هيكل الهرم المقلوب ..مهمات اسرائيل القذرة.. الجزء الثاني
احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 23:20
المحور:
القضية الفلسطينية
مقدمة (ربط مع الجزء الاول):
كشف الجزء الأول من هذه المادة عن الدور التاريخي والمعاصر لإسرائيل كأداة استعمارية، بدءًا من مشروع تيودور هرتزل كمقاولة لخدمة الأهداف الغربية، وصولًا إلى تصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس التي وصف فيها إسرائيل بأنها تقوم بـ"العمل القذر" نيابة عن الغرب في قصفها للمفاعلات النووية الإيرانية، وهو عمل يُعادل جريمة استخدام قنابل نووية قذرة. كما تناول الجزء الاول الإبادة الجماعية في فلسطين، ودور إسرائيل وأوكرانيا كوكلاء للناتو، مع إشارة إلى الأزمة الهيكلية التي تهدد هيمنة الغرب. في هذه الجزء الثاني، نُوسع التحليل ليشمل جذور الاستعمار الأوروبي، التداعيات العالمية للتصعيد النووي، مقارنة معمقة بين إسرائيل وأوكرانيا، والحلول المحتملة لمواجهة هذا النظام الاستعماري.
جذور الاستعمار الأوروبي وإسرائيل كامتداد له
1. الاستعمار الأوروبي: نموذج للإبادة ونهب الثروات
منذ القرن الخامس عشر، اعتمدت الدول الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، هولندا، البرتغال) على الاستعمار كاستراتيجية لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي:
في الأمريكتين، أدى الاستعمار إلى إبادة ملايين السكان الأصليين (مثل الهنود الحمر) ونهب الذهب والفضة.
في أفريقيا، تم استعباد ملايين البشر ونهب الموارد الطبيعية مثل الماس والمطاط.
في آسيا وأستراليا، فرضت الدول الأوروبية هيمنتها عبر الحروب والاحتلال، مع تدمير الثقافات المحلية.
هذا النموذج الاستعماري قام على ثلاث ركائز: الإبادة الجماعية، الاستيطان، واستغلال الموارد. إسرائيل، كما سنرى، تُمثل استمرارًا لهذا النموذج في القرن العشرين.
2. إسرائيل كمشروع استعماري حديث
طرح تيودور هرتزل (1860-1904) فكرة إقامة دولة يهودية كمشروع مقاولات لخدمة المصالح الأوروبية:
في مفاوضاته مع أصحاب المصارف، مثل عائلة روتشيلد، قدم هرتزل فلسطين كقاعدة استراتيجية للسيطرة على الشرق الأوسط، خاصة بعد اكتشاف النفط.
استغل الرواية الدينية ("أرض الميعاد") لتجنيد الدعم الشعبي، بينما كانت الأهداف الحقيقية اقتصادية وعسكرية.
وعد بلفور (1917) واتفاقية سايكس-بيكو (1916) عكسا تقاسم النفوذ الاستعماري في المنطقة، حيث كانت فلسطين جزءًا من "الغنيمة" البريطانية.
إقامة إسرائيل في 1948، بعد النكبة التي شهدت تهجير 700,000 فلسطيني وتدمير 500 قرية، كانت تتويجًا لهذا المشروع الاستعماري:
تم استبدال السكان الأصليين بمستوطنين يهود صهاينة أوروبيين وغير اوروبيين، على غرار الاستيطان في أمريكا وأستراليا.
استُخدمت الأراضي الفلسطينية لبناء بنية تحتية عسكرية تخدم الغرب، بدعم مالي من ألمانيا وأمريكا.
3. ألمانيا ودورها في تمويل الاستعمار الصهيوني القذر تحت شعارات الهولوكوست
بعد الحرب العالمية الثانية، قدمت ألمانيا تعويضات مالية ضخمة لإسرائيل تحت ذريعة "الهولوكوست":
بين 1952 و1965، دفع الألمان أكثر من 3 مليارات مارك ألماني (تعادل حوالي 25 مليار دولار اليوم).
استُخدمت هذه الأموال لبناء البنية التحتية الإسرائيلية، بما في ذلك المستوطنات والترسانة العسكرية.
هذا الدعم لم يكن تعويضًا أخلاقيًا بقدر ما كان استثمارًا استراتيجيًا:
أرادت ألمانيا ما بعد هتلر استعادة شرعيتها الدولية عبر دعم إسرائيل.
