نهاية الصراع الطبقي إلى غير رجعة (2/2)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6627 - 2020 / 7 / 25 - 00:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

نهاية الصراع الطبقي إلى غير رجعة (2/2)
الطبقة الرأسمالية في الولايات المتحدة كانت نهايتها مختلفة وكانت أشبه بالإنتحار الطوعي .
في العام 1941 كانت الرأسمالية في الولايات المتحدة بالكاد تتشافى من أزمتها الخانقة في العام 29 والتي ما كانت لتبرأ منها بغير مشروع روزفلت "المقاربة المختلفة" (New Deal) 1933 – 1939 .
في ديسمبر 41 فوجئت إدارة روزفلت باعتداء ياباني صاعق على الميناء الأميركي بيرل هاربر (Pearl Harbor) وإيقاع خسائر فادحة بالبحرية الأميركية المسالمة . ذلك العدوان غير المبرر دفع بأميركا إلى الدخول في الحرب ضد اليابان في شرق آسيا ومساعدة بريطانيا في الحرب على ايطاليا على شواطئ المتوسط .
لم تحقق الولايات المتحدة تساعدها بريطانيا أي نجاح في مواجهة اليابان خلال أربع سنوات 1941 - 45 ولم تستسلم اليابان للولايات المتحدة في 2 سبتمبر 45 لأنها خسرت 150 ألف مواطنا مدنياً بفعل القنبلتين الذريتين في هيروشيما في 6 أغسطس وفي ناغازاكي في 9 أغسطس بل لأنها خسرت أكثر من مليون جنديا في مواجهة الجيوش السوفياتية في منشوريا خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة (9 – 31) من شهر أغسطس نفسه . استسلمت اليابان للولايات المتحدة وليس للإتحاد السوفياتي بموجب اتفاق بين ستالين وروزفلت في مؤتمر يالطا في فبراير 45 ؛ تم ذلك بالرغم من تواجد قوات سوفياتية على أرض اليابان وغياب أية قوى أمريكية .
مقابل الدور الأميركي الفاتر في الأعمال الحربية كان لها دور ملموس في تزويد جبهات القتال بالمعدات والمؤن اللازمة . مثل هذا الدور المؤثر في جبهات القتال تطلب نشاطاً استثنائياً لقوى الانتاج في أميركا وهو ما انعكس في تطور متعاظم لقوى الرأسمالية مما مكنها في انتخابات الرئاسة في العام 44 من فرض ممثلها اليميني الفاشي هاري ترومان (Harry Truman) نائباً للرئيس روزفلت . لم تمضِ أكثر من ثلاثة شهور من فترة رئاسته الرابعة حتى توفي أعظم رؤساء أميركا على الإطلاق فرانكلن روزفلت ليخلفه لسوء حظ البشرية جمعاء أحقر رؤساء أميركا على الإطلاق مجرم الحرب هاري ترومان . لم تشفِ غليل ترومان أجساد 80 ألف إنسان تذوب في الغبار الذري في هيروشيما في 6 أغسطس حتى ألقى في 9 أغسطس قتبلته الثانية على ناغازاكي لتذوب في غبارها أجساد 70 ألف إنسان – كيف يمكن إعتبار هذا الوحش البشري من طينة البشرية !؟
رسم هذا الوحش المسعور سياسة جديدة للولايات المتحدة المعاكسة تماما لسياسة الرئيس روزفلت . فبدل سياسة الصداقة مع الاتحاد السوفياتي التي أرساها روزفلت جاءت سياسة ترومان في عداء مطلق للشيوعية . فبالرغم من أن الاتحاد السوفياتي هو من أخضع اليابان لتستسلم للولايات المتحدة إلا أن ترومان الذي تذلل كثيراً لستالين في مؤتمر بوتسدام (17 يوليو – 2 اوغست) من أجل مساعدته في الحرب على اليابان كما نشرت الصحف الأميركية قبل أسابيع أخذ يلح حال انتهاء الحرب على إعادة السوفيات لجميع المعدات المعارة والمستأجرة من أميركا .
كان الرئبس روزفلت قد وعد ستالين في مؤتمر يالطا (فبراير 45) بأن يعطيه قر ضاً بمقدار 10 مليار دولار مقابل أن وعده ستالين بالمساعدة في الحرب على اليايان ؛ لكن مجرم الحرب ترومان حول القرض الموعود إلى مشروع مارشال في العام 47 بقيمة 12.5 مليار دولار انفقها في أوروبا الغربية لمقاومة الشيوعية . في العام 49 نظم ترومان حلفا معادٍ للشيوعية بمساعدة وزبر خارجية بريطانيا العمالي العميل المأجور للمخابرات الأميركية إرنست بيفن (Ernest Bevin) هو حلف شمال الأطلسي – ما يستدعي الدهشة في هذا المقام هو أن تشيرتشل في خطابه الشهير في مدينة فولتون بحضور ترومان طالب بعقد تحالف حضاري يضم الشعوب الناطقة بالإنجليزية مقابل الحضارة السلافية في المعسكر الاشتراكي، بينما حزب العمال اليساري الذي انتخبته شعوب بريطانيا بسبب إعجابها بالدور السوفياتي في الحرب كما أفاد تشيرتشل بلقائه ستالين في يالطا عمل على عقد تحالف عسكري عدواني ضد الاتحاد السوفياتي !!
السياسة الجديدة الحمقاء التي أسس لها ترومان قضت بتكريس كل عائدات النظام الرأسمالي المتطور في نهاية الحرب في أميركا لمقاومة الشيوعية وهو ما حال دون تطور الرأسمالية ا-لأميركية إلى مرحلة الإمبريالية. وفي العام 47 أيضاً أسس وكالة الاستخبارات الأميركية لمحاربة الشيوعية، وانتشرت لوثة محاربة الشيوعية في أوساط الطبقة الحاكمة فكانت المكارثية لطخة العار في تاريخ الولايات المتحدة وكان إذاك جريمة إعدام الزوجين الشيوعيين جوليوس وإيثيل روزنبورغ اللذين سيخلدهما التاريخ بريئين باعتبارهما أولى ضحايا الفاشية الأمريكية كما أكدت إيثيل من على كرسي الإعدام .
سياسة ترومان الفاشية الحقماء في محاربة الشيوعية اقتضت ألا تتوقف حرب أميركا على الشيوعية طيلة ربع قرن 1951- 1975 . واستمرت تحارب حتى بعد أن انهار النظام الرأسمالي فيها ولم يعد عليها بالأموال الكافية للحرب على الشيوعية في العام 71، فكان أن هربت جيوشها مذعورة مهزومة في ابريل 75 من فيتنام . كثيرون هم الذين يعارضون حقيقة انهيار النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة لكن لا يمكن أن يؤخذ اعتراضهم في الاعتبار قبل أن يثبتوا ما لم يستطع ماركس ادراكة وهو أن هناك اقتصاد رأسمالي لا ينتج فائضاً للقيمة، وجعل رئيسة الكونجرس نانسي بيلوسي (Nancy Pelosy) تصيح مولولة في الخريف الماضي على مستقبل أميركا وهي تستدين كل دقيقة ليلاً نهاراً مليون دولار . الولايات المتحدة تدفع سنوياً اليوم 500 مليار دولار فائدة على ديونها للدائنين . ليست الرأسمالية في الولايات المتحدة إلا أثراً بعد عين .
لا يمكن أن تنهار العوالم الثلاث الموروثة عن الحرب العالمية دون انهيار تلك الطبقات الكلاسيكية الثلاث التي كانت تبني تلك العوالم . الإنقلاب العميق الذي قامت به طبقة البورجوازية الوضيعة السوفياتية ضد الإشتراكية في العام 53 كان الضربة القاصمة لفلول البروليتاريا فيما بعد الحرب . كما انهارت الطبقة الرأسمالية في أميركا بفعل الحرب المستمرة على الشيوعية . وانهارت طبقة البورجوازية الوطنية الدينامية في العالم الثالث بفعل الانهيار الفعلي للإشتراكية في الاتحاد السوفياتي فكان ارتماء أنور السادات في حضن الإدارة الأميركية وزيارته للقدس تحت الاحتلال الصهيوني في العام 1977 متنكراً لشهداء مصر وللقضية الفلسطينية التي استشهد في سبيلها عشرات الآلاف من الشعب المصري .

بعد أن اندثرت الطبقات الكلاسيكية الثلاث، الرأسمالية قائدة المعسكر الرأسمالي والبروليتارية قائدة المعسكر الإشتراكي والبورجوازية الوطنية قائدة معسكر التحرر الوطني أو عدم الإنحياز،بعد أن إندثرت تلك الطبقات الكلاسيكية الثلاث دون رجعة بالطبع بات عالم اليوم بلا طبقات (Classless) وهذا هو أولى إرهاصات الشيوعية .

كثيرون هم الذين سيستهجنون الخلاصة التي خلصت إليها والتي تقول أن عالم اليوم هو عالم مسطح أملس بلا طبقات وبذلك يكون الإرهاصة المبكرة الأولى للشيوعية . أقول لهؤلاء الكثيرين أن عليهم أن يميزوا حدود الطبقة الاجتماعية . فالطبقات الاجتماعية المعهودة في النظام الرأسمالي وهي الرأسماليون والعمال والفلاحون لا ينتجون اليوم أكثر من 15% من مجمل الانتاج في العالم وما تبقى وهو 85% هو من الخدمات، خدمات الانتاج وليست من الإنتاج التي تقوم بها البورجوازية الوضيعة وهو ما يعني أن عالم اليوم ينفق 85 دولاراً من أجل إنتاج 15 دولاراً . هذا ما يحكم على أن البورجوازية الوضبعة (Petty Bourgeoisie) ليست طبقة اجتماعية ؛ وما يؤكد ذلك هو أن البورجوازية الوضيعة كائن طفيلي يبعزق ثروات الأمة بلا طائل . الطبقة الإجتماعية هي مجموعة من أبناء الشعب تسهم مباشرة في الإنتاج ولذلك قال ماركس أن البورجوازية الوضيعة هي دايما رجعية ومتخلفة . هي ليست طبقة اجتماعية بحال من الأحوال .
أمام هذه الصورة البارزة الخطوط والفاقعة الألوان التي تعكسها مختلف المجتمعات في العالم الخاضعة بأشكال ودرجات متفاوتة للبورجوازية الوضيعة، لا يجوز الإدعاء بأي نظام طبقي في أي مجتمع حتى في الصين الشيوعية حيث يتم الإنتاج بمجمله لحساب البورجوازية الوضيعة في الغرب الرأسمالي سابقاً .
المجتمعات الطبقية إندثرت ولن تعود . بعيداً ن القاعدة الماركسية التي تقول أن التاريخ لا يعيد نفسه، كيف يمكن التصور أن تبعث الطبقة الرأسمالية من جديد وتحول جماهير البورجوازية الوضيعة إلى بروليتاريا !!؟ كيف يمكن للإدارة الأميركية أن تقلب ميزان الإنتاج الحالي فيها فبدل أن تنفق البورجوازية الوضيعة الأمريكية 16 ترليون دولاراً سنوياً في خدمة انتاج بضاعي لا تتجاوز قيمته 4 ترليون !؟ لتكون حصة الخدمات 4 ترليون وحصة البضاعة 16 ترليون !!؟
لا مناص أخيراً من الإعتراف بأن الطبقات الكلاسيكية المعهودة في النظام الرأسمالي اندثرت ولن تعود ؛ وأدوات الإنتاج الحديثة لا تخلق طبقات بحكم تطورها شبة الكامل عكس أدوات الإنتاج في عصور العبودية والإقطاع والرأسمالية .
القاعدة الماركسية الشهيرة تقول أن الصراع الطبقي ينتهي بدكتاتورية البروليتاريا وهي الدولة الوحيدة القادرة على محو الطبقات قبل الإنتقال إلى الحياة الشيوعية .
فهل إمّحت الطبقات خلال نصف القرن الأخير من تلقاء ذانها !!؟
لا يمكن أن تمّحي ذاتياً حيث الصراع الطبقي يدل على أن لكل طبقة القوى الفائضة للدفاع عن الذات .
إمحت الطبقات خلال نصف القرن الأخير بفعل دولة دكتاتورية البروليتاريا بقيادة قائد البروليتاريا التاريخي الأعظم يوسف ستالين (1922 – 1953) فليس بغير جبروته العبقري لمع شفق الشيوعية في الأفق .