أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -4/10-














المزيد.....

من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -4/10-


إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري

(Eslam Hafez)


الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 20:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"مجلس السيادة: شراكة أم فخ؟"

عندما أعلن عن تشكيل مجلس السيادة السوداني في أغسطس 2019، اعتقد كثيرون أنه بداية مرحلة جديدة في مسار الانتقال الديمقراطي، وأن البلاد أخيرًا تمضي نحو إنهاء الحكم العسكري وبناء مؤسسات مدنية تقودها الكفاءات الوطنية. جاء تشكيل المجلس نتيجة مفاوضات شاقة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، بعد شهور من الاحتجاجات والدماء، وخصوصًا مجزرة فض اعتصام القيادة العامة. لكن سرعان ما بدأت ملامح الأزمة تتكشف، وتحول هذا الكيان من كونه رمزًا للشراكة إلى أداة للصراع، ومن كونه خطوة نحو بناء الدولة إلى فخ ساهم في تفكيكها.

تشكّل مجلس السيادة من 11 عضوًا، بينهم 5 من المكون العسكري، و5 من المكون المدني، بالإضافة إلى عضو مدني يتم التوافق عليه بين الطرفين. على الورق، بدا هذا التوزيع متوازنًا، لكنه في الواقع كرّس خللاً جوهريًا في موازين القوى. فالعسكر لم يكونوا مجرد طرف سياسي ضمن التوازن، بل كانوا هم من يملكون السلاح، والمال، والأجهزة الأمنية، وكل أدوات الدولة العميقة التي ظلت قائمة منذ عهد البشير. أما المكون المدني، فكان يفتقر إلى النفوذ التنفيذي، ويعاني من انقسامات داخلية ومن ضعف في القدرة على إنفاذ قراراته.

الوثيقة الدستورية التي نظمت المرحلة الانتقالية حملت في داخلها الكثير من التناقضات. فقد أعطت مجلس السيادة سلطات رمزية، بينما منحت مجلس الوزراء بعض الصلاحيات التنفيذية، لكنها أبقت الأجهزة الأمنية والعسكرية خارج نطاق سلطة الحكومة المدنية. هذا الخلل البنيوي جعل من مجلس السيادة ساحة صراع غير معلن، تتداخل فيها القرارات وتتضارب فيها التوجهات، خصوصًا في ملفات الأمن والعلاقات الخارجية والاقتصاد.

أحد أهم مؤشرات هذا الخلل تمثلت في عدم وجود قيادة موحدة للدولة. فبينما كان عبد الله حمدوك رئيس الوزراء يفاوض الخارج من أجل دعم اقتصادي عاجل، كان البرهان وحميدتي يزوران العواصم الإقليمية ويبرمان صفقات أمنية وعسكرية بمعزل عن الحكومة. وقد نشرت وكالة "رويترز" في* تقريرها الصادر في سبتمبر 2020 أن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عقد اتفاقات تعاون مباشر مع دولة الإمارات، تتعلق بإرسال مقاتلين سودانيين إلى ليبيا واليمن، دون علم أو موافقة الحكومة المدنية.

هذا الواقع المزدوج عمّق من حالة الشك داخل الشارع السوداني. فعلى الرغم من أن مجلس السيادة كان يمثل، نظريًا، الدولة الموحدة، إلا أن مؤشرات الانقسام كانت واضحة في كل خطوة. لم تكن هناك مساءلة حقيقية داخل المؤسسات، ولم يكن لأي جهة مدنية قدرة فعلية على مراقبة أجهزة الأمن. وفي الوقت الذي كان فيه المواطن يعاني من تدهور الأوضاع المعيشية، كانت الموارد الوطنية تُدار خارج المؤسسات الرسمية، ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية.

بحسب تقرير صادر عن وزارة المالية في نهاية عام 2020، كانت أكثر من 70% من الشركات الاقتصادية الكبرى، بما في ذلك تلك العاملة في الذهب والاتصالات والموانئ، خاضعة لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل القوات المسلحة أو الدعم السريع. هذا الاحتكار الاقتصادي من قبل العسكر حرم الحكومة المدنية من أدوات السيطرة على الاقتصاد، وجعل من أي حديث عن "إصلاح اقتصادي" مجرد حبر على ورق.