كانت إسرائيل أداة لمواجهة القومية العربية والنفوذ السوفيتي غير الاستعماري والداعم لحركات التحرر الوطني في المنطقة.
تصريح ميرتس اليوم يكشف استمرار هذا الدور: إسرائيل ليست حليفًا متساويًا، بل وكيلًا لتنفيذ "مهمات قذرة" تخدم ألمانيا والناتو.
التداعيات العالمية للتصعيد النووي
1. قصف المفاعلات النووية: جريمة ضد الإنسانية
قصف إسرائيل للمفاعلات النووية الإيرانية في يونيو 2025 يُعتبر جريمة ضد الإنسانية لعدة أسباب:
التسرب الإشعاعي الناتج عن القصف يُعادل تأثير قنبلة نووية قذرة، مما يُهدد البيئة والسكان المدنيين في إيران والمنطقة.
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سلمية البرنامج النووي الإيراني، مما يجعل الهجوم عدوانًا غير مبرر.
الخسائر البشرية (220 قتيلًا و1800 جريح في إيران) تُظهر استهتارًا بالمدنيين، كما أشار وزير الخارجية الصيني وانغ يي.
تصريح ميرتس بأن هذا "عمل قذر" يكشف أن الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، يتجنب المسؤولية المباشرة، مُفضلًا استخدام إسرائيل كوكيل.وهو يشير أيضا إلى سياسات حكومات ميركل وميرتس الفاشية، التي تجعل الاقتصاد خادما للاقلية المالية الاوليغارشية، من خلال التقشف والديون على حساب أغلبية الشعب الألماني، وهذا ما تفعله حكومة ائتلاف اريزونا البلجيكية ،وحكومات بلجيكا منذ ثلاثين عاما ..
2. مخاطر التصعيد النووي
قصف المفاعلات النووية قد يُؤدي إلى سلسلة من التداعيات:
إيران قد تُسرع في تطوير أسلحة نووية دفاعية، مما يُثير سباق تسلح في المنطقة.
دول أخرى، مثل السعودية وتركيا، قد تسعى لامتلاك أسلحة نووية، مما يُزعزع الاستقرار العالمي.
في سياق أزمة الغرب الهيكلية، قد يلجأ الناتو إلى التصعيد النووي كمحاولة يائسة لاستعادة هيمنته:
تراجع النفوذ الاقتصادي أمام الصين وروسيا يُضعف الغرب.
فقدان الشرعية الأخلاقية بسبب دعم إسرائيل وأوكرانيا يُعزز مقاومة الجنوب العالمي.
هذا الرهان النووي، كما يُحذر محللون، قد يُؤدي إلى كارثة عالمية تُدمر البشرية، بدلًا من إعادة الهيمنة.
3. صمت الإعلام الغربي
أشارت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، إلى "الضجيج الأبيض" في الإعلام الغربي، الذي يتجاهل قصف المفاعلات النووية الإيرانية.
هذا الصمت يكشف عن تواطؤ الإعلام في تبرير جرائم الحلفاء، على غرار تجاهله للإبادة الجماعية في غزة.
في المقابل، تُسلط وسائل إعلام الجنوب العالمي، مثل قنوات إيرانية وروسية، الضوء على هذه الانتهاكات، مما يُعزز التحول نحو نظام إعلامي متعدد الأقطاب.
إسرائيل وأوكرانيا - وكلاء الناتو في المقارنة
1. إسرائيل: وكيل الشرق الأوسط
منذ إقامتها، لعبت إسرائيل دورًا كوكيل للناتو في الشرق الأوسط:
في حروب 1956، 1967، و1973، خدمت إسرائيل مصالح الغرب بمواجهة القومية العربية.
اليوم، تُستهدف إيران كجزء من استراتيجية الناتو لاحتواء المحور المقاوم (إيران، سوريا، حزب الله، حكومة شبه الجزيرة العربية في صنعاء ).
الإبادة الجماعية في غزة، التي أدانتها محكمة العدل الدولية، تُظهر استعداد إسرائيل لتنفيذ "مهمات قذرة" دون النظر إلى التكلفة البشرية.
2. أوكرانيا: وكيل أوروبا الشرقية
منذ الانقلاب المدعوم من الغرب في 2014، أصبحت أوكرانيا وكيلًا للناتو في مواجهة روسيا:
زيلينسكي، بدعم من كتائب آزوف النازية، يُنفذ عمليات استهدفت المدنيين في دونيتسك وقطارات روسية.
