محور المقاومة يعيد ترتيب الولايات المتحدة والعالم من جديد


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 15:20
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني     

مقدمة: زلزال 7 أكتوبر 2023
في السابع من أكتوبر 2023، هزت معركة غير مسبوقة أركان النظام العالمي. ألف وخمسمئة مقاتل فلسطيني، بإرادة لا تلين، واجهوا خمسين ألفاً من نخبة الجيش الإسرائيلي في معركة وجهاً لوجه، ليُسطروا ملحمة أذهلت العالم. لم تكن هذه المعركة مجرد صدام عسكري، بل كانت نقطة تحول تاريخية أعادت تشكيل الوعي الجماعي للشعوب المستضعفة، وكشفت هشاشة النظام الاستعماري الصهيوني الذي أقامته الأقلية المالية الأوليغارشية. هذا الحدث لم يقتصر تأثيره على فلسطين المحتلة، بل امتد ليوقظ ضمير الشعوب الأصلية في أمريكا والعالم، معلناً أن القدر يستجيب حين يريد الشعب الحياة.
الصدمة العالمية: هزيمة الكيان النازي الإسرائيلي
لم تكن هزيمة الكيان الإسرائيلي في 7 أكتوبر مجرد خسارة عسكرية. كانت ضربة موجعة لعقلية الأقلية المالية التي تحكم العالم من خلال شبكاتها الاقتصادية والسياسية. هذه الأقلية، التي تقودها عائلات مثل روتشيلد وروكفلر ومورغان وسوروس، اعتمدت لعقود على خلق كيانات استعمارية لضمان هيمنتها. الكيان الصهيوني في فلسطين، الذي أُسس عام 1948، كان أحد هذه الأدوات. لكن هزيمته المذلة على يد مقاومة شعبية قليلة العدد والعتاد كشفت أن هذه القوى، التي طالما روجت لنفسها كلا تقهر، ليست سوى أساطير كرتونية تنهار أمام إرادة الشعوب.
هذه الهزيمة أحدثت صدى عالمياً، ليس فقط في العالم العربي والإسلامي، بل في قلب الولايات المتحدة نفسها، حيث بدأت النخب الأكثر تعليماً وإنتاجية – من السكان الأصليين، والأمريكيين من أصول إفريقية، والشيوعيين البيض، والمهاجرين من العرب والصينيين والآسيويين – يدركون أن بإمكانهم تحطيم قيود الأقلية الأوليغارشية. هؤلاء، الذين يشكلون ما يقرب من 80% من سكان الولايات الغنية مثل كاليفورنيا وتكساس، وينتجون ثلثي الناتج القومي الأمريكي، بدأوا يتساءلون: لماذا يعيشون على هامش الرفاهية بينما الأقلية المالية تحتكر الثروة؟
جذور النظام الأوليغارشي: من المكسيك إلى فلسطين إلى الوهابية
ليس الكيان الصهيوني في فلسطين سوى حلقة في سلسلة طويلة من المشروعات الاستعمارية التي أسستها الأقلية المالية. قبل مئة عام من احتلال فلسطين عام 1948، احتلت الصهيونية الإنجيلية ثماني ولايات مكسيكية، وأقامت فيها كياناً نازياً يعتمد على العنصرية والإقصاء. هذا النموذج تكرر لاحقاً في فلسطين عبر الصهيونية اليهودية، ثم في ثلاثينيات القرن العشرين مع إنشاء الكيان الوهابي الصهيوني في الجزيرة العربية. هذه الكيانات، رغم اختلاف أشكالها، تخدم هدفاً واحداً: تعزيز هيمنة الأقلية المالية على الشعوب الأصلية وثرواتها.
في الولايات المتحدة، تُدار هذه الهيمنة عبر عصابات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اللذين يمثلان واجهة سياسية للأقلية الأوليغارشية. هذه العصابات، التي تعتمد على خطابات إنجيلية متطرفة ومخابيل عنصرية، بعيدة كل البعد عن حلقات الإنتاج والإبداع. بينما النخب الحقيقية – أولئك الذين يديرون التكنولوجيا والصناعات الإبداعية في كاليفورنيا وتكساس – بدأت تدرك أن تحررها من هذا النظام ليس مستحيلاً.
محور المقاومة: إلهام عالمي
لم تقتصر إنجازات محور المقاومة على هزيمة الكيان الإسرائيلي في فلسطين. في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، أذل أبطال اليمن البحرية الأمريكية، التي طالما روجت لنفسها كقوة لا تُقهر. هذه الهزيمة أرسلت رسالة واضحة إلى الشعوب الأصلية في الولايات المتحدة: إذا استطاعت فئة قليلة من المقاومين في اليمن، رغم الحصار والتجويع، أن تهزم أقوى بحرية في العالم، فإن بإمكان الشعوب الأصلية في أمريكا أن تهزم الأقلية الأوليغارشية التي تستعبدهم.
في جنوب لبنان، كرر حزب الله الإنجاز ذاته. آلاف المقاتلين، بموارد محدودة، واجهوا خمسين ألف جندي من نخبة الجيش الإسرائيلي المدعوم أمريكياً، ولم يسمحوا للعدو بالتقدم شبراً واحداً. هذه المعركة أثبتت أن الجيوش الكرتونية، التي تعتمد على التفوق التكنولوجي والدعاية الإعلامية، لا تستطيع مواجهة إرادة شعبية صلبة.
