تحذير من قلب صنعاء: مغادرة الاستثمارات أو مواجهة العاصفة
احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 07:53
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
نهضة اليمن: سيمفونية الصمود في وجه الإبادة والغطرسة
وقف الرئيس اليمني مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، متحديا ، ليوجه تحذيرًا صلبًا للمستثمرين والشركات الأجنبية العاملة في الكيان الصهيوني. في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بتاريخ 1 يونيو 2025، قال المشاط: "على جميع الشركات المستثمرة في كيان العدو الصهيوني أخذ تحذيرنا على محمل الجد ومغادرة البيئة غير الآمنة سريعًا، فالشركات التي ستبقى تتحمل تبعات إصرارها". هذا التحذير لم يكن مجرد كلمات عابرة، بل إعلان عن تحول استراتيجي يعكس صعود اليمن كقوة إقليمية لا تُستهان بها، قادرة على فرض معادلات جديدة في مواجهة الغطرسة الأمريكية والعقلية النازية الصهيونية.
هذا التحذير، الذي جاء في سياق استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، يعكس إرادة شعب اليمن الذي نهض من تحت رماد حرب إبادة أطلقها التحالف السعودي-الإماراتي بدعم أمريكي منذ 2015. لم يكن اليمن مجرد ضحية للقصف والتجويع، بل صانع تاريخ، حول مأساته إلى ملحمة صمود، جعلت من صنعاء عاصمة للمقاومة، ومن شعبه رمزًا للكرامة الإنسانية. في هذه المادة، نغوص في أعماق هذه النهضة، مستكشفين كيف تحول اليمن من دولة تحت الحصار إلى قوة عظمى إقليمية، تتحدى الهيمنة الإمبريالية وتدافع عن فلسطين كقضية مركزية للأمة.
من أنقاض الإبادة إلى مشعل المقاومة
بدأت المأساة اليمنية عام 2015، حين أطلق السفير السعودي في واشنطن، بدعم إدارة أوباما، حربًا إبادية على اليمن، شملت أكثر من 25,000 غارة جوية، أودت بحياة وإصابة 19,000 مدني، وفقًا لتقديرات خبراء يمنيين. لم تكن هذه الحرب لاستعادة "الشرعية"، بل محاولة لكسر إرادة شعب رفض الخضوع للهيمنة الغربية والصهيونية. التجويع كان سلاحًا ممنهجًا: ميناء الحديدة، شريان الحياة الاقتصادي، حُاصر، وأكثر من 70% من السكان عاشوا تحت خط الفقر، بينما أُجبر ملايين الأطفال على مواجهة المجاعة.
لكن اليمن، بإرثه الحضاري العريق الذي يمتد إلى سبأ وحمير، لم يركع. بدلاً من الاستسلام، تحولت صنعاء إلى مركز للتحدي، حيث صيغت استراتيجيات مقاومة مستلهمة من ثورات التحرر العالمية، من الجزائر إلى فيتنام. الحوثيون، أو أنصار الله، لم يكونوا مجرد جماعة مسلحة، بل تجسيدًا لإرادة شعب يرفض الظلم. كما نقلت "بوليتيكو" عن مسؤول سابق في إدارة ترامب: "لقد حاول الجميع مواجهة الحوثيين عسكريًا لعقد من الزمان، لكنهم فشلوا جميعًا". هذا الفشل لم يكن عسكريًا فقط، بل دليلًا على أن اليمن يمتلك روحًا لا تُقهر.
تحذير المشاط: إعلان عن معادلة ردع جديدة
تحذير المشاط للمستثمرين لم يكن تهديدًا عشوائيًا، بل جزءًا من استراتيجية ردع شاملة تهدف إلى خنق الاقتصاد الصهيوني. في تصريحه، أشار المشاط إلى أن "الشركات التي تتجاهل تحذيراتنا تعرض نفسها لخسائر باهظة"، مضيفًا أن "بعض الشركات بدأت نقل استثماراتها استجابة لتحذيرات سابقة، وننصح البقية بالمغادرة قبل فوات الأوان". هذه التصريحات تعكس ثقة اليمن بقدراته العسكرية، التي أثبتت فعاليتها في استهداف مواقع حساسة داخل الكيان الصهيوني، مثل مطار بن غوريون وميناء إيلات.
