أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدل فقير حجي - يوميات سائق تاكسي في المانيا / الجزء العاشر















المزيد.....



يوميات سائق تاكسي في المانيا / الجزء العاشر


بدل فقير حجي

الحوار المتمدن-العدد: 6523 - 2020 / 3 / 26 - 14:45
المحور: الادب والفن
    


يوميات سائق تاكسي في المانيا
الجزء العاشر
المانيا آذار 2020

منذ اكثر من سبعة عشرة سنة مضت وانا اعمل فيها بصفة سائق تاكسي في المانيا وبالتحديد في مدينة اولدنبورك والتي هي مركز لأحدى المحافظات الثلاث التابعة لولاية نيدرزاكسن والتي عاصمتها هي هانوفر ، تقع اولدنبورك في الشمال الغربي من المانيا وعلى مقربة من الحدود الهولندية .

أمرأة مرعبة

بينما كنت واقفا امام محطة قطارات المدينة في مساء احدى الايام ، دخلت أمرأة اسيوية الملامح الى التاكسي ، وطلبت مني ن أنقلها الى قرية تبعد مسافة حوالي الثلاثين كيلومترا ، بالطبع الامر كان مفرحا كون السفرة جيدة ومربحة ، ولكن مالم يكن سارا هو صوتها الرجولي الخشن جدا والذي كاد أن يثقب ويمزق طبلة أذني ، تأكدت من عنوانها وأدخلته الى مرشد الطريق الالكتروني ( النافيكاتسيون) ، بعد الانطلاق لمسافة قصيرة أغمضت السيدة عيناها وأرادت أن تنام ، فقلت في قرارة نفسي ، ليس هنالك ضرر طالما انها حددت وذكرت لي عنوانها ، وبالرغم من أني لم اشم منها رائحة الخمر وانها كانت نظيفة وانيقة الى حد ما ، الى أنني فكرت انها ربما ثملة وتعبانة وتريد أن تأخذ قسطا من النوم .
بعد السير لمسافة عشرة كيلومترات تقريبا فتحت عيناها فجأة ، سعلت في حالة أشبه بالاختناق وطلبت مني أن أركن السيارة بجانب الطريق ، ظننت حينها أنها بالفعل سكرانة وتريد أن تتقيأ ، بعد أن توقفت فتحت هي الباب وكان هنالك أحتمالان ، أما أن تتقيأ بجانب الطريق وهي جالسة في السيارة بعد أن تنحني بجسدها ، وأما أن تخرج وتتخذ وضع القرفصاء ومن ثم تبدأ بالتقيأ ، ولكن ماحدث هو أنها أنحنت نفسها ولامست الارض بيداها وزحفت بطريقة غير أعتيادية من التاكسي وهي في حالة سعال خانق ، ومن ثم أستمرت بالزحف على بطنها لمسافة مترين في الارض المنبسطة ولمسافة خمسة أمتار في الانحدار الذي تلاه والى أن نزلت الى جدول الماء المار بجانب الطريق ، وفي الماء بقيت على بطنها ساكنة كجثة هامدة ، أصبت بصدمة قوية جدا ، سألت نفسي ما هذا الحدث الغريب والمرعب ياالهي ؟ هل هو حلم أم حقيقة ؟ ثم فكرت بالنزول اليها من أجل أنقاذها ولكني ترددت كوني لا أجد السباحة أصلا ولم أكن أعرف عمق جدول الماء ثانيا ، ومن خشونة صوتها وسرعة وطريقة زخفها وضعت احتمالا بأنها من القوة بمكان ، تجعلها قادرة على غرقي ايضا ، خاصة بعد أن رأيتها في تلك الحالة الهستيرية الجنونية . ثم سألت نفسي : كيف عرفت أن تستوقفني في هذه النقطة الخطرة بالتحديد وعيناها مغلقتان طوال الطريق ؟ وهل أن الامر مدبر ومخطط له مسبقا ؟! وبما أنها لم تحرك نفسها في الماء لأكثر من دقيقة فظننت أنها أختنقت فعلآ . ودار في مخيلتي وفكري صور وأسئلة التحقيق والمحاكمة وكيفية أثبات برائتي ، وهل سأتمكن من ذلك يا ترى ؟ خاصة أنهم سيسألونني لماذا لم تنزل اليها في الحال لأنقاذها ؟
بعدها سألت نفسي هل من الافضل الاتصال بالشرطة والاسعاف أولا ؟ أم أيقاف بعض السيارات المارة للقيام بوجه السرعة معا بمحاولة أنقاذ المرأة أولا ؟ وليكونوا شهودا على الحادث ، خاصة وأنني لم أنزل الى الماء بعد وبذلك تبعد مني شبهة وتهمة خنقها .
على قارعة الطريق رفعت يداي وشابكتهما في أشارة لطلب النجدة والمساعدة ، في الحال توقفت أمرأة شجاعة وجريئة ومعها طفليها الصغيران ، شرحت لها الامر بسرعة فقامت على الفور الاتصال بالشرطة وحددت لهم الموقع ومن ثم أوقفت سيارة أخرى يستقلها ثلاثة شبان ، أثناء شرحي الامر للشبان الثلاثة أيضا ونزولنا لمحاولة أخراجها ، شاهدنا أن المرأة المرعبة وقفت لحالها في الماء وتحدثت الينا وطلبت منا عدم القلق و الخوف من الامر وأنها على مايرام ، حينها فقط تنفسنا جميعا الصعداء وخاصة أنا ، كون المسؤولية الرئيسية والاولى كانت ستقع على عاتقي .
ثم أخرجت المرأة من جيبها هاتفها ورمته الينا وقالت أطلبوا رقم زوجي ليحضر الى هنا ويأخذني الى البيت ، لم يستجب أحد منا لطلبها ، فخرجت هي بنفسها ورفعت الهاتف واتصلت بزوجها ، وبعدها حضرت الشرطة للمكان وأخبرناها بالتفاصيل ، أحد أفراد الشرطة كان مرحا جدا وقال : يبدو أنها حمت كثيرا وأرادت أن تبرد جسمها في الماء ، أجلسنا المرأة بجانب شجرة وقمنا بفتح علبة الاسعافات الاولية وأعطيناها الورق المعدني العازل لحمايتها من البرودة ، من ثم حضر زوجها الالماني ، كان محترما وتأسف للامر ، يبدو أن المرأة نفسها كانت طيبة ، قامت بتسديد أجرة التاكسي الذي لم يكن على بالنا وأصرت على أن تدفع البقشيش أيضا وتأسفت لنا جميعا لما تسببته لنا من أزعاج وقلق و رعب .

