أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دينا الطائي - شرقٌ بلا ردع: كيف تُخاض الحرب الإمبريالية على الشعوب بإسم الحياد؟















المزيد.....

شرقٌ بلا ردع: كيف تُخاض الحرب الإمبريالية على الشعوب بإسم الحياد؟


دينا الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 16:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(قراءة نقدية وتفكيك بنيوي في هندسة الهيمنة)

أولاً: الجهل السياسي ونقد الخطاب العراقي:
في لحظة مفصلية من تأريخنا، حيث يتكثّف التهديد الإقليمي ويتعمّق مشروع التوسع الصهيوني، نلاحظ بمرارة أنّ قلة قليلة من العراقيين تناقش جوهر هذا الخطر وموقع العراق منه. الغالبية، من مثقفين وناشطين وحتى من يدّعون “الحياد” والإنسانية، ينجرّون إلى سجالات طائفية، عدوات انتقائية، وتصفية حسابات محلية، وشماتة رخيصة بسقوط منظومات إقليمية كانت -رغم مأخذنا على دورها القومي أو الديني- تشكّل عائقاً أمام الهيمنة الصهيو-أمريكية الشاملة.
هكذا تُستهلك الخلافات محلياً، وتُوظف خارجياً لتفتيت الوعي الجمعي وتفكيك ما تبقى من طاقة تحرر شعبي، في وقت تُخاض فيه معركة كسر الإرادات التاريخية للشعوب.
في لحظةٍ يتقاطع فيها المحلي مع العالمي، يتحوّل الجهل السياسي إلى خيانة غير معلنة. تُختزل السياسة إلى مواقف من دول معينة، دون مقاربة شاملة تُحدّد من هو العدو البنيوي فعلياً. تُحرّك الشعوب على وقع الانفعالات، وتغيب الأسئلة العميقة: من يعيد هندسة المنطقة؟ من يُفرغ الردع من مضمونه؟ من عدونا الطبقي؟ من يُعيد إنتاج الطغيان بأقنعة جديدة؟
كما كتب ماركس: “ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم”. لكن في عصر البروباغندا المُمَنهَجة، صارت الميديا تُصوغ ذاكرتهم.
لينين أشار إلى الدينامية نفسها في “الإمبريالية”، حيث تُوجّه الشعوب لتضخيم تناقضات داخلية سطحية بينما تمر المشاريع الاستعمارية دون مقاومة جوهرية.
قلة قليلة فقط تطرح الأسئلة الجذرية، أما البقية فتنتج -كما وصفها ماركس- وعياً زائفاً يخدم البنية المهيمنة، أي ما يُقدّم كتحليل “وطني” أو “حيادي”، ليس إلا قناعاً لخطاب يُسهّل عبور الهيمنة، ويفكّك آخر معاقل المقاومة الاجتماعية الحقيقية.

ثانياً: تشريح الماكينة الإيديولوجية والسياسية:
إنها لحظة تتقاطع فيها القومية الطائفية مع الليبرالية المعولمة لتُنتج -كما قال غرامشي- “هيمنة ثقافية” لا تُفرض بالقوة فقط، بل بالتطبيع مع الهزيمة داخل العقول. حيث تُعيد تشكيل العالم وفق منطق السوق والسلاح، لا منطق التحرر. فالعدو اليوم لا يأتي بالدبابة فقط، بل بالأقنعة الإعلامية، وبالخطابات الحقوقية المعلّبة، وبالبدائل المصنعة في دوائر الاستخبارات.
كما كتب إنجلز: “العنف هو القابلة لكل مجتمع قديم حبلى بجديد”، فهو يرى العنف أداة مغطاة بايدلوجيات حضارية لإعادة إنتاج البنية الطبقية لصالح الرأسمالية، لذا ما نُشاهده هو عملية ولادة معكوسة: ولادة لنظام جديد يعيد إنتاج القديم بقوة السلاح والإعلام، ويحوّل أدوات الردع إلى أهداف للتفكيك، والتهميش، والتشويه.
التعامي عن ذلك، هو نتاج بروباغندا إعلامية صهيو-أطلسية ضخّت على مدى سنوات خطاباً يعادي أي قوة لا تخضع لمنطق السوق أو لشرعية الغرب، وكرّست خطاب “المظلومية الانتقائية”، وساهمت في ضرب الوعي الشعبي.