وزارة الدفاع اليمنية عززت هذا التحذير ببيان أكدت فيه أن "صواريخنا مصممة بحيث تجعل اعتراضها فاشلاً، إذ تتشظى لتصيب أهدافًا أكثر، مما يجعل منظومات الدفاع الجوي الصهيونية بلا جدوى". هذه القدرات التكنولوجية، التي فاجأت الأوساط العسكرية الغربية، تُظهر كيف تحول اليمن من دولة تحت الحصار إلى قوة قادرة على تحدي أحدث التقنيات العسكرية، بما في ذلك طائرات "إف-35" الشبحية.
فلسطين: قلب المقاومة اليمنية
في غزة، حيث أودت حرب الإبادة الإسرائيلية بحياة أكثر من 52,800 فلسطيني، وتسببت في مجاعة قتلت 57 شخصًا بحلول مايو 2025، وقف اليمن كحليف لا يتزعزع. منذ "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، اتخذت صنعاء موقفًا تاريخيًا بفرض حصار بحري على السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، وإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على أهداف إسرائيلية. هذه العمليات، التي وصفتها "بوليتيكو" بأنها "ضربات قاصمة"، منحت اليمن "مصداقية هائلة" كقوة إقليمية.
المشاط أكد أن "هجماتنا لن تتوقف إلا برفع الحصار عن غزة وإنهاء العدوان". هذا الموقف ليس مجرد تضامن سياسي، بل فلسفة مقاومة ترى في فلسطين رمزًا لكل شعب يناضل ضد الظلم. كما قال المشاط في حديث للميادين: "دفاعاتنا الجوية ستجعل طائرات العدو الصهيوني مصدرًا للسخرية"، مشيرًا إلى قدرة اليمن على التعامل مع طائرات "إف-35" إذا توقفت عن الاختباء قرب الطيران المدني. هذه القدرات أثارت دهشة الأوساط العسكرية، حيث كشفت رادارات يمنية طائرات يُفترض أنها غير مرئية.
تأثير هذه العمليات على الكيان الصهيوني كان واضحًا. تقارير إسرائيلية كشفت أن 80% من المستوطنين يريدون إنهاء حرب غزة بسبب ضغط المقاومة الفلسطينية والعمليات اليمنية، بينما 75% يدعمون استمرار الإبادة عبر التجويع. لكن هذا الخيار أصبح مستحيلاً بفضل صمود غزة وتدخل اليمن، الذي أوقف ميناء إيلات وأربك الاقتصاد الإسرائيلي، مما دفع شركات الطيران إلى تقليص رحلاتها إلى مطار بن غوريون.
الصمود اليمني: معدن حضاري أصيل
نهضة اليمن لم تكن وليدة اللحظة، بل نتاج إرث حضاري يمتد آلاف السنين. من سبأ إلى حمير، كان اليمن دائمًا قلعة مقاومة ضد الغزاة. في مواجهة التحالف السعودي-الإماراتي المدعوم أمريكيًا، أظهر أنصار الله قدرة عجيبة على الصمود، مستلهمين روح الثورات العظيمة. كما قال المشاط في خطاب بمناسبة الذكرى العاشرة ليوم الصمود الوطني: "الشعب اليمني أراد بلده حرًا مستقلًا، بعيدًا عن أي وصاية خارجية".
هذا الصمود لم يكن عسكريًا فقط، بل ثقافيًا وروحيًا. اليمن، رغم الحصار الذي وصفه المشاط بأنه "جريمة إبادة جماعية"، حافظ على نسيجه الاجتماعي وهويته. الإعلام اليمني، الذي وصفه المشاط بأنه "عمل جهادي"، لعب دورًا حاسمًا في تحصين النفوس ضد الدعاية الغربية. هذه الروح الثقافية، المستمدة من القرآن الكريم وإرث الجهاد، جعلت اليمن قادرًا على مواجهة أعتى القوى العسكرية.
