عصابة الإخوان في فرنسا: لوفيغارو تكشف النصف وتخفي النصف الآخر
احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 18:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في تقرير صادم نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في 21 مايو 2025، يُسلط الضوء على ما أسمته "الخطر الإخواني" في قلب الجمهورية الفرنسية، واصفة جماعة الإخوان المسلمين بأنها شبكة "خبيثة" تسعى لفرض الشريعة وتقويض قيم الجمهورية. التحقيق، الذي استند إلى وثائق سرية، يكشف عن آليات مالية معقدة، تُزعم أنها تستخدم برامج وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID) كغطاء لتصفية أموال وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) لدعم جماعات إرهابية، من جبهة النصرة بقيادة الجولاني إلى داعش، وصولاً إلى شبكات الإخوان في أوروبا. لكن، يا سادة، هذا التقرير، رغم شجاعته الظاهرية، يتجاهل الحقيقة الكبرى: الإخوان ليسوا تنظيمًا "مشرقيًا"، بل دمية استعمارية أسستها دوائر المخابرات البريطانية (MI6)، تغذيها مليارات محميات الخليج الصهيو-أمريكية – السعودية، قطر، الإمارات، الكويت – ودعمتها شخصيات مثل أنور السادات، ملك الأردن، ويوسف ندا في سويسرا. وفي ظل إدارة دونالد ترامب، يبدو أن المقصلة المالية والوجودية تُعد لهذه الشبكة ولأذنابها من أردوغان إلى الجولاني، ومن نتنياهو إلى تميم، وحتى عباس، دحلان، جعجع، والكتائب. دعونا، أيها القارئ، نغوص في هذا المستنقع السياسي، نكشف زيف "لوفيغارو"، ونضيء على الحقيقة التي حاولت إخفاءها، مستلهمين صوتي في قصيدتي "فصل من الفردوس المقاوم":
"إيها الغزاة .. كم اعتليتم سطح الخرافة
كي تنادوا على الهكم : دولار.."
لوفيغارو: نصف الحقيقة وكامل الإلهاء
تقرير "لوفيغارو" يرسم صورة مخيفة: الإخوان المسلمون يتغلغلون في المجتمع الفرنسي عبر جمعيات خيرية، مراكز ثقافية، ومؤسسات دينية، يجمعون ملايين اليوروهات لنشر نفوذهم. التقرير يشير إلى مؤسسات مثل "مؤسسة الإغاثة الإسلامية" في لندن، التي أسسها قادة إخوانيون كإبراهيم الزيات وهاني البنا، وجمعت منذ 2008 أكثر من 456 مليون جنيه إسترليني، جزء منها يُزعم أنه جاء من برامج USAID. هذه الأموال، بحسب التقرير، تُستخدم لدعم جماعات إرهابية كجبهة النصرة في سوريا وداعش، مع شبكات تمتد إلى فرنسا، حيث يُتهم الإخوان بالسعي لفرض "الشريعة" وتقويض العلمانية. لكن، يا سادة، هذا التقرير يُقدم الحقيقة مقلوبة، كما اقول:
"في تاريخ العرب التاريخ يدرس لهم ويروى بالمقلوب.."
"لوفيغارو" تتجاهل الجذور الحقيقية للإخوان: هذه الجماعة ليست وليدة المشرق، بل صنيعة الاستعمار البريطاني. تأسست في 1928 على يد حسن البنا، بدعم من جهاز المخابرات الخارجية البريطانية (MI6)، لمواجهة الحركات القومية والشيوعية في مصر وفلسطين. كما يكشف الكاتب البريطاني مارك كورتيس في كتابه التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين (2018)، استخدمت بريطانيا الإخوان لتأليب المسلمين ضد القادة الوطنيين، من جمال عبد الناصر إلى حركات المقاومة الفلسطينية. التقرير الفرنسي يصور الإخوان كتهديد "إسلامي"، لكنه يتجاهل كيف صنعت الغرب هذا الوحش، مستخدمًا محميات الخليج كخزائن مالية لتمويله.
محميات الخليج: خزائن الإمبريالية
السعودية، قطر، الإمارات، والكويت، تلك "محميات الظلمات" كما أسميها، هي العمود الفقري المالي للإخوان والجماعات الإرهابية. تقرير مركز TRENDS Research & Advisory (2020) يكشف كيف أسس يوسف ندا، "وزير مالية الإخوان"، بنك التقوى في جزر البهاما عام 1988، برأسمال وصل إلى 229 مليون دولار، ليصبح أداة لتصفية الأموال عبر سويسرا وأوروبا. هذه الأموال، التي يُزعم أن بعضها جاء من برامج USAID، تُستخدم لدعم جبهة النصرة، داعش، والإخوان في فرنسا وبريطانيا. السعودية، بعباءتها الوهابية، تمول السلفية المتطرفة في سوريا واليمن، بينما قطر، عبر قنوات مثل الجزيرة و"مؤسسة الإغاثة الإسلامية"، تدعم الإخوان في ليبيا ومصر. الإمارات تلعب دورًا مزدوجًا، تدعم الفاشية اللبنانية (جعجع والكتائب) وتُحارب الإخوان لنشر الاقتتال بين العرب من أجل مصالح الاقلية المالية الاوليغارشية الحاكمة في الغرب ، بينما الكويت تساهم عبر جمعيات خيرية تمول الإرهاب في سوريا.
