|
هذا العصفور لا احبه
محمد الرديني
الحوار المتمدن-العدد: 1599 - 2006 / 7 / 2 - 02:35
المحور:
كتابات ساخرة
لم يكن ولدي يرغب في تربية كلب او قطة ولكنه كان مولعا بالعصافيرالملونة، وفي يوم من الايام حل عصفور جميل ضيفا صاخبا علينا. لانه عصفور كنت احترمه ، ولانه ايضا يشكل جزءا من هوايات ولدي الذي لم يكمل الثانية عشرة من عمره بعد، ولكن هذا الاحترام لم يستمر طويلا وذلك الحب له انقلب الى كراهية... كراهية لانظير لها لهذا الكائن الذي لايتعدى حجمه كف اليد، كرهته وكرهت الزمن الاغبر الذي جمعني معه. سأقول لكم بالتفصيل ماذا حدث ولماذا كرهت هذا العصفور: انه كائن من هذا الزمن دجنوا جيناته ليكره الحرية. غافلت ولدي ذات يوم لاطلق سراح العصفور بعد ان مكث عندنا اكثر من شهرين ووجدت ان الوقت قد حان لينعم ، اما ولدي فيمكن ان اقنعه بحجة مقبولة وهدية مناسبة. فتحت باب القفص وانتظرت من العصفور ان يثب الى الخارج وينطلق نحو الفضاء بعيدا الى حيث حريته ولكنه بدلا من ان يفرد جناحيه ويستعد للطيران رايته يخرج من القفص، يحط على الارض يتجول في صالون البيت حيث استقر بعد ان تجول متمهلا على احدى الطاولات الصغيرة. فتحت باب البيت الخارجي منتظرا خروجه لكنه لم يأبه لذلك ، امسكته من رأسه وقدته نحو باب البيت المفتوح ، وضعته عند عتبة الباب منتظرا ان يرى النور والفضاء ليفرد جناحيه ويطير باسرع مايمكن ولكنه لم يأبه ايضا لذلك، مسكته مرة اخرى ووضعته على حشيش الحديقة وراهنت انه سيطير فرحا نشوانا حالما يشعر بندى الارض في عروق قدميه ولكن مراهنتي فشلت فشلا ذريعا ، فقد رأيته يقف متأملا حواليه باديا عدم الاهتمام او هكذا خيل الي. تركته في الحديقة على امل ان يعيد النظر في العرض الذي قدمته اليه وقفلت راجعا الى صالون البيت وكانت المفاجأة حين رأيته يسبقني الى صالون البيت وبسرعة غير مسبوقة منه ثم رأيته يمشي راكضا نحو قفصه وقفز الى داخله بكل حماس . صفنت طويلا قبل ان اسأل نفسي لماذا لايحب هذا العصفور ان يذهب الى مكانه الطبيعي . لقد علمونا في المدرسة ان العصافير من اكثر الكائنات الحيوانية حبا للحرية، وليس من العدل ان نحجز عصفورا في قفص حتى ولو كان من باب التسلية ... لقد ضربوا في حبه للحرية الامثال وسردوا القصص حول ذلك ولعل معظم طلاب المدارس الذين عاصرتهم يتذكرون معلم مادة( الاجتماعيات) وهو يعيد قصة ذلك العصفور الذي فضل الموت داخل قفصه على ان يعيش محروما من حريته، اذ اضرب عن الطعام حتى مات. واتذكر ان هذا المعلم كان يؤكد على ان العصافير لاتبيض مادامت داخل القفص حتى لايتعرض جيلها المقبل للمهانة التي تتعرض هي اليها الان ، وبمعنى اخر لاتريد لابنائها العيش داخل السجن الذي سموه تأدبا بالقفص وهم الذين يفترض ان يعيشوا بين سماء لانهاية لها وارض لاحدود لخضرتها. هل هو جيل جديد من العصافير لم يعد يؤمن بكل تلك المبادىء ... هل هو جيل جديد لايريد ان يسمع عن الحرية والنضال والكفاح المسلح و" البروليتاريا الرثة" والبرجوازية الكبيرة ، ام انه لايريد ان يسمع عن هؤلاء الشعراء الذين جعلوا من العصافير رمزا حيا لنضالهم المسلح وغير المسلح ، هل هو جيل جديد لا يعرف ان كاتبا عظيما مثل همنغواي قال ذات مرة : لقد شعرت بالحرية فقط حين حط عصفور على كتفي عن طريق الخطأ ذات يوم . هل باتت هذه العصافير تخاف هي الاخرى من النظام الشمولي وعصا شرطي العالم التي تضرب كل من يحاول ان يتجرأ وينتقل من العالم الثالث الى اي عالم يريد؟ ام ان الامر غير ذلك؟. هل اجد لديكم جوابا..؟. نسيت ان اقول لكم ان هذا العصفور ظل اخرسا منذ ان شرعت بكتابة هذه السطور.. انه عصفور لااحبه.
#محمد_الرديني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى محكمة العدل الدولية.... اني طالق ،طالق، طالق
-
قاتل الله الجاجيك
-
رسالة غير مكتوبة الى رب العزة
المزيد.....
-
-أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر
...
-
-مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
-
الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
-
وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم
...
-
الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو
...
-
في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
-
شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ
...
-
اللغة الروسية في متناول العرب
-
فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها
...
-
عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|