أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصارعبدالله - كابوس الشاعر ن .ع















المزيد.....


كابوس الشاعر ن .ع


نصارعبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1620 - 2006 / 7 / 23 - 11:07
المحور: الادب والفن
    


ملاحظة إلى القارىء: كتبت هذا النص فى أعقاب انتهاء حرب أكتوبر ، على وجه التحديد فى مطلع عام 1974، وقد ظل النص بعد ذلك فى أدراج مكتبى سنوات بغير نشر، يتداوله الأصدقاء منسوخا على الآلة الكاتبة إلى أن قام الصديق الروائى عبدالعال الحمامصى بنشره فى الصفحة الثقافية من مجلة أكتوبر التى كان يشرف على تحريرها فى ذلك الوقت ،.... ورغم انقضاء أكثر من ثلاثين عاما على كتابته ، وأكثر من ربع القرن على نشره لأول مرة ، إلا أن ارتفاع أسعار البترول فى أعقاب المعارك اللبنانية الإسرائيلية الأخيرة ، يجعل هذا النص وكأنه قد كتب من وحى تلك المعارك، مما يجعلنى أعيد نشره تاركا الحكم عليه للقارىء
" ن .ع "

1ـ العودة:
بعد سبع سنين قضاها الشاعر ن. ع فى خدمة القوات المسلحة شهد خلالها معارك حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر واستشهاد عدد كبير من زملائه: عاد إلى عمله المدنى بإدارة البحوث الاقتصادية بالمصرف المركزى..... عاد إلى عمله الروتينى ليصبح اسمه مرة أخرى "الأستاذ فلان". بعد أن كان الجندى مؤهلات "فلان"،....عاد ليغرق فى أكداس من التقارير والملفات والصحف وبرقيات وكالات الأنباء والأرقام وجداول الإحصائيات والرسوم البيانية، ثم يمضى آخر الشهر إلى الخزانة لكى يقبض راتبه الشهرى…
الحق يقال .. إن بلادنا كريمة وبارة بأبنائها المقاتلين فرغم انقطاعهم عن العمل طوال فترة التجنيد، ظلت مرتباتهم تصرف بلا انقطاع .. وعلى الرغم من الضائقة المالية التى أصابتها بسبب الحرب فقد ظلوا يحصلون على علاواتهم وترقياتهم، لا ينقصون شيئا عن زملائهم الموجودين بالعمل فعلا.. بل لقد كانت لهم الأولوية فى بعض الحالات ، وهكذا وجد الشاعر ن.ع أن راتبه الشهرى قد قفز خلال هذه السنوات السبع إلى ثلاثين جنيها كاملة، وهو مبلغ يفى بنفقات معيشته لمدة عشرة أيام بأكملها.
ها هو ذا يحتل نفس مكتبه القديم. وهذه تقارير الـ I.M.F والـ U.N والـ E.E.C. والفينانشيال تايمز والايكونومست والأهرام الاقتصادى، ...هذا هو مشروع اجتماع سيمثونيان وقمة رامبوييه وبورتوريكو والرباط،.. يا للصداع حرب أكتوبر هى التى رفعت أسعار البترول من ثلاثة دولارات للبرميل.. إلى ثلاثة عشر دولاراً… فائض السعودية ودول الخليج سوف يزداد فى العام القادم بمقدار ثلاثين ألف مليون دولار على الاقل، ولهذا فمن المتوقع أن تشهد موازين المدفوعات فى الدول الصناعية عجزا شديدا، وسوف تعانى اقتصادياتها من ضغوط تضخمية.. سوف ينتقل التضخم عبر التجارة الخارجية إلى الدول الآخذة فى النمو… ذوو الدخول الثابتة هم الذين سوف يعانون من التضخم،... قيمة الثلاثين جنيها من الناحية الفعلية سوف تنخفض إلى ما يعادل عشرة جنيهات وربما أقل.. يا للصداع ..، الأرقام تتأرجح أمام عينيه، والصداع يشتد، والجداول تتداخل، والرسوم البيانية تتراقص.. ها هو ذا يميل برأسه على المكتب ويستغرق فى النوم. حينئذ يداهمه الكابوس.