ثالثاً: الإعلام كذراع للهيمنة الطبقية:
ربما لم يكتب ماركس نصوصاً مباشرة عن الإعلام كما نعرفه اليوم، لكنه أكد أن “الأفكار السائدة في كل عصر هي أفكار الطبقة السائدة” ، ما يعني أن ما يُقدّم كـ”رأي عام” أو “حقيقة موضوعية” غالباً ما يكون أداة أيديولوجية لإعادة إنتاج الهيمنة.
وهذا ما سماه غرامشي بـ”الهيمنة الثقافية”: حين تُنتج الطبقة المهيمنة إجماعاً شعبياً حول روايتها للعالم. الإعلام هنا ليس مراقباً، بل يُعيد برمجة الواقع، هو جندي في المعركة، وهذا ما تسميه لوكسمبورغ “الصحافة المخصخصة”، التي تخنق صوت الجماهير وتفرغ الديمقراطية من مضمونها وتحصرها في “الرأي العام النخبوي”.
كما أشار أوجالان الى ان “الرأسمالية تبذل قُصارى جهدها في عصر الإعلام للهيمنة الأيديولوجية”، في إشارة إلى كيفية توظيف الإعلام كذراع للاحتكارات العالمية لقمع الوعي التحرري، وكيف تُعيد الرأسمالية عبر الإعلام إنتاج الاستشراق ليس فقط تجاه الشرق، بل ضد كل التكوينات المجتمعية الطبيعية داخل مجتمعاتنا.
الإعلام، إذاً، هو سلاح ناعم يُبرمج الواقع ويُعيد صياغة الصراع ليناسب أجندة رأس المال.

رابعاً: من نكبة فلسطين إلى تفكيك الردع الشعبي
دعونا نُفكّر في التاريخ: بين نكبة 48 و 2025، من نكبة 1948، إلى العدوان الثلاثي على مصر 1956، فاحتلال القدس 1967، فاجتياح بيروت 1982، وحرب الاستنزاف العراقية-الايرانية، ثم حرب الخليج 1991، والحصار على العراق، والانتفاضتين الفلسطينيتين، وصولاً الى احتلال العراق 2003 وعدوان 2006 على لبنان، والربيع العربي المُحوّر الذي جاء بموجتين، حتى الابادة في غزة وحرب التفكيك والتجويع في السودان واليمن وسوريا، وتحويل ليبيا إلى مسرح مرتزقة. نشهد مساراً واضحاً: تصفية البنى الشعبية التحررية التي يمكن أن تُشكل رادعاً عضوياً أمام مشروع هندسة الفوضى الموجّهة. وتسليم الإقليم لتوازنات تصنعها واشنطن وتل أبيب، عبر أنظمة وظيفية أو قوى مصنّعة تسويقياً. هذا ما أشار إليه إنجلز حين قال: “العنف ليس فقط أداة للسلطة، بل هو صانع التاريخ نفسه، وأداة إعادة صياغة المجتمعات بالقوة”.

