أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - القضاء والقدر والمكتوب .














المزيد.....

القضاء والقدر والمكتوب .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 17:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يريد إبنى أن يقود سيارتنا وينطلق بها منفرداً ..وينتابنى شعور فظيع من التوجس والخوف عليه حينما قفز فى ذهنى ذكرى وفاة أخى , لأرفض بتعنت غبى أن ينطلق بها لحاله .
أنفرد بنفسى وأحاول أن أكون منطقياً وعقلانياً ..لأجد أننى أرفض بشكل عاطفى يخلو من المنطق , فليس معنى وفاة أخى فى حادث سيارة أن أمنع إبنى من القيادة أو أن أضعه فى علبة زجاجية.. وحينها بادرت زوجتى بالقول بأن الله هو الحافظ والمقدر , كما أن إمكانية إصابة إبننا بأى مكروه واردة ومحتملة بدون السيارة .

إنهارت عاطفتى المتعنتة أمام إلحاح إبنى .. ولكنها كانت فرصة لى لأخلو بنفسى وأتأمل فى قضية القضاء والقدر ..
كيف يعتقدون بأن هناك أقداراً مكتوبة ؟!..وكيف لهم تصور أن هناك من يخطط ويدبر ويسجل لتلك الأقدار .؟!
هل هناك أحداث قادمة لها درجة من النظام والترتيب أم أن الأمور لاتعدو سوى أنها أحداث عشوائية تطل علينا وتكون واردة وسط مئات الأحداث ونحن من نتخيل أن هناك كائن عاقل يضعها فى طريقنا .

ماهى الإحتمالات التى من الممكن أن أواجهها بدءاً من خروجى من البيت متوجهاً لعملى ...ياااااه هناك مئات من الإحتمالات والسيناريوهات المتوقعة والتى قد تقلب يومى رأساً على عقب .
قد أتزحلق على سلم العمارة ..أو أجد سيارة تدعسنى وأنا فى الطريق ..او أجد معتوه يضربنى ..أو أتورط فى الدفاع عن إنسان من ظلم باطشيه فأجد سكيناً تدخل فى جسدى ..أو أجد صديق قديم حريص على لقائه ..أو أجد نفسى مشاركاً فى عزاء جار عزيز .
لو إمتلكنا درجة بسيطة من الخيال الجميل سنجد أننا أمام إحتمالات هائلة من الأمور والأحداث التى من الممكن أن تغير مسيرة يومنا الإعتيادية ...سنجد أن أحداث يومنا العادى هو إستثناء بالنسبة لمئات الفرضيات الأخرى .!!!

يستحضرنى موقف طريف لا يخلو من الدلالة..كانت سيارات النقل والأجرة فى مصر منذ فترة خلت تكتب على مؤخرتها كثيرا من العبارات التى يسودها التوجس من الحسد .
فهناك عبارة طريفة تبين بشكل لطيف التوجس من الخطر والقدر القادم ..تقول العبارة : إسترها يا ستار ..دا أنا ماشى على صامولة ومسمار .!!
هنا صاحب هذه العبارة يتوجس من إنفلات السيارة فى أى لحظة زمنية معينة من ملايين اللحظات التى تواجهه والتى ستسبب له الألم والمعاناة ..فإحتمال إنفلات الصامولة من المسمار هى واردة ولكنه نسى أن هناك مئات من الإحتمالات الأخرى أيضا .
القصة هو التوجس الإنسانى من المعاناة مع الألم , لذلك هو يستحضر ويطلب كائن عاقل كالميكانيكى ليكون حافظا للصامولة والمسمار لخوفه من الإنفلات حسب السيناريو المسيطر على ذهنه .

إذن ماذا يجعلنا نلتفت لحدث معين ونعتبره قضاء وقدر ...فلا يوجد يوماً يتطابق مع يوم سابق أو لاحق ...فالماء لا يجرى فى النهر مرتين ...فلماذا نتوجس من الحدث القادم ونعتبره قدراً .

القضية أن كثيرمن الأحداث تمر أمام عيوننا فلا تهز وجداننا ولا نعيرها أى إهتمام إلا ما يسبب لنا الألم والمعاناة ..فنحن ما يعنينا فقط هو الألم وتوجسنا أن نتقابل معه ...
من رحم الألم نتوقف أمام الحدث ونحاول أن نتجاوزه شعوراً وفكراً ..فنحاول أن نخلق سبب لهذا الألم وهو فى ذاته وسيلتنا لمحاولة عبوره .