تحول إقليمي: اليمن كقوة عظمى
اليمن لم يكتفِ بالصمود، بل أعاد تشكيل موازين القوى في المنطقة. كما نقلت "بوليتيكو" عن خبراء: "الحوثيون لا يُظهرون فقط قدرتهم على مواجهة الولايات المتحدة، بل على توجيه ضربات قاصمة لأقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط". في مايو 2025، أعلنت إسرائيل أن اليمن يشكل "تهديدًا بزاوية 360 درجة"، بعد هجوم على مطار بن غوريون أثبت هشاشة دفاعات الكيان. العقيد الإسرائيلي في صحيفة "غلوبس" اعترف: "لا يوجد دفاع محكم حتى في أكثر المواقع حساسية".
هذا التحول جعل اليمن لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، قادرًا على فرض حصار جوي وبحري على الكيان الصهيوني. المشاط حذر شركات الطيران العاملة مع إسرائيل قائلاً: "مطار اللد (بن غوريون) معرض للخطر في أي لحظة"، داعيًا المسافرين إلى تجنب الرحلات إليه. هذه الخطوات أدت إلى شلل جزئي في مطار بن غوريون، ودفعت شركات عالمية إلى إعادة تقييم عملياتها في إسرائيل.
فلسفة المقاومة: تحدي الغطرسة الإمبريالية
في قلب هذه النهضة، تتجلى فلسفة مقاومة تجاوزت الحدود الجغرافية. اليمن، بقيادة المشاط، حول الحرب من معركة عسكرية إلى سؤال وجودي: هل يمكن للإنسانية أن تقاوم الطغيان؟ الإجابة جاءت من جبال صعدة وسواحل البحر الأحمر، حيث أثبت اليمن أن الكرامة أقوى من القنابل. كما قال فرانز فانون: "العنف الثوري يعيد للإنسان كرامته". اليمن جسد هذه الفكرة، حيث تحولت صواريخه إلى صوت الأمة المقهورة.
المشاط، في خطابه عام 2021، أكد أن "اليمن في مواجهة مباشرة مع الأمريكي والإسرائيلي، والبقية ليسوا إلا أدوات". هذا الخطاب يعكس رؤية تقدمية ترى في المقاومة فعلاً تحرريًا ضد الهيمنة الإمبريالية. الولايات المتحدة، التي دعمت العدوان على اليمن وغزة، أُجبرت على إعادة تقييم استراتيجيتها بعد فشل عملياتها العسكرية ضد أنصار الله. إدارة ترامب، حسب "بوليتيكو"، أدركت أن "التركيز على الأسباب الجذرية لهجمات الحوثيين، مثل وقف إطلاق النار في غزة، هو الخيار الأمثل".
الثقافة كسلاح مقاومة
لم تقتصر مقاومة اليمن على السلاح، بل امتدت إلى الثقافة، التي شكلت درعًا لحماية الهوية اليمنية. المشاط، في لقائه بالإعلاميين عام 2021، دعا إلى "إعادة بناء الإعلام وفق منهجية القرآن الكريم"، مؤكدًا أن "الإعلام هو جبهة لتحصين النفوس ضد الدعاية الكاذبة". هذه الرؤية جعلت الإعلام اليمني أداة لتعزيز الوعي الجماعي، مستلهمًا إرث شعراء مثل عبد الله البردوني، الذي كتب عن الصمود في وجه الظلم.
الثقافة اليمنية، بأناشيدها وأشعارها، حافظت على روح المقاومة. أناشيد مثل "يا سارية الجبل" أصبحت رمزًا للتحدي، بينما المهرجانات الشعبية في صنعاء، رغم الحصار، عززت التماسك الاجتماعي. هذه الثقافة ليست مجرد فن، بل سلاح يُعيد صياغة الهوية اليمنية كشعب لا يُهزم.