خامساً: من التحليل التاريخي إلى التحليل البنيوي:
ماركس أشار الى أن: “الطبقة السائدة لا تهيمن فقط بقوة المال، بل تُنتج وعياً مقلوباً يجعل المُستغَل يظن جلاده حاميه” ، أي أن الإعلام والفكر السائد يُعيدان إنتاج سيطرة النيوليبرالية بتزييف وعي الجماهير.
كما يوضح إنجلز، إن إعادة إنتاج الانظمة تتم وفق مصالح الامبريالية بقوله “الطغاة يسقطون ويُستبدلون بنسخ أخفقت الثورات في تفكيك بُناهم البنيوية، فتحوّلوا إلى سادة جدد بأقنعة قديمة". كما يؤكد "إن المال أكثر أنواع العنف نقاوة" في إشارة الى إن الانظمة الرأسمالية الامبريالية تُضفي طابعاً شرعياً قانونياً على أشكال النهب والاستغلال من خلال أوهام السوق الحر وحرية التبادل وما هي إلا تبريرات عنفية وتعبير عن قوة طبقية مُمأسسة تمارس العنف الناعم بإسم الحرية.
أوجالان في “مانيفستو الحضارة الديمقراطية” أكد أن الشرق الأوسط يُدار اليوم كمنطقة تجريب لفشل الحداثة الرأسمالية، ويربط نشأة الكيان الصهيوني والأنظمة القومية بالمشروع الكولونيالي وليس بالتطور الطبيعي للشعوب. حيث أشار الى إنها: “قالب سلطوي أنتجته أوروبا لإدارة الشعوب ضمن حدود السيطرة، لا ضمن مشروع تحرر” وبذلك تُمثل قيداً يُعاد تصنيعه لاحتواء المجتمعات، وتفكيك طاقاتها الجماعية التحررية، واحتواء أشكال المقاومة الشعبية داخل أطر طائفية أو قومية أو مذهبية، تُمأسس الهيمنة بدل كسرها.
من يقرأ التاريخ كما طرحه ماركس وإنجلز ولينين وغيرهم، يدرك أن ما يحدث ليس مجرد أزمات جيوسياسية، بل سيرورة مستمرة لإخضاع شعوبنا ضمن منطق الأنظمة المتجانسة المرتبطة بالنظام النيوليبرالي العالمي، وما يُفرض علينا هو إعادة إنتاج للهيمنة بأشكال معولمة: دول وظيفية، إعلام مخصخص، نُخب مدجنة.

