علاقات القوة والجنس


خالص جلبي
الحوار المتمدن - العدد: 939 - 2004 / 8 / 28 - 12:10
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية     

العطش الى (القوة) والمزيد من امتلاكها مرض ذكوري. هذا ماقرره (بروس كارلتون Bruce charlton) الخبير في علم (التطور). والذكور هم الذين يشنون الحروب. والذكور هم الذين يتحاربون فيَقْتلون ويُقتَلون. والذكور هم الذين أنشأوا المؤسسة العسكرية ورسموا قدر المجتمع بمرض التراتبية (الهيراركيHierarchy) وخططوا كل نظام المجتمع على صورة (الثكنة) كما أشار الى ذلك (غارودي) في كتابه( في سبيل ارتقاء المرأة). والذكور هم الذين شوهوا التطور الانساني برمته برؤية العالم بعين حولاء ذكورية؛ فلايمكن أن يمشي المرء برجل واحدة إلا في أسطورة (شق وسطيح)، ولايمكن أن يرى بعين واحدة الا إذا انعدمت الرؤية الفراغية، أوتحول الى كائن خرافي بعين واحدة كما في قصة (الاوديسة) عند (هوميروس). جاء في (السيرة) أن شقاً كان بنصف جسم فإذا مشى قفز على رجل واحدة، وأما سطيح فكان  مسطحاً مثل حدوة الحصان بدون مفاصل. والمجتمع (الذكوري) هو الذي دفع المرأة الى شريحة دونية مستضعفة وهي كارثة كونية في كل الثقافات، وفي الثقافة الصينية يعني ضمير المتكم (أنا) المؤنث الى (العبد) وفي الثقافة الهندية تعتبر المرأة خاضعة للرجل من المهد الى اللحد فهو من كتف الاله (فيشنا) وهي من أقدامه. وفي اليابان لم يتقدم المجتمع الا بألغاء نظام الساموراي. وبالمقابل فإن المرأة هي التي بدأت الثورة الزراعية كما قرر ذلك المؤرخ (ديورانت) فأطعمت عائلتها من جوع ودلف الجنس البشري الى الحضارة؛ فلولا الثورة الزراعية ماتجاوز الجنس البشري مرحلة (الصيد وجمع الثمار) وما تخلص من خوف الموت جوعاً وما نشأت المدن وازدحمت بالسكان وولدت الاختصاصات وتم تقسيم العمل كما شرح ذلك عالم الاجتماع (دركهايم). كل ذلك كان ببركة يدي المرأة ولكن الذكر بنى الجيوش والحرب والطغيان ومازال. إذا كان الحاكم ينفخ في الصور فيقول للعباد أنا ربكم الأعلى فإن الزوج في البيت يعلن أنه الأعلى لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب. والاستبداد السياسي هو التجلي الأعظم لتراكمات أخطاء البيت واحتكار النصوص بيد طبقة الكهنوت وخنق التعبير تحت دعوى الخيانة أو الردة. والطغيان يتأسس من خلية العائلة ليظهر في النهاية على شكل تنين سياسي يقذف باللهب على عباد يرتعشون وجلاً خاشعة أبصارهم من الذل. إن مصادرة الأمة على يد فرد وخلفه النخبة الحاكمة الخفية، سبقتها مصادرة الزوجة والولد في بيت الطاغية (الترانزستور) الزوج الأب. فإذا أنتجت العائلة الانسان الأخرس الخائف هيأت الجو الاجتماعي للخرس الجماعي المطبق وخشعت الأصوات للحاكم فلا تسمع الا همسا. لايمكن (أنسنة) المجتمع بدون استعادة المرأة دورها الطبيعي. المرأة هي التي تحمل الحياة وتنجب الحياة وتحافظ على الحياة حملته أمه كرها ووضعته كرها. وهي التي لاتمارس الحرب فإذا مارسته مثل (تاتشر) و (غولدا ماير) فهي عدوى وباء ذكوري قاتل. والمرأة هي مصدر الحب فتخلع معنى على الحياة وتعطيها دفقة الاستمرار، ومع انطفاء الحب ينطفيء معنى الحياة ومبرر وجودها. لأن الحب مشاركة تتجلى في أعظم صورها بالزواج والانجاب وتترك بصماتها على الحياة في ذرية مباركة. والحرب كراهية وارتداد على الذات ونفي للآخر. وحسب (دانييل جولمان) صاحب كتاب (الذكاء العاطفي Emotional Intelligence) فإن (جوزيف لو دو joseph le doux) الذي