خالص جلبي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: ثقافة السلم و اللاعنف، الأديان والعلمانية


خالص جلبي
الحوار المتمدن - العدد: 3241 - 2011 / 1 / 9 - 13:13
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرى الحوار: حميد كشكولي

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 22 - سيكون مع الأستاذ خالص جلبي حول: ثقافة السلم و اللاعنف، الأديان والعلمانية.

1.  تطرحون ثقافة السلم و اللاعنف, كيف يمكن تحقيقها في ظل سيادة أنظمة الاستبداد وتاريخ من الحروب والعنف في المنطقة؟ وفي ضوء ذلك ما هي آفاق المعارضة السورية، وهل استفادت من تجربة العراق العنيفة بعد سقوط النظام البعثي؟

ـ جاء في الإنجيل من بطش بالسيف بالسيف يهلك، ومن استخدم السلاح ارتهن للسلاح، ومن عبد القوة تحول إلى عبد للوثن، ولذا فأمام التغيير طريقان لاثالث لهما، إما التغيير من الأسفل بتغيير الوسط والمناخ العقلي والروحي، وهو عمل بطيء يحتاج إلى صبر ووعي وتضحية، وهو يثمر في النهاية، أو الاستعجال بحد السيف والعنف والدم والقوة، وفي النهاية يتحول من ملك القوة إلى طاغية يحتاج إلى من يغيره فيتبدل طاغية بطاغية كما هو الحال في طغاة العالم العربي الأثني عشر، وهلم دواليك فيخرج مجتمعا وثنيا محوره القوة.
أما المجتمع التوحيدي الذي يعبد الله، فهو الذي يكون محوره الفكرة، وبذلك فالمجتمعات الإسلامية الحالية التي تعبد وتدين للقوة هي أقرب للوثنية من المجتمعات التي تطيع الفكرة ولا تعبد الزعماء السياسيين، وهي فكرة غائبة عن العلمانيين والمتدينين على حد سدواء.
وبالنسبة للمعارضة السورية فقد جربت السلاح فزادت الأمور سوءً بمرات عما نعرف وعشناه.
وحاليا دخل المجتمع السوري ليل التاريخ حتى إشعار آخر.

2. هل يلوح لكم خيط نور إلى حل مشرّف للجميع في نهاية هذا النفق المظلم للقضية الفلسطينية؟