2-الكابوس:
أخيرا ها هو ذا الشاعر ن.ع يسافر إلى إحدى البلاد البترولية ليعمل باحثا مساعدا بدائرة الأبحاث الاقتصادية التابعة لوزارة المالية والنفط.. العمل فى طبيعته لا يختلف كثيرا عن العمل فى المصرف المركزى المصرى.. غير أن المكاتب وثيرة… والحجرات مكيفة الهواء ومجهزة بأحدث الأدوات والأجهزة .. وقد خصصت له حجرة مستقلة تجاورها حجرة رئيس الدائرة..... حينما استقبله أول مرة شعر بالفزع من تلك النظرات الغريبة التى راح يرقبه بها.... وجه صخرى كالح تتوسطه عينان غائرتان.. لحية بشعة وعقال عربى على الرأس… وملابس إفرنجية فاخرة… ونظرات غريبة يشعربها تخترق وجهه كوخز الإبر.. قال له اسمع يا مرءوس أنا هنا رئيسك … وأتمنى أن أرى نتيجة جهدك قريبا لأن إخواننا المصريين عمال مجتهدون… ولا ندرى ماذا كنا سنفعل بدونهم..وراح ينظر إليه تلك النظرة المزعجة…
قال الشاعر ن.ع لنفسه .. يا للمرارة… تترك هبة النهر… لترى هبة الصخر… ابتسم فى سره وقرر أن يجعل هذه العبارة مطلعا لقصيدته القادمة.. ثم انتبه على صوت الرجل الصخرى وهو يصرخ..اسمع يا مرءوس .. قلت لك إننى هنا رئيسك ولا ينبغى لك أبداً أن يشرد ذهنك وأنت فى حضرة رئيسك!.. قال الشاعر:.. عفوا يا سيدى.. إننى مصغ إليك … قال الرجل الصخرى الكالح: نريد منك بحثا عن احتياطى بترول المنقطة عام 1980م، وقيمته النقدية طبقا للأسعار المتوقعة فى ذلك الوقت ، ...كذلك نريد منك أن تخصص فصلا فى البحث تتناول فيه تعداد الشعب المصرى المتوقع عام 1980 ونسبة الشبان إلى الشيوخ.
قال الشاعر: عفوا سيدى تقصد تعداد الشعب المصرى .. أم تعداد السكان هنا فى هذا البلد؟
قال الرجل: قلت لك تعداد الشعب المصرى.. قال الشاعر لنفسه: شئ غريب.. وما علاقة قيمة احتياطى البترول بتعداد الشعب المصرى.. من يدرى لعلهم يعتزمون فى عام 1980 أن يوزعوا ما يحققونه من عوائد على أبناء الشعب المصرى مكافأة له على ما قدمه من جهد وعرق وكفاح وتضحيات بعد أن يكونوا هم قد استكملوا عملية التنمية واصبحوا غير محتاجين إلى هذه العوائد الضخمة.. وابتسم مرة أخرى ساخرا من هذا الخاطر الطريف.. وصرخ فيه الرجل الصخرى مرة أخرى: اسمع يا مرءوس ها هو ذا ذهنك يشرد مرة أخرى وأنت فى حضرة رئيسك.