اكتشف (دورة المخ العاطفية) أظهر أمرين: أن هناك ضرب من الذكاء لم ننتبه له حتى الآن غير المتعارف عليه(IQ) كما أن المرأة بواسطة تركيب دماغها تشريحياً تتفوق على الرجل في هذا النوع من الذكاء. والمرأة (موديل) متطور عن الرجل بحيث تحمل إمكانية أن يتطور الجنس البشري على نحو (انساني) أفضل زكاة وأقرب رحما، ولذلك كان الاستنساخ الجسدي من الأنثى كما حدث مع (دوللي) فمنها خلق وإليها يعود ومنها يخرج تارة أخرى. وتفاءلت السيدة (شفارتزرSchwarzer) بولادة المجتمع النسائي الانساني بحيث يمكن الاستغناء عن الذكور المخربين نهائياً للمستقبل أو استبدالهم بجنس معدل سلامي. وهي صاحبة مجلة (لانريد بورنو POR ...NO..) وهو عنوان مثير ولكنها تلاعبت بحركة ذكية بالكلمة (بورنو) التي تعني (الاباحية) وحينما قسمت الكلمة الى شقين انقلب المعنى. يذهب الانثروبولوجي (بيتر فارب) في كتابه (بنو الانسان): (أن الذكر لايفترق عن الأنثى الا بعضلاته) وقسوته وجحوده في الوقت الذي تتفوق المرأة بالرحمة والحب والوفاء. فإذا ماتت عن الرجل زوجته فكروا له بالعروس ولما تدفن الزوجة بعد وزوَّجوه في أيام. وإذا مات عن المرأة بعلها حفظت وده واعتنت بالأولاد وعاشت مدبرة وهي خصلة للغالبية الساحقة من النساء قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. وإذا عجزت المرأة رماها الى بيت أهلها براتب أو بدونه، وإذا وقع سدت عيبته وسترت عورته ورفعت من تحته قاذوراته حتى الممات. وينتهي (بيتر فارب) الى مفارقة عجيبة وهي أن الجنس الأنثوي هو الذي يجب أن يسود لأنه:(الجنس الأطول عمرا والأكثر صحة والأقل عرضة للحوادث والمساوي للذكر في الذكاء) ولكن الذي حدث هو العكس.  ولاتتزوج المرأة رجلين في الوقت الذي يعدد الرجل ولو في الكلام والأماني بين المزح والجد وفي لحن القول.  وإذا جاءت الفرصة لم يقصر لأنه الفحل الذي لايسأل عما يفعل وهم يسألون. وعند الخطيئة الجنسية تقتل الفتاة ويكافيء الرجل في مجتمع يقوم على معايير الفحولة أكثر من العدالة. مع أن القرآن وضح حدود الزنا بالتساوي للجنسين ولكن الثقافة عندها قدرة أن تبني مفاهيم أثقل من نجم نتروني وتفرض على الواقع شريعة جديدة تلتوي لها الأعناق بدون وحي. ومع كل عضلات الرجل فالمرأة بنعومتها تتحمل أضعاف مايتحمله الرجل من الألم بدون بطولة ويظهر هذا واضحاً في العمليات الجراحية. ومع كل عضلات الرجل فالمرأة تعمر اكثر منه في المتوسط بـ 6 - 8 سنوات كما تظهر الاحصائيات. والمرأة أكثر حكمة من الرجل بانفعالاته فإذا غشيه ضباب الشهوة وعلته الرغبة الجنسية فَقَد كل عقله ولم يعقب.  وتظهر الصور الساخرة هذه المأساة على صورة فيلسوف يحبو على أربع قد علت ظهره أمراة. ويعتبر ديكارت (أن أعظم النفوس عندها استعداد أن ترتكب أفظع الرذائل ) وهي في هذا الحقل معهودة ومعروفة. وإذا كانت حاجة المرأة للمحرم  أحياناً بداعي (الأمن) فإن الذكر يحتاج دوماً الى محرم كي لاينزلق الى أحضان الأخريات. واعتبرت مدرسة (علم النفس التحليلي) أن (الليبيدو LIBIDO) أي الشهوة الجنسية هي محرك التاريخ الأعظم، وإذا كانت (الطاقة النووية) هي أشدها في الطبيعة فهي (الجنس) في البيولوجيا، وكل شيء يفسر من خلالها، ومن يتورط فيها هو الرجل عادة وزين للناس حب الشهوات. ووقف المؤرخون طويلاً أمام أثر المرأة في التاريخ تحت إغراء (أنف كليوباترة). بحيث يعتبر (إدوارد كار) صاحب مؤلف (ماهو التاريخ؟) أن التاريخ ينقلب بهذه الطريقة أمام عدم فهم المرأة