أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد الرديني - يوميات صحافي .. سائق تاكسي / الحلقة الثالثة















المزيد.....

يوميات صحافي .. سائق تاكسي / الحلقة الثالثة


محمد الرديني

الحوار المتمدن-العدد: 1672 - 2006 / 9 / 13 - 06:42
المحور: سيرة ذاتية
    



الهذيان

كلمة لابد منها

لم اجد بعد سنوات من الاقامة في نيوزيلندا فرصة عمل جيدة رغم البحث الشاق عنها وهو حال معظم المهاجرين الذين يواجهون ارضا غريبة وثقافة لاتمت لهم بصلة مع اناس ينظرون اليك بحذر، واقصد بالفرصة الجيدة، تلك الفرصة التي تراعي فارق السن وضعف الخبرة في مجالات عديدة، فحين يجتاز المرء العقد الخامس من عمره تتضاءل امامه جميع الفرص خصوصا وانه قادم من بلاد تعلم منها ان الوظيفة الحكومية هي خير ما انتج على ارضها اما الحرف الخاصة والمهن الفنية والميكانيكية وغيرها من المهن المطلوبة في القطاع الخاص فاقرأ عليها السلام.
– مثله مثل باقي الدول الغربية –وفي هذا البلد الذي يهيمن عليه القطاع الخاص ويسيطر على كل مرافقه الحيوية فانه بات في حكم المنتهي او المستحيل ان يجد من تجاوزوا سن الشباب من المهاجرين فرصة العمل المناسبة
اشار علي بعض الزملاء في يوم ما ان انضم الى سلك سائقي التاكسي قتلا للفراغ وبحثا عن التسلية.
لم يأخذ الامر وقتا للتفكير
اخذت برأيهم لاجد نفسي ذات يوم امارس هذه المهنة ، هذه المهنة التي ينظر اليها في بلادنا مع مهنة الشرطي على انها من المهن المنحطة التي لايفكر فيها الا الفاشلين في حياتهم او الذين لايملكون اي طموح في حياتهم.
لم اكن اتصور ان هذه المهنة ستقودني الى اصدار هذه اليوميات التي كشفت لي عن مداخل واساليب حياة هذا الشعب والتي لولاها - هذه المهنة - لما استطعت ان اعرف عنه بالشكل الذي اضعه امامكم الان.

(اذا اردت ان تبحث عن الكفاءات في نيوزيلندا، فاذهب الى مواقف التاكسي)

هذه المقولة التي اطلقها احد المتحمسين لتشغيل الكفاءات المهاجرة في حزب العمال الحاكم ذهبت مثلا بين جميع المهاجرين الذين قدموا الى نيوزيلندا من مختلف بقاع الارض
هذه المقولة تقترب من الحقيقة الى حد كبير، فالذي افنى نصف عمره ليحصل على الدكتوراه في الطب او الجيولوجيا او الكيمياء او الهندسة، او ذاك الذي امضى اكثر من عقدين من السنين يكتب ويبحث وينشر ولا يترك اي محفل علمي او ادبي او فني الا ومد انفه فيه، يجد نفسه في لحظة سريالية انه رجل التاكسي الذي يوقف سيارته في الموقف المخصص ينتظر زبونا ينقله الى حيث يريد.
الحياة ليست سهلة في هذا البلد الذي يعاكس في مناخه كل مناخات
بلدان العالم - الصيف شتاء والشتاء صيف- وحتى وظيفة سائق التاكسي،
فعليك حين تريد الحصول على هذه الوظيفة ان تقبل في دورة لاتقل مدة الدراسة فيها عن ستة اشهر، تدرس فيها قوانين السير
ومن ضمنها حقوق الراكب الذي هو دائما على حق . يرافق ذلك اجتياز خمسة امتحانات رئيسية في قراءة الخرائط المحلية المؤشر عليها اسماء الشوارع والمعالم السياحية ودورات المياه العامة والمتاحف ومراكز الشرطة اضافة الى امتحانات فرعية في مسؤوليات السائق تجاه المجتمع والغرامات المستحقة في حالة الاشتغال اكثر من
الساعات المقررة وهي لاتتجاوز العشر ساعات يوميا او عدم تدوين المبالغ والاماكن التي تواجد فيها السائق في دفتر خاص ، اضافة الى شروط العمل في الليل او النهاروقواعد معاملة المعاق او الذي يصحب معه قطة او كلب (وهما عضوان رئيسيان في العائلة).
واذا كتب لاحد النجاح في هذه الدورة فعليه ان يلتحق باحدى شركات
شركات التاكسي التي لاتقبله الا بعد ان يجتاز امتحان اللغة الانجليزية والتي لاتنتهي عند القراءة الصحيحة لخرائط المدن.
وتفرض هذه الشركات شروطا اخرى تبدأ بالراتب ولا تنتهي بمتابعة الشكاوى الصادرة ضد السائق من قبل المواطنين والتي استحدثت لها دائرة خاصة تشبه في صرامتها صرامة دائرة القلم السري في بعض البلدان العربية.
ولايقف الامر عند هذا الحد فانت الان سائق مستخدم في الشركات الخاصة، فاذا اردت ان ترفع عن كاهلك كابوس الاستخدام
وتعمل لحسابك الخاص فهناك دورة اخرى بانتظارك مع امتحانين منفصلين في كتابين قانونين تؤديهما بعد انتهاء الدورة . ولان رجال الكفاءات العربية اعتادوا تحصيل العلم ولو في هضبة التبت فهم لم يجدوا صعوبة في نيل شهادة " سائق تاكسي" عن جدارة واستحقاق.
ولايستغرب احدكم حين يزور نيوزيلندا ويستقل سيارة اجرة ان يسمع من سائقها حديثا علميا مفصلا عن ميزات التربة والمواصفات الجيولوجية للبراكين في هذا البلد
او يصغي لآخر يتحدث عن وصفة كيمياوية جديدة استحدثها في مختبر بيته المتواضع والخاصة بطرد الذباب او الحشرات من حدائق البيوت
ولا تستغرب ان يقرأ كفك سائق آخر كان قد افنى نصف عمره في الحصول على شهادة الدكتوراه في علم النفس التي يخجل من تعليقها الآن في صالون البيت.