الثقافة الحضارية : وقود المقاومة
في قلب المقاومة اليمنية، تبرز الثقافة الحضارية كبعد أساسي. اليمن، بإيمانه الراسخ، استمد قوته من القرآن الكريم، الذي وصفه المشاط بأنه "الدعامة الأساسية لبناء الأمة". هذا الإيمان لم يكن دينيًا فقط، بل إنسانيًا، حيث رأى اليمن في فلسطين قضية وجودية. كما قال المشاط: "نخوض معركة مقدسة تحت أسمى العناوين وأطهر القضايا".
هذه الثقافة الحضارية تجلت في صمود الشعب اليمني رغم الحصار الخانق، الذي وصفه المشاط بأنه "يقتل مئات الآلاف بشكل مباشر وغير مباشر". لكن هذا الحصار، بدلاً من كسر الإرادة، عزز الإيمان بالعدالة، مما جعل اليمن قادرًا على تحدي القوى العظمى.
اليمن ومحور المقاومة
اليمن لم يقاوم بمفرده، بل كجزء من محور المقاومة الممتد من لبنان إلى إيران، مرورًا بسوريا الأسد والعراق. هذا المحور، الذي يشكل درعًا لفلسطين، أثبت أن التضامن ليس شعارًا، بل قوة ميدانية. حزب الله، بضرباته على الحدود اللبنانية، والحشد الشعبي العراقي، بدعمه اللوجستي، وإيران، بتقديمها التكنولوجيا العسكرية، شكلوا مع اليمن جبهة موحدة.
المشاط أشاد برد إيران على إسرائيل، واصفًا إياها ب"عملية مشروعة لتأديب الكيان المجرم". هذا التضامن عزز موقف اليمن، حيث أصبحت صواريخه امتدادًا لإرادة الأمة. كما قال ياسر المصري من فتح الانتفاضة: "اليمن هو مقبرة الصهاينة، كما كان مقبرة الأغبياء قديمًا".
تأثير عالمي: إعادة تعريف الأمن الصهيوني
تحذير المشاط للمستثمرين كان إعلانًا عن إعادة تعريف الأمن القومي الإسرائيلي. الصواريخ اليمنية، التي وصلت إلى عمق الكيان، جعلت المفاعلات النووية الإسرائيلية في مرمى النيران، مما زاد من القلق بين المستوطنين. هذا الوضع أدى إلى اضطرابات نفسية وأمنية داخل إسرائيل، حيث أصبحت مغادرة الأراضي المحتلة صعبة بسبب الحصار الجوي اليمني.
الاقتصاد الإسرائيلي تلقى ضربة قوية، حيث تسببت العمليات اليمنية في توقف ميناء إيلات وتقليص حركة الطيران في مطار بن غوريون. وسائل إعلام عبرية كشفت أن "الرحلات الجوية" محدودة وغير كافية، مما عزز قناعة المراقبين بأن اليمن يفرض معادلة ردع حقيقية.
نحو فجر جديد
اليمن، الذي بدأ كضحية حرب إبادة، أصبح رمزًا للنهضة والكرامة. من تحت القصف والجوع، نهض شعب يحمل إرث حضارة عمرها آلاف السنين، ليواجه أعتى القوى العالمية ويُعيد تشكيل المنطقة. فلسطين، قلب هذه المقاومة، وجدت في اليمن درعًا وسيفًا، حيث أثبتت هجماته أن العدالة ليست حلمًا، بل واقعًا يُصنع بالدم والإرادة.
كما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "إذا لم يكن لنا مكان في التاريخ، فلنصنعه". اليمن صنع مكانه، ليس فقط كقوة إقليمية، بل كمنارة للإنسانية. طالما هناك مقاومة، هناك أمل. وطالما هناك يمن، ستبقى فلسطين حية، تنتظر فجر الحرية..