قال الشاعر: عفوا سيدى كنت أفكر فى العلاقة التى تربط بين احتياطى البترول فى بلدكم وبين تعداد الشعب المصرى.. إن البحث سوف يبدو غريبا دون إبراز هذه العلاقة.. قال الرجل الصخرى: يا مرءوس لا شأن لك بهذا… نحن أدرى بما نحتاج إليه من بيانات ،.. أنت هنا لكى تنفذ ما يطلبه منك رئيسك فحسب.. وأنا هنا الرئيس كما تعلم.. وأود أن أقول لك إننا نريد هذا البحث بصفة عاجلة جدا.. فى خلال ثلاثة أيام على الأكثر.. هيا اذهب إلى مكتبك وابدأ العمل.. نظر إليه تلك النظرة المزعجة .. فأسرع الشاعر إلى مكتبه.. هربا من هذه النظرة على الأقل.. بدأ العمل غير أنه توقف فجأة إذ خيل إليه أنه سمع أصواتا غريبة فى المكتب المجاور.. أصوات آلات وتروس.. ثم صرخات مكبوتة.. الجدران غير منفذة للصوت لكن هذه الأصوات حقيقة بدون شك… وهى إن تكن خافته فإنها لا يمكن أن تكون وهما.. ترى أهو مكتب الرئيس.. أو أنه ورشة غامضة.. تحدث فيها الآن أشياء ما؟.. عاود العمل ثم توقف عندما سمع الأصوات مرة أخرى.. وأحس بذهنه يتشتت واستبد به الفضول .. قال لنفسه سأقتحم الغرفة بدون استئذان وليكن ما يكون.. خرج من مكتبه واتجه إلى باب مكتب الرئيس… توقف برهة عند الباب ووضع أذنه على ثقب المفتاح غير أنه لم يسمع شيئا،.. كل شئ هادئ تماما .. أدار مقبض الباب فجأة وخطا إلى الداخل.. كان الرئيس ذو الوجه الصخرى الكالح مكباعلى مكتبه يطالع كتابا، وعندما شعر بدخوله جذب درج المكتب وألقى الكتاب بداخله فى سرعة خاطفة كمن يحاول إخفاء شئ هام.. ثم نظر إليه فى انزعاج وغضب: كيف تدخل بلا استئذان؟ .. ألا تعرفون الذوق فى بلادكم.. قال الشاعر: عفوا سيدى ولكن المصباح الأحمر الموضوع على الباب بالخارج كان منطفئا فلم أر مانعا من الدخول مباشرة . قال الرجل الصخرى وقد هدأت ملامحه: تقول كان منطفئا.. حسنا .. حسنا … لعل الدائرة الإلكترونية معطلة.. وسوف نصلحها … ماذا تريد؟ قال الشاعر: أريد أن أقول إن مدة ثلاثة أيام لا تكفى إطلاقا لإعداد البحث المطلوب.
قال الرجل: لا بد من إنجازه خلال ثلاثة أيام على الأكثر.. إذ أن هناك مؤتمرا مهما سوف أحضره بعد ثلاثة أيام وسوف ألقى البحث على الحاضرين…
قال الشاعر.. يمكننى أن أنجزه خلال ثلاثة أيام ولكن ينبغى أن أبقى فى المكتب بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية.. قال الرجل الصخرى: فهمت .. أنت تريد أن تطلب أجراً إضافيا.. لا بأس .. لا بأس سوف نمنحك أجرا إضافيا، قال الشاعر كلا لا أتكلم عن الأجر الإضافى.. لكننى أرجو أن تصرحوا لى بالبقاء فى المكتب بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية لأننى أعلم أن الجميع يغادرون مكاتبهم فى هذه المواعيد ، ومن المحظور أن يبقى أحد بعد ذلك. قال الصخرى يا مرءوس معك حق.. إننى أصرح لك بالبقاء فى المكتب بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية، ...ثم فتح درج المكتب وأخرج رزمة من المفاتيح أعطاها له قائلا.. خذ هذه المفاتيح وسوف أنبه على العمال بأنك سوف تقوم بإقفال الأبواب بدلا منهم . لا تنس أن تتأكد من إقفالها جيدا قبل أن تنصرف.. أخذ الشاعر المفاتيح وعاد إلى مكتبه... حاول أن يبدأ العمل غير أنه لم يستطع فقد كان الذهن مشتتا إلى حد كبير.. ترى ما هذه الأصوات التى سمعها.. لعلها كانت تنبعث من جهاز تسجيل أو مذياع موضوع فى مكان ما بالغرفة أو لعلها أصوات حقيقية مباشرة : لكن كيف؟ .. وما مصدرها إذن؟ وما هذا الكتاب ذو الغلاف الأسود الذى أسرع الرجل الصخرى الكالح بإخفائه كما لو كان يخفى شيئا خطيراً؟.. قال لنفسه سوف نرى.. لابد أن اكتشف الأمر بعد انصرافه…