ـ فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني يمكن ضغطه في عشرة أفكار رئيسية مثل الوصايا العشر:
1 ـ وجود إسرائيل ليس من قوتها ولا من دعم الغرب، ولكنها وجدت بسبب انهيار جهاز المناعة العربي، أكثر من قوة بني صهيون أولاد القردة والخنازير.
2 ـ إسرائيل بهذا التعريف هي عرض للمرض وليست المرض، وهو أمر ذو أهمية بالغة استفدنا فيه من المفكر الجزائري مالك بن نبي في حديثه عن الاستعمار والقابلية للاستعمار؛ فلولا الضعف ماظهر المرض، ولولا المستنقعات مافرخ البعوض، ولولا مرض السكري ماانتشرت العفونات، ولولا مخلفات السمك ما حوم طير النورس، وحيث الجثث تحلق الغربان والنسور، ولولا موت العراق على يد صدام ماجاء النسر الأمريكي، وحين كانت نتائج الانتخابات عام 2001 مائة بالمائة، فهو إعلان من نظام صدام أن الأمة أصبحت صفرا وهو أصبح الديناصور الأعظم في البلد، يعيش في فروته قمل وبراغيث من جيوش الرفاق، ونمل زاحف يمشي على الأرض أسمهم مواطنين، ولذا يجب أن يأتي الأميركان ويبقوا حتى حين؟
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لايخرج إلا نكدا؟
3 ـ إسرائيل ـ والصهيونية بكلمة أدق ـ هي ظاهرة سرطانية ليس من سبيل لمصالحتها إلا بطريقين الاستئصال الواسع للسرطان أو تعديل الكود الوراثي فيه عن طريق كبسلته (الورم السليم لاينتشر بل له محفظة (Capsule) والخبيث ينتشر فيكسر المحفظة)؛ لذا يجب تطويق دولة بني صهيون بدون حرب ولا سلم ولا اعتراف؟ مثل الصبر على أي سفيه بلطجي مدعوم دخل حارتنا؛ فقاطعناه حتى حمل حقائبه وولى الأدبار؟
4 ـ الصراع العربي ـ العربي هو الجوهري، ويمثل التناقض الأساسي في الحالة العربية، والصراع العربي الإسرائيلي هامشي وجانبي بموجب المعطيات السابقة، رأينا ذلك واضحا في حرب الخليج الأخيرة عام 1990م حين كان صدام يضرب تل أبيب والرياض بنفس الصواريخ؛ فنسينا إسرائيل حينذاك، وجاءت أمريكا لتخلصنا من شر أخينا العربي؟
5 ـ فشل العرب في حروب الاسترداد كما فعل الأسبان مع العرب في الأندلس وشبه الجزيرة الأيبرية فنجحوا وفشلنا، وكان أخطر تلك الحروب تلك التي خاضها العجل الناصري عام 1967م فخرجت إسرائيل بأفضل النتائج، ونحن نعالج ذيول ذلك الخطأ الشنيع بفواتير لانهاية لها، بدون فائدة تذكر حتى اليوم.
وقصة مبادلة الأرض بالسلام خرافة، لأن إسرائيل بنت وجودها بالأصل على نفس الفكرة، باحتلال الأرض بقوة السلاح، بدعوى أن أجدادهم قبل أربعة آلاف سنة كانوا فيها، وهو أمر لو طبقناه وجب ترحيل كل أهل أمريكا الحالية وتغيير خرائط العالم أجمعين... وحاليا تملك إسرائيل ترسانة نووية قادت إلى وضع معقد بأن الحرب معها أصبحت غير ممكنة وانتحارية، ويمكن مراجعة كتاب سيمور هيرش عن سلاح شمشون، ولايعني هذا أنه لن تنشب حرب انتحارية تفجر العالم جميعا فكل من العرب وبني صهيون يملكون مثل هذا اللون من التفكير بنهاية العالم؟
6 ـ فشلت المفاوضات ومازالت وحاليا لافائدة من المفاوضات إلا مزيدا من تضييع الوقت، وخسارة المزيد من الأراضي، وحاليا بلغت الأعشاش الصهيونية حدا مخيفا في الضفة والقدس، بحيث يستحيل قيام أي دولة فلسطينية خرافية في الضفة، تحت مظلة فتح، وهي أي فتح مؤسسة ماتت مع موت مؤسسها عرفات؟ وقيام مؤسسات جديدة فتية أشد همة وتصميما، كما في حالة حماس المحاصرة ومنها ستأتي بذرة تدمير دولة بني صهيون؟
7 ـ قدر إسرائيل أنها علت علوا كبيرا وسوف يسلط الله عليها من يجوس خلال الديار فيدمرها تدميرا كان ذلك في الكتاب مسطورا، وهي تمثل الحملة الصليبية الثامنة؟ التي سيكون مصيرها مثل الحملات السبع السابقات سبقا، وهو مصير أيضا الحملة الصليبية التاسعة على بغداد.
8 ـ ظهر المرض العربي الداخلي في أجلى صوره في خلاف فتح وحماس فتقاتلا بكل حماس، وهو يقول لنا بأجلى لسان وأعظم بيان، أن الله لو خسف الأرض بإسرائيل مازالت خلافات العرب، ولذا قد يكون وجود دولة بني صهيون خيرا من جانب، لأنهم أشداء على الفلسطينيين والعرب رحماء بينهم، ديموقراطيين في احترام بعضهم بعضا، أما نحن فنعيش عصر الجملوكيات العربية في انقلاب محاور الزمن إلى الخلف، كمن يمشي على رأسه ولا يشعر بالدوار؟ وهي نكتة كبيرة ولكن لايضحك لها أحد، بل واقع مؤلم معاش على صورة كاريكاتور من حكم الصبيان الجدد!!
وهذا هو لب المشكلة العربية لحين ولادة جيل ديموقراطي يحترم نفسه والعالم.
9 ـ أصبح للصراع العربي الصهيوني 62 سنة بدون أمل بنهاية النفق الحربي العدائي، ويجب فهم المشروع الصهيوني أنه ناجح حتى اليوم بفعل حزمة من العناصر أهمها الديموقراطية الداخلية والعقل الصهيوني العلمي، مثلا أخذت أيدا يوناس من جامعة حيفا جائزة نوبل عن بحث الريبوزيمات عام 2010م ؟ ولذا كان معرفة تركيب دولة بني صهيون على غاية من الأهمية من أجل تفكيكها للمستقبل.
10 ـ المقاومة السلمية هي الخيار المضمون في إزالة دولة بني صهيون، ومن المهم أن نحدد أننا نريد ليس إبادة اليهود على طريقة النازيين وسارازين، بل تفكيك العقيدة الصهيونية وبناء دولة جديدة شرق أوسطية تقوم بالعدل وعلى العدل.


3.  لماذا فشل مشروع النهضة والحداثة العربية؟ ما هي الأسباب التي أدت إلى رفض قيم الحداثة الغربية بكل تجلياتها؟ وهل لا بد للعرب من أن يسترجعوا مرة أخرى فكر مفكري النهضة العربية الرواد حتى يعاودوا مسيرة الحداثة العربية المتعثرة؟

ـ من يملك الإجابة عليه سيكون الله رب العالمين؟ عفوا من التعبير؟ ولكن في تقديري التشخيص غلط، والمعالجة قام بها طبيب جاهل لايعرف قوانين الطب، ونحن حاليا لانعرف ماالذي قلب العالم؟ ولم نشارك في بنائه؟ ومتوقفين عند عام 1431 ميلادي قبل عصر الثورة الفرنسية، والتحليل يحتاج مجموعات من الباحثين في خمس وعشرين حقل معرفي على الأقل، هذا إذا وصلوا لوضع تشخيص واضح، ولا يعني التشخيص وجود العلاج كما في طب السرطان؟ فاللوكيميا لها نصف علاج وسرطان الدماغ ربع علاج بالأشعة فيموت وسرطان رأس البنكرياس لاينفع فيه كيمياء وجراحة وأشعة؟؟