الى كيان هلامي يتملص من القوانين ويصبح كائناً رخواً عصياً على الفهم والضبط تتقاذفه الأهواء ويدمدم فيه عالم اللاوعي وهو ليس كذلك ولكنه ضريبة تحييد المرأة. وتدخل المرأة مسرحية (علاقات القوة) حيث يظهر الجنس مختلطاً بالعنف كما تبرزها صناعة السينما بكثير من المساحيق، ومعظم الجرائم تدور حول الملكية في المال والمرأة. وتظهر تعابير (امتلاك) المرأة في ثقافتنا من حيث لاننتبه لأن الوعي يقوم على ظاهرة (الانتقاء) فهي (جوهرة) وبهذا التعبير تخسر المرأة بضربة واحدة آدميتها وتتحول الى عالم (الشيء) و ( الممتلكات ) لتدخل بأمان الى (خزانة) الرجل العامرة بالأشياء. إنه حتى ممارسة الجنس بما يختلط من عنف هو بقايا غريزة الغابة وهو عملية تعبيرية عن خطف المرأة واغتصابها. لاغرابة أن استفحلت قوة ردة الفعل في المجتمع الغربي فبعد حركة (المساواة EMANCIPATION) تبرز الحركات (النسوية ـ الفيمينست FEMINIST) الى الواجهة وتتحرك في مظاهرات ضخمة لرد الاعتبار. وهذه الحركة (النواسية) بين الفعل ورد الفعل تبدت أيضاً في حركة (الستربتيز) أي الاستعراء. فبعد موجة الرهبنة وحبس الغرائز جاء الدور لانتقامها فحطمت كل البنى القديمة. واليوم تتدفق أمواج الاباحية من الملكوت العلوي على ظهر ثبج البحر الأخضر الالكتروني من المحطات الفضائية فلا يستطيع منعها انس  ولاجان. لقد كسر العلم الجغرافيا وحطم الرقابة ولكن قانون الله هو الذي سيثبت في النهاية فيذهب الزبد جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال. وعندما بدأت أفلام (الجنس SEX) في الغرب غصت الرفوف بها فلا ترى الا العري. وانطلقت موجة الستربتيز في الستينات من بريطانيا فزكمت الأنوف وشكلت أشرطة الفيديو 80?% من خزائن النوادي حسب احصائيات مجلة (در شبيجل) الألمانية، وبعد عدة سنوات انكسرت حدتها وتراجعت موجتها الى 20% ثم تحولت الى ظاهرة مخيفة بين (الجمود) و (الانحراف) فالجنس كالسبع الضاري من حرَّضه أكله. ومن رمى له بقطعة لحم عند جوعته أمنه.  كما ذكر ذلك (ابن مسكويه) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق). ولكنها تفعل فعلها السمي اليوم في العالم العربي لأنها تدخل بيئة عذراء غير مهيئة لهذا النوع من الاجتياح  في ظل تابو المجتمع العربي.  ولم تتطور الثقافة الجنسية بين الأظهار والأخفاء من فراغ على قاعدة (أرسطو) الذهبية أن كل فضيلة هي وسط  بين رذيلتين. فمع الاباحية يتحول المجتمع الى مستنقع يستحق التدمير فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. ومع الكبت تنشأ الأمراض النفسية من الهلوسة الجنسية وتحويل كل النشاط الى جنس حتى لو كان ظاهرياً عين التقوى بسبب جوعة الجنس. ويصبح (جسد المرأة) المسرح السياسي لطغيان الرجل وإعلانه الوصاية على كائن متخلف عقلياً في اللباس. ويعلل (مالك بن نبي) في كتابه (شروط النهضة) المعركة حول جسد المرأة بالمزيد من تعريتها أو التشدد في تغطيتها الى نفس الآلية الخفية من الدافع الجنسي لامتلاك جسد المرأة  مع أن ظاهر الأمر يوحي بالتناقض بين الفحش والتقوى، ولكنه في حقيقته واحد مثل الفلم الأسود قبل التحميض والملون لاحقاً. إن الأسود الخفي هو قاعدة الملون الفاقع ولكن أكثر الناس لايعلمون. إن طغيان الذكر علىالأنثى يتبدى في إدعاء الملكية والخجل من ذكر اسم الأنثى وعدم الاستبشار بمولدها ولو كانت أصح من عشرة ذكور، وإذا مشى تركها خلفه لخطوات كما راينا ذلك في العائلات التركية في ألمانيا.  