هل النظام السوري متورط في مصرع الحريري؟


خالص جلبي
الحوار المتمدن - العدد: 1120 - 2005 / 2 / 25 - 09:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

الجواب على هذا بلا ونعم؟ و(توماس فريدمان) في مقالته "قواعد حماة في مقابل قواعد بغداد ولبنان" جزم بتورط النظام السوري في القتل، ودعا الشعب اللبناني إلى العصيان المدني، وشهادة توماس فريدمان مطعون في نصفها، فدعوته للعصيان المدني جيدة، ويمكن احتذاء مثال جورجيا وأوكرانيا وصربيا في التخلص من الاستبداد، ولكن الجزم بالفاعل تحكمه برمجة ثقافية وضعف تحليل، وكما يقول المثل العربي: رمتني بدائها وانسلت.
وخصوم النظام البعثي كثيرون، ولكن العاطفة قد تضلل التحليل، وليس أبأس من قضية رابحة يتولاها محام فاشل.
وتجرأت الناس اليوم فهي تهتف سوريا بره، ومتى كسر حاجز الخوف تدفق السيل العرم، وفي قصة شاوسيسكو العبرة. فقد كان الطاغية قبل الانهيار بأربعة أيام في زيارة ملالي طهران، كما هي حالهم اليوم مع كوريا الشمالية، فسئل عن زلزال أوربا الشرقية؟ قال لن تتغير رومانيا حتى تخرج الكمثرى من شجر الصفصاف. وبعد أربعة أيام كان يحاكم ويعدم ويوم القيامة هو من المقبوحين.
وقد يكون أقرب للتنفيذ تقنية أمريكية رفيعة المستوى، لا يشترط أن يكون منفذوها أمريكيون. صحيح أن النظام السوري مسح نصف مدينة حماة بصواريخ أرغن ستالين، ولكن ليس من مصلحته أن تُقَطَّع أطرافه في لبنان على هذه الصورة فيخرج منها مذؤوما مدحورا مجرما ملاحقاً.
وفي هذه النقطة بالذات يجب الاستفادة من فكرة (مالك بن نبي) عن التفريق بين (عالم الأشخاص) و(عالم الأفكار) كما ظهر هذا التورط على لسان وزير الدفاع اللبناني الذي قال: إن دعوة المعارضة اللبنانية إلى خروج الجيش السوري من لبنان تزامنت مع دعوة شارون الصهيوني؟ بكلمة ثانية أن ما يقوله شارون خطأ مطلقا، وكل من يقول ما قاله شارون خطأ مطلق، ولكن هذا القياس هو الخطأ المطلق؟
وهذا المنطق الفاسد يجعلنا لا نستفيد من التاريخ بشيء، فعندما يقول شارون أربعة زائد أربعة يساوي ثمانية لا يمكن أن نقول إنه خطأ، بل هو صحيح ولكن مصدره صهيوني، وعندما يقولنا أخانا العربي أربعة زائد أربعة يساوي خمسة فنقول له هذا خطأ وأنت أخونا. وهنا تأتي قدرة العقل الرائعة في التحليل والتفريق بين عالم الأفكار وعالم الأشخاص.
وحين يقول زعيم عربي أنه انتخب بصورة شرعية بنسبة 97% على صورة مرشح واحد فيجب أن نقول له إنه انتخاب مزور. وعندما ينتخب شارون ولو كان صهيونياً فهو ينتخب بصورة شرعية ولو كان خصماً لنا، وقدرة التفريق بين العدو وفكرته، والصديق وفكرته، يجعلنا ندخل عالم الأفكار ونودع عالم الأشخاص على نحو علمي حيادي، فهذه هي روح العلم.
وتربية العقل يجب أن تتم بهذه الطريقة السليمة، والقرآن استشهد بقول قاله الشيطان يوم القيامة: "وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي". فهذا القول صحيح ولو كان مصدره الشيطان الرجيم، والقرآن ينقل عن الملائكة والشيطان وملكة سبأ والنمل والهدهد والجن، والطفل يضحك عليه البالغ لأنه لا يفرق بين عالم الأشخاص وعلم الأفكار، وقد يبقى الإنسان كل عمره صبيا فلا ينضج قط، وقد يؤتيه الله الحكم صبيا كما في النبي يحي فينضج فيدخل عالم الأفكار المجرد.