الدعم الغربي (أسلحة، تمويل، تدريب) يكشف عن استراتيجية لإضعاف روسيا دون تورط مباشر.
تشابه إسرائيل وأوكرانيا يكمن في:
اعتمادهما على الدعم الغربي للبقاء.
تنفيذهما مهام تخدم الناتو، مع تجاهل الانتهاكات الأخلاقية.
دورهما كأدوات في حروب بالوكالة ضد خصوم الغرب (روسيا، إيران).
3. الفرق بين الوكيلين
إسرائيل تتمتع باستقلالية نسبية بفضل ترسانتها العسكرية وقربها من مراكز القرار الاستعمارية الغربية وتنفيذها لأوامر الاقلية المالية الاوليغارشية الحاكمة في الغرب.
أوكرانيا، في المقابل، تعتمد كليًا على الدعم الغربي، مما يجعلها أكثر عرضة للانهيار في حال توقف هذا الدعم.
إسرائيل تُستخدم في سياق إقليمي (الشرق الأوسط)، بينما أوكرانيا تُستخدم في سياق جيوسياسي عالمي (مواجهة روسيا والصين).
الحلول المحتملة ومستقبل النظام العالمي
1. دعم قوى المقاومة
كما أُشير في الفقرة الملحقة، يُعد دعم إيران وقوى المقاومة (فلسطين، لبنان، اليمن، العراق) ضرورة استراتيجية لمواجهة إسرائيل كخطر وجودي يهدد البشرية جمعاء :
إسرائيل، بإبادتها الجماعية في غزة وقصفها لإيران، تُهدد استقرار المنطقة والبشرية.
قوى المقاومة، بقيادة إيران وحزب الله، أثبتت قدرتها على الصمود وإلحاق خسائر بإسرائيل.
هذا الدعم يتطلب:
تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي بين دول المحور المقاوم.
دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، خاصة بعد حكم محكمة العدل الدولية.
2. بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب
أزمة الغرب الهيكلية تُوفر فرصة لبناء نظام عالمي جديد:
الصين وروسيا، بدعمهما لإيران وسوريا، تُمثلان قطبًا بديلًا يُعزز السيادة الوطنية.
دول الجنوب العالمي (مثل جنوب أفريقيا، البرازيل، الهند) تُطالب بإصلاح الأمم المتحدة لتعكس توازن القوى الجديد.
هذا النظام يتطلب:
إنهاء هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية.
تعزيز منظمات مثل بريكس وشنغهاي للتعاون.
محاسبة الدول الغربية على دعمها للانتهاكات الإسرائيلية.
3. مواجهة التصعيد النووي
لتجنب كارثة نووية، يجب:
فرض عقوبات دولية على إسرائيل بسبب قصفها للمفاعلات النووية الإيرانية.
إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران (JCPOA) لضمان سلمية برنامجها.
نزع السلاح النووي الإسرائيلي، الذي يُعتبر تهديدًا للمنطقة.
المجتمع الدولي، بقيادة الصين وروسيا، يمكنه لعب دور حاسم في نزع فتيل التوترات. وتنفيذ تصفية لاسرائيل من خلال إزالة الشروط الاستعمارية الإبادية وعودة السكان الأصليين إلى حيفا ويافا والجليل المحتل
الخاتمة :
إسرائيل، كامتداد للاستعمار الأوروبي، تُواصل لعب دور "الوكيل القذر" للغرب، من إبادتها الجماعية في فلسطين إلى قصفها لإيران بما يُعادل قنابل نووية قذرة. تصريحات ميرتس تُلخص هذا الدور، لكنها تكشف أيضًا عن أزمة الغرب الهيكلية التي تُعجل بانهيار هيمنته. في مواجهة هذا الواقع، يبرز دعم قوى المقاومة حتى تصفية اسرائيل ككيان قذر لللغرب في اباداته الجماعية واستخدام القنابل النووية القذرة و ايضا بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب كحلول لإنهاء الاستعمار وتجنب كارثة نووية. السؤال المطروح الآن: هل سيتمكن العالم من تجاوز إرث الاستعمار، أم أن التصعيد سيُؤدي إلى نهاية كارثية للبشرية؟