أعجاب وتبرع

اثناء سفري لولاية تكساس الامريكية عام 2018 ، ذكر لي أبن خالتي والذي يعمل هناك ايضا بصفة سائق تاكسي مايلي: عندما علم احد زبائني الامريكان باني كوردي ، ابدى أعجابه وأنبهاره بالفتيات الكورديات ( أسطورة القرن الحادي والعشرين ) اللواتي تناضلن ببسالة وبطولة منقطعة النظير ضد الوحوش الضارية لداعش (الدولة الاسلامية في العراق والشام ) في غربي كوردستان و تبرع بمبلغ اربعة دولارات لمجهودهم الحربي .

السفر الى أمريكا

كنت قد حجزت لي موعدا مع احد الاطباء النفسيين قبل سنة من سفري الى امريكا ، وقبل الموعد بيومين اتصلت زوجتي مع بيت اهلها للاطمئنان على صحة ابيها ، فقالوا لها اخوتها بأنهم قرروا أزالة اجهزة التنفس الاصطناعي عليه في ذلك اليوم ، ولكنهم سيأجلونه لمدة اربعة وعشرين ساعة فقط أذا ارادت هي السفراليهم فورا ، ولانقاش حول تأجيل الموضوع ، وعندما لاحظت ان ابني الكبير غير متحمس للسفر والابناء الاخرين لهم التزاماتهم الدراسية ، فقررت السفر وتاجيل موعد الطبيب ، في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل خرجنا من البيت الى هامبورك ، ومنها ذهبنا بالطائرة الى فرانكفورت ، وكان ذلك في صبيحة يوم واحد نيسان ، اثناء الهبوط قالت مظيفة الطائرة في حديثها ها قد وصلنا الى برلين ونتمنى لكم سفرة طيبة وممتعة ، علمت من انها كذبة نيسان ، وبعدها بدقائق ذكرت المضيفة اننا وصلنا الى فرانكفورت وليس برلين وان الامر لم يكن سوى دعابة ومزحة كذبة نيسان . استغرقت الرحلة عشرة ساعات ونصف من فرانكفورت الى مدينة هوستن ، مشاعر الطيران فوق اجزاء من اوربا ومن ثم المحيط الاطلسي ولساعات فوق امريكا كانت غريبة ، أعادت في مخيلتي وذاكرتي الكثير والكثير مما شاهدته في الافلام ومن التلفزيون وقرأته في الكتب والروايات وكذلك مما سمعته عن امريكا الشمالية وكذلك اللاتينية ( سفينة تيتانيك ـ اول رحلة طيران من امريكا الى اوربا ـ الحروب العالمية ـ الثورة الكوبية ومن ثم كاسترو وجيفارا ـ مثلث برمودا ـ علي الوردي وسفره لامريكا ـ هجرة المسيحيين العراقيين الى أمريكا ـ مذكرات بابلو نيرودا ـ الهنود الحمر ـ هجرة الكورد الى امريكا ومنهم القائد الكوري المرحوم الملا مصطفى البارزاني وكذلك عائلة زوجتي وايضا احد اصدقائي المقربين جدا ـ هجرة العرب لامريكا اللتينية ـ زميلي المرحوم سائق التاكسي الالماني الذي كان يتحدث لنا دوما عن سفره المزمع الى كندا والذي وافاه المنية قبل تحقيق حلمه وتحدثنا عنه في احدى صفحات هذه اليوميات ـ افلام رعاة البقروبقية الافلام الامريكية ـ السيارات الامريكية الطويلة والعريضة ـ الرؤساء الامريكان ومنهم كندي الذي اغتيل في تكساس ـ احداث الحادي عشر من سيبتمبر ـ الزنوج ـ همنغواي ـ ماركيز ـ جبران خليل جبران ـ الحرب على العراق وفيتنام وكوريا وافغانستان ـ الحرب الباردة ـ ازمة صواريخ كوبا ـ نصب الحرية في نيويورك وغيرها من المواضيع والاحداث ) .
اثناء حديثي لمضيفة الطائرة ذكرت بأن الطائرة التي نسافر بها تتسع لخمسمائة وتسعة ركاب ، فسألتها مايلي : هي مرة من كل كم سنة وينتابنا الذعر والعلع اثناء الطيران ، فكيف لاتخافون وانتم في طيران دائم ومستمر ولهكذا مسافات يعيدة ؟! أجابت هو تعود ويصبح روتين ، وهنالك من البشرمن يخافون واخرون لايخافون .