ومع تصاعد التوترات، برزت قضية العدالة الانتقالية كأحد--$-- أبرز نقاط الخلاف. فقد كانت هناك مطالب شعبية بمحاكمة المتورطين في جرائم فض الاعتصام، لكن التحقيقات ظلت تراوح مكانها، بسبب الضغط العسكري الواضح على مسار العدالة. تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في يونيو 2021 أكد أن السلطات الانتقالية لم تتخذ أي خطوات جادة في ملاحقة المسؤولين عن المجزرة، بل أن بعضهم ما يزال في مواقع قيادية. هذا الواقع رسّخ القناعة بأن مجلس السيادة كان غطاءً لاستمرار الحصانة، وليس أداة لتحقيق العدالة.

وفي خضم هذا المناخ المشحون، جاءت لحظة الانقلاب في 25 أكتوبر 2021، لتكشف حقيقة ما كان يُدار في الخفاء. أطاح الفريق عبد الفتاح البرهان بالحكومة المدنية، واعتقل رئيس الوزراء وعددًا من الوزراء، معلنًا نهاية الشراكة وعودة العسكر إلى السلطة بشكل صريح. هذا الانقلاب لم يكن مفاجئًا، بل كان نتيجة طبيعية لمسار بني على أساس غير متكافئ. وقد وصفت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي لعام 2022 الخطوة بأنها "نكسة حادة" في مسار التحول الديمقراطي، مؤكدة أن السودان بات مهددًا بالانزلاق نحو مزيد من الفوضى.

وبعد أقل من عامين على الانقلاب، اندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ليُحسم الجدل الذي ظل يدور طيلة الفترة الانتقالية: من يملك القوة الحقيقية في البلاد؟ من يملك حق اتخاذ القرار؟ وكانت الإجابة واضحة. إن الفشل في دمج القوات، وفي بناء مؤسسة عسكرية موحدة، وفي إخضاع أجهزة الدولة للسلطة المدنية، كان يعني أن البلاد تسير، تدريجيًا، نحو المواجهة المسلحة.

اليوم، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على تشكيل مجلس السيادة، يمكن القول بثقة إن هذا الكيان لم يكن خطوة نحو الشراكة، بل كان فخًا أُعد بإتقان، أتاح للعسكر البقاء في مركز السلطة، وأجهض حلم الدولة المدنية. لم يكن الخلل فقط في النوايا، بل في التصميم نفسه، وفي غياب أدوات الرقابة والمحاسبة، وفي انقسام قوى الثورة، وفي التسرع في تقديم التنازلات باسم "الواقعية السياسية". والنتيجة: وطن ممزق، وثورة مهددة، ومواطن يدفع الثمن مضاعفًا.
يتبع,,,



#إسلام_حافظ (هاشتاغ)       Eslam_Hafez#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -3/10-
- من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -2/10-
- -من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -1/10-
- الإمارات والسودان: كيف ساهم المال والسلاح في تمزيق وطن؟
- البلشي صوت المقاومة في وجه دولة القمع
- ٦ ابريل من شرارة الغضب الي قلب الثورة
- العيد جانا والمعتقلين مش معانا
- مصر بين القمع السياسي والانهيار الاقتصادي: شعبٌ يدفع الثمن و ...
- معاوية مؤسس الاستبداد الأول في تاريخ الإسلام
- -رمضان في السجون المصرية: آلاف المعتقلين بين القهر والحرمان-
- مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة
- مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
- -المنفى وطنٌ من رماد-
- إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم
- 25 يناير: أنشودة الحرية التي لا تموت
- -عصر السيسي الذهبي للنساء: أكذوبة تُخفي القمع والاستغلال-
- -القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعو ...
- -نظام السيسي: شعارات للبرمجة وقمع للحرية... مصر تحتضر في ظل ...
- إحنا بتوع التحرير..!
- -الظلم لا يدوم... وصوت الحق أقوى من السجون-


المزيد.....




- -قوي ومنسق جيدا-.. رئيس وزراء باكستان يعلق على رد بلاده على ...
- جاريد كوشنر مستشارًا لإدارة ترامب في جولته إلى الشرق الأوسط ...
- ترامب سيعترف بالدولة الفلسطينية أثناء زيارته للشرق الأوسط (إ ...
- ثلاث حقائق عن لعبة GTA 6
- محادثات صينية-أميركية في جنيف لمحاولة احتواء الحرب التجارية ...
- الخارجية الهندية: وقف إطلاق النار مع باكستان بدأ الساعة الخا ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف
- السعودية تستعد لفتح خط جوي مباشر مع ليبيا بعد مباحثات أمنية ...
- بوتين يشيد بالعلاقات الروسية الفيتنامية ومحطاتها (فيديو)
- الدفاع الروسية: قواتنا تواصل التزامها بهدنة عيد النصر وترد ع ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -4/10-