أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بديعة النعيمي - يحيى لم يمت وحده..هذا العالم كله يحتضر














المزيد.....

يحيى لم يمت وحده..هذا العالم كله يحتضر


بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة

(Badea Al-noaimy)


الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 14:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رحل يحيى النجار بعد أن حرم كغيره من أطفال غزة من الحليب. رحل بعد أن أغلقت المعابر في وجهه. رحل رضيعا لم يكمل عامه الأول، محمولا على يدين عاجزتين تحاول عبثا إنقاذ ما تبقى من انفاس له في حياة تخلى عنه فيها القريب قبل البعيد.
استشهد يحيى النجار بعد أن نهش الجوع جسده الغض وأوقف قلبه الصغير عن النبض. يحيى كغيره من أطفال غزة استشهد نتيجة لسياسة وضيعة تدير المجاعة بوعي وتفرض ظلما، الجوع كسلاح في زمن الخنوع والخيانة العربية.

وهنا لا بد أن نعرج على شهادة الجراح البريطاني نيك ماينارد، وهي شهادة لم تكن بالصادمة لعدو فاشي الأيديولوجية حين قال إن "حرس الحدود الإسرائيلي صادروا فقط حليب الأطفال من الأطباء الذين يدخلون غزة". ولنضع ألف خط تحت عبارة "حليب الأطفال فقط" الواردة في الشهادة، حيث أنها تفضح نية هذه الدولة وقراراتها التي تهدف إلى الإذلال والكسر.

إن الرقم الذي حمله يحيى وهو الرقم الواحد والسبعون في قائمة الشهداء الأطفال الذين ارتقوا جوعا في غزة ما هو إلا مقياس الانحدار الأخلاقي في صمت العالم المصاب بتخمة المراقبة فقط.

يحيى وغيره من الأطفال ارتقوا في مجزرة خطيرة، مجزرة من نوع آخر، إنها المجزرة الصامتة التي تخلو من أثر الدماء ومشاهد الأشلاء والتفحم، هي مجزرة تكون فيها الأجساد هزيلة والعظام بارزة والعيون جاحظة تلعن المتواطئين بصمتها.
هي المجزرة الأكثر لاأخلاقية في هذا الكوكب، حيث تحدث تحت شمس واحدة تشرق على البطون الشبعى والجائعة معا. إنها المجزرة التي تتم وسط التجاهل والصد المستمر إلا من أخبار تنقل أرقام الشهداء على مدار الساعة، ولكن دون خطوط حمراء، فغزة لم تعد خطا أحمر وهي لم تكن يوما ذلك الخط لأن ثمنه قد يخل بميزان المصالح والتحالفات القذرة واستقرار الكراسي الزائلة.

كيف يموت يحيى ومعه آلاف الأطفال جوعا في وقت تتباهى فيه الدول بمخزوناتها من الغذاء وتفاخر بمعدلات التصدير وتحاصر مدينتهم المنهكة ويُحاصر طحينها ويُصادر حليب أطفالها؟ كيف يموتون بينما تنقل الحبوب وأطنان الحليب إلى الأسواق العالمية؟.

يحيى الذي رحل وهو يحمل في عينيه حكاية كل طفل في غزة، كان من المفترض أن يمارس طفولة طبيعية وأن يحلم بمستقبل كباقي أطفال العالم، ولكن هذا الحلم وتلك الطفولة قتلا في مهدهما وأغلقت صفحاتهما لأن هناك من يرهبه حليب الأطفال، لأنه يشكل تهديدا له، فالرضيع عدو وجيش مستقبلي، هو ذلك المقاوم الشرس الذي سيكبر قريبا ويقتحم الدبابة بعبوة يلفيها من مسافة صفر، ثم يختفي كشبح بشبشبه أو صندله البلاستيكي الممزق الشريف.

أعلم أن هذا المقال لن يعيد يحيى ولا الذين ارتقوا قبله، ولن يسد رمق أطفال غزة، ولكنه محاولة لئلا يبقى يحيى وغيره رقما مهملا طي النسيان، محاولة ليبقى اسمه شاهدا على موت الأطفال جوعا في زمن التخمة، أمام عالم لا يخجل وأنظمة عربية لا تمتلك شسع نعل مهترئة من مروءة العرب.
هذا المقال إدانة لنا نحن الشعوب الصامتة حين رضينا بسوط الطاعة، حين عجزنا عن رد هذا السوط عنا، حين عجزنا عن أن ننتفص في وجه ظلم واستبداد أنظمتنا من أجل غزة وجوع غزة وموت أطفال غزة. نحن من ستبصق علينا الأجيال القادمة ولن تبرئ جبننا ولن تسامحنا على خذلاننا لغزة.



#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)       Badea_Al-noaimy#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة ومعضلة الاحتلال..من نصر ١٩٦٧ إلى مأز ...
- -المدينة الإنسانية-.. سجن جماعي بمباركة دولية
- وحدة -الاستجابة الأولى-..شرعنة الاستيطان وإرهاب الفلسطينيين
- كمين بيت حانون..المقاومة الفلسطينية تكتب معادلة الاشتباك الج ...
- جنود العدو ..ما بين الكوابيس والوصايا
- عرب المليحات بين فكي التهجير والاستيطان وصمود في وجه الاقتلا ...
- مجزرة بالتقسيط..برعاية الاحتلال وتواطؤ الأنظمة..
- المخدرات في الطحين.. مؤامرة خبيثة لكسر صمود غزة
- من ذريعة الأمن إلى الإقصاء.. الهدم الممنهج كأداة لتصفية القض ...
- الدم الفلسطيني بين مشروع الإبادة وصفقات الاستقرار الزائف..مج ...
- من النكبة إلى قرية مالك..سياسة ثابتة بوجه متغير
- بين وهم النصر وحقيقة الهزيمة..بن غفير يلوح بفتح أبواب الجحيم
- ما بعد التصعيد..هل يلتزم الجميع أم يشعل الاحتلال الجولة القا ...
- حرب بقرار فردي...هل يجر -ترامب- العالم نحو الهاوية؟
- الشجرة..ذاكرة لا تمحى وجذور لا تموت..
- صناع الموت تحت النار..إيران تستهدف مركز الإبادة الرقمية في ب ...
- -سوروكا- يتصدع...ومستشفيات غزة تُمحى
- مصائد الموت في غزة..طوابير الجوع... طوابير الشهادة
- -الأسد الصاعد اليهودي- ينهار أمام صواريخ إيرانية استنزافية ل ...
- صواريخ الحاج قاسم تغير معادلة الحرب داخل حدود الاحتلال..الوع ...


المزيد.....




- ظبي بأنف غريب.. ما حكاية السايغا الذي نجا بأعجوبة من الانقرا ...
- مصدر إسرائيلي يكشف لـCNN تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار في غ ...
- حسام أبو صفية لمحاميته: هل ما زال أحد يذكرني؟
- -إكس- و-واتساب- في قلب جدل جديد: تحقيق يرصد حسابات يمنية ترو ...
- الوحدة الشعبية: استهداف سورية العربية حلقة لاستكمال مشروع ال ...
- مبادرة -صنع في ألمانيا-: أكثر من 60 شركة ألمانية تتعهد باستث ...
- لماذا لم تكشف بغداد عن هوية المتورطين بهجمات المسيرات؟
- بدء خروج العائلات المحتجزة من السويداء -حتى ضمان عودتها-
- عاجل| وسائل إعلام إسرائيلية: سلاح الجو يهاجم أهدافا للحوثيين ...
- شاهد.. مطاردة مثيرة وثقتها كاميرا من داخل دورية الشرطة تعبر ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بديعة النعيمي - يحيى لم يمت وحده..هذا العالم كله يحتضر