كنا قد سمعنا ان سلطات المطارات في امريكا يتسببون في ازعاج ومضايقة المسافرين في اكثرية الولايات ، ولكن لحسن حضنا ان الامر معنا لم يكن سوى أشبه بالروتين وجوبهنا بسؤال واحد فقط وهو سبب الزيارة ؟ لكن في الطائرة قمنا بأملاء استمارة كاملة تتضمن معلوماتنا الشخصية و اماكن اقامتنا في المانيا و عن الاشخاص اللذين سنزورهم واماكن اقاماتهم ، وقبل سفرنا بحوالي شهرين كنا حصلنا انا وزوجتي وابني على الفيزا من القنصلية الامريكية في برلين وفي حينها كانت الاجراءات متعددة ومزعجة بالرغم من كوننا حاملين للجنسية الالمانية .
اثناء الخروج من المطار لاحظت الفروقات المناخية بين اوربا وتكساس و كان ابن خالتي قد حضر لاستقبالنا ونقلنا من مدينة هويستن المطلة على خليج المكسيك والتي تكثر فيها الاعاصير الى مدينة اوستن عاصمة الولاية والتي تبعد مسافة ساعتين ونصف الساعة بالسيارة ، سبق لجميع افراد عائلتي ان سافروا الى امريكا وبعضهم لاكثر من مرة ، لذلك كان بالنسبة لي فقط كل شيء جديدا وغريبا ، فالعملة هي الدولار والمقاييس هي الباون والغالون والميل بدلا عن اليورو والكيلوغرام واللتر والكيلومتر واسعار الوقود كانت رخصية جدا مقارنة باوربا والسبب معروف فامريكا اكبر دولة نفطية في العالم ، السيارات الامريكية التي كانت في مخيلتي لم ارى منها الا نادرا جدا ، بل أن السيارات اليابانية والكورية الجنوبية والالمانية هي التي كانت سائدة وكانت تتشكل حوالي الستين في المائة من السيارات التي شاهدتها ، اما الاربعين في المائة الباقية فكانت سيارات امريكية من الطراز الجديد ، والاكثرية الساحقة من السيارات كانت اوتوماتيك وكانت تستخدم البنزين وعلى العكس من اوربا فأن اكثرية سيارتها ليست اوتوماتيك وتستخدم الديزل بسبب الاسعارالمرتفعة للبنزين في اوربا ، والغريب ايضا كان هو ذكر الشهر ثم اليوم ثم السنة اثناء ذكر التواريخ وتثبيتها على العكس مما تعودنا عليها طوال حياتنا في الشرق وفي اوربا ايضا وهو ذكر اليوم ثم الشهر ثم السنة .
ما وجدته رائعا من الامريكين في تكساس هو انهم منفتحين و يؤدون التحية لك في كل مكان على العكس من الكثير من العنصريين في اوربا الذين يشمئزون وتقشعر ابدانهم اثناء رؤيتهم للاجانب ، وان قلنا الحقيقة فأن عنصرية بعض الاوربيين هو ليس سوى ردة فعل لأرهاب بعض ابناء الجاليات الاجنبية المعروفة و للتصرفات الغير حضارية و الغير قانونية للبعض الاخر منهم .
الشعور بالغربة في امريكا اكثر قوة مما هو عليه في اوربا بسبب المحيط وبسبب فرق البعد بينهما وبين العراق ، في اوربا الارض اليابسة متصلة مع العراق وبالامكان لشخصين السفر بالسيارة دون توقف لمدة يومين او ثلاثة والوصول الى كوردستان العراق ، أما بالنسبة لامريكا والعراق فذلك محال وللسبب الذي ذكرناه . العامل الاخر هو وجود اكبر جالية عراقية كوردية في اوربا عامة وتحديدا في المانيا .
العامل الايجابي المتميز الاخر في امريكا هو اللغة الانكليزية والتي تعودنا على سماعها منذ التعليم الابتدائي بكل راحة ، على العكس من اللغة الالمانية الجافة والتي لم استطيع تعلمها جيدا بالرغم من مرور مايقارب الربع قرن على اقامتي في المانيا ، والميزة الاخرى للغة الانكليزية هو عالميتها . علما انه عند التصويت لأختيار اللغة الرسمية لأمريكا كان الفارق حينها صوت او صوتين فقط بين اللغتين الانكليزية والالمانية .