***
..لا يدرى كم من الوقت ظل فى هواجسه تلك، غير أنه عندما ألقى نظرة إلى ساعة الحائط ثم إلى ساعته تأكد أن موعد الانصراف قد حان منذ ساعة على الأقل… حينئذ نهض وقلبه يدق وجسده يرتعش ومضى إلى غرفة الرئيس.. أدار مقبض الباب ودخل إلى الغرفة .. اتجه إلى المكتب وراح يجرب المفاتيح .. حتى انفتح درج المكتب.. لكنه فوجئ بأنه خال تماما من أى شئ. ظل لحظة مبهوتا.. غير أن خاطراً طرأ على باله فراح يفحص الدرج بعناية… وتأكد له صدق خاطره عندما لاحظ أن جدران الدرج وأرضيته سميكة جدا قال لنفسه.. حقا يوجد درج سرى داخل الدرج.. راح يتحسس أرضية الدرج بعناية حتى عثرت أصابعه على زر صغير .. فأحس بالانتصار .. وضغط على الزر.. لكن لم يحدث شئ… أعاد الضغط على الزر عدة مرات دون جدوى.. فأحس بالقنوط …. وراح ينظر إلى درج المكتب الفارغ حين خطر له خاطر آخر .. هذان التجويفان الغائران فى أرضية الدرج واللذان كان يظنهما مخصصين لوضع أقلام الحبر وما إلى ذلك.. ليسا فى الواقع مخصصين لهذا الغرض، إذ لا يوجد قلم حبر بهذه المقاسات.. أخرج من جيبه بطاريته وأفرغ حجارتها التورش.. وضع حجرين منهما داخل التجويفين فاستقرا تماما.. هكذا… إذن فالدرج السرى يعمل بحجرين جهد كل منهما 1.5 فولت… ضغط على الزر فسمع تكة خفيفة ثم انفتح الدرج السرى ولاح الكتاب الأسود.. أخرجه من مكمنه وجلس على المكتب وراح ينظر إليه.. على الغلاف كانت عبارة "سرى للغاية" تعلوها تلك الأحرف الثلاثة المشئومة C.I.A ، إذن فهذه وكالة المخابرات المركزية... يا لسخرية القدر.. هل شاء لك حظك التعس أن تخدم وكالة المخابرات فى النهاية دون أن تدرى؟… يا لسوء العاقبة..بدأ يقلب صفحاته.. الصفحة الأولى عنوانها: مقدمة علمية بالغة الأهمية .. عن أحدث النظريات التى تفسر نشأة البترول وتكونه … يقول التقرير.. "لقد تعددت النظريات التى تفسر أصل البترول… غير أنه قد ثبت لدينا بما لا يقبل الشك.. نتيجة للبحوث الطويلة المضنية التى قام بها علماؤنا المتخصصون أن البترول فى هذه المنطقة .. هو فى الأصل دماء بشرية تفاعلت مع التربة وتعرضت لظروف معينة من الضغط والحرارة حتى تحولت إلى بترول.. وربما أدى هذا إلى الاعتقاد بأنه كلما زادت كمية الدماء المسفوحة زادت كمية البترول فى نفس المنطقة التى تسيل فيها الدماء.. لكن هذا التصور غير صحيح.. ذلك أن البترول المتكون إنما يرحل عادة غير مسام التربة إلى مسافات بعيدة دون أن يحجزه شئ… ويظل راحلا.. حتى يتجمع داخل تكوينات جيولوجية معينة تعرف "بالمصايد" هى التى تحجزه داخل جدرانها غير المنفذة… وهى التى تكون آبار البترول وحقوله.. والدليل على ذلك أن معظم بترول المنطقة العربية هو فى الأصل دماء مصرية فى الغالب.. غير أنه لما كانت التربة المصرية يندر فيها وجود المصايد.. فقد رحلت هذه الدماء واستقرت داخل مصايد ليبيا والسعودية والخليج.. وفى الصفحة المقابلة خريطة مصورة تبين المسار الذى اتخذته هذه الدماء .. عبر اتجاهاتها المختلفة فى رحيلها الطويل عبر الأيام والسنين؟!
