الهولوكوست الجديد لنتنياهو: من الإبادة الجماعية المباشرة في غزة إلى الحرب على إيران
حميد كوره جي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 03:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة المترجم
يشير الكاتب إلى أن استهداف المنشآت النووية، سواء كانت ذات طابع مدني أو عسكري، يمثل خطوة شديدة الخطورة ويوجد سابقة مثيرة للقلق. هذا التصرف قد يدفع دولًا أخرى إلى تبني نفس النهج، مما يؤدي إلى تصاعد خطر الصراعات النووية أو وقوع كوارث غير متوقعة. ويذكّر الكاتب أن مثل هذه الهجمات تتجاهل الدروس المستفادة من كوارث سابقة مثل تشيرنوبيل وفوكوشيما، والتي أسفرت عن نتائج مدمرة على البيئة والبشرية. يحذر الكاتب من أن أي اعتداء على منشأة نووية قد يتسبب في كارثة مشابهة أو ربما أعظم. كما أكد على أن هذه الهجمات تكسر الحظر العالمي المفروض على مهاجمة المنشآت النووية، حيث يوجد إجماع دولي واسع النطاق على ضرورة تجنب هذه الأفعال لما تشكّله من تهديد كارثي محتمل، بالإضافة إلى اعتبارها انتهاكًا جديًا للقوانين والأعراف الدولية.
ازدواجية المعايير الغربية
يلفت الكاتب النظر إلى التناقض في مواقف القادة الغربيين الذين يعارضون الانتشار النووي ويدينون تطوير الأسلحة النووية من قبل بعض الدول، بينما يتجاهلون المخاطر الناجمة عن أفعال حلفائهم التي قد تؤدي إلى كارثة نووية. يظهر هذا الموقف تناقضًا واضحًا في السياسات الغربية ويكشف عن قدر من النفاق في تعاملهم مع هذا الملف الحساس.
ويشير إلى أن هذا التغاضي عن المخاطر يعني دعمًا ضمنيًا لحلفائهم في "التسبب في كارثة نووية"، مما يزيد من خطورة الوضع ويضعف مصداقية الغرب في مجال عدم الانتشار النووي.
يربط الكاتب هذه الازدواجية بـ"التاريخ الاستعماري ذاته". هذا يؤكد أن سلوك الدول الغربية ليس مجرد صدفة أو تناقضًا حديثًا، بل هو امتداد لأنماط تاريخية من الهيمنة، والاستغلال، والتبرير للأعمال الوحشية.
كما يقدم الكاتب أمثلة تاريخية لدعم حجته: "تجارة العبيد، وإبادة الشعوب الأصلية، وهندسة المجاعات الاستعمارية، وارتكاب المحرقة، وإسقاط القنابل الذرية مرتين على أهداف مدنية". هذه الأمثلة تهدف إلى إظهار أن "الحضارة الغربية" لديها سجل طويل في ارتكاب الفظائع وتبريرها لأغراض سياسية واقتصادية.
و يوضح أن "نفس ما يسمى بـ"الحضارة الغربية" تقدم الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية عبر الأقمار الصناعية والدعم الدبلوماسي لإسرائيل، التي تتجه نحو كارثة نووية في إيران وتجوع الأطفال في غزة". هذا يربط التاريخ الاستعماري بالسياسات الحالية، ويدعي أن الدعم الغربي لإسرائيل هو استمرار لهذا النمط التاريخي من التواطؤ في الأفعال التي يعتبرها الكاتب إبادة جماعية وتهديدًا نوويًا.
يقدم تصريح المستشار الألماني فريدريش ميرتز، الذي اعترف بأن إسرائيل تقوم بـ"العمل القذر نيابة عنا"، كدليل جلي على هذا التواطؤ. هذا التصريح، وفقًا للكاتب، يكشف عن طبيعة العلاقة بين الدول الغربية وإسرائيل، حيث تُنظر إلى أفعال إسرائيل على أنها تخدم مصالح الغرب، حتى لو كانت هذه الأفعال وحشية أو تنتهك القانون الدولي.
-------------------------------------------------------------------------------------------------
بقلم جمال كنج*
ترجمة: حميد كوره جي
في تحريف للغة شبيه بأعمال أورويل، وصفت مجموعة السبع (G7) الهجمات العسكرية الإسرائيلية على إيران بأنها "دفاع عن النفس". هذا التلاعب بالمفردات، الذي يخدم أجندة سياسية، يهدف إلى تطبيع العدوان الإسرائيلي وتقديم غطاء دبلوماسي لانتهاكاته المتكررة للقانون الدولي. وبدلًا من إدانة التصعيد الإسرائيلي، اكتفت مجموعة السبع بدعوات مبهمة لـ"خفض التصعيد"، وهو ما يعادل عمليًا تأييدًا للحصانة الإسرائيلية تحت قناع الحياد.