فرص العمل في امريكا هي اكثر مما هي عليها في اوربا ، رأيت الكثيرين من المكسيكين في تكساس التي تحاذي بلدهم وذكرني ذلك بالملايين من الاخوة المصرين الذين تواجدوا في ثمانينات القرن المنصرم في العراق أبان الحرب العراقية الأيرانية ، ولكن الاختلااف بين الحالتين كان الاتي : ان أقامات المصريين كانت رسمية بينما تواجد الاكثرية الساحقة من المكسيكين كان غير رسميا ، اي عبروا الحدود من دون تاشيرات الدخول ، رأيت الكثيرين منهم يعملون بكل حيوية ونشاط في أنشاء وبناء البيوت ، وكانت اصوات الموسيقى الاسبانية تصدح عاليا من مسجلاتهم ، وحسبما سمعت بأنهم يختفون في دقائق عندما تتواجد دوريات الشرطة بالقرب منهم . ومما ادهشني في عملية بناء البيوت هو انها تذكرالمرء في بناء البيوت في (افلام الكارتون )من حيث السرعة وبساطة استعمال مواد البناء وعدم رصانتها ومتانتها وجودتها ، فمثلا في الشرق واوربا يتم في البداية وضع اساس كونكريتي مسلح بالحديد بينما هناك لاتوضع سوى البعض القليل جدا من قطع قضبان الحديد في الاساسات وبعدها يوضع هيكل خشبي ويبنى حولها ، فقط البيوت من الخارج تبدو جميلة ومتينة ولكنها في الداخل هي هشة وضعيفة جدا وذكرني ذلك بأفلام بودسبينسروصديقه عندما كانا يضربان افراد العصابات في داخل الابنية فكانوا يخرجون من خلال جدرانها الى الجانب الاخر ، والشبابيك بالفعل غير متينة وغير صلبة بالدرجة المعقولة والقوي يمكن ان يدفعها بكتفه او ظهره الى الداخل ، القرميط المستخدم في السقوف رقيق جدا مقارنة بالمستخدم في اوربا ، بالخلاصة لايمكن مقارنة متانة تلك الابنية مع قوة وصلابة الابنية في اوربا او الشرق المتوسط ، سالت عن سبب ذلك فكان هنالك اجابتان : النظام الرأسمالي في امريكا هو الذي يفرض هذا النمط من البناء لكي لايقاوم ولايبقى لزمن طويل ويضطر المواطن بسرعة للصيانة ومن ثم اعادة البناء ويضمن ذلك استمرارية انتاج وارباح الشركات ، اي الموضوع برمته استغلال للمواطن ، والتفسير الثاني كان هو بسبب الاعاصير ، فالابنية مهما كانت قوية فأنها لن تقاوم الاعاصير لذا من الافضل ان تكون مواد البناء خفيفة وضعيفة حتى تكون نسبة ودرجة الاضرار اقل عند حدوثها ، وما ذلك الهيكل الخشبي الذي يستخدم في البناء سوى لحماية من في الداخل اثناء تهدم تلك الابنية من جراء الاعاصير . والتفسير الثاني رجحه احد زبائني الالمان والذي قال بأنه كثير السفر والتواجد في تكساس ومطلع على الامر .
اثناء تواجدي هناك انقطع التيار الكهربائي لمدة نصف ساعة ، وكان الامر بالنسبة لهم ايضا غريبا ، اذ ذكروا لنا بأن الكهرباء لم ينقطع في هذه الولاية منذ اكثر من خمسين سنة .
الدراسة في الجامعات الاوربية مجانية ، بينما في امريكا مكلفة جدا ، الضمان الصحي والرعاية الاجتماعية في اكثرية الدول الاوربية متوفرة ، بينما هي قليلة جدا في امريكا . نسبة الجريمة في امريكا عالية جدا مقارنة بأوربا لذلك فالاكثرية هناك تمتلك وتقتني اسلحتها الشخصية للدفاع عن نفسها ، واخر معلومة استمعتعا من التلفزيون بأنه يوجد اكثر من مليوني ونصف سجين في امريكا .
اتصلت بصديقي المقيم في واشنطن واخبرته بأني موجود حاليا في تكساس ، فطلب مني ان اسافر اليه وبأنه سوف يرسل لي بطاقة الطائرة ، فشرحت له عن اسباب زيارتي و بأنه يفضل ان اسافر اليه في مناسبة اخرى ، السفر بالطائرة اليه كان يستغرق ثلاثة ساعات .
عودة الى سبب سفرنا الى امريكا ، الا وهو حالة الاحتضار التي كان فيها والد زوجتي ، جدير بالذكر ان الحالة الانسانية التي يراعى فيها المريض في اوربا هي افضل مما هي عليها في امريكا ، وبعد نقاشات مفصلة قررت العائلة ابقاء والدهم تحت رحمة الله والرعاية الطبية في اجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها من العلاجات ، وها قد مرت سنتان على تلك القصة والسفرة ولايزال حماي راقدا في سريره بين اولاده ولكنه لايزال حيا يرزق .