سادساً: المشهد الإقليمي والدولي:
من يوسّع العدسة، يرى بوضوح أن ما يجري حالياً ليس محصوراً بجغرافيا واحدة. فلسطين تُباد وقضيتها جاري تصفيتها. سوريا، التي كانت عقدة التوازن الإقليمي، تحوّلت إلى ساحة تجريب لأنماط الاحتلال غير المباشر، وتحويل الجغرافيا إلى كانتونات أمنية. لبنان تعرض لضربات صهيونية موجعة وأزمة داخلية تتقاطع مع أجندة السفارات. اليمن، حيث يُسحق شعب بأكمله لأنّه قال “لا” للوصاية الخليجية. السودان، نموذج متكامل لحرب بالوكالة وخصخصة الثورة. وتونس والجزائر تُخنق ضمن سياق نزع السيادة. أما شمال إفريقيا، فتمضي فيه المشاريع النيوليبرالية تحت مسميات التحديث، بينما يُجرَّد الناس من أدواتهم السياسية. هذه ليست “أزمات داخلية”، بل تعبيرات محلية لحرب امبريالية على مجتمعات رفضت أن تنضوي بالكامل تحت منطق السوق والدولة التابعة.
سوريا مثالاً: النظام البعثي الاستبدادي الذي نرفضه، تمّت محاصرته، ثم فُتح الباب أمام بدائل أكثر توحشاً الذين حظوا بدعم خليجي-تركي مباشر. وهذا ما أشار له أوجالان أن الطغاة الجدد يُعاد تدويرهم تحت مسميات جديدة: “من سقطوا من رموز الاستبداد، عادوا كدمى على يد قوى الاحتلال” - كما في حالة استبدال الأسد بالجولاني .
كما لا يمكن إغفال الطريقة التي وُظّفت بها القضية الكوردية داخل خرائط السيطرة، لا كمسار تحرر، بل كورقة ضغط في الصراعات الدولية. فبدل دعم نضال الشعوب الكوردية من أجل العدالة والحرية، جرى تسليحها حيناً لعزل مناطق، وتطويق أخرى، ثم تُركت فريسة للابتزاز التركي، والتواطؤ الأمريكي، والقمع الإيراني، والارهاب. هذا التلاعب الممنهج يكاد يحوّل طموحات شعب بأكمله إلى حقل اختبار للاستراتيجيات الاستعمارية الجديدة، كما نبه أوجالان، حين فرّق بين مقاومة شعبية ذاتية، وبين اختطاف النضال الكوردي في غرف الاستخبارات. ومن هنا، فإن أي تضامن حقيقي مع القضية الكوردية، يجب أن ينطلق من موقع مناهضة كل أشكال الهيمنة، لا من توظيفات استخباراتية أو رغبات تقسيمية تُعيد إنتاج السيطرة باسم “الإنصاف”.
في هذا الإطار، لا يمكن تجاهل تعقيد الدور التركي الذي يجمع بين أطماع إمبراطورية عثمانية محدثة، ووظائف داخل الناتو. كما لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ الأنظمة الخليجية، وخاصة السعودية والإمارات وقطر، ليست طرفاً “محايداً”، بل ركيزة مركزية في مشروع الهيمنة: تمويل الانقلابات، فتح المجال للوجود الأميركي، وشيطنة كل محاولة للتحرر.
أما الإرهاب، فلم يكن إلا الأداة القذرة بيد الصهيو-امبريالية وافرازاتها لتحويل الحلم بالحرية إلى كابوس دموي. من لا يرى التنسيق بين ضرب الحركات التحريرية وتجفيف منابعها، وبين تسويق “الاعتدال” و”السلام” الزائف، يساهم بصمته في تعويم الجريمة.
بالتوازي، يتمدد حلف الناتو نحو الشرق، وتصعيد النزاع في أوكرانيا بحجة الدفاع عن الديمقراطية وواقع الحال هو من أجل خنق روسيا التي لا تزال تعارض أحادية القطب، وفي آسيا، تُحاصر الصين بقاعدة هنا وحلف هناك ومحاولة شيطنتها والضغط على آسيا عبر تايوان وكوريا وغيرها، وتُستعاد أسوأ وجوه الإمبريالية في ترامب، ونتنياهو، واليمين المتطرف الأوروبي، حيث نشهد ولادة جديدة للنيوليبرالية الهجومية، مُحمّلة برماد فاشيات قديمة، لكن بأدوات تكنولوجية وإعلامية أكثر فتكاً .. إنهم لا يخفون مشروعهم، فلماذا نحن ندفن رأسنا في رمال “الحياد” و”النأي بالنفس” و”الخصوصيات”؟