وتطل قسمات الدونية في الخجل من ذكر اسمها فهي (الجماعة) أو (العائلة) أو (أم الأولاد) أو (أنت أكبر قدر) كمن يتعفف من ذكر مكان الخلاء. هي لا اسم لها يتم استلامها بالبريد المسجل من الأب الى الزوج ومن المهد الى اللحد. وهناك من يدعي ان المرأة لها ثلاث (خرجات) من الرحم وبيت أهلها الى بيت زوجها ومن بيتها الى القبر ألا إنهم من أفكهم ليقولون. وعند الزواج يغيب اسمها فهي (كريمة) فلان تزف الى الشاب الذي يحمل اسماً ولقباً عريضين. ويسلب حقها من الأرث، ويدفع لها راتبا أقل، وتخشى على نفسها المسغبة عندما يغيض الشباب ويزول الجمال وتطعن في السن فتراهن على عطف بناتها أكثر من حقوقها إذا كان لها بنات. ويمكن للرجل أن يلقي بها في الشارع بطلاق مع متأخر رمزي دراهم معدودة هذا إن دفعت. إن أبعاد الكارثة انسانية وليست عربية فقط  وإن كانت المرأة العربية تبتلع الجرعة السامة منه ولاتكاد تسيغه ويأتيها الموت من كل مكان. مع هذا فإن المرأة في بريطانيا لم تصوت الا في عام 1912 وهي مازالت محرومة في بقاع شتى من هذا الحق البسيط  والطبيعي. وفي بعض الأماكن مازال الزمن متوقفاً عند عتبة الأنثى فتحرم من قيادة السيارة. في الوقت الذي يطير الشباب الأرعن بدون رخصة سوى فحولته ويفحط ألوانا من الأشكال السريالية على رصيف الطرق. محولين الطرقات الى ساحات حرب تنقل الجثث على مدار الساعة. إن مصادرة المرأة كامل بما فيها صوتها البشري فهناك من يعتبر صوتها عورة مع أن القرآن يروي سورة كاملة باسم امراة جاءت الى النبي تشكو وترفع صوتها وتجادل والله يسمع تحاورهما. إنها نكبة ثقافية عندما يصادر القرآن برأي شخص. 
    إذا كان ظلم الانسان لنفسه هو الظلم الأعظم، فهو يؤسس بدوره لفهم جذور المشكلة الانسانية وفهم الظلم الاجتماعي عندما تتصدع الشرائح الاجتماعية الى (مستكبرين) و (مستضعفين) في أي مستوى بما فيه الجنسي. ومصدر هذا الخلل هو طبقة المستضعفين أكثر من طبقة الجبارين المتكبرين. وهذه القاعدة تنطبق على علاقات (المرأة ـ الرجل) فلماذا قبلت الأنثى هذا الاضطهاد الطويل؟  إن علاقات القطبين المشؤومين ( الاستضعاف ـ الاستكبار ) ذات مصدر موحد. كذلك كانت علاقات القوة في المجتمع بخلل هذه الرافعة بين بني البشر. ودعوة الاسلام جاءت لانتاج نسخة بشرية جديدة بالتخلي عن علاقات القوة. فكانت أول من آمن به امرأة، وأول من قتل في سبيل الله امرأة،  ومن تسببت في اسلام ثاني شخصية في الاسلام امراة. وفي الثورة الايرانية كانت المرأة تنزل الشارع جنبا الى جنب مع الرجل في المظاهرات المليونية ولم يمنعها (الشادور) من الاستشهاد فالطريق الى الجنة لايقف في طريقه قطعة قماش. الضعفاء هم الذين يخلقون الأقوياء. والأمم الهزيلة هي التي تنبت الطواغيت. والمستنقع هو الذي يولد البعوض. والغربان تحط  على البقرة الميتة. والقابلية للاستعمار هي التي تمهد للاستعمار. والدول تنهزم بتفككها الداخلي. وتنهار الحضارات بالانتحار الداخلي. هذا القانون يمسك جنبات الوجود  بوتيرة مكررة بدءاً من الذرة الى المجرة ومن أبسط الأفكار الى أعظم الامبراطوريات. والمرأة لاتشذ عن هذا القانون وهي مسئولة عن تشكيل هذا  التراث الخاطيء. ألقي القبض يوماً على امرأة خارجية وجيء بها الى الحجاج فقال لأصحابه ماتقولون فيها؟ قالوا عاجلها بالقتل أيها الأمير. فقالت الخارجية: لقد كان وزراء صاحبك خيراً من وزرائك. قال: ومن صاحبي؟ قالت: فرعون فقد استشار وزراءه في موسى عليه السلام فقالوا أرجه وأخاه.  
[email protected]