قصة خاصة

في منتصف الليل قمت بنقل شاب صغير من محطة القطارات الى احدى الشوارع الفرعية للمدينة ، في الطريق هاتف الزبون أخاه باللغة الكوردية وبنفس لهجة منطقتي ، وبعد أن انهى مكالمته سألته بنفس اللغة واللهجة من أين انت ؟ أجاب انا من باعذرة . استغربت وقلت له انت أبن من ؟ فأجاب انا أبن فلان . فقلت له هل استطيع ان اقدم لك خدمة ؟ فبعد يومين سأزور عائلتي في باعذرة وسألتقي بوالدك في كل الاحوال ، استغرب الشاب وقال من اية عائلة انت ياعم ؟ قلت له انا جارك الثالث من العائلة الفلانية ، فرح الشاب الذي كان قادما من احدى مدن الجنوب لزيارة اخاه الاكبر الساكن في اولدنبورك والذي لم اتعرف الى هذا الاخير ايضا الا في الاونة الاخيرة . حدث هذا لاني خرجت من باعذرة منذ ايام انتفاضة الربيع عام 1991 ولم اتردد اليها الا قليلا وسكنت في دهوك الى عام 1996 وبعدها هاجرت الى المانيا . منذ صغري وها أنا في منتصف العقد الخامس من عمري لم ارى واسمع عن العراق سوى الحروب وحصاراتها والمصائب والكوارث ، الحرب بين الجيش العراقي وقوات البيشمركه في النصف الاول من العقد السبعيني ، الحرب العراقية الايرانية لثمانية سنوات ، الانفال وضرب حلبجة وغيرها من المناطق بالاسلحة الكيمياوية ، حرب العراق مع امريكا وحلفائها أبان الغزو العراقي للكويت ، أنتفاضة عام 1991 ، الحرب الاهلية الكوردية لاكثر من مرة 1992ـ 1993ـ 1994 ، غزو العراق من قبل امريكا 2003 ، مجازر وجرائم القاعدة في العراق ، المجازر الطائفية بين الشيعة والسنة ، مجازر وجرائم داعش في العراق عامة وبحق الايزيدين في شنكال خاصة .
أتذكر جاري جد الشاب الانف الذكر في عام 1973 والذي اخذني من بيت اختي ممتطين الحمار من باعذرة الى والداي اللذان كانا يسكنان معبد لالش في حينه والذي يبعد مسافة حوالي الساعة والنصف مشيا عبر الطريق الجبلي ، اضطررت في طفولتي ان اكون بعيدا عن والداي طيلة فترة الدراسة لمدة اربعة سنوات ، وكنت اقضي فترة العطلة الصيفية فقط عندهم ، واهم ما اتذكره من بعض تلك السنوات هو الحرب بين الجيش العراقي وقوات البيشمركه وماعانيناه من جراءها من تشرد وخوف ورعب وصدمات نفسية ستلازمنا طيلة حياتنا .

سيدة كريمة

سيدة المانية في العقد السابع من عمرها ، زوجها متوفي ولها ابن واحد متزوج ويسكن بعيدا عنها ، علاقاتها غير حميمية مع كنتها ، السيدة معاقة وتستخدم عربة يدوية لمساعدتها في المشي ، بالاضافة الى راتبها التقاعدي فأنها تستلم الراتب التقاعدي لزوجها ايضا . تصرف السيدة الكثير من نقودها على التاكسي وهي سخية في اعطاء المكافئات (البقشيش) للسواق في الحالات الاعتيادية ، أما اثناء اداء السواق لخدمات اضافية بسيطة لها ، فأنها تعطي بقشيش اكثر من المعتاد وقد يبلغ عشرة او حتى عشرين يوروا . مرة قلت لها انت زبونتنا الدائمية والكل يتمنى ان تكون سفرتك من حصته ، فلماذا تعطينا هذا البقشيش الاضافي اثناء اداء خدمة بسيطة لك ؟
ومرات كثيرة ارفض استلام ذلك المبلغ واقول لها انا أؤدي هذا او ذلك العمل البسيط لك من اعماق قبلي وكواجب اخلاقي ، الا انها مع ذلك ترفض وتصر على ان اقبل مكافئتها المادية ، و اجابتها على سؤالي كان الاتي : عندي مايكفي من المال واذا لم اصرفه فهل سأخذه معي الى القبر ؟! وتضيف كم ارتاح عندما ارى ابتسامة على وجه سائق التاكسي و هو يستلم مني البقشيش . المتميز عند تلك السيدة انها لاتريد ان يكون سائقها ثابتا ، بل تود أن يتبدل في كل سفرة ، او حسب جدول وبرنامج مكتب توزيع السفرات على السواق وعندها الصدفة هي التي تلعب الدور في اختيار السائق الذي سيرافق تلك السيدة ، تود تلك الزبونة ايضا ان تشرح للسواق عن ذكريانها وماضيها وعن زوجها الذي ولد في احدى مستشفياتها ومن ثم مات في نفس المستشفى بسبب الفيروس او البكتيريا الذي تعرض له بعد اجراء عملية جراحية له في القلب .
في أحدى المرات قالت تلك السيدة بأن اختها قد توفيت ، الا انها لم تحضر مراسيم الدفن والعزاء لأنها كانت قد قطعت علاقتها بها منذ اكثر من اربعين عاما ، وأضافت انها لو حضرت المراسيم فأن بناتها حتما سوف تسألن عن سبب قطعي لعلاقتي مع أمهن ، ولا أريد أن اذكر واشرح لهن السبب ، لأنه سوف يكون صادما لهن . والسبب هو أننا ( السيدة وزوجها ) قبل اربعين سنة كنا في احدى ليالي رأس السنة نحتفل عند اختي وزوجها ، ولأن الجو كان مثلجا وباردا جدا بتنا عندهم في تلك الليلة ، وفي ساعة متأخرة بعد متصف الليل استيقظت من النوم فلم أجد زوجي راقدا عندي ، فبحثت عنه لأجده يضاجع أختي في أحدى غرف البيت ، ومن يومها قطعت علاقتي بأختي ولم أتحدث اليها بتاتا والى أن ماتت ، ثم قالت أكره النساء اللواتي تفتحن أرجلهن لكل الرجال ، ثم أردفت قائلة لم أقطع علاقتي بزوجي بعد تلك الحادثة لأنه قدم لي اعتذارا شديدا عن فعلته الشنيعة تلك .