كما أننا فى أعماقنا نرى أن حياتنا هى لحظة فى الزمن تتسم بالعشوائية , ولا نستطيع تقبل الحياة وسط برامج مفتوحة من الأحداث ..بمعنى أننا لا نستطيع أن نسير كالكمبيوتر راصداً وحاسباً لكل حدث وواضعاً كل الإحتمالات والفرضيات ...أنه الجحيم بعينه .
هذا يشبه مرض هو الوسواس القهرى ..والذى يتوجس فيه الإنسان بشكل مستمر واضعاً العديد من السيناريوهات لأى حدث .
لو تخيلنا أنفسنا أننا نسير فى الشارع مثلاً ويكون كل تفكيرنا هو إبداع قصص وسيناريوهات مأساوية محتملة ستقابلنا ..أعتقد أن هذا هو الجحيم بعينه .
فالإنسان العادى لا يضع كل الوساوس والهواجس أمام عينيه , هو ينفض دماغه على حسب تعبير إبنى ..أو قل هو يهمل هذا التفكير ويحاول أن يعطى درجة من الأمان للمستقبل .
الإنسان يعيش فى الحياة مثل ريشة فى الهواء ..فكل الإحتمالات مفتوحة لحركة الريشة حسب شدة وإتجاه الرياح .
هنا الإنسان عندما يتقابل مع حدث يسبب له الألم تهتز نفسيته وأمانه ولا يرضى لذاته أن يكون مثل الريشة فى الهواء بل يتصور بمنطقه الخاص أن هناك كائن عاقل ذو إرادة هو سبب هذا الحدث ولعله إستقى هذا المنطق من قدرته هو كشخص فى إحداث الألم للمقربين منه .

نحن نخلق لحظات نراها نظامًا ونسقطها على الوجود لنستطيع تقبل عالم لا يخبرنا بكل لحظاته .
لذلك عندما نصاب بحادث ذو ألم ..فهو يصدم أماننا ونظامنا الذى توسمناه ..فنسارع إلى تعزيتة إلى كائن عاقل مثلنا ينتج الحدث كما ننتج نحن العاقلون أحداثاً تؤثر على الأخرين .
من هنا ننسب أى حادث مؤلم قد نعانى منه إلى كائن عقلانى شخصانى يجعلنا نقبل حدثاً مؤلماً ليلغى فى داخلنا أننا مجرد لحظة عشوائية أو أننا مجرد ريشة فى الهواء .
وبالطبع كما نستعطف ونتودد وننافق من يؤثر فى حياتنا بالإلم ..فنسقط هذا الأمر على هذا الكائن الذى فسرنا به الحدث لنتودد إليه وننافقه ليترحم بنا ويسترها معنا فلا نواجه الألم ولا بأس من بعض الصلوات والطقوس طالما ترضيه .

القضاء والقدر هى أحداث مادية واردة كونها تخضع لعاملها المادى الموضوعى والتى تكون حتمية متى إجتمع عوامل ظهورها ..نحن فقط لا تستوقفنا متى لم تؤثر فينا ..ولكن حال ألقت بظلالها الكئيبة علينا ..فهنا هى تستوقفنا وتصدمنا وتهز أماننا النفسى فنبحث عن كائن نتشلعق فيه أفضل من أن نكون مجرد ريشة فى الهواء .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا . (2)
- أشياء تدعو للخجل (1) - إبراهيم خليل الله .
- خرافات الأديان (1) - الحر هو من فيح جهنم .
- حد فاهم حاجة .
- الصحراء تفرض كلمتها .
- النكاح فوق التنور .
- بانشى فى بيتنا .
- أريد أعيش كإنسان ..ذاك أفضل جداً (4)
- الله جعلوه لصاً
- من رحم اللذة والألم جاءت الفكرة .
- إنهم يشوهون أطفالنا .
- إنهم يغتالون عقول أطفالنا .
- الماء لا يجرى فى النهر مرتين .
- تأملات حول يوم القيامة .
- -الكنيسة إتحرقت والقسيس مات- ..ألف باء كراهية .
- وهم الحرية .
- مذبحة نجع حمادى هو الكرسى الذى يتم ركله .
- أجسادنا ليس ملكية خاصة .. هو قطاع عام !!
- عزرائيل الصراصير والبراغيث .
- اللذة والألم والإله .


المزيد.....




- أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير ...
- مقتل أربعة عمال يمنيين في هجوم بطائرة مسيرة على حقل غاز في ك ...
- ما الأسلحة التي تُقدّم لأوكرانيا ولماذا هناك نقص بها؟
- شاهد: لحظة وقوع هجوم بطائرة مسيرة استهدف حقل خور مور للغاز ف ...
- ترامب يصف كينيدي جونيور بأنه -فخ- ديمقراطي
- عباس يصل الرياض.. الرئيس الفلسطيني وزعماء دوليون يعقدون محاد ...
- -حزب الله- يستهدف مقر قيادة تابعا للواء غولاني وموقعا عسكريا ...
- كييف والمساعدات.. آخر الحزم الأمريكية
- القاهرة.. تكثيف الجهود لوقف النار بغزة
- احتجاجات الطلاب ضد حرب غزة تتمدد لأوروبا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - القضاء والقدر والمكتوب .