4 .  لماذا لا يزال مفهوم العلمانية يحمل دلالة قدحية في الفكر العربي المعاصر؟ ولماذا نجحت الحركة العلمانية في تركيا إلى حد بعيد، بينما ماتت في العالم العربي وهي تحبو؟

العلمانية تريد سلخ جلد الإسلام وإلباسه جلد النمر الأوربي أو الدب الروسي والنسر الأمريكي، وفريق المتدينين بمن فيهم القمم لايعرفون العالم المعاصر، ولذا فالحديث بين الفريقين مثل حديث الطرشان، وسيطول الوقت قبل أن يفهموا لبعض، وسيطول الوقت لفهم انقلاب العالم، وكل هذا يمكن تقصيره بإيجاد المتخصيين في ما لايقل عن خمس وعشرين حقل معرفي؟

5.  أين يقف المثقف العربي الآن من الظواهر الطائفية والمذهبية في المجتمعات العربية؟ هل ترى يدا ولو خفية، من ما بعد الحداثة الغربية تؤجج نار التفرقة الطائفية و الاثنية في العالم العربي؟

المجتمع العربي اليوم يجمع تركيبة عجيبة من مواطن أعمى ومثقف مدجن وفقيه غائب عن العصر وسياسي كذاب أطرش وصحافة مرتزقة ومسئول شبه أمي، ولذا فالألحان الخارجة من هذه التركيبة أقرب لحفلات تعذيب المخابرات البعثية التعيسة.
وحاليا يمكن تقسيم مذاهب المثقفين بين ثلاث أصناف: المثقف الوهمي والمهاجر والحقيقي:
فأما المثقف (الوهمي) فله ثلاث وظائف: (التبرير) و (التخدير) و (التزييف).
وهم قطيع ضاري من مثقفي السلطة ورفاق الحزب ووعاظ السلاطين. مهمتهم قلب الحقائق أو لبس الحق بالباطل وهم يعلمون؛ فإذا نطق القائد بتافه من القول اعتبروها من تحف الخلود.
وإذا ساءت الأوضاع إلى الحد الأعظم وصفوها بأنها طبيعة التقدم. وإذا غصت الشوارع بالعاطلين عن العمل قالوا إنه الاستعمار.
وإذا انهارت العملة الوطنية إلى عشر معشارها قالوا كل العالم في نفس الأزمة؛ فهذه هي مهمة مثقف السلطة الذي يأكل من مائدة السلطان وينشد الشعر في المناسبات البهية.
وأما المثقف (المهاجر) فهو على نوعين؛ فإما هاجر إلى (الخارج) باتجاه الديموقراطيات الحرة بإقامة وجنسية ولجوء سياسي، وإما هاجر إلى (الداخل) بالانسحاب داخل شرنقة خاصة تحفظ عليه حياته وكرامته في ظروف جفاف صحراء الفكر العربية.
وهي حكمة تفعلها الكائنات للبقاء.
ويبقى المثقف (الحقيقي) الذي يرسم مصيره فيقتل بطريقتين: فإما تمت تصفيته جسديا وإما تم اغتيال أفكاره اجتماعيا في لعبة (الصراع الفكري) كما شرحها (مالك بن نبي) في كتاب (شروط النهضة).
ومن نجا في الغابة العربية التي تسرح فيها الضواري من رجال الأمن وأزلام السلطة عاش مع أغانيه مثل المجنون.
وهذا يشكل استعصاء في حركة تقدم المجتمع لا بد من كسره ولكن كيف؟
ويقوم الإنسان في الوطن العربي أمام هذه الاستحالة بثلاث حركات:
فإما انتحر بمسبحة المتصوفة أو كهوف تورا بورا.
ومن ركب رأسه فعارك الأوضاع انتحر في سجن يضيع فيه أفضل سنوات عمره.
وهناك من ينتحر ليعيش في الماضي الزاهي بإطلاق لحيته أو تقصير ثوبه ومعها تقصر مداركه عشر مرات.
وهذه الظلمات في العالم يبدو أن حلها واحد من أربع:
فإما الحل العراقي أي الاجتياح الخارجي بعد أن تجمد المجتمع في براد الاستبداد.
وإما الانفجار بحرب أهلية مدمرة. وهي وصفة خلاص دخلتها الكثير من الأمم.
وإما ولدت نفس عظيمة فولدت الأمة من جديد.
وإما دخل المجتمع مرحلة تحنط تقصر أو تطول وهي علامة موت الأمم في التاريخ، فتلتهم من أمم أخرى بشراهة كما يلتهم الدود جثة المقبرة؟
ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
هل نحن أمة مريضة أم أمة ميتة؟؟ هذا يحتاج لتفكيل مختلف؟ لأن إعلان الموت يعني التحضير للجنازة؟ أم المريض فيحتاج لطبيب اختصاصي أو مجموعة أخصائيين أو عناية مركزة؟؟ فأين نحن وماذا نملك؟