الشباب الفلاسفة

في فجر احدى الايام قمت بنقل اربعة شبان الى احدى القرى المجاورة لأولدنبورك ، وفي الطريق طرح احدا منهم موضوع التدفق المليوني للاجانب واللاجئين الى المانيا بسبب الحروب الطائفية و الاهلية في كل من سوريا والعراق وافغانستان وغيرها من الدول ، ثم انتقد سياسة المستشارة الالمانية ميركل بسبب فتحها لابواب الهجرة على مصراعيه ، فرد عليه زميله او صديقه والذي كان جالسا بجانبي في مقدمة التاكسي قائلا له : لاتتحدث بهكذا اسلوب فج ، فهؤلاء لجؤا الى المانيا ليس طمعا بشيء ، بل هربوا من الموت والحروب المدمرة ومايجب على عاتقنا هو استضافتهم واحترامهم وتقديم العون لهم ، ثم تحدث عن المبادئ والقيم الاخلاقية والانسانية وعن السلام والمحبة وعن مأسي وآلام الابرياء والضعفاء والفقراء وضحايا الحروب والانظمة المستبدة .
لم اتصور ان المتحدث الجالس الى جانبي هو شاب صغير في مقتبل العمر ، بل احسست أنه فيلسوف أو نبي أو صوفي يرقى الى مصاف سقراط وافلاطون وارسطو او بوذا والمسيح أو أبن عربي والتبريزي ، أنتابني شعور عظيم بالغبطة والسرور بوجود هكذا شاب يطرح أفكار نيرة وجميلة ويحمل مشاعر انسانية سامية ونبيلة ، وبالطبع ما كان من الاخرين من اصدقائه الا أن يؤيدونه في رأيه .
أنا بدوري قدمت له شكري وامتناني و أبديت له أعجابي بما طرحه من أفكار ومشاعر عظيمة .
مرة اخرى كان من زبائني شاب من اوربا الشرقية لا اتذكره بالضبط من اية دولة كان (ربما من روسيا) ، كلامه كله كان حكمة واخلاق ومحبة واحترام ، أبديت له أعجابي واندهاشي بروعة افكاره وارائه وبالاسلوب الراقي والجميل الذي كان يستخدمه ويسلكه في الحديث ، رد وقال كل البشر اخوتي لأن اصلنا ومعدننا واحد ومصيرنا في هذا الكون في النهاية واحد ، كلنا لحم ودم وفكر واعصاب ومشاعر وأحاسيس ، فكيف اسمح لنفسي أن أأذي أحدا أو أجرح مشاعر أحد ، المطلوب دائما أن لايصدر منا الا الحب والاحترام و أن تكون مبادئنا هي الايثار والتعاون والتضامن مع الكل .
بعد أن أوصلت ذلك الشاب الى منزله قال نقودي في البيت ، سأصعد الى شقتي في الطابق العلوي وأجلب لك أجرتك ، عادة نقول للزبائن في هكذا حالات اترك عندي تأمينا (ساعة ، هاتف ، خاتم ) الى ان ترجع ، لكن في هذه الحالة قلت في قرارة نفسي مستحيل ان يكون هذا الشاب مخادعا ، وكنت متأكدا مائة في المائة أنه صادق ، لذلك لم أطلب منه ذلك ، لانه ليس من السهل أن يطرح الانسان هكذا أفكار ومشاعرنبيلة وراقية ويكون في نفس الوقت كاذبا ، ومثلما توقعت ، فبعدها بدقائق احضر ذلك الشاب الجميل في روحه وكلامه أجرته ودفعها لي بكل أحترام .

