلكون خبرة لا يمكن تعويضها. عندما سحبت الصين هؤلاء المهندسين، تعطلت خطط الولايات المتحدة، مما كشف عن اعتمادها الكبير على التكنولوجيا والخبرة الصينية. هذا الفشل ليس مجرد عثرة تقنية، بل هو مؤشر على تراجع القدرة التنافسية للرأسمالية الغربية.

في مواجهة هذا العجز، لجأت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى البلطجة العسكرية كبديل للهيمنة الاقتصادية. قمة الناتو في لاهاي، التي أُعلن فيها عن رفع الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، تعكس هذا التوجه بشكل واضح. هذا الهدف، الذي جاء نتيجة ضغوط سياسية وابتزاز دونالد ترامب، ليس استجابة لتهديدات حقيقية، بل محاولة يائسة لتعويض التراجع الاقتصادي عبر تصعيد سباق التسلح. هذا القرار، الذي يُروج له كخطوة لتعزيز الأمن، هو في الحقيقة خيانة لاحتياجات البشرية، حيث يتم تحويل موارد هائلة من التعليم، الصحة، والتنمية إلى الأسلحة والحروب. في وقت تنهار فيه أنظمة الرعاية الصحية وتُهمل المدارس، وتؤدي التغيرات المناخية إلى جعل أجزاء من الكوكب غير صالحة للعيش، يبدو تخصيص مليارات الدولارات للدبابات والصواريخ أمرًا فاحشًا.

الصين، التي أصبحت الشريك التجاري الأول لأكثر من 120 دولة، لم تحقق هذا الإنجاز بالقوة العسكرية، بل عبر استراتيجية اقتصادية تركز على التنمية والتعاون. مبادرة الحزام والطريق، التي ربطت قارات العالم بشبكة من البنية التحتية، هي مثال على قدرة الصين على تقديم نموذج تنموي بديل. في المقابل، فإن الولايات المتحدة، التي أنفقت أكثر من تريليون دولار سنويًا على جيشها، فشلت في تحقيق أي انتصار عسكري كبير في العقود الأخيرة. في أوكرانيا، استثمرت الولايات المتحدة وحلف الناتو مليارات الدولارات لدعم نظام زيلينسكي، لكن هذه الجهود انتهت بهزيمة مذلة أمام القوة العسكرية الروسية. في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، هُزمت الأساطيل الأمريكية أمام المقاومة اليمنية، التي أثبتت أن القوة العسكرية وحدها لا يمكن أن تحقق الهيمنة. إيران، من جانبها، أذهلت العالم عندما دمرت ثلث تل أبيب بضربات صاروخية دقيقة عام 2025 مما أظهر أن الكيان الصهيوني، المدعوم أمريكيًا، هش للغاية. لو استخدمت إيران ألف صاروخ، لكان تدمير منطقة غوش دان قد استغرق سبع ساعات فقط.

هذه الهزائم العسكرية ليست مجرد إخفاقات تكتيكية، بل هي تعبير عن الأزمة الهيكلية للرأسمالية الغربية. الناتو، الذي وُلد من رحم الحرب الباردة، تحول إلى أداة للحرب الدائمة، يخدم مصالح الاحتكارات المالية وشركات السلاح مثل لوكهيد مارتن وبوينغ. هدف الإنفاق العسكري الجديد بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي ليس دفاعًا عن الأمن، بل هو ابتزاز سياسي يهدف إلى إثراء مقاولي الأسلحة على حساب احتياجات الشعوب. في أوروبا، حيث تُعاني دول مثل إسبانيا وبلجيكا وسلوفاكيا من ضغوط اقتصادية، يُطالب الناتو بتضحيات إضافية تُفقر المجتمعات. رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي رفض هذا التصعيد، أكد أن حكومته لن تضحي بالمعاشات والبرامج الاجتماعية لتلبية هذه الأهداف العسكرية. لكن هذه الأصوات القليلة غارقة وسط هتافات قادة الناتو، الذين ينصاعون لضغوط ترامب ويتبنون منطق الحرب الدائمة.

الناتو، الذي توسع من 12 دولة إلى 32 دولة، لم يحقق السلام، بل على العكس، كان أحد العوامل التي أشعلت الحروب. وعده بضم أوكرانيا إلى الحلف دفع روسيا إلى شن حربها، وبدلاً من السعي إلى الحوار، ضاعف الناتو تسليحه، مما أطال أمد الصراع وفاقم معاناة الشعوب. في غزة، يدعم الناتو، عبر أعضائه، الكيان الصهيوني في إبادته الجماعية، دون أي جهد جاد لإحلال السلام. هذا الحلف، الذي يُروج لنفسه كمدافع عن الأمن، أصبح عائقًا أمام السلام العالمي، وشريكًا نشطًا في صناعة الحروب.

في هذا السياق، تبرز الصين كنموذج بديل. لقد أثبتت أن الأمن الحقيقي لا يأتي من الصواريخ والدبابات، بل من بناء مجتمعات قوية وتعاون عالمي. استثماراتها في البنية التحتية، التعليم، والتكنولوجيا جعلتها قوة لا تُضاهى، بينما فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في اللحاق بها. التفوق التكنولوجي الصيني، الذي يمتد من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة المتجددة، يعكس قدرة النظام الاشتراكي على التخطيط طويل الأمد، بينما تعتمد الرأسمالية الغربية على نهب الموارد وحروب الإبادة.

اليمن، من جانبه، قدم درسًا آخر في المقاومة. هذا الشعب، الذي واجه الأساطيل الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، أثبت أن الإرادة الشعبية، مدعومة بقيادة وطنية، يمكن أن تهزم أقوى الجيوش. المقاومة اليمنية، التي استهدفت مصالح الاحتلال الصهيوني وداعميه، هي نموذج لما يمكن أن تحققه الشعوب عندما ترفض الخضوع. إيران، التي كسرت هيبة الكيان الصهيوني بضرباتها الدقيقة، أظهرت أن القوة العسكرية، عندما تُستخدم في خدمة قضية عادلة، يمكن أن تغير موازين القوى.

في النهاية، فإن الأزمة الهيكلية للرأسمالية تكمن في عجزها عن مواجهة التحديات العالمية. بينما الصين تبني عالمًا جديدًا قائمًا على التعاون والتنمية، يواصل الناتو والولايات المتحدة الرهان على الحرب والدمار. هذا النهج محكوم بالفشل، لأن الشعوب، من اليمن إلى إيران إلى فلسطين، أثبتت أنها قادرة على المقاومة. الأمن الحقيقي يتطلب تفكيك الناتو، وإعادة توجيه الموارد نحو العدالة المناخية، الرعاية الصحية، والتنمية. هذا هو الطريق الوحيد لبناء عالم يسوده السلام والكرامة.