***
أحسن الشاعر ن.ع بالدماء تكاد تقف فى عروقه وهو يواصل القراءة.. .....فى الصفحة التالية "تقرير عن مؤتمر جالسبورو السرى الأول".
"انعقد هذا المؤتمر بشكل سرى فى جالسبورو بالولايات المتحدة تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية وقد حضره كل من الممثلين الشخصيين لرؤساء الدول البترولية بمنطقة الشرق الأوسط بالإضافة إلى ممثلى الشركات البترولية وممثلى البنوك والمصارف الهامة فى أوروبا وأمريكا.. وقد سادت المؤتمر روح طيبة من التعاون والتفاهم الوثيق الذى تمليه المصلحة المشتركة المتمثلة فى ضرورة زيادة أرباح كل من الدول والشركات المنتجة وما يستتبعه ذلك من زيادة حجم الودائع لدى البنوك، فضلا عما تتطلبه مصلحة الاقتصاد العالمى ككل من ضرورة إيجاد أنسب الحلول لمواجهة الطلب العالمى المتزايد على موارد الطاقة، وقد وضع الحاضرون نصب أعينهم ما انتهت إليه الدراسات العلمية من أن الدماء المصرية هى المنبع الرئيسى لتكوين احتياطات البترول فى هذه المنطقة.. مما يدعو إلى ضرورة الاستنزاف المستمر لهذه الدماء وهو الأمر الذى يكفله حاليا وجود إسرائيل فى المنقطة، ومن ثم كان واضحا لكافة المشتركين فى المؤتمر أهمية تشجيع كل من مصر وإسرائيل على شن الحروب المتوالية التى لا يتحقق فيها لأحدهما على الآخر نصر كامل ولا تلحق به هزيمة ساحقة.. بل تظل دائما لأحدهما فرصة أن يبدأ حربا جديدة كلما حاقت به هزيمة محدودة… كما تدارس الحاضرون ما تشير إليه الدراسات العلمية من أن الدماء اليهودية تتحول أيضاً إلى بترول .. غير أنه بترول ردئ ويحتوى على نسبة عالية من المواد السامة مما يعرض المشتغلين باستخراجه للخطر.. بالإضافة إلى أن مجالات استخدامه الصناعية هى مجالات محدودة للغاية ويمكن أن يغنى عنها بسهولة ذلك البترول الناتج من تلك الدماء اللبنانية والأردنية والسورية، فضلا عن جودة البترول الناتج من تلك الدماء إلى حد يقرب من مستوى جودة بترول الدماء المصرية، وبعد أن تدارس الحاضرون كافة جوانب الموقف انتهوا إلى إصدار التوصيات المحددة التالية:
أولاً:
على الولايات المتحدة الأمريكية أن تغض النظر عما يقدمه الاتحاد السوفيتى والصين والدول الاشتراكية الأخرى من الأسلحة إلى مصر لان هذه الأسلحة هى التى تشجعها على شن الحرب، وإذا ما تقاعس الاتحاد السوفيتى عن تقديم الأسلحة إلى مصر كما هو حادث حاليا فان الولايات المتحدة عليها أن تقوم بهذا الدور بدلا منه إذ ينبغى عليها أن تقدم إلى مصر جانبا من احتياجاتها العسكرية مع ضمانها للتفوق العسكرى الإسرائيلى غير أنها ينبغى أن تراعى جانب الحيطة والحذر فلا تقدم لإسرائيل من الأسلحة ما يمكنها من الإجهاز على مصر تماما إذ أنه لو حدث فسوف يكون بمثابة كارثة أليمة.
