دينا الطائي
الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 17:53
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
حين تختلط الأسئلة الكبرى بزحام الواقع، يبقى الأساس هو وضوح الرؤية وصلابة المبدأ. الانتماء لمشروع تحرري لا يُقاس فقط بصدق النوايا، بل بقدرتنا المستمرة على الربط بين القيم التي نؤمن بها، والسلوكيات والمواقف التي نجسّدها على الأرض.
الانتماء الفكري ليس التزاماً بالشعار، بل التزاماً بالوضوح، فهو ليس هوية عاطفية، ولا مظلة نلوذُ بها في وجه العاصفة، ولا مجاملة للواقع، بل نقداً له، واشتباكاً معه، وتجاوزاً له، إنه مشروع وعي أخلاقي، طبقي، سياسي، تحرري، يتأسس على الالتزام بالعدالة كمعيار، ويتطلب مساءلة مستمرة.
أدرك أن لكل مرحلة تحدياتها، وأن حسابات الواقع تفرض أحيانا مسارات معينة، لكن الخطر يبدأ حين تتحول الضرورة إلى منهج، والتكتيك إلى غاية. وحين يُختزل المشروع بفكرة البقاء ضمن اللعبة، لا تغيير قواعدها.
كما أن السياسة في العراق اليوم شبكة معقّدة من المصالح والاصطفافات، ومن السذاجة الظن أن البقاء في الحلبة وحده يضمن التأثير، فالجدوى تقاس بالمضمون لا بالموقع، وبما نُنجزه لا بما نشارك فيه.
المشكلة لا تكمن في تعدد القراءات، ولا في الاجتهادات المختلفة داخل المسار الواحد، بل في غياب آليات المراجعة الهادئة، حين يبدأ الفارق بالاتساع بين المنهج النظري والتطبيق العملي.
فالتكيّف ضرورة في بعض اللحظات، لكن تحوّله إلى مسار غير مرئي، لا يُراجع ذاته، يهدد بنقل المشروع من حالة الفعل إلى حالة التكرار.
لهذا، لابد من يقظة دائمة تسائل الخيارات، لا تجرّمها، وتستبقي البوصلة متصلة بالجذر الفكري، لا بالضرورة الظرفية.
ما يضمن استمرارية المعنى، ليس فقط الاستمرار في الفعل السياسي، بل ممارسة نقدية واعية تُوازن بين الموضوعي والذاتي، وتُدرك طبيعة التحديات، وتحاور الواقع دون أن تفقد المعايير التي بُني عليها المشروع.
والوعي النقدي هنا لا يُمارَس من خارج الصف، بل من داخله، كأداة حماية لا كوسيلة انقضاض.
المبادئ وضعت لتُعيد ضبط المسار كلما اشتدت الضغوط.
ولا أحد يُشكّك في صدق الذين يواصلون العمل وسط التحديات، لكن التذكير ضرورة، لا تقليل من شأن أحد، بل استكمال لجهد الجميع.
أنا لست في موقع التقييم، بل في موقع الإيمان العميق بأن المنهج لا يفقد قيمته، إلا حين تنفصل الممارسة عن روحه.
ولهذا أكتب…
لا لفتح سجال، بل حفاظاً على جوهرٍ لا يصمد إلا بالمراجعة، ولا يُصان إلا بالوعي. فثمّة لحظات يكون فيها الصمت تفريطاً، والكلمة الهادئة ضرورة لا ترف.
والتنبيه، حين يكون نابعاً من صدق الانتماء، لا يُربك المسار… بل يحميه من التآكل البطيء.
اكتب، لإعادة التذكير بأن وضوح الفكرة، في لحظات التعقيد، هو ما يمنحنا الاتزان لا الانزلاق.
24/4/2025
#دينا_الطائي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