أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد خضير سلطان - اللغة والارهاب















المزيد.....

اللغة والارهاب


محمد خضير سلطان

الحوار المتمدن-العدد: 1859 - 2007 / 3 / 19 - 04:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لعل الارهاب في معناه اللغوي الشائع والحقيقي في اللغة العربية ، هو احدى الوسائل التي تسبق بدء المعركة الحقيقية ، ويستهدف انزال الرهبة والخوف في صفوف الخصم قبل المنازلة المباشرة على طريقة ( واعدوا لهم ما استطعتم ) والاعداد للقوة اسبق من استخدامها بالفعل، حتى يتم النيل من العدو والقضاء عليه نهائيا ، ليس في ارهابه وفزعه بل في النزال الحقيقي ( وجها لوجه)، اي ان الارهاب في هذا المعنى القديم ، هو جزء من ستراتيجية المنازلة الحقيقية ، وليس كلها وطريق معبد بالتقاليد السليمة وتحضير مسبق لقتال متكافىء فضلا عن انه الخطة الخفية او شبه المعلنة في الادارة للتأثيرفي المجاميع والافراد ، وتحمل فكرة العدالة بالقدرالذي تحمله قضايا القتال.
بالرغم من ذلك، لم تستمر الكلمة في اوهاج معناها القديم في التاريخ فأخذت اكثر من مواضعة تاريخية، تتمثل في حالات الدهاء والمكر التي لا تلتزم بالمعايير الاخلاقية المكتسبة من الانماط الاجتماعية والتاريخية وتضرب صفحا عن الشهامة التي يتميزبها المقاتلون الاشداء في سوح الوغى، وتركز تلك الحالات من الدهاء والمكر التوجه نحو الهدف بغض النظر عن الوسيلة، وهو نوع آخر من الارهاب، نشأ لكسب الحرب بوسائل خالية من النبل وفروسية المحارب القديم مما اسقط الضمير بوصفه معيارا للفعل وانتج معنى لغويا جديدا مخالفا للبناء الاخلاقي والوظائفي المتماسك للغة والتعبير المنعكس عن واقعها، على سبيل المثال لا الحصر ، يستحوذ معاوية في احدى معاركه مع الامام علي على النهر ( موضع ايراد الخيول والجند) فيما يندفع جيش الامام لتحرير النهر ثم يسيطر على ضفة منه ، ويترك الآخرى لسقاية جند وخيول معاوية.
وفي ضوء هذا الانشطار من الفعل الارهابي بين بعث الرهبة عند الخصم بالوسائل والمعايير المكتسبة كاعراف او التي تأخذ صيغة العقد اولا، وبين التشبث بكل الوسائل والطرق للوصول الى الهدف مهما كانت التضحيات ثانيا، مضى الفعل الارهابي في شكله الثاني عبر التطورات التاريخية، بعيدا عن قاعدة المعنى اللغوي الاول وجرى خرق هذا المعنى باستمرار في الوقت الذي يتشبث به الارهابيون لتبرير افعالهم المضادة للمعنى الحقيقي وابداء قناعات لاتصمد امام التحليل ألا بالتعسف على النظام اللغوي وطبيعته الملازمة لنوع الفعل واطاره في اللغة المستخدمة.
وعبرالتطور التاريخي ايضا، فقد ابقى الشكل الاول في المعنى الكلاسيكي على قيم الفروسية والقتال والتي خضعت في ما بعد في مظاهر العصر الحديث للمراقبة والمساءلة، وتمثلت عبر استعراضات القوة وبناء ستراتيجيات التكامل التسليحي ، والتوازن السياسي استنادا الى الثقل العسكري والتحالفات الدولية والاقليمية ، والمقاومة السلمية او المسلحة المقيدة بفكرة عادلة والتزام صارم بالقيم السياسية والوطنية، فكل هذه المظاهر، لاتخل بالمعنى القديم وتتسق مع تطورات الفعل ويراد منها الاستعداد لخوض الحرب وبلوغ الهدف وتدعيم الدفاع الوقائي والتكتيكي من خلال ابراز القوى للتاثير في الاخر دون ان تؤثر في اختلال منظومة القيم والمعايير حسب ما جاء في المواثيق الدولية والانسانية المتعاقد عليها، ودون ان ترتكب جرائم انسانية.
من جانب ثان، تمثل الشكل الاخر من اختراق المعنى بتحويل الارهاب الى ساحة حرب حقيقية بدلا من ان تكون طريقا وقائيا منها او طريقا شرعيا اليها ، وبلغت حدا من التدمير والدموية غير الخاضعين الى ناموس سماوي او قانون وضعي في ما عدا التاويل المتعسف للغة وما يترتب على هذا التاويل من اباحة للقتل وتبرير لسفح الدماء.
ما يهمنا في موضوع البحث، ليس سفح الدماء البريئة في شوارع بغداد ، وعمليات استهداف الناس الاكثر براءة حسب ولكن نسعى ايضا الى تسليط الضوء على دور الفعل اللغوي الارهابي في قتل المعنى وانقلابه الذي يجرم البراءة ثم يعد اللغة وسيطا لنقل رسالة زائفة ، يستنكرها الواقع وتاباها التصورات بشدة، اذن كيف يقتل الارهابيون اللغة ذاتها بوصفها علامات تسمية، استعمالية، ونظم تداولية وايصالية بين الاسم والمسمى ،الكلام والفهم ، القول والفعل، كيف نحدد الاستجابة المفترضة للقاموس الارهابي ما لم نربطه بمحور عنصري، يشكل وسيطا مفاهيميا لدوره في الواقع، اساسه الكراهية المطلقة حتى يعطي صورة منطقية للجريمة القائمة على هذا المفهوم، ولكي يحطم الاستخدام الامثل للبعد الجمالي والاخلاقي للبناء اللغوي، وبالرغم من ذلك فان الخطاب الارهابي، يعود الى مرجعيات قرآنية وعروبية واسلامية ونبوية (سيرة وصحابة وعترة) من اجل ترميم مستوى الفعل وقسرطبيعة الخطاب الانسانية.
اذا كانت المعركة الحقيقية في كل عمقها ونزعتها الانسانية قائمة على ارض مكشوفة ومعلومة للمقاتلين، وفي ضوء النهار بكل جلاء للمؤرخ والذاكرة، فان هذه العناصر تجعل تلك السمات جزءا من سيرورة واقعية وتاريخية ، تتصل بنظام لغوي ناشىء عن واقع منظم وتعبيرمطابق عنه ولكن اذا كانت المعركة ، تصطلي في الظلام والخفاء، فأنها تمثل تعبيرا عن واقع مختل ، يكشف عنه التعبيراللغوي ألا اذا استعان مقاتلو الظلام بقاموس مختلف، وهذا ما يحاولونه في مرجعيات الخطاب الارهابي السائد الان، الذي من الصعب تصديقه والتعبير عن حقيقته وادواته باللغة المرجعية ذاتها، وليس من السهل اطلاق تسمية حقيقية على ظاهرة قتال ، تستخدم الظلام والخفاء ميدانا لها.
لقد غدت الظاهرة بمفرداتها الطبيعية والانسانية جزءا من النظام اللغوي المعبر عنه في الواقع وبخلاف هذا النظام ، تفرغ المعركة من محتواها وقيمها المالوفة ، وتشكل خرقا للطبيعة اللغوية قبل الانسانية ، وتعيد تشكيل عناصر الساحة القتالية من فضائها التقليدي القائم على نظام قيمي ومعايير وجدانية الى واقع مستغرق في التطرف، يقوم على الشراسة والغلاظة التي لايحدها شيىء في استخدام طرائق القتل والعنف.
والفعل الارهابي لايقصر خرقه للمعنى على اساس استخدامه الزائف للغة كمستوى لتبرير الفعل وانما خرق استخدام اللغة ايضا بوصفها اداة استعمالية ، تطابق وظيفتها الفعلية واذا به يعمل على تحويل الوظيفة من الاستعمال المطابق للتسمية اللغوية الى مضمار مختلف وتصبح اداة جديدة باستخدام لايتسق في المنطق اللغوي( الاعتباط او الضرورة) مع طبيعة هذه الاداة، فالسيارة سميت كذلك لأنها واسطة نقل للاحياء ولكنهم جعلوها جوف قنبلة لقتلهم، والطائرة التي تتحول الى صاروخ ، والطفل المنغولي الملغم ، ووسائل كثيرة تعجز الفكرة ان تجد التعبير الضروري لها.



#محمد_خضير_سلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين النظام العربي والمجتمع العراقي ثنائية الانقسام الثقافي و ...
- فكرة مسرح الحياة وسط جلبة الموت/ طقس الصلاة في طاحونة حرب
- تنازل الدولة عن الاعلام
- ما الذي لا يحدث لكي لا ننتبه /الى الشاعر الراحل خال حمرين
- صانع الجرار التي لاتتحطم
- الجدار العالي بين مجرى الدم ومسرى النفط
- المصالحة الثقافية اولا
- مقارنة بين الدستورالاتحادي والفدرالي الكوردستاني/ المركب الس ...
- تطبيقات مبكرة لهوية السرد في الذاكرة الرافدينية/ القاصان محم ...
- العلامة حسين علي محفوظ/ لم اقو على السياسة ولو بحمل عصاي بعد ...
- قراءة في مسودة مشروع قانون لهيئة الاعلام العراقي-- الطرائق ا ...
- رواية (سبت يا ثلاثاء) لزيد الشهيد/ النموذج الاخير في البناء ...
- حيوا المجازين ......نصيحتان للبرلمانيين قبل لقائهم بالناس
- تعريف وحوار المعضلة العراقية على طاولة مفكر عراقي
- الالف توقيع
- الاحساس بالزمن
- من يؤيد الاحتلال ؟من يقف ضد الفاشية؟
- تصل او لاتصل.....رسالة الى اربيل
- الوجه الغائب عن تحليل الديمقراطية العراقية/هدم الكهف واطلاق ...
- الديمقراطية العراقية -صورة اولية لصنع الذات وتحققها على الار ...


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد خضير سلطان - اللغة والارهاب