يا للسخرية! هذه المحميات، التي تتباهى ببريق قصورها، هي مجرد خزائن للإمبريالية. كما يقول سلوم:
"امة الخراف التي يقودها عملاء الصهاينة حمد والفيصل والقرضاوي الى الذبح.."
أنور السادات، الذي فتح أبواب مصر للإخوان في السبعينيات لمواجهة الناصريين والشيوعيين، وملك الأردن، الذي دعم الجماعة لإضعاف القوميين، لعبا دورًا رئيسيًا في تعزيز هذه الشبكة. يوسف ندا، من سويسرا، أدار بنك التقوى كغسالة مالية للإخوان، مستفيدًا من علاقاته مع أجهزة المخابرات الأوروبية. لكن "لوفيغارو" تتجاهل هذه الحقائق، مفضلة تصوير الإخوان كتهديد "مشرقي"، كأن الغرب بريء من صناعتهم.
ترامب والمقصلة المالية: نهاية الأذرع الخارجية
في ظل إدارة دونالد ترامب، يبدو أن المقصلة المالية والوجودية تُعد للإخوان وأذنابهم. تقرير "لوفيغارو" يأتي في سياق تصعيد أمريكي ضد الجماعة، حيث حاولت إدارة ترامب تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية منذ 2019، رغم ضغوط سابقة في عهد أوباما لعدم القيام بذلك. سياسة "أمريكا أولاً" لا تتسامح مع تمويل أذرع خارجية، حتى لو كانت محميات الخليج تخدم مصالح رأس المال الصهيو-أمريكي. أردوغان، الذي يدعم الإخوان في سوريا وليبيا، والجولاني، زعيم جبهة النصرة، وتميم، أمير قطر، ونتنياهو، الذي استفاد من الفوضى التي زرعها الإخوان في المنطقة، جميعهم على قائمة التصفية. حتى محمود عباس ومحمد دحلان، اللذان خانوا القضية الفلسطينية، وسمير جعجع والكتائب، أدوات الصهيو-أمريكية في لبنان، يواجهون تهديدًا وجوديًا. ترامب، مهما ضحك في وجوه أمراء الخليج، يعلم أن هذه المحميات جبانة، تخاف من شعوبها، وشرعيتها تعتمد على عمالتها للكيان الصهيوني، الذي ينتحر ببطء تحت ضربات المقاومة.
خطورة عصابات الإسلام الصهيوني
إلى جانب الشبكات المالية والسياسية التي كشف عنها تحقيق "لوفيغارو"، تبرز خطورة عصابات الإسلام الصهيوني كتهديد مباشر للأمن والاستقرار في فرنسا، بل وفي العالم أجمع. في حادثة مروعة هزت الجمهورية الفرنسية، فجر انتحاري تونسي وهابي، ينتمي إلى عصابة داعش المشتقة من جماعة الإخوان المسلمين، نفسه في باريس لمنع مناظرة انتخابية مرتقبة بين الرئيس إيمانويل ماكرون والزعيم اليساري جان-لوك ميلونشون. هذا العمل الإرهابي، الذي نفذته أدوات الإسلام الصهيوني، لم يهدف فقط إلى إراقة الدماء، بل إلى التلاعب بمسار الديمقراطية الفرنسية. مستغلة هذا الحدث، قامت وسائل الإعلام المملوكة للأقلية الأوليغارشية، التي تخدم أجندات الإمبريالية الصهيو-أمريكية، بتحويل اهتمامات الناخبين نحو الخوف والأمن، بعيدًا عن القضايا الجوهرية كالعدالة الاجتماعية والتحديات الاقتصادية. هذا المسار الخطير، الذي يُظهر تحكم عصابات الإرهاب السياسي بالرواية الإعلامية، أضعف قدرة الجمهورية الفرنسية على مواجهة تحدياتها الحقيقية، مثل الفقر، التفاوت الاجتماعي، والهيمنة الرأسمالية. في المقابل، تقدم الصين نموذجًا مغايرًا: لقد أصبحت عملاقًا اقتصاديًا وسياسيًا لأنها قضت مبكرًا على جذور العصابات الوهابية وأخواتها، مثل جماعات التطرف في شينجيانغ، من خلال سياسات صلبة منعت انتشار الطائفية والإرهاب. فرنسا، التي تتردد في مواجهة هذه العصابات بسبب ضغوط الأوليغارشية الغربية، تُغرق نفسها في مستنقع الفوضى، بينما تثبت الصين أن القضاء على الإرهاب الصهيوني-الوهابي هو مفتاح الاستقرار والتقدم.
.........