ثانياً:
على جميع الأطراف المشتركة فى المؤتمر أن تعمل بكافة الوسائل على تفجير التناقضات القائمة فى المنقطة خاصة فى لبنان وسوريا والأردن والمنظمات الفلسطينية وذلك لضمان موارد ثانوية من الدماء تدعم موارد الدماء المصرية ذات الصنف الممتاز.
ثالثاً:
على الدول العربية أن تمول مشتريات مصر من الأسلحة كما أن عليها أن تقدم إليها المعونات المالية والمعونات الغذائية حتى لا يصاب أبناء الشعب المصرى بفقر الدم مما يؤثر تأثيرا سيئا على مستوى جودة البترول الناتج من دمائهم غير أنه ينبغى مراعاة الحذر فى ذلك إذ يجب أن تكون المعونة بقدر محدود حتى لا يشعر المصريون بالامتلاء وتتحول مصر إلى قوة عملاقة قادرة على حسم كل شئ لحسابها الخاص.
رابعاً:
ينبغى كذلك تشجيع مناخ الجريمة والإرهاب فى مصر وذلك لضمان تدفق الدماء خاصة فى تلك الفترات التى تتوقف فيها الحرب ، وفى هذا المجال ينبغى تشجيع الجماعات الدينية المتطرفة تلك التى تتميز عادة بالتعطش الشديد إلى سفك الدم .
خامساً:
ينبغى كذلك تشجيع المصريين على التوالد وزيادة النسل وبالإضافة إلى ما سبق ذكره فى البند ثالثا من تقديم المعونات الاقتصادية إلى مصر فمن الضرورى أيضاً شن حملة إعلامية ضخمة لحث المصريين على زيادة نسلهم، ولما كان الشعب المصرى متدينا بطبيعته فان أنسب المداخل إلى ذلك هو المدخل الدينى وفى هذا المجال ينبغى الترويج للأحاديث النبوية الكريمة التى تدعو إلى زيادة النسل من أمثلتها "تناكحوا.. تناسلوا.. فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة "، وفى نفس الوقت ينبغى التشكيك فى صحة الأحاديث التى تدعوا إلى تقليل النسل ومنها "جهد البلاد.. كثرة العيال وقلة الشئ" باعتبارها أحاديث مدسوسة ضعيفة السند". وعلى أية حال وطبقا للدراسات المتاحة فإن تعداد الشعب المصرى ينبغى ألا يقل بحال من الأحوال عن 50 مليون نسمة عام 1980.
وارتجف الشاعر ن.ع عندما وصل إلى هذا الحد: يا للبشاعة .. يا للبشاعة.. إذن فهذا هو السر فى اهتمام الرجل الكالح بتعداد مصر عام 1980 رحماك يا رب .. ما أغرب وما أبشع ما يحدث.. ما أبـ.. وتجمدت عروقه عندما سمع ضحكة صفراء باهته .. ورفع وجهه ليطالع وجه الرجل الكالح واقفا بالباب وحوله زمرة من الرجال يشبهونه إلى حد كبير وقد أمسك بعضهم بخناجر ضخمة فى حين امسك الآخرون بمسدسات .. قال الرجل الكالح- منذ البداية وأنت يبدو عليك الفضول.. كنت أعلم أنك لن تقوى على مغالبة فضولك .. قال الشاعر – عملى كباحث يقتضى منى أن أسعى دائما إلى معرفة الحقيقة.. ضحك الرجل الكالح ضحكته الصفراء الباهته تلك وقال : حقا.. حقا.. إنك لن تعرف الحقيقة فحسب ولكن سوف تعيشها ..