اليسار العار


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6844 - 2021 / 3 / 18 - 17:37
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

لم يكن مفاجئاً أن ينتدب "الحوار المتمدن" الموسوم باليساروية أحد أئمة ما يوصف باليسار وهو الدكتور كاظم حبيب في باكورة إفتتاح قناة الحوار المتمدن على "اليوتيوب" ليتحدث عن دور مزعوم لليسار في التاريخ وأسباب تراجعه .
منذ سبعينيات القرن الماضي كتبت العديد من المقالات في صحف ومواقع مختلفة تهاجم اليسار وتؤكد على أنه العدو المباشر للشيوعيين، بدءاً بخيانة الأممية الثانية في مؤتمرها العام في بازل 1912 للنهج الماركسي تحت راية اليساروية والتي تتمثل اليوم بالأحزاب الاشتراكية في أوروبا التي باتت تعرف باسم "الديموقراطية الإجتماعية" تأكيدا على تخليها عن الماركسية بل عدائها لها . وكان تروتسكي هو أول من شكل جماعة يسارية في الحزب الشيوعي مستهدفاً مناهضة لينين . وفي سوريا شكلت البورجوازية الوضيعة حزب البعث اليساري بهدف مقاومة الشيوعية فبل أي هدف آخر .

قبل أن يبحث اليسارويون في أصول قواعدهم وفيما إذا كان يسارهم يتقدم أم يتخلف عليهم أن يثبتوا أولاً فيما إذا كان هناك فراغ في فضاء المجتمع تشغله كتلة اليسار !!
في المجتمع الرأسمالي هناك تناقض رئيسي يحكم حركة المجتمع بل وسائر التناقضات الثانوية فيه وهو التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج أو بين العمال والرأسماليين . فأين يقف اليسار في غمرة هذا التناقض المستعر باستمرار ؟ الفكرة العامة لمفهوم ما يسمى باليسار هو تواجد اليسار قريباً من جبهة العمال . لكن صراع العمال لا يتوقف قبل قيام دولة دكتاتورية البروليتاريا وهي الدولة التي يعارضها اليساريون بمختلف أشتاتهم معارضة حدية قاطعة الأمر الذي يجعل من اليسار عدواً مباشراً للبروليتاريا في خدمة الرأسماليين . وهكذا نتعرف على اليساريين على أنهم قوم أفّاقون ىلا مبادئ ولا يشغلون أدنى حيّز من فضاء المجتمع . إنهم خارج التاريخ وعليه فكل نقد لليسار إنما هو تغميس من خارج الصحن .

الصحن الذي غمّس منه كاظم حبيب هو صحن الليبرالية بامتياز، فيه الماركسية الشائخة، كما قال حبيب، والماركسية السوفياتية المنافية للماركسية والماركسية القومية وفيه فساد المجتمع السوفياتي. في الحقيقة أن الدكتور كاظم حبيب الذي قضى عمراً في الحزب الشيوعي العراقي لو كان قد استوعب الماركسية بكل أعماقها، وقد اعترف بالقصور في هذا الأمر، ودرس تاريخ الاتحاد السوفياتي دراسة علمية تاريخية لما ارتضى الغموس في مثل هذا الصحن الليبرالي بامتياز .

بدا كاظم حبيب في جهل مطبق لمحطات شيوعية رئيسة ...
المحطة الأولى تحط في جهل كاظم حبيب للأسباب الحقيقية لانهيار الاتحاد السوفياتي بدلالة الأخطار الحقيقية التي أحاطت يالثورة الاشتراكية في العام 1952 حينما كان الاتحاد السوفياتي أقوى دولة في الأرض بعد أن قام بحماية الدول الرأسمالية الكبرى فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة من غول النازية الهتلرية في أوروبا ومن العسكرتاريا اليابانية في شرق آسيا . من أية أخطار حذر ستالين المؤتمر التاسع عشر بقوة في العام 1952 وقد تجاهلها كاظم حبيب !!؟ طبعاً من لا يعرف أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي لا يسطيع أن يقدم نقداً مقبولا للثورة الاشتراكية وللإشتراكية السوفياتية .

