أسطورة الذكر


خالص جلبي
الحوار المتمدن - العدد: 1646 - 2006 / 8 / 18 - 11:14
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

ليس هناك من أسطورة تظهر الفرق بين الذكر والأنثى مثل قصة العملاقين: فقد حكي أن عملاقاً شاع ذكره في منطقة بجوار عملاق في منطقة ثانية فأراد خطب وده فأرسل إليه هدية لينظر بما يرجع المرسلون. ولكن صاحبنا ظن أن هذا مظهر ضعف واستكانة فتكبر وهدد. فانبرى له الآخر مهددا متوعدا وحمل هراوته وانطلق إلى أرض العملاق المنافس. فلما وصل والأرض ترتج من تحت أقدامه دخل الرعب إلى قلب العملاق الأول فهدّأته زوجته قائلة: لا بأس عليك؟ قال وكيف؟ قالت ليس عليك سوى الاستلقاء في سريرك واترك الباقي لي. ثم إن الزوجة الحكيمة غطته بدثار ثقيل ثم أخرجت قدميه من تحت اللحاف. فلما وصل العملاق الغاضب أوحت إليه أن اسكت فإن الغلام نائم؟ فنظر العملاق الأول إلى القدمين الهائلتين البارزتين من تحت اللحاف وقال أهذا النائم هو ابن العملاق؟ قالت: نعم فأرجو أن لا توقظه؟ فدخل الرعب إلى العملاق الواقف أكثر من المستلقي. ثم أطلق ساقيه للريح وقال: إن كان هذا هو الغلام فكم يكون حجم الأب فلأنجو بنفسي؟
وهذه الأسطورة تحكي أثر الوهم في النفوس. كما تحكي كيف حلت المرأة الذكية الصراع بدون عضلات وسفك دماء. فهذا هو الفرق بين الذكر والأنثى.
وفي القرآن جاءت قصة أخرى عن ذكاء الأنثى لم ينتبه لها إلا القليل عن كيفية حل الصراع المسلح بين سليمان وهو نبي وبين ملكة أوتيت من كل شيء وأهم شيء كان الذكاء والفطنة. فقد حلت الصراع على نحو سلمي. وقامت برحلة استكشاف إلى الشرق الأوسط لتقول لنبي الله سليمان إن هذا المبدأ الذي تدعو له لن يفوتني ولا داعي للحرب وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
وفي كتاب (بنو الإنسان) لبيتر فارب محاولة لفك سر استيلاء الذكور على المجتمع الإنساني. أو كما يقول (روجيه غارودي) في كتابه نحو رقي المرأة إن المجتمع صنع على شكل الثكنة بما فيها الجامعة من خلال نظام هيراركي أي التراتبية بحيث ينعم الجبارون في القمة ويعاني المنتجون في القاع كما جاء في المنشور الشيوعي في مطلع القرن العشرين.
وفي الجاهلية العربية جرى وأد البنات وهو مكرر حاليا في الثقافة العربية بدون قبور فجاء القرآن للدفاع عن المرأة بأي ذنب قتلت. وحتى اليوم يتم الاحتفال بقدوم الفحل أكثر من الأنثى أنها الأضعف في الحلقة الاجتماعية وتتحول إلى الطبقة المسحوقة الدونية إلى درجة الخجل من ذكر اسمها فيشار إليها بأم العيال أو الأهل والجماعة أو حاشا الذكر؟
وكل هذا الوضع الإنساني المشوه يرجع إلى أسطورة الذكر المتفوق الأقوى والأذكى. ولكن آخر الأبحاث التي صدرت كشفت اللثام عن وهم هذه الأسطورة. ففي صيف عام 2003م استطاع (ديفيد بيج) من مؤسسة وايتهيد من كمبريدج في أمريكا من عرض كامل الكروموسوم الذكري فظهر الرجل على حقيقته. كما حدد كل من بيتر جودفيلو وروبن لوفيل بيدج الجين المحرض على تشكيل ملامح الذكورة في الكروموسوم وأعطي اسم (SRY). وقام براين سايكس من جامعة أكسفورد بدراسة الكروموسوم خلال الأحقاب المنصرمة ليعلن أن الذكر هو الحلقة الأضعف في الجنس البشري بل إنه مهدد بالانقراض في