، أعنى أنك سوف تموتها إن شئت الدقة أيها الباحث الدقيق! وضغط على زر فى الحائط.. فظهر على الفور تجويف غائر بحجم الجسم الآدمى تقريباً.. أشبه ما يكون بذلك التجويف الذى يقف فيه الإمام فى المساجد العتيقة.. غير أن هذا التجويف كان مليئا بالتروس والأذرع المعدنية والأنابيب.. أشار الرجل إلى زمرته فانقضوا على الشاعر وحملوه عنوة وألقوا به إلى التجويف… وعلى الفور تحركت الاذرع المعدنية وأمسكت به وشلت حركته تماماً… ضغط الرجل الكالح على زرار آخر فى الحائط المقابل وعلى الفور ظهرت شاشة تليفزيونية استطاع الشاعر أن يرى صورته فيها وهو مكبل بالاذرع المعدنية وقد أحاطت به التروس والسيور والأنابيب.. وقال الرجل الكالح.. وهو يرمقه بتلك النظرة الغريبة التى أصبحت الآن واضحة المغزى- يمكن أن تراقب نفسك على الشاشة بشكل أدق.. إننا نتيح لك فرصة إشباع هواية الفضول بهذه الطريقة!!.. تحركت التروس قليلاً ثم امتدت ساق معدنية ذات طرف حاد وبقرت بطنه بطريقة غريبة.. كأنها سكين جزار مجنون.. هذه كبده وكل أحشائه الممزقة تتدلى من جوفه فى حين راح الدم ينسكب كشلال صغير!! . قال الشاعر بهذه الطريقة بقر بطن "مخلص" رفيقى فى حرب 1973 .. إننى أذكر جيدا.. عندما بقر كان شكله هكذا تماماً.. قال الرجل – فعلا .. بهذه الطريقة… عموما كل الطرق تفضى إلى حقل أبقيق…
خلال شاشة التليفزيون راح الشاعر يراقب دمه المسفوح وهو يتجمع فى الأنابيب ثم يمضى فى رحلته الطويلة عبر الصحراء لكى يصب قطرة.. قطرة فى حقل أبقيق….
3-التحقيق:
كان الشاعر ن . ع واقفا أمام مكتب الأستاذه "هبة" رئيسته فى العمل.. كان وجهها مكتسيا بصرامة شديدة وهى تحرر المذكرة الخاصة بتحويله إلى الشئون القانونية للتحقيق معه فى الواقعة المنسوبة إليه: "النوم أثناء العمل".. ورفعت وجهها الصارم وهى ما تزال تزمجر ، كنا نظن أنك قد تعلمت النشاط والحيوية فى خدمتك للقوات المسلحة .. ولكن وا أسفاه .. "راح يحملق فيها.. وقد غلبته رغبة شديدة فى أن يروى لها ما رآه فى الكابوس غير أنه خجل من نفسه.. التقت نظراتهما .. وأحس بها وهى تنظر إليه فى دهشة وعمق.. هم مرة أخرى بأن يقول شيئا ما .. غير أن جرس التليفون الذى أخذ يدق أحبط رغبته فى الكلام . رفعت الاستاذة "هبة" سماعة التليفون وحين وضعتها راحت تمزق المذكرة المكتوبة.
قالت له فى هدوء- لن تحال إلى التحقيق.. لقد تم استدعاؤك مرة أخرى إلى القوات المسلحة ، أرجو أن تتوجه إلى شئون العاملين لإخلاء طرفك ثم.. ثم.. لا شئ .. فلتصحبك السلامة.. ومدت يدها مصافحة.
كتبت عام 1974ولم يقدر لها أن تنشر إلا فى عام 1980، مجلة أكتوبر، العدد200



#نصارعبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلاحية الرئيس صالح
- لا أدرى لماذا؟
- جريمة الأبراشى
- الويسكى، والمنزول، والطوارئ
- أولويات حكامنا
- أبانا الذى فى المباحث
- مزيج الفسيخ واللبن
- الأيام الصعبة القادمة!!
- غسيل الحكام !
- لا وزن لنا إلا
- أرباب النوابل
- الليل يطارد طفلا فى الليل
- الفسادات
- الشهيد الحادى عشر
- هؤلاء التعساء
- ولد الضايع
- إلى الشاعر الذى لم يعد يكتب إلا للصغار
- زمن 00ما
- الميراث -قصة قصيرة
- هويدا طه


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصارعبدالله - كابوس الشاعر ن .ع