قرارات طبية خاطئة

في أحدى الايام قمت بنقل رجل من مستشفى بيوس في مدينة أولدنبورك الى مدينة صغيرة تبعد حوالي خمسين كيلومترا ، في الطريق تحدث الرجل عن مرضه وحالته والمدة التي قضاها في المستشفى ، وقال بأنه سعيد للمعالجة الجيدة التي تلقى فيها ولقرارات اطبائها المفرحة له.
وذكر بأن الطبيب الذي كان يعالجه في مدينته قرر قطع رجله ، ولكنه رفض وقرر استشارة طبيب اخر ، أي أخذ (الرأي الثاني) ، وهذا بالطبع مهم في كل الحالات المصيرية والخطرة ، أي أنه لو سلم أمره لطبيبه في مدينته لكان الان برجل واحد ، بينما أخبره الطبيب في المستشفى المذكور أنه لاداعي للقطع ، بل يحتاج لعمليات جانبية بسيطة وهذا ماحصل .
مستشفى آخر في المدينة كانت لها سمعة طيبة وجيدة ، ولكن في الاونة الاخيرة سمعت من اكثر من شخص بأن أجرائاتها رديئة وسيئة وتسبب مشاكل كثيرة للمرضى والمراجعين وسمعت مايلي من أحد معارفي العراقيين : يقول دخلت ذلك المستشفى وتم فيها أجراء عملية جراحية لي ، ومن خلالها ازيل اجزاء مختلفة من اعضائي الداخلية وخاصة من الجهاز الهضمي ، وانهم ربطوا مصاريني بواسطة فلترات ومواد اخرى وكان ينبغي عليّ دخول المستشفى كل ثلاثة اشهر مرة لتغيير تلك الفلترات ، اي أجراء عملية بالمخدر العام كل ثلاثة اشهر ، ويقول كنت قاب قوسين او ادنى من الموت ، وهذا ما أكدته زوجته أيضا . ويقول نصحني بعض المعارف بمحاولة المعالجة في مستشفيات مدن آخرى ، ثم يضيف بينما كنت ميؤسا ، ذهبت مع عائلتي الى مدينة هانوفر للمعالجة في مستشفى المدينة الرئيسي ولكنهم رفضوا استقبالي لأسبابهم المعقولة والمنطقية الخاصة بالبيروقراطية والروتين الاداري .
وأثناء الرجوع للبيت قال أحد أولادي لماذا لانحاول مفاتحة احدى مستشفيات مدينة بريمن التي تقع في طريق العودة . ولحسن الحظ تم استقبالي في احدى مستشفياتها وأجري لي العلاج اللازم بأفضل مايمكن وأن أحد الاطباء الكورد المقيميين في ذلك المستشفى قال لي : ما تم لك من عمليات واجراءات في مستشفى مدينة اولدنبورك كانت كلها غير ضرورية و خاطئة وبأنك لاتحتاج بعد لعمليات وبالطبع تم ازالة الفلترات الانفة الذكر . وقال ماتحتاجه فقط هو الحمية وبعض الادوية والممارسات الصحية والسليمة لحالتك ووضعك .
الشخص المذكوراعلاه سرد لنا قصته اثناء زيارتي له مع احد الاصدقاء في داره للاطمئنان على صحته بعد خروجه من مستشفى مدينة بريمن ، وفي الاخير اضاف الى حديثه مايلي : لأتأكد من أن صحتي سليمة بالفعل قمت بتناول أربعة عشرة قطعة كبة في البيت ، ولم يحصل لي أي شيء . وذكر لنا ايضا بأنه عندما كانت الفلترات في بطنه خرجت احداها من مكانها اثناء مرور سيارته بأحدى المطبات مما دخل على اثرها للمستشفى في مدينة اولدنبورك ، فقاموا بوضعها في مكانها .
قلنا له أن تناولك لذلك العدد من الكبب هو تصرف سيء للغاية بل انتحار !
أجاب : اعلم ولكني فعلت .

مشكلة تشابه الاسماء

قال صديقي وزميلي في العمل أنه استلم في احدى الايام طلبية لنقل ركاب من امام احدى المكاتب القريبة من محطة القطارات في المدينة ، ذهب الزميل الى المكان المحدد وركب معه شابان ، طلبا منه ان ينقلهم الى احدى مراكز استقبال اللاجئين الواقع خارج المدينة بمسافة حوالي خمسة كيلومترات . يقول الزميل في الطريق قال احدهم ارجع لنا نقودنا بدون مشكلة ، فأستغربت للامر وقلت له أية نقود واية مشكلة ؟!
فقال لي هل أنت فلان ؟ أجبت نعم أنا هو ، ثم قال هل يوجد معكم سائق اخر بنفس الاسم ؟ فأجبت كلا لايوجد معنا سائق بنفس الاسم . ثم يقول الزميل لسوء الحظ كنت احمل معي مبلغ اربعة الاف يورو استلمته صباح ذلك اليوم كأمانة من احد المعارف لأيصاله الى صاحبه الساكن قريبا مني . وان ما كان يطلبه تلك المجموعة من المال هو ايضا اربعة الاف يورو !
يردف الزميل قائلا : في الطريق طلبوا مني ان اقف على احدى جوانب شارع فرعي يؤدي للمركز المذكور ، وفي الجانب الاخر من الشارع كانت توجد سيارة مركونة يستقلها ثلاثة اشخاص اخرين ، وبعد مشاهدتهم لي ، ربما اعطوا اشارة معينة للشخصان اللذان كانا معي ، لذلك ذكر لي احدهم انت لست الشخص المعني الذي نبحث عنه ، وبخلاف ذلك كنا سنؤذيك بشدة ، ومن ثم دفعوا لي أجرتي وتركوا المكان ورجعت أنا ايضا الى المدينة ، بعدها ذهبت الى احد الزملاء المقربين واخبرته بالقصة ، فرد وقال لي أعلم من هو الشخص او الزميل المعني والذي تسبب لك بتلك المشكلة بصورة غيرمباشرة ، أذ أنه قبل بضعة أيام كان جالسا معي في غرفة السواق بالشركة وكان بحوزته اربعة الاف يورو مزورة وقال بأنه سيذهب لشراء المخدرات بتلك النقود ، وهذا يعني أنه فعلها بكل خباثة وأوقعك في المشكلة من دون قصد أو عمد ، ولكنه قال اعذرني لا استطيع ان اذكر لك اسمه ، وبعدها بأيام وبعد الاستفسار والاستعلام عن اسماء الزملاء الذين يعملون معنا في الشركة عرفت الشخص المعني ، وتبين أن لقبه واسمي الاول يتشابهان ، لذلك حدث معي ماحدث . وقال أحد الزملاء الاخرين أنه في أحدى المرات تم تعقيب ذلك الزميل النصاب من قبل مجموعة (نصابة أو عصابة) من مدينة بريمن والى أن دخل في باحة شركة التاكسي في أولدنبورك وأخفى نفسه .

