حركة فلسطين حرة و تحولات موازين القوى العالمية


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 23:25
المحور: القضية الفلسطينية     

1. المقدمة
هل نحن ،أمام ملامح إعادة تشكيل موازين القوى الدولية، عالميا ؟ ما الذي تشير إليه بعض التحولات الجيوسياسية المتسارعة ؟، أن تتمكن ، حركة فلسطين حرة من البحر الى النهر ، الافراج عن جورج عبدالله لاول مرة رغم الضغوط الأمريكية والصهيونية ! ان يعلن جيرمي كوربي، عن حزب يساري بريطاني، لمواجهة المحافظين والعمال و"تسليح إسرائيل"..كيف يمكن أن نفهم هذه المؤشرات الأساسية في القارة العجوز :

حيث تتراجع الهيمنة الأمريكية التي طغت على المشهد العالمي عقوداً طويلة، لتحل محلها قوى جديدة تسعى إلى إعادة تعريف النظام العالمي. إن السياسات الأمريكية، التي اتسمت في السنوات الأخيرة بطابع استفزازي، كما تجلى في مقترحات مثل ضم غرينلاند أو التلويح بتوسعات إقليمية أخرى، قد أثارت موجات من الاستياء في أوروبا والعالم. في الوقت ذاته، تنمو حركات تحررية جذرية، تتجلى في صعود أحزاب يسارية جديدة، كتلك التي أطلقها جيريمي كوربين في بريطانيا، والتي تهدف إلى مواجهة النفوذ الأمريكي وتحرير أوروبا من قبضة مؤسسات مثل الناتو والمفوضية الأوروبية. هذه المادة تستعرض هذه التحولات، متتبعة جذورها وآفاقها، مع التركيز على دور الحركات العالمية، كحركة "فلسطين حرة"، في إعادة صياغة المشهد السياسي.

2. تراجع الهيمنة الأمريكية
لقد كانت الولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، القوة المهيمنة على الساحة الدولية، مستندة إلى قوتها العسكرية والاقتصادية، وإلى شبكة تحالفاتها الاستراتيجية، وعلى رأسها حلف الناتو. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في هذا النفوذ، مدفوعاً بعدة عوامل. أولاً، أدت السياسات الأحادية التي انتهجتها إدارات متعاقبة، وخاصة خلال فترة دونالد ترامب، إلى إثارة استياء الحلفاء الأوروبيين. مقترح ترامب "شراء غرينلاند" عام 2019، على سبيل المثال، لم يكن مجرد فكرة عابرة، بل رمزاً لنهج استعماري جديد أثار استنكار الدول الاسكندنافية وعمّق الشعور بالإهانة في أوروبا. ثانياً، أسهمت الحروب التي قادتها الولايات المتحدة، كتلك في العراق وأفغانستان، في استنزاف مواردها وفقدان الثقة بها كقوة عالمية "مسؤولة". ثالثاً، أدى صعود قوى اقتصادية منافسة، مثل الصين وروسيا، إلى تآكل السيطرة الأمريكية على الأسواق والموارد العالمية. هذه العوامل مجتمعة جعلت أوروبا، التي كانت تاريخياً الحليف الأقرب لواشنطن، تبدأ في إعادة تقييم علاقتها بالولايات المتحدة، وسط دعوات متزايدة للاستقلال الاستراتيجي.

3. صعود الحركات اليسارية في أوروبا
في ظل هذا السياق، برزت حركات يسارية جديدة تسعى إلى استغلال الفراغ السياسي الناتج عن تراجع الثقة بالنخب التقليدية. في بريطانيا، أعلن جيريمي كوربين، الزعيم السابق لحزب العمال، عن إطلاق حزب يساري جديد يهدف إلى مواجهة كل من المحافظين وحزب العمال التقليدي. هذا الحزب، الذي يحمل شعارات مناهضة للنفوذ الأمريكي والصهيوني، يعكس موجة أوسع من التحركات الشعبوية اليسارية في أوروبا. هذه الحركات لا تقتصر على بريطانيا، بل تمتد إلى دول مثل إيطاليا، حيث ظهرت دعوات للانسحاب من حلف الناتو، متهمة إياه بأنه أداة للهيمنة الأمريكية ونهب الموارد الأوروبية. في فرنسا وألمانيا، تنمو أيضاً أصوات تنادي بإعادة تقييم العلاقة مع واشنطن، مدفوعة بشعور متزايد بأن المصالح الأوروبية تُضحى بها لصالح أجندات أمريكية. إن هذه الحركات، رغم اختلاف أيديولوجياتها، تتفق على هدف مشترك: تحرير أوروبا من النفوذ الأمريكي، سواء عبر إصلاحات داخلية أو عبر تفكيك مؤسسات مثل الناتو والمفوضية الأوروبية.