السياط

ذات يوم عرض التلفزيون النيوزيلندي فيلما وثائقيا بمناسبة مرور
مئتي سنة على اكتشاف نيوزيلندا من قبل الاوربيين.
هذه الجزيرة التي صنعها بركان ضخم ثار ذات يوم في وسط مياه المحيط الاطلسي، كانت ثورته صاخبة عنيفة كما يقول العلماء، لقد قذف المحيط الهادىء احشائه الى اعلى مايستطيع فوق المياه نحو السماء، عادت تلك الحمم البركانية الضخمة الى الارض فكانت الجبال الخضراء ثم الاراضي المنبسطة ثم السهول وينابيع المياه العذبة والشلالات.
بعد ان استقرت هذه البراكين على الارض انتجت الهواء النقي والامطار الغزيرة صيفا وشتاءا ، وبانت ملامح الجزيرة التي اصبحت الان مضطجعة باسترخاء تام على خاصرة المحيط الهادىء .
عرفت هذه الجزيرة بسكانها الاصليين "الماوري"
الذين خاضوا حروبهم الاولى مع جيرانهم في الجزر المجاورة قبل اكثر من الف سنة ، وكان مثلهم مثل شعوب الجزر الاخرى في العالم القديم لايعرفون القراءة والكتابة ، يعيشون على الصيد ، الوسيلة الرئيسية التي تبقيهم على قيد الحياة. وهم في سحنتهم وبشرتهم البنية
وبنيتهم القوية لايختلفون كثيرا،حتى في عاداتهم وطباعهم ، عن عرب بادية الجزيرة العربية.
كانت لديهم اغانيهم الخاصة ، خصوصا تلك الاغاني التي تصدح بها الحناجر خلال مراسيم الزواج او الوفاة وكانت لديهم ايضا اساطيرهم الخاصة، واشهرها اسطورة نشأة الارض والسماء.
:تقول الاسطورة
في البدء لم يكن هناك نور
الظلام سبق النور على الارض
لان الهتي السماء والارض كانا متحدين مع بعض
اله السماء( رانجي) تزوج الهة الارض (بابا)
اتحدا مع بعض ولم يسمح للنور ان يفصل بينهما
وفي الزمان الغابر امر (بابا) اله السماء
(رانجي) الهة الارض ان تجعل الارض ممتدة
وقبل ذلك كان الاتحاد بين السماء و الارض
وهو الحب والالتصاق اللذين استمرا دهورا طويلة
وكان ثمرة هذا الحب العظيم ستة الهة
انشأوا الجزر والاشجار والحيوانات والبحر
ومخلوقات اخرى عظيمة
وكلهم كانوا يعيشون في الظلام
كان( ناواهيري ماني) اله الرياح والعواصف
و(تانجارو) اله البحار وكل المخلوقات التي تعيش فيها
و(هوماي تكي تكي) اله الطعام الذي يمنحه للبشر
و(رونجو ماتان) اله الخصب والنماء
و(تانا ماهاتا اله) الغابات وكل مايعيش فيها
واخيرا ( توماتونجا) اله الحرب والغزوات
وتمضي الاسطورة قائلة:
تعب الالهة الستة من هذا الظلام المحيط بكل شيء
وقرروا ان يغطوا الكون بالنور بدون معرفة الابوين
وفي لحظة من تلك اللحظات الخارقة شع النور وغمر الكون كله
ولم يكن يعرف هؤلاء الالهة ان هذا النور سيفصل الابوين عن بعضهما
انفصل المحبان عن بعضهما
واصبحا العاشقين الملتصقين بعيدان عن بعضهما
وحين افترق العاشقان عن بعضهما
ظلت (بابا) الهة الارض تبكي حبيبها رانجي الهة السماء
الذي كان يبتعد كثيرا كلما مرت الدهور"_
كان اول من حط رحاله في هذه الجزيرة هوالبحار (كيوب) كان ذلك في نهايات القرن العاشر قادما اليها من جزيرة هاواكي التي لاتبعد عنها كثيرا، سماها جزيرة الغيوم البيضاء، بعد ان وجد ان هذه الغيوم تحيط بها من كل جانب_
ونقل في مذكراته ماكان يردده الماوريون حول نشأة هذه الجزيرة:
" منذ الاف السنين وبعد ان خلقت الارض واستوت
خلق الاله تان ماهوتا اله الجميع
امرأة من تراب الارض الاحمر
رآها جميلة جدا فتزوجها وانجبت منه بنتا ليس لها مثيل في الجمال