مشكلة مع البريد (البوست)

استلمت في مساء احدى الايام طلبية لنقل بريد طبي من مستشفى الى احدى المختبرات ، وفي حال عدم وجود اي شخص لاستلام البريد ، أي عندما يكون مغلقا يتم عادة وضع المادة المنقولة في صندوق البريد ، وهذا مافعلته ، ولكن تبين لاحقا بأنني قمت بنقل البريد الى مختبر اخر ، والمختبران يبعدان عن بعضهما البعض مسافة كيلومتر واحد فقط . اتصلت بمركز الشركة واخبرتهم بالقصة ، فأخبروني بأن أحاول الاتصال بهواتف المختبر لعلهم يردون على مكالمتي لمعالجة الامر ، عثرت على تلفون المختبر من الانترنيت ، ولكن دون جدوى فلم يكن هنالك ردا ، اعلمت الشركة بذلك فقالوا لي بأن احاول اخراج البوست من الصندوق الكبير نسبيا باليد وقالوا سوف نرسل لك زميل اخر لعله يساعدك في ايجاد حل للموضوع ، استعملت سلكا ومددت يدي في الصندوق ولكون البوست في هذه الحالة بالتحديد لم يكن في كيس ورق بل كان في كيس نايلون فكان يتعذر غرز السلك فيها ، على العكس كان ينزلق اثناء محاولة سحبها ، جاء الزميل الالماني وحاول هو ايضا بكل السبل المتوفرة لمعالجة الموضوع ، ولكن للاسف نالت كل محاولاتنا بالفشل . بالطبع ما كنا نقوم به كان مخالفة قانونية واضحة . رجعنا للشركة واخبرناهم بما قمنا به من غير جدوى ، فأتصلوا بالمستشفى واخبروهم بالامر ، المستشفى قالت البوست مهم جدا وهو لطفل عراقي كوردي سيتم اجراء عملية جراحية له بعد يومين ، لذلك من المهم جدا ان يصل البوست الى المختبر الصحيح ليزودنا بالنتائج المختبرية للفحوصات المطلوبة ، المشكلة ان الامر حصل في مساء يوم السبت وظننت ان المختبر سيكون مغلقا في اليوم التالي لذلك شعرت بتأنيب الضمير وخوف وقلق من ما قد يترتب عن الامر ، فقلت لأحدى الزميلات اللواتي كن تعملن في مركز الشركة : هل يمكن ان نتصل بالشرطة ونخبرهم بالامر ؟ قالت لو فعلنا ذلك سيترتب على ذلك طلب مساعدة دائرة أطفاء الحرائق للقيام بفتح الباب وصندوق البريد وسيكلف ذلك ربما الف وخمسمائة يورو ، لذلك أنصحك بأن تصبر الى الصباح وحينئذ لكل حادث حديث ، وقالت بأننا سوف نحاول الاتصال صباحا بكلا المختبرين ونعلمهما بالموضوع .
في اليوم التالي تبين ان المختبران المذكوران يفتحان في يوم السبت ايضا وأن شركتنا للتاكسي ارسلت أحد الزملاء لجلب البوست المذكور ونقله الى العنوان الصحيح في المختبر المقصود ، فرحت للامر كثيرا وارتاح ضميري جدا .

الام وأبنها

في مناسبة أعياد الميلاد لعام 2020 قمت بنقل سيدة متقدمة في السن ( في العقد الثامن من عمرها ) مع ابنها والذي كان مقيما في فرنسا وقادما لزيارة والدته بتلك المناسبة الى احدى مقابر المدينة ، أما ابنها الثاني فحسبما ذكرت لي السيدة لاحقا بأنه مقيم في المانيا ، اثناء الرجوع من المقبرة تحدث الابن عن ذكرياته في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم في اولدنبورك ، وبعد مرورنا بجانب مجموعة أبنية عائدة او تابعة لدائرة كهرباء المنطقة ، قال الرجل هذه الابنية كانت في حينها معسكرا للