خونة الشيوعية


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6535 - 2020 / 4 / 11 - 22:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

كتبت قبل يومين أشرح بالإستناد إلى الوقائع التاريخية التي تقول دون أدنى مواربة أن الولايات المتحدة الأميركية لم تصل يوما لمرحلة الإمبريالية وهي أعلى مراحل الرأسمالية .
ما إن ظهر مقالي على صفحة الحوار المتمدن حتى تألب خونة الشيوعية يهاجمونني ويسبونني كستاليني – طبعاً خونة الشيوعية تعرفهم بالعداء لستالين فستالين هو الوحيد الذي عرفت البشرية الاشتراكية على يديه – مدعين أنهم لم يخونوا الشيوعية بل واجبهم كشيوعيين يقتضيهم محاربة الإمبريالية . واجب الشيوعي أن يحارب الإمبريالية عندما يكون هناك ثورة اشتراكية لكنه عندما يحارب الامبريالية قبل أن يكون هناك ثورة اشتراكية فذلك يعني أنه يحارب الثورة الإشتراكية وليس الإمبريالية .
نحن نحكم على هؤلاء بجرم الخيانة، خيانة الشيوعية، ونحن لا نحكم بالباطل . نحن نعود إلى ماركس وإنجلز وقد أهابا في البيان الشيوعي، وهو دستور الشيوعيين، بالشيوعيين لأن يتوحدوا للقيام بثورة اشتراكية تطيح بالنظام الرأسمالي العالمي، وهو ما يعني دون أدنى لبس أو مواربة أن الإطاحة بالنظام الرأسمالي العالمي يتم فقط من خلال ثورة اشتراكية عالمية .

بعد ماركس وإنجلز نعود إلى لينين وهو من قطع الشك باليقين عندما أكد في رسالته إلى زعماء الشرق الإسلامي المجتمعين في باكو بدعوة من الأممية الشيوعية في العام 1921 يقول .. "عبثاً تناضلون ضد الاستعمار بغير التحالف مع البلاشفة" . لقد أرسى لينين في تلك الرسالة الشهيرة مبدأه التاريخي القائل بالوحدة العضوية للثورتين الاشتراكية من جهة والوطنية من جهة أخري . إنهيار النظام الرأسمالي العالمي في السبعينيات ما كان ليتم بغير ثورة أكتوبر الاشتراكية وقد غدت إثر الحرب العالمية الثانية المظلة الجبارة التي جرت بحمايتها ثورة التحرر الوطني العالمية وقد أجهزت مباشرة على النظام الرأسمالي العالمي .

وأخيراً نعود إلى ستالين، وهو من هو، يخطب في العام 1924 في جانعة سفردلوف حول أسس اللينينية يقول .. " تضطر الإمبريالية لأن تمد السكك الحديدية وتبني المصانع والطواحين والمراكز الصناعية والتجارية وتنمو هناك طبقة من البروليتاريا وأخرى من المثققفين ويتنامى عندئذ الوعي الوطني وينتهي كل ذلك إلى حركة ثورية في جميع البلدان المستعمرة والتابعة " .

ليس ما يشين الخائن مثل الخيانة نفسها، لذلك يضيق هؤلاء الخونة ذرعاً بماركس باعتبار فشل نظريته فيما يخص الثورة الاشتراكية وإعلان عزمهم تفكيك النظام الرأسمالي من خلال ثورة تحرر وطني دون الحاجة لثورة اشتراكية !!
كما ينكر هؤلاء الخونة مبدأ لينين التاريخي المتمثل بالوحدة العضوية بين الثورتين الاشتراكية والوطنية . وما يجدر ذكره في هذا السياق هو أن خائناً آخر سبقهم في انكار مبدأ لينين في الوحدة العضوية بين الثورتين وقد طلب خروشتشوف من المؤتمر الحادي والعشرون للحزب الشيوعي السوفياتي في العام 59 فصل الثورة الاشتراكية فصلاً قاطعاً عن ثورة التحرر الوطني وهو ما أدى إلى انكفاء الثورة الاشتراكية وسمح بالتالي للإدارة الأميركية لأن تدبر العديد من الانقلابات العسكرية الرجعية في البلدان المستقلة حديثاً ومقتل مئات الألوف من الشيوعيين والوطنيين .
كان ستالين قد أكد في العام 1924 أن الإمبريالية هي الرحم الذي تتخلق فيه ثور التحرر الوطني . اليوم يعلن خونة الشيوعية، وما أكثرهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، يعلنون حركة تحرر وطني من خارج رحم الإمبريالية . لعل الخونة اخترعوا رحماً اصطناعياً تتخلق فيه حركة وطنية مثل حركتهم الإصطناعية !!

في "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" شرح لينين كيف يتطور النظام الرأسمالي في المتروبول فلا يعود المتروبول يكتفي بتصدير البضائع إلى المستعمرات بل يبدأ أيضاً بتصدير رؤوس الأموال ليقيم وكلاؤه المصانع في الستعمرات ويستغل العمال فيها استغلالاً مباشراً . ذلك ما كان قبل ثورة أكتوبر حيث قام في روسيا صناعات عديدة برؤوس أموال فرنسية في الغالب . وهكذا فإن الدمغة المميزة للإمبريالية في المركز الرأسمالي أو المتروبول هي تصدير البضائع ورؤوس الأموال إلى أسواقه الخارجية .
في النظام الدولي الماثل اليوم في العالم تبرز دولتان على هذا الصعيد . تبرز الصين الشعبية كأكبر دولة تصدر البضائع ورؤوس الأموال في العالم دون أن تكون إمبريالية كما يقر خونة الشيوعية، وهناك بالمقابل الولايات المتحدة الأميركية حيث هي أكبر مستورد في العالم للبضائع ورؤوس الأموال . حيث تصل وارداتها السنوية إلى 2.4 ترليون دولار ولا تصل صادراتها إلى 1.6 ترليون دولار ويعاني ميزانها التجاري من عجز سنوي يناهز 800 مليار دولارا منذ عشرات السنين وتصل ديون أميركا الخارجية إلى 23 ترليون دولار فائدتها السنوية تفوق 500 مليار دولارا . 80% من ميزانية الدولة الاتحادية البالغة 3 ترليون دولار هي سندات صينية ويابانية . رواتب الجيش الأميركي هي أموال صينية ويابانية .
بعد كل هذه الحقائق الموثوقة والثابتة يصر خونة الشيوعية على أن أميركا ما زالت دولة رأسمالية وإمبريالية .
الرأسمالية التي بدل أن تحقق فائضاً في الانتاج تحقق عجزاً لم يعرفها ماركس، عرفها خونة ماركس .