نهضة اليمن: من العبودية إلى القوة الإقليمية
قصة اليمن تُعد واحدة من أبرز ملاحم محور المقاومة. لثماني سنوات، تعرض الشعب اليمني لحرب إبادة شنتها محميات الخليج الوكيلة للأقلية الأوليغارشية الأمريكية. القصف والتجويع والحصار لم يفتا في عزيمته. بدلاً من ذلك، تحول اليمن من بلد مستعبد إلى قوة إقليمية عظمى، قادرة على إركاع محميات الخليج وأسيادها الأمريكيين. هذا التحول لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان إعلاناً بأن محور المقاومة لا يموت، بل يتجدد باستمرار.
الجنوب السوري: إرث المقاومة لا يموت
في الجنوب السوري، عادت المقاومة لتؤكد أن إرث محور المقاومة لا يمكن القضاء عليه. بينما عصابات السي آي إيه في دمشق ترتعب وتتحصن في غرف محصنة، فإن المقاومة تستمر في إلهام الشعوب. هذا الإرث، الذي يمتد من غزة إلى جنوب لبنان إلى اليمن وسوريا وإيران، يثبت أن الشعوب المستضعفة قادرة على تحدي النظام العالمي وإعادة ترتيبه.
إيران: صمود الحضارة وتحدي الهيمنة
إيران، الركيزة الأساسية في محور المقاومة، وقفت صلبة كجزء لا يتجزأ من المشروع التحرري الذي يواجه النظام الأوليغارشي العالمي. رغم كل الإغراءات والضغوط التي مارستها الأقلية المالية الصهيونية لإخراجها من دورها الإقليمي، بقيت إيران وفية لإرث حضارتها العريقة التي تمتد لآلاف السنين، جنباً إلى جنب مع الحضارة السورية، معلنة قدرتها على تدمير مرتكزات الهيمنة الأمريكية، من قواعد عسكرية إلى الكيان الصهيوني المارق. هجومها الصاروخي المباشر على الكيان الإسرائيلي كشف عن قدراتها الهائلة، حيث أقرت الإدارة الأمريكية النازية في عهد بايدن أن تدخل القواعد العسكرية الأمريكية وحاملات الطائرات في المنطقة هو الذي حال دون تدمير إسرائيل بالكامل خلال الهجومين الصاروخيين الإيرانيين.
إيران، التي واجهت حصاراً خانقاً منذ ثورتها الإسلامية الشيوعية عام 1979، حوّلت هذا الحصار إلى فرصة للنهوض. أصبحت قوة صناعية رائدة، قادرة على إنتاج الأقمار الصناعية وحاملات الطائرات، وتضم أكثر من مئة ألف مهندس نووي. نسبة المهندسين المتخرجين من جامعاتها تضاهي تقريباً ما تنتجه الولايات المتحدة، مما جعلها القوة الأولى في المنطقة من حيث براءات الاختراع، رغم العقوبات الغربية. ليس هذا فحسب، بل طورت إيران، مثل اليمن بجيشه السوفييتي الصغير والفتاك، صواريخ فرط صوتية تفوق قدرات الولايات المتحدة وإسرائيل وحلف الناتو. كما تمتلك ترسانة من الأسلحة الفتاكة غير المعلنة، التي تنتظر اللحظة المناسبة لتغيير موازين القوى، كما فاجأت اليمن العالم بصاروخها الفرط صوتي الذي استهدف مطار اللد بن غوريون، وقدرتها على إسقاط طائرات إف-35 الأمريكية. إيران، بهذا الصمود والتفوق التكنولوجي، تؤكد أن محور المقاومة ليس مجرد قوة عسكرية، بل مشروع حضاري يعيد تشكيل النظام العالمي.
الثورة التحررية في أمريكا: بداية الوعي
في الولايات المتحدة، ألهمت انتصارات محور المقاومة النخب المنتجة – من السكان الأصليين والأمريكيين من أصول إفريقية والمهاجرين – لإعادة التفكير في واقعهم. هؤلاء، الذين يشكلون العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي، بدأوا يدركون أن النظام الاستعماري الداخلي، الذي يخدم 1% من الأقلية المالية، ليس قدراً محتوماً. إن الثورة التحررية التي بدأت في فلسطين واليمن ولبنان وسوريا يمكن أن تمتد إلى قلب أمريكا، لتحرر الشعوب الأصلية من هيمنة الأوليغارشية.
خاتمة: إعادة ترتيب العالم
محور المقاومة، بصموده وانتصاراته، لم يغير فقط ميزان القوى في الشرق الأوسط، بل أرسل رسالة عالمية: الشعوب المستضعفة قادرة على هزيمة الأنظمة الاستعمارية، سواء في فلسطين أو اليمن أو أمريكا. هذه الرسالة أيقظت الوعي الجماعي للشعوب الأصلية، وزرعت بذور ثورة تحررية عالمية. إن العالم الجديد، الذي يتشكل على أنقاض الهزائم الصهيونية والأوليغارشية، هو عالم يقوم على إرادة الشعوب، لا على هيمنة الأقليات المالية
.