سابعاً: العراق ضمن هذا السياق:
أما في العراق، فلا أحد يناقش: كيف سيتم تصفية البلد؟ كيف تُنهب موارده؟ كيف فُكك مجتمعه؟ كيف مُسخ وعيه؟ من يدّعي الوطنية لا يسأل: ما هو موقع بغداد في مشروع السيطرة الكاملة الممتد من تل أبيب الى كل المنطقة؟ هل من يتوقف أمام الخطر الحقيقي، لا الوهم الطائفي؟ من يدّعي الوطنية لم يسأل: ماذا يعني تفكيك الدولة دون مشروع تحرر بديل؟ الجميع منشغل بـ”اصطفافات”، يُعاد إنتاجها عبر الإعلام والمرتزقة الثقافيين.
فحين يُصوّب البعض عداءهم نحو إيران -ونحن لا نبرّئ نظامها من الهيمنة والطائفية- يغفلون حقيقة أن إسقاط أي قوة تمتلك قدرة ردع، حتى وإن كانت سلطوية، يؤدي إلى تمكين المركز الصهيو-أمريكي ليكون صاحب الكلمة الأخيرة. هذه ليست مصادفة، بل سيرورة مدروسة. ومن يتجاهل هذه المعادلة، يصبح جزءاً من ماكينة الاستعمار، وإنْ رفع راية النأي بالنفس والوطنية.
حتى إيران، التي تُعتبر من القوى التي تمتلك قدرة ردع نسبي في وجه المشروع الصهيو-أمريكي، لا يمكن مقاربتها خارج التعقيد البنيوي للهيمنة. فتمددها الإقليمي الذي تمّ ضمن هوامش رسمتها واشنطن نفسها، وإن بدا في أحيان كثيرة وكأنه يربك المشروع الأمريكي، لكنه سُيّر بما لا يهدد جوهر الهيمنة الغربية، بل استُثمر مراراً لإعادة إنتاج اصطفافات تخدم هندسة الخرائط لا تفكيكها، لم يكن دوماً خارج هوامش التفاهمات الدولية التي تُعيد توزيع الأدوار ضمن حدود السيطرة، لا التحرر. بل يمكن القول إن فسح المجال أمام صعود أذرع إيران في المنطقة، كان -في محطات محددة- جزءاً من سياسة الترويض والتحكم، وليس من سياق تحرري مستقل. لقد وُظّف هذا التمدد أحياناً لإعادة إنتاج التناقضات الطائفية، وتكريس الاصطفافات الهوياتية، وضرب البدائل الشعبية التي لا ترضى لا بوصاية واشنطن أو تل أبيب ولا بوصاية طهران. ما نحتاجه ليس تقويم المواقف من منطلق طهران أو الرياض، بل من موقع الشعوب، ومصلحة التحرر الحقيقي من كل أشكال الهيمنة، أكانت إمبريالية أم قومية أو إثنية أو مذهبية مغلقة.
ولا بد من التأكيد أنّ النظام الإيراني ذاته مارس صنوف القمع على شعبه، وضرب الحراكات الشعبية، وكمم الأفواه باسم “الممانعة”، ما يجعل أي انهيار داخلي محتمل له - رغم رفضنا لاستخدامه كذريعة للتدخل الإمبريالي - نتيجةً طبيعية لبنية سلطوية مغلقة. إن تعاطي الغرب مع إيران لم يكن يوماً دعماً لحرية الشعب الإيراني، بل تحكماً بسقوف الاشتباك معها، وتوظيفاً للأزمات لصالح إعادة إنتاج خرائط السيطرة. لذا، لا يمكننا أن نُسقط موقع إيران البنيوي في مشهد الهيمنة، ولا أن نقفز على تناقضاتها الداخلية، بل علينا دوماً أن نعود إلى الموقع الأهم: موقع الشعوب في معركتها ضد كل أشكال التسلط - سواء أتت بلباس وطني أو ديني أو دولتي.
لكن رغم كل ذلك، لا يمكن إغفال أن في قلب إيران نفسها، تتشكل مقاومة أخرى: مقاومة شعبية تُدين الاستبداد، لكنها ترفض رفضاً قاطعاً أن يُستخدم ذلك ذريعة للعدوان الخارجي. هناك يسار حي، ونسويات مناضلات، وحركات شعبية تقاوم الاضطهاد المزدوج، من الداخل والخارج. هذه اللحمة الداخلية، رغم كل ما تواجهه، تذكّرنا بأن الشعوب ليست مرآة لأنظمتها، وأن الرهان يجب أن يكون على الحركات الجذرية، لا على هندسة القوى الكبرى.

ثامناً: النظرية الثورية كعدسة تحليل:
ماركس أشار لإستغلال الطوائف والدين من قبل القوى الامبريالية كأداة للهيمنة: "الطبقة السائدة تُعيد تشكيل القيم والمقدسات لتبرير مصالحها". لينين في كتابه “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” نبّه بوضوح إلى خطر الوعي الزائف، حين اعتبر أن أعقد أشكال الخيانة هي تلك التي تُرتكب باسم الحياد والواقعية، وتُبرّر تساقط جبهات التحرر بتضخيم تناقضات داخلية على حساب العدو المركزي.
أما إنجلز، قدّم فهماً جذرياً للعنف في التاريخ، وبيّن أن كل مرحلة انتقال سياسي واقتصادي كبرى، تسبقها موجة من العنف “التأسيسي”، فقد وصف بدقة كيف أن “كل مرحلة تأسيس لسلطة رأسمالية جديدة، تمر عبر العنف كمؤسسة لا كحادثة” ، تستخدمها الطبقة السائدة لإعادة تشكيل المجتمعات بالقوة ورسم الخرائط بالدم.

