أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد خضير سلطان - في العراق الزمن كبنية مفقودة















المزيد.....

في العراق الزمن كبنية مفقودة


محمد خضير سلطان

الحوار المتمدن-العدد: 1862 - 2007 / 3 / 22 - 12:28
المحور: المجتمع المدني
    


لاتسعفنا ذاكرة الوقائع ( وقائع العصر الحديث) في العراق، ان نؤشر ظاهرة حقيقية موصولة بنشأتها وتكوينها ونموها ومن ثم تتابعها الزمني، التطوري مثلما نستطيع تحديد الظاهرة الابداعية العراقية في الاداب والفنون،ليس لأنها مجموع الجهد الذاتي لافرادها بل كونها مشروعا ثقافيا رافق مشروع تحديث المجتمع العراقي ألا ان المشروع العراقي اجهض وفقد زمنه المتصل لاسباب كثيرة فيما ظلت الظاهرة الابداعية كامنة، وتتدفق انتاجا ابداعيا ومتصاعدا في الاداب والفنون وجميع مناحي الابداع غير ان هذا الابداع بدلا من ان يذهب الى الواقع العملي ، نراه يتثاقل على رفوف المكتبات، وفي قاعات الجامعات فلم يجد الثقافي صداه في خارج حدوده النخبوية وعلى ذلك فالعراق يمتلك ظاهرة الافراد الثقافية الابداعية التي تشكل امتدادا معاندا منذ نهايات القرن التاسع عشر وتنمو داخل هامشها الثقافي دون ان تتوطد مع الواقع، فهي كيانية، ومعاصرة بلا تحقق وجودي او موضوعي متكامل مع الابعاد الاجتماعية العامة، واقصد هنا عدم تحقق التوازن النسبي بين الظاهرتين الابداعية والسياسية مثلا، فالاولى ولود والثانية في جدل عقيم، والظاهرة الابداعية بهذا النحو هي اسم بلا مسمى وتاريخ بلا افق وخيال بلا واقع، وذاكرة لاتمتلك الا واقعتها الحقيقية، أي اننا نستطيع الفصل بسهولة بين جدارية جواد سليم الراسخة وفضائها بالرغم من ان الجدارية تصبح عدما دون هذا الفضاء، وهو مرجعها الاساسي في التسجيل والتشكل وبناء الفكرة فما اوجده سليم في وحدات النصب الفنية لاكبر جدارية في الشرق الاوسط، ليس الا اعادة لتشكيل الفضاء الاجتماعي والوقائعي لابسط الطبقات الشعبية في سياق فكرة ابداعية، ومع ذلك لا الفكرة المبدعة تغلغلت طيلة العقود المنصرمة في كيان الاوساط الشعبية والسلطوية وفي المقابل لم يجرؤ احد على محو الفكرة من سياقها العصري الحديث، واستمر النصب شامخا ومنسيا معا، ولهذا تسهل عملية الفصل بين الظاهرة الابداعية وفضائها العام، وتصعب عمليا وحدة التقاء الفهم والذائقة بين النص والخطاب ولكن اية مفارقة ان تجد وطنك الحديث متحققا في الواقع الفني اوالادبي دون ان يتحقق في الواقع الحقيقي ، اية نهضة مكبوحة ان ترى القانون العراقي الحديث في سوق الكتب دون ان تشهد تطوره الطبيعي كمعطى مباشر لحركة التاريخ والناس، اية مفارقة ان لاتنتظم حركة الظواهر الحديثة بالعراق في نظام تطوري نسبي الا الظاهرة الابداعية العراقية التي تشكل الملامح الوطنية الحقة قبل ان تتألف في لغة ووعي الساسة والحكام، على سبيل المثال كان شعار الجمهورية العراقية ذو السنابل الرافدينية ومشاعل الاشوريين والميديين وعلامة الانسان الحديث، يؤصل وطنا ابعد من برامج الادارات الحكومية واوسع من خيارات السياسة المتذبذبة واحقاب الانقلابات العسكرية واكبر من صيحات الهتافين في التظاهرات العارمة.
لعل العراق، سعى الى اقامة دولة يوما ما واستطاع ان يدخل العصر الحديث، وحين حزم وسائله لاقامة المرتكزات الاساسية من مؤسسات مدنية وسياسية وعسكرية لم تصمد اية مؤسسة بحق الا واندكت في امواج الرمال المتحركة وسيول فيضانات كاسحة، لاتبقي على اثر لبناء مدني او سياسي فكم من جبهة تحالف انفرطت وكم ثورة لم تأكل رجالاتها حسب وانما اجهزت حتى على الصيرورة وغدى التاريخ بالنسبة لانطلاقها قدرا اعتباطيا ولعبة عابثة في مقدرات شعب كبير متنوع الاعراق اذ جاءت كل نضالات هذا الشعب الكبرى لتبلغ الصفر ازاء خطوة واحدة لبناء دولة عراقية حديثة ليس بالمعنى المطلق للكلمة وانما الحد البسيط للثبات والارتقاء.
منذ عقود طويلة في بلادنا، كلما قام حدث سياسي او مدني، ينقض الحدث الذي سبقه ، ويجهز على الحياة من منظوره الشامل، ربما وجد الانكليز اثرا عثمانيا مدنيا واستفادوا منه في تحديث الدولة العراقية، وربما استثمر الهاشميون ذات الاثر لاستئناف التحديث ولكن الحصيلة الموضوعية، تدفع بهذه الآثار الى الكهف او المخبأ السري في الذاكرة الجمعية فيما تمكنت جميع بلدان العالم من الحصول على قدرها المناسب من الزمن الانتقالي وحققت مشروع ثباتها النسبي من اوجه متعددة في سبيل اللحاق بالاخر والاصطفاف من نقطة ما متوازنة مع التاريخ والحداثة.
لن تستطيع وقائع العصر الحديث في بلادنا اثبات الزمن كبنية اساسية في تاريخ تطور المجتمعات لأن المنجز يمحى فيفقد زمنه او يظل عالقا في ذاكرة لم تتسام في الواقع واذا تسامت، سوف تتحول الى ندب وتمن ومنفى ونشدان دروب المستحيل ، والزمن كبنية اساسية في العراق لا يتعين الا من خلال الظاهرة الابداعية فقط،وهي الظاهرة المنفردة بالاتساق مع الفضاء الاجتماعي مذ بدأت طلائع النهضة في آثارها الثقافية وليس السياسية عندما اكتسبت البلاد قاعدتها المدنية والتحولية وانشأت فئاتها وشرائحها المتمدنة المتأثرة على نحو ايجابي بالاجواء العثمانية لكنها تتحرك في اطار ثقافي مجتمعي وليس في نطاق سياسي تنظيمي فالديمقراطية واليسار العراقي الرائد والافكار التنويرية الحديثة، اتت من خلال تشبع الادباء والفنانين والمثقفين من الروافد العالمية الخالصة واكتسبت فعالية التكريس على قاعدة نشوء مؤسسة مدنية متحركة في الواقع بوسعها احياء الافكارعلى نحو عملي مجد داخل تشكل المجتمع فيما ابتعد النظام التنظيمي الصارم للاحزاب عن طبيعة التكوينات الاجتماعية ومسارها التاريخي وارتبط بتحالفات دولية واقليمية متعالية على واقعنا ، واقصى تماما اية ظرفية نامية للتحول المناسب بين الافكار وتكامل القرار، بين التنوير ومجاله المؤسسي المشترك ففقدت الثقافة السياسية التنظيمية هدفية الدولة وانشبت صراعها الخاسر على السلطة.
لقد اطاحت الديمقراطية السياسية العراقية بنفسها وكشفت عن محتواها غير الديمقراطي حين تحالف روادها في الثلاثينيات من القرن الماضي مع انقلاب بكر صدقي ، الاول من نوعه ودمويته في العالم العربي والمنطقة ولكن من هناك، بدأت الصدقية الفكرية والثقافية حين وقف المفكر العراقي عبد الفتاح ابراهيم بقوة مقارعا تحطيم نشوء الديمقراطية في العراق واعتزل العمل السياسي دون ان يفقد دوره الثقافي وهو اصلح في الظاهرة الابداعية للتحليل والدرس من صناع الحدث في ذلك الوقت.
في الثلاثينيات من القرن الماضي ايضا ، تمكنت النخب العراقية من اطلاق البحث والتنقيب والصيانة في مديرية الاثار والتراث كثروة وطنية في وتائر متقدمة نوعيا اذ قدمت كشفا متخيلا واسعا للعراق الرافديني والاسلامي واجرت مقاربات الحداثة والمعاصرة في اعمال الصيانة واحياء الصورة الوطنية التاريخية للعراق الحديث قبل ان تتشكل هذه الصورة برلمانيا وسياسيا حتى غدت الاشراقات الثقافية جزءا من بناء الدولة دون ان تستطيع هذه الدولة بناء مرتكزاتها الاساسية والنهوض بنفسها في سيرورة متصاعدة .
واذا ما اتضحت الفكرة واقررنا الظاهرة الابداعية بحق وفعلها الاستباقي بالرغم من تعثر البناء في الواقع وتراكم الفعل الثقافي بلا ظهير واقعي، لابد ان نبحث في الاسباب التي جعلت من بعض الناشطين السياسيين الى ان يتحولوا في النهاية الى ادباء او مثقفين بعد ان دب اليأس في نشاطهم السياسي وصار اهتمامهم بالمكتبة اكبر من استغراقهم في الشارع الحي، وكيف يمكن تحديد الوافد الثقافي على اساس مؤسسي مثل الافكار الماركسية واللبرالية التي جاءت عن طريق اوربي متمثلة بطروحات عبد الفتاح ابراهيم والطريق الهندي لماركسية حسين الرحال والاتجاه الاسيوي العثماني لافكار الرصافي والزهاوي اللبرالية، هذا من جهة، ومن جهة آخرى، كيف يمكن تحديد مثل تلك الافكار الوافدة من مرجعها التنظيمي القائم على التحالفات الحزبية وتأثيره الاجتماعي كفكر صارم.
نخلص الى ان الظاهرة الابداعية العراقية ، وجدت تربتها الصالحة للاستنبات في آثار العهد العثماني وسياقه الدولي واوجدت بذرتها الاولى في العهد الهاشمي من خلال الايفادات الملكية الى اوربا ثم جاءت ادوارها الحبيسة في عهود لاحقة لتحيا تكاملها والنظر بانكسار الى تكامل الواقع.



#محمد_خضير_سلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة والارهاب
- بين النظام العربي والمجتمع العراقي ثنائية الانقسام الثقافي و ...
- فكرة مسرح الحياة وسط جلبة الموت/ طقس الصلاة في طاحونة حرب
- تنازل الدولة عن الاعلام
- ما الذي لا يحدث لكي لا ننتبه /الى الشاعر الراحل خال حمرين
- صانع الجرار التي لاتتحطم
- الجدار العالي بين مجرى الدم ومسرى النفط
- المصالحة الثقافية اولا
- مقارنة بين الدستورالاتحادي والفدرالي الكوردستاني/ المركب الس ...
- تطبيقات مبكرة لهوية السرد في الذاكرة الرافدينية/ القاصان محم ...
- العلامة حسين علي محفوظ/ لم اقو على السياسة ولو بحمل عصاي بعد ...
- قراءة في مسودة مشروع قانون لهيئة الاعلام العراقي-- الطرائق ا ...
- رواية (سبت يا ثلاثاء) لزيد الشهيد/ النموذج الاخير في البناء ...
- حيوا المجازين ......نصيحتان للبرلمانيين قبل لقائهم بالناس
- تعريف وحوار المعضلة العراقية على طاولة مفكر عراقي
- الالف توقيع
- الاحساس بالزمن
- من يؤيد الاحتلال ؟من يقف ضد الفاشية؟
- تصل او لاتصل.....رسالة الى اربيل
- الوجه الغائب عن تحليل الديمقراطية العراقية/هدم الكهف واطلاق ...


المزيد.....




- هيئة الأسرى: 78 معتقلة يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون
- الأمم المتحدة تدعو القوات الإسرائيلية للتوقف عن المشاركة في ...
- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد خضير سلطان - في العراق الزمن كبنية مفقودة