ما كان غائبًا بشكل صارخ عن بيان مجموعة السبع هو أي ذكر لاستخدام إسرائيل للتجويع كسلاح ضد 2.3 مليون فلسطيني في غزة، أو انتهاكها لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، أو قصفها المستمر منذ سنوات لسوريا. يبدو أن مجموعة السبع قد وضعت نفسها بالكامل في خدمة حروب نتنياهو المفتوحة وغير المحدودة.
من المثير للدهشة أن الطبيعة المدنية للبرنامج النووي الإيراني قد تم تأكيدها هذا الأسبوع من قبل رئيسة مجتمع الاستخبارات الأمريكية. ففي شهادتها أمام الكونغرس، أكدت تولسي غابارد بشكل قاطع أن إيران لا تعمل على بناء سلاح نووي. وقد جاء هذا التقييم مدعومًا في اليوم ذاته من قبل رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي أكد لشبكة سي إن إن أنه لا توجد "جهود منهجية" لتحويل البرنامج إلى تصنيع سلاح نووي.
ومع ذلك، يعكس بيان مجموعة السبع موقفًا سياسيًا أكثر منه تقييمًا موضوعيًا، وهو تعبير آخر عن الهيمنة الغربية المستمرة للحفاظ على السيطرة على التكنولوجيا النووية وحرمان الدول غير الغربية من التقدم في هذا المجال. ويظهر هذا التحيز بأشكال خطيرة، خصوصًا من خلال الدعم الضمني من واشنطن وأوروبا للهجمات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية – وهي منشآت تخضع لضمانات المعاهدات الدولية. تُعد هذه الهجمات انتهاكًا واضحًا للمادة 56 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف المنشآت النووية المخصصة لتوليد الطاقة.
إن استهداف منشأة لتخصيب الوقود أو حوض وقود مستهلك يشكل خطرًا جسيمًا. يمكن لمثل هذا الفعل أن يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الإشعاع، مما يتسبب في وفاة المدنيين وتلويث المياه الجوفية والأراضي الزراعية والنظم البيئية بالكامل لعقود قادمة. الأثر الناتج سيكون مكافئًا لهجوم نووي بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في إيصال الضرر. ومع ذلك، فإن العواصم الغربية التي تحذر بحق من مخاطر مماثلة عند محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا تبرر بصورة متناقضة الغارات الإسرائيلية تحت مسمى "الدفاع عن النفس".
قد يفسر شبح حدوث تسرب كارثي سبب تردد إسرائيل حتى الآن في قصف مجمع فوردو الإيراني المدفون في عمق الأرض، حيث يتم تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 بالمئة. التداعيات البيئية والدبلوماسية والإقليمية قد تكون غير قابلة للتقدير. وعلى الرغم من أن نتنياهو يرغب في تدمير هذا المنشأة، يبدو أنه يفضل تفويض هذا الخطر للولايات المتحدة، معتمدًا على أن إدارة ترامب قد تكون أكثر استعدادًا وقدرة على تحمل النتائج.
إن استهداف البنية التحتية النووية، سواء كانت مدنية أو غير ذلك، يفتح بابًا خطيرًا ويؤسس لسابقة مقلقة. إنه يتجاهل دروس تشيرنوبيل وفوكوشيما، ويكسر المحرمات العالمية المتعلقة بمهاجمة المنشآت النووية، ويكشف عن ازدواجية المعايير لدى القادة الغربيين الذين ينتقدون الانتشار النووي بينما يغضون الطرف عندما يخاطر حلفاؤهم بالتسبب في كارثة نووية.
هذه الازدواجية الأخلاقية ليست بالأمر الجديد ولا هي مجرد صدفة. إنها متجذرة في التاريخ الاستعماري ذاته الذي غذّى تجارة العبيد، وأباد الشعوب الأصلية، وهندس المجاعات الاستعمارية، وارتكب المحرقة، وأسقط القنابل الذرية مرتين على أهداف مدنية. نفس ما يسمى بـ"الحضارة الغربية" تقدم الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية عبر الأقمار الصناعية والدعم الدبلوماسي لإسرائيل، التي تتجه نحو كارثة نووية في إيران وتجوع الأطفال في غزة. وقد ظهر هذا التواطؤ بشكل جلي هذا الأسبوع من خلال تصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتز، الذي اعترف علانية بأن إسرائيل تقوم بـ"العمل القذر نيابة عنا".
يعمل عملاء نتنياهو في الولايات المتحدة، بدفع من أجندة تركز على مصالح إسرائيل أولًا، على تحفيز واشنطن للانخراط في حرب جديدة مهندسة من قبل إسرائيل. يسعون جاهدين لإقناع ترامب بإتمام المرحلة الأكثر تعقيدًا من رؤية نتنياهو المثيرة للجدل. حجتهم تتمثل في أن إسرائيل قد أضعفت بالفعل دفاعات إيران بما يكفي لجعل التدخل الأمريكي يبدو أقل خطورة على القوات والمصالح الأمريكية في المنطقة.
وسط هذا السيناريو المحبوك بعناية، يدخل نتنياهو بنفسه – ذلك السياسي البارع في التلاعب والذي يدرك نقاط ضعف ترامب النفسية أكثر من مستشاريه. مكالمة واحدة، مليئة بالإطراء والوعود بالهيمنة التاريخية، قد تكون كافية لتغيير الأمور. استغلال غرور ترامب الهش وإقناعه بأنه سيُخلد في التاريخ كـ"منقذ إسرائيل" قد يكون السبب وراء سحب الجنود الأمريكيين إلى حرب جديدة، تصب في نهاية المطاف في مصلحة إسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط.
على غرار ما حدث في عام 2003، حينما استغل المحافظون الجدد اليهود المؤيدون لإسرائيل، بمن فيهم نتنياهو وأكاذيبه أمام الكونغرس في عام 2002، رئيسًا أميركيًا سهل التأثر بدعوى أن تغيير النظام في العراق سيطلق موجة من الديمقراطية في الشرق الأوسط. بعد أكثر من عقدين من الزمن، لا يزال الإقليم، بل والولايات المتحدة إلى حد كبير، يعاني من تبعات الانخراط في حرب خارجية كارثية بُنيت على الأكاذيب والغرور والولاء الأعمى للمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.
هل سيفعلها أم لن يفعل؟ التنبؤ بقرارات ترامب كان دائمًا أمرًا بالغ الصعوبة، ليس بسبب عبقرية استراتيجية أو مخطط محكم، بل نتيجة لخليط متفجر من الاستياء، والأنانية، والتصرفات العشوائية. على سبيل المثال، بدأ حروبه التجارية بفرض تعريفات جمركية شاملة، لكنها تفككت بسبب استثناءات فوضوية؛ كما أن سياساته المتشددة بشأن الهجرة تراجعت إلى محادثات حول استثناء صناعات الزراعة والضيافة. نفس النمط العشوائي يميز سياسته الخارجية: تهديدات صاخبة، انعكاسات مفاجئة، وتجدد العدوان كلما تقاطعت المجاملات مع نقاط الحديث التي تبثها شبكة فوكس نيوز. منشوراته المتهورة وتصريحاته المستفزة بشأن إيران ليست استثناءً – بل هي مجرد أحدث نوبة في سلسلة طويلة من الارتباكات.
هذا المزيج الخطير – استراتيجية إسرائيل التي تفتقر إلى الأخلاق، جنبًا إلى جنب مع رئيس أميركي يميل لاتخاذ قرارات متسرعة – يفتح الطريق لتصعيد مقلق. إنه يعزز من تحقيق طموح نتنياهو الشيطاني لـ"إعادة تشكيل الشرق الأوسط"، وهو الشعار الذي سبق أن أدى إلى حرب العراق في عام 2003. وبعد مرور عشرين عامًا، لا تزال العراق تعاني من الجراح التي خلفتها تلك الحرب؛ وإذا تورطت الولايات المتحدة في حرب جديدة ضد إيران، فستفتح بذلك فصلًا جديدًا من الفوضى في "الشرق الأوسط الجديد" الذي يطمح إليه نتنياهو.
لقد أثبت القادة الغربيون عجزهم عن التعلم من دروس التاريخ المدمرة. مرة تلو الأخرى، يكررون نفس الأخطاء التي تنبع من غطرسة القوة، ولكن هذه المرة المخاطر أشد وأكبر. من خلال تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، فإنهم لا يكتفون بغض الطرف وحسب، بل يشاركون فعليًا في دعم سياسات نتنياهو الإبادة الجماعية وتكريس التفوق اليهودي الإسرائيلي.
تواطؤ الزعماء الغربيين ليس مجرد تهاون، بل أصبحوا شركاء ومساهمين في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، وداعمين فعليين لكارثة نووية تلوح في الأفق في إيران. وعلى الرغم من عقود من الأدلة التي تبرز كيف أن الغطرسة الإمبريالية تؤدي إلى الفوضى والدمار – بدءًا من إفريقيا وصولًا إلى فيتنام، ومن العراق إلى ليبيا وما بعدها – لا تزال هذه القيادات تتبنى وهم القوة كمعيار للحق، مبررة المجازر المباشرة التي تُرتكب في غزة، وممهدة الطريق نحو مأساة نووية جديدة في إيران.
*جمال كنج مؤلف كتاب "أطفال النكبة": رحلة من مخيم لاجئين فلسطينيين إلى أمريكا، بالإضافة إلى كتب أخرى. يكتب بانتظام حول قضايا العالم العربي في تعليقات وطنية ودولية متعددة.