وبعد سنوات انجبت هذه المرأة طفلا ليس في روعته احد
هذا الطفل كبر ونما واصبح شابا
كان نصف الاله (ماوي) الذي يعيش في (هاواكي) هو
نفسه الشاب اليافع الذي كبر ونما
وفي يوم من الايام ذهب (ماوي) كعادته للصيد
حاملا معه صنارته السحرية المصنوعة من فكي احدى العجوزات الساحرات
دخل (ماوي) الى عرض البحر
ولكن هذه المرة ذهب بعيدا __ بعيدا الى عمق البحر
وفي مكان ما رمى صنارته السحرية الى اعماق البحر
وسرعان مااصطاد سمكة عملاقة
استغرق وقتا طويلا في سحبها لقاربه
هذه السمكة العملاقة استقرت على الارض الحمراء سنوات طويلة
واتسعت هذه الارض لان السمكة العملاقة زادتها اتساعا
(هذه الارض الواسعة الخضراء هي نيوزيلندا
ولعل اشهر المكتشفين لهذه الجزيرة هو الكابتن البريطاني كوك وكان ذلك في نهايات القرن الثامن عشر.
ويبدو ان هذا البحار المحنك كان على درجة كبيرة من الذكاء وسعة الحيلة اذ سرعان ماعقد صداقات حميمة مع الماوريين الذين وجدهم اناسا عاديون لهم نفس دماء البشر بعكس ماكان يتصوره البحارة الذين سبقوه بانهم كانوا من اكلة لحوم البشر.
وانهالت على الجزيرة بعد ذلك حملات التبشير، جاء رجال الدين من اوربا وكلُ يحمل مذهبه بيده. في العام
1856 اصبحت هذه الجزيرة مستعمرة بريطانية ، وفي العام 1947 استقلت نيوزيلندا عن التاج البريطاني ولكنها اصبحت احدى دول الكومونولث.
نعود الى حديثنا عن الفيلم الوثائقي الذي عرضه التلفزيون بمناسبة مرور مئتي سنة على اكتشاف نيوزيلندا.
لم يخجل هؤلاء النيوزيلنديين من عرض الحقائق كما هي حينما اتاحوا للمشاهد الفرصة ليعرف كيف احتل البريطانيون هذه الجزر وكيف استعملوا السياط في ارغام سكانها الاصليين على العمل معهم بالسخرة.
لقد اراد المخرج ان يقول ببساطة اذا كانت هذه السلوكيات تثير الان قرف هذا الجيل والاجيال المقبلة ، فان القرف الحقيقي ان تظل بعض الانظمة في هذا العالم تعيش بنفس العقلية حتى الان.
ضحك صاحبي الذي كان يشاهد هذا الفيلم معي ، ولأني اعرف صاحبي جيدا فقد سألته عن سبب هذه الضحكة الحزينة فقال:
- ذات يوم وقف ابي امامي وهو يمسك سيخ الحديد ، وحسبته لاول وهلة انه سيفطر رأسي به ولكني سمعته يقول
تذكر يابني حين تمسك هذا السيخ فان هناك اياد اخرى تستطيع ان تمسك اسياخا اخرى، ولست يدك وحدها التي تستطيع ان تضرب به فالايادي الاخرى تستطيع ان تفعل مثل ماتفعل انت تماما.



#محمد_الرديني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات صحفي ... سائق تاكسي- الحلقة الثانية
- يوميات صحفي ... سائق تاكسي
- اتمنى ان اصير امرأة
- حتى الكلاب
- ينتحرون حتى في الجنة
- انا مهدي المنتظر وهذا صك البراءة
- هكذا تحدث عبد الباقي بن يرفوع
- هكذا تكلم عبد الباقي بن يرفوع
- ميوشة تنذر للملا مطشر
- مازالوا يضحكون حتى اعداد هذا الخبر
- ميوشة تزور قبر الملا مطشر
- ميوشة تتفلسف على النسوان
- ميوشة تعترف امام ضابط مخابرا ت غير مؤهل
- ميوشة تبيع الثلج في كراج النهضة
- ميوشة تكتشف عذاب القبر
- اين هذا (الجن) من ذاك الجنون؟
- ميوشة تعتكف عن اللطم
- ميوشة تسأل في عيد ميلادها
- بعبع المخابرات
- هذا العصفور لا احبه


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد الرديني - يوميات صحافي .. سائق تاكسي / الحلقة الثالثة