المحطة الثانية وتحط في جهل كاظم حبيب بطبيعة الإشتراكية وهي الفترة التي حددها ماركس يتم خلالها الإعداد للإنتقال إلى الحياة الشيوعية . كان لينين قد قدم تعريفاُ دقيقاً للإشتراكية وهو "محو الطبقات "، ولا يتم هذا إلا في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا . قيام الحزب الشيوعي بإلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا في العام 61 وحلول محلها ما أسموه "دولة الشعب كله" فذلك يعني بالقطع أن الإتحاد السوفياتي لم يعد اشتراكياً حسب معايير الماركسية اللينينية .

المحطة الثالثة وتحط في جهل كاظم حبيب للثورة الإشتراكية التي حدد ميكانزمتها كارل ماركس فقال تقوم الثورة الشيوعية الدائمة في مركز النظام الرأسمالي العالمي وتمتد إلى الأطراف وهو ما يعني أن الحزب الشيوعي في العراق أم في الأردن أم في غيرهما إنما هو طرف من أطراف الحزب الشيوعي السوفياتي الأمر الذي لا يحول دون اعتبارالخصائص الوطنية في الاعتبار – كان أحد أسباب خروجي من الحزب الشيوعي الأردني في العام 65 هو تبني موقف كاظم حبيب في استقلال الحزب بعيدا عن الحزب السوفياتي، وكان هذا خطأ ماركسي فاضح .

عار اليسارويين هو أنهم إنشقوا عن الحركة الشيوعية وخرجوا خارج التاريخ بسبب سوء قراءتهم للتاريخ . نجم عن قراءتهم السيئة شبهات ليس في الإشتراكية السوفياتية فقط بل وفي النظرية الماركسية أيضاً . كيف لهؤلاء القوم ألا يقرأوا الإنقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع المارشال جوكوف في يونيو 57 وانتهى إلى طرد الأعضاء في المكتب السياسي الذين سحبوا الثقة من خروشتشوف وعددهم 7 من أصل 9 أعضاء ؟ وكيف لهم ألا يقرأوا الإنقلاب العسكري في أكتوبر 64 وانتهى إلى إسقاط خروشتشوف وطرده من الحزب .
هو أصلاً لم يعد الإتحاد السوفياتي اشتراكياً بعد إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا في العام 61 حسب المعايير الماركسية اللينينية . بل هو لم يعد اشتراكياً بعد إلغاء الخطة الخمسية بقرار مخالف للقانون اتخذته اللجنة المركزية للحزب في سبتمبر 53 من أجل تكريس كل مقدرات البلاد للتسلح كما ورد في البيان إذاك .

من العار أيضاً أن يتحدث اليسارويون حديث المخابرات الإنجليزية والأميركية عن غياب الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان في الإتحاد السوفياتي . ليس أدل على كذب هذه الدعاوى من اصطفاف عشرات ملايين السوفياتيين كتفاً بكتف وراء ستالين والقيام بأغلى التضحيات في الدفاع عن وطنهم الإشتراكي . الحرية والديموقراطية في الاتحاد السوفياتي لم يقم مثيل لهما على وجه الأرض عبر التاريخ . كانت كل السلطة بيد الشغيلة في مشاغلهم . وحتى بعد وصول يلتسن إلى سدة الرئاسة كان العمال هم الذين ينتخبون مدراءهم ومجالس الإدارة ويذكر في هذا السياق قول لستالين إذ قال .. "أنا شخصيا لا أقرر أي شيء سوى القيام بوظيفتي وهي أن أنفذ القرارات التي تأتيني من تحت" . في الأرشيف العسكري كررت القيادة أمر منع التصويت على تنفيذ العمليات الحربية واستمر التصويت حتى في العام 43 . كانت الدولة السوفياتية تضمن جميع متطلبلت الحياة لجميع مواطنيها ضمن الحدود التي يسمح بها الدخل القومي . كان الحزب يقرر زيادة الأجور وخفض الأسعار لدى نهاية كل خطة خمسية .

نقطع بعد كل هذا إلى أنه يتوجب على اليسارويين أن يستعيدوا قراء تاريخ الاشتراكية السوفياتية قراءة دقيقة كيما بعودوا إلى داخل عربة التاريخ .
نحن بالإنتظار ...