4. الناتو والمفوضية الأوروبية: أدوات هيمنة أم أزمة وجود؟
يواجه حلف الناتو، الذي تأسس كدرع دفاعي ضد التهديدات الخارجية، انتقادات متزايدة في أوروبا. يرى منتقدوه أنه تحول إلى أداة لفرض السياسات الأمريكية، حيث يتم توجيه الموارد الأوروبية، بما في ذلك ميزانيات الضمان الاجتماعي، نحو تمويل الصناعات العسكرية الأمريكية. في إيطاليا، على سبيل المثال، أثارت الأحزاب الشعبوية، مثل حركة النجوم الخمس، تساؤلات حول جدوى الاستمرار في الناتو، مشيرة إلى أن مساهمات الدول الأعضاء تُستخدم لدعم حروب خارجية لا تخدم المصالح الأوروبية. المفوضية الأوروبية، من جهة أخرى، تواجه اتهامات مماثلة بأنها أصبحت واجهة لتطبيق سياسات تتماشى مع الأجندة الأمريكية، على حساب السيادة الوطنية للدول الأعضاء. هذه الانتقادات تغذيها أزمات داخلية، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتزايد شعبية الأحزاب المناهضة للتكامل الأوروبي، مما يضع هذه المؤسسات في موقف دفاعي غير مسبوق.

5. الحركة الفلسطينية واللوبي العالمي
في قلب هذه التحولات، تبرز حركة "فلسطين حرة من البحر إلى النهر" كقوة رمزية ومؤثرة على المستوى العالمي. هذه الحركة، التي بدأت كصوت للدفاع عن الحقوق الفلسطينية، تحولت إلى رمز للمقاومة ضد الهيمنة الغربية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص. إن الإشارات إلى "تحرير جورج عبدالله"، الناشط اللبناني المسجون في فرنسا لعقود، تعكس قوة هذا اللوبي في تعبئة الرأي العام ودفع الأجندات السياسية. هذه الحركة ليست مجرد ظاهرة إقليمية، بل أصبحت جزءاً من شبكة عالمية تضم ناشطين ومثقفين وسياسيين يسعون إلى تفكيك النظام العالمي القائم. في أوروبا، تجد هذه الحركة صدى خاصاً بين الشباب والطبقات المهمشة، الذين يرون فيها تعبيراً عن رفضهم للسياسات الاستعمارية الجديدة، سواء في فلسطين أو في مناطق أخرى من العالم. إن ارتباط هذه الحركة بالدعوات لتحرير أوروبا من النفوذ الأمريكي يعكس عمق التحالفات الجديدة التي تتشكل عبر القارات.

6. الخاتمة
إن التحولات التي يشهدها العالم اليوم ليست مجرد تغييرات سياسية عابرة، بل إشارات إلى إعادة تشكيل عميقة للنظام العالمي. تراجع الهيمنة الأمريكية، وصعود الحركات التحررية في أوروبا، وتأثير اللوبيات العالمية مثل حركة "فلسطين حرة"، كلها عوامل تشير إلى أن العالم يقترب من نقطة تحول تاريخية. إن دعوات تفكيك الناتو، وإعادة تقييم دور المفوضية الأوروبية، وصعود أحزاب يسارية جديدة، ليست سوى أعراض لهذا التغيير الأعمق. في هذا السياق، يصبح من الضروري إعادة التفكير في العلاقات الدولية بعيداً عن منطق الهيمنة والاستتباع، ونحو نموذج يقوم على السيادة والتعاون العادل. إن المستقبل، رغم غموضه، يحمل في طياته وعوداً بإمكانية بناء عالم أكثر عدالة، إذا ما تمكنت هذه القوى الجديدة من ترجمة رؤاها إلى واقع ملموس.