لهذا، أقولها بوضوح:
ليس الخطر في دولة بعينها، بل في المشروع الذي يريد شرقاً بلا أدوات ردع، بلا وعي سياسي، بلا حركات شعبية، بلا إعلام تحرري. المشروع الذي يشيطن كل طاقة نضالية، ويمأسس كل شكل من أشكال التبعية.
نحن نحتاج الى معسكر وعي حقيقي يرى أنّ الصراع طبقي، واستعماري، وأخلاقي في آن. فالعدو اليوم يلبس ثوب الحليف، ويمد يده في لحظة يأس، وما لم نسمّه باسمه، سنكون أدواته.
الوعي في هذه اللحظة ليس “ترفاً نظرياً”، بل هو أداة بقاء. فإما أن ننحاز بوعي إلى معسكر الشعوب، أو نُستهلك -دون أن ندري- كأدوات في ماكينة الهيمنة.
ما نحتاجه ليس ادّعاء الوطنية، بل شجاعة التحليل، وجرأة الموقف، وبوصلة لا تنحرف نحو العدو الجوهري (الصهيو-أمريكية) ، مهما تنكّر. العدو لا يتوارى، بل يعيد اختراع نفسه بأقنعتنا. فإما أن نراه كما هو، أو نتحوّل نحن إلى قناعه.

22/6/2025



#دينا_الطائي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في زمن الارتباك: لا حياد مع جرائم الصهيو-امبريالية
- الحركة الإحتجاجية رحم التغيير المنشود
- ساحة التحرير .. و للحلم بقية ...
- القوى المدنية الديمقراطية و إعادة إنتاج عناصر التغيير
- الشيوعيون العراقيون .. و صراع مبادئ لن ينتهي ...
- على طاري المعارض و كلب الوزير
- وطني .. طوفان الدم ...
- الكورد ليسوا مسؤولين عن مقتل البديوي يا دعاة الفتنة و حملة ا ...
- يا بحري اللافاني
- شغف عالي
- نعيب زماننا و العيب فينا .. زيارة أوغلو مثالا ...
- يا رجائي العظيم ...
- هوية الأمة العراقية بين الريف و الحضر
- الأمة العراقية .. صفة وجودها و إستنهاضها ...
- مساومات سياسية رخيصة
- رسالة تعج بضيق إنساني
- لا تنه عن خُلق و تأتي بمثله .. عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
- عثرات عند الساعة الخامسة فجراً
- طفولة مترنحة
- يا غريب العواصف و الحروف ...


المزيد.....




- قبل زفافهما المُرتقب.. من هي لورين سانشيز خطيبة جيف بيزوس؟
- رأي.. بشار جرار يكتب عن اعتداء كنيسة مار الياس الإرهابي: -لا ...
- -نصرٌ عظيمٌ للجميع-.. شاهد كيف علق ترامب على قصف منشآت إيران ...
- من هو زهران ممداني، المسلم المرشح لعمدة نيويورك؟
- الناتو يستجيب لمطلب ترامب بزيادة الإنفاق الدفاعي، والأخير يُ ...
- ما أبرز ما جاء من تصريحات عن إيران في لقاء ترامب وروته؟
- أضرار أم تدمير لمنشآت إيران النووية.. هل تستأنف إسرائيل الحر ...
- دول الحلف الأطلسي تؤكد تمسكها -الراسخ- بالدفاع المشترك وتتعه ...
- تعرف من خلال الخريطة التفاعلية على كمين القسام ضد جنود إسرائ ...
- هل يصمد وقف إطلاق النار الهشّ بين إسرائيل وإيران؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دينا الطائي - شرقٌ بلا ردع: كيف تُخاض الحرب الإمبريالية على الشعوب بإسم الحياد؟