وخروج الجيش السوري من لبنان الآن يتم على الرغم من إرادة النظام السوري، ولكن بطريقة غير التي دخلها، والقرآن يقول رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق، والجيش السوري يخرج الآن ليس مخرج صدق.
و(باتريك سيل) يذكر في كتابه المشهور عن الأسد وسوريا، أن أمريكا وإسرائيل قالتا لسوريا في الحرب الأهلية الطاحنة في لبنان في السبعينات حينما تحالف الفلسطينيون مع القوى التقدمية الأخرى ضد المسيحيين، وأصبح لبنان قاب قوسين أو أدنى من الوقوع تحت سيطرتهم، وانحصر الكتائبيون في ميناء جونيه، قال الأمريكيون وحلفاؤهم الإسرائيليون يومها للأسد على شهادة (باتريك سيل) وهو ينقل عن كيسنجر: ليس (لو أنك دخلت دخلنا) ولكن العكس "إن لم تدخل دخلنا" وبذلك اقتحم النظام السوري لبنان بغطاء أمريكي ومباركة عربية.
واليوم في ربيع عام 2005م يجب أن يغادر بعد أن زال عنه الغطاء الأمريكي، وكان يمكن أن يتم بهدوء، ولكن الخروج الحالي مع التلبس بجريمة الحريري، وكان بالإمكان الاستغناء عنها.
والنظام السوري حالياً يخرج تحت تهديد (جنبلاط) بدعوته إلى إسقاط السلطة سلميا، وهو يعتمد بظهره على تأييد عالمي بعد جريمة الحريري. ويقرع عناصر حزب (الله) في عاشوراء صدورهم بالقبضات ورؤوسهم بالسلاسل والسواطير، ويصبح لبنان من جديد في مهب الريح. فهذه سخرية السياسة.
ولكن في الواقع يخرج النظام السوري على صورة غير مشرفة، مجرماً ملطخ اليدين بالدماء، ارتكبها أو لم يرتكبها فهنا سخرية السياسة، وهذا يعني أن خروجه لا يكفي؟
ومن خلال التنفيذ التقني للعملية يبدو أن العملية قد جرت بأيد جهنمية فمن تكون يا ترى؟ هل هي أمريكا؟ أم هي على نحو أكثر تعقيدا بأن تخطط لها أمريكا، ثم يأتي رئيس فرع أمني (معلم) في سوريا يُشترى فينفذ العملية ويحرج الحكومة السورية لحاجة في نفسه؟ ذلك أن الوضع في سوريا تحت رحمة الفروع الأمنية، يعمل كل معلم بذراعه مستقلاً؟ بل قد تكون العملية معقدة أكثر بثلاث مرات، أن ينفذها غبي من طرف ثالث يوحي له (معلم) من فرع أمني سوري ويهيأ له الجو ويمكنه تقنياً، ويزحلق العملية له، والفروع الأمنية كثيرة أكثر من ملائكة جهنم عليها تسعة عشر، و(المعلم) المذكور بدوره يعمل بتخطيط مع الاستخبارات الأمريكية، بشكل واضح، أو على نفس الطريقة الغبية، والمهم فهذه كلها تحليلات عقلية قد تكون صحيحة، وقد تكون مغرقة في الضلال، ولكن الشيء المهم كما أكرر ليس (حقيقة) الواقعة بل (توظيف) الواقعة، والآن ظهر للعلن أن التهمة تلبست سوريا، لعدم وجود دليل (الغياب Alibi) كما هو معروف في العلم الجنائي (forensic - detective). فهل نحن مقبلون على ضربة (الصدمة والدهشة Shock&awe) السورية، أم سيتم تفكيك النظام السوري بطريقة (معاوية) الناعمة بدون صواريخ توما هوك؟ أم سيمد الله في عمر النظام كما هو الحاصل مع القذافي الذي اعتمر الطاقية الأمريكية وألصق بالكرسي بصمغ قوي؟ فعندما سئل عن كلمة الديموقراطية؟ قال أصلها من اللغة العربية وهي مكونة من كلمتين: (ديمو ـ كراسي) أي ديمومة الكراسي؟