مدى 5000 جيل خلال 125 ألف سنة. والدراسة تقول أن الذكر هو الأضعف مناعة. والأقصر عمرا. والأفشل دراسة. والأقل ذكاء. والأكثر هشاشة ومرضاً. والأعتى إجراماً. والأكثر إدمانا على الكحول والمخدرات. والأكثر تسلطا وشنا للحروب. وباختصار فالذكر كما يقول العالم (ستيف جونس) خبير الجينات من جامعة لندن أنه طفيلي على الأنثى. وهذه المعلومات قد نبتسم لها نحن الذكور أنها نوعاً من المزحة الخفيفة طالما كان الذكر يتمتع بموقعه القيادي وامتيازاته وأملاكه التي منها المرأة. ولكن قانون التاريخ أنه يكنس الأسوأ ويحافظ على الأحسن. والعلم يقول اليوم إن مؤشرات الذكر سيئة؛ فمنذ رحلة الرحم ينكب الذكور. فباعتبار أن كتلة النطفة حاملة المادة الوراثية الذكرية هي زوجا (XY) خلافاً للأنثى (XX) فهو أخف وأسرع سباحة للالتحام بالبويضة. والكروموسوم (Y) ظهر أنه سفينة غارقة فهو يذوي منذ ملايين السنين ولم يحتفظ سوى بثلث وزنه وهو ماض في رحلة الانقراض والتآكل. ومن خفة النطفة الذكرية فإن الإنجاب في الرحم هو 120 ذكر مقابل كل 100 أنثى. ولكن لا يتابع الذكور المنكوبين رحلتهم فلا يصل للولادة إلا 105 فقط. وعند الولادة تبدأ مذبحة جديدة في قصف أعمار الذكور فمعظم من يهلك هم من الذكور بين مشلول ومعتوه وحامل لأخطاء وراثية وخديج. وإذا كانت كتلة الدماغ عند الطفل أكبر منها عند البنت إلا أن الطفل يحتاج إلى 4 – 6 أسابيع حتى يلحق بالبنت فالأنثى أفضل اكتمالاً في دماغها من الذكر منذ لحظة دخول الحياة. ومن كل 1 من 12 من الذكور يحملون علل وأخطاء بصرية بينما الأناث أقل من 1 %. والرجال يموتون بست سنوات أبكر من النساء. وجرى تأكيد هذا الأمر في اجتماع عالمي عقد في برلين في أوجست 2003م حضره 2500 عالم ديموغرافي في علم السكان من 110 دولة حسبما ذكرته مجلة در شبيجل الألمانية (442003م). ويميل الذكور إلى الجريمة تسع مرات أكثر من الإناث. وفي أحد أحياء لندن تكلف جرائم الذكور السنوية للفرد 6000 يورو مقابل عُشْر ذلك للأناث فالجريمة والإرهاب في غالبيته العظمى صناعة ذكورية. وحوادث الإرهاب العالمية خلفها (الفحول) المفسدون في الأرض. وينطبق هذا على من يقاومهم من الذكور فلا يزداد العنف إلا عنفا. ويميل الذكور للإدمان ومعاقرة الخمرة أكثر من النساء بأضعاف مضاعفة. كما أن عوائق اللغة عند الذكور هي ثلاث مرات أكثر من الإناث من التأتاة وسواها. والأنثى أفضل في إثارة الأحاديث بسبب الشبكة العصبية الممتازة بين نصفي الدماغ والتلفون جهاز أنثوي ويسمي الذكور حديث النساء بالثرثرة وهي حسد خفي من عجز ذكوري مبطن. وتلمع صلعة الرجل في الوقت الذي تحمل الأنثى تاجها على رأسها من الشعر الجميل. وفي ألمانيا يوجد 8000 مريض مصاب بمرض النزف الناعور من الذكور. ومحاولات الانتحار التي أحصيت من خلف الكآبة يتفوق فيها الذكور بحوالي أربع مرات (الذكور 8131 مقابل 2934 للأناث). فالمرأة هي مصدر الحياة وصيانة الحياة وتطورها وتهذيبها وموضع الحنان والحب. والرجل مركز القسوة والعنف والمخابرات والسيطرة والحرب. وفي المدارس تم اكتشاف أن معظم المتخلفين في الفصول من الذكور. وإن من اجتاز عتبة الثانوية كان السبق فيه للإناث (26.6 للإناث مقابل 21 للذكور).
والخلاصة فالذكور منكوبون من المهد حتى اللحد. وليس هذا فقط بل إن كل مصير الذكور بت فيه من خلال تآكل الكروموسوم الذكري. وسر انهيار الذكر هو في طبيعة المادة الوراثية. فإذا نظرنا إلى الخريطة الوراثية رأينا أن الأنثى تحمل نسخة مضاعفة من الكروموسوم (XX) بمعنى أن حدوث الطفرات وتراكم الأخطاء يتم ترميمها من خلال تبادل المعلومات الوراثية في الكروموسوم المضاعف (الاحتياط). في حين أن الذكر يحمل نصف هذه الإمكانية مقابل وجود كروموسوم ذكري ضئيل غير قابل لتبادل المعلومات من الكروموسوم (X) إلا في الأطراف. ويقوم بترميم نفسه في المنتصف بآلية أخرى أطلق عليها (Palindrome) أي الإصلاح من الخلف للأمام وبالعكس كما في كلمة (OTTO) بالألمانية. وهي لا تقارن بما تفعله الأنثى. كما أن هورمون الفحولة (التستوسترون) الذي تطلقه الخصية بشكل رئيسي يبدو أنه سم زعاف يقصف الأعمار من خلال ضرب الجهاز المناعي بنقص توريد الطاقة إليه مقابل انشغاله بوظائف الرجولة الأخرى من المعارك العضلية وهي معارك دون كيشوت مقابل وظيفة الجهاز المناعي ولذا مات الذكور غالبا بالانتانات من خلال ضعف الجهاز المناعي الذي يدمره التستوسترون. ومن اعجب الملاحظات أن من يخصى (طواشي) يطول عمره وينعم جسده ويحتد ذهنه وكلما كان الخصي أبكر طال العمر أكثر ولم يكن استخدام الخصي في الحريم السلطاني من فراغ. وهذا يعني أن مزيدا من الفحولة يعني المزيد من الانحطاط فهكذا كتب مصيرنا نحن الذكور.
هذه الخلاصة أوصلت (بارني براور Barney Brawer) من جامعة تفتس في بوسطن أن يعيد النظر في أسطورة الذكر والأنثى وأن هناك زحزحة في قارات الصفائح الجنسية على حد تعبيره.
ومن أعجب الأمور كمية النطف التي يقذفها الذكر في كل جماع يصل إلى ليترين عند حمار الوحش وعشرات الملايين من النطف عند البشر في محاولة يائسة لإغراق الأنثى بأي سبيل للمحافظة على الذكور. وهو يطرح السؤال عن معنى هذا الإسراف مما يذكر باصطياد أرنب بإطلاق مليون كلب باتجاهه. وجواب تشارلز دارون أنه من أجل الجنس الذي يحسن النوع.
والمهم فإن الخطر الذي يهدد الجنس البشري بمحق الكرموسوم الذكري له مخرج من الاستنساخ ولكن ثبت أن له مخاطر كما حصل مع النعجة دولي التي حقنت بالسم فقتلت خطأ كما جاءت خطأ. وكذلك الحال مع الفرس بروميتا والبقرة أوشي. ولكن العالمة الاسترالية (اورلي لاشام كابلان) من معهد (موناش Monash) للتكاثر والتطور في مدينة ميلبورن قامت بإدخال تعديل على الاستنساخ الجسدي بحيث أدخلت زوجا من الكروموسومات الجسدية على بويضة بنصف المادة الوارثية ثم قامت بطريقة فنية كيمياوية بطرد النصف الزائد مما أمكنها من التكاثر ومتابعة الحياة. ولكن الفكرة الثورية هي ماذا لو تخلصنا من كل الكروموسوم الذكري ونقل الجينات صانعة الذكورة إلى كروموسوم آخر وهو ممكن عن طريقة تقنية جراحة الجينات. والجواب إن مثل هذا موجود في الطبيعة حيث عثر في الطبيعة على نوع من القوارض لا تحمل الكرموسوم الذكري على الإطلاق. وهو من نوع (Ellobius Lutescens) وهذا يعني بكلمة ثانية إعلان مشرف لنهاية سيطرة الذكور ودخول الديموقراطية الفعلية إلى العالم.
هل سيصبح العالم أفضل بدون ذكور؟؟ إن كل تهمة الملائكة انصبت على الذكور المفسدين في الأرض فقالت أتجعل فيها من (يفسد) فيها و(يسفك) الدماء ولم تقل (تفسد) و(تقتل) بفرق حرف واحد ولكنه مثل الفرق بين كفر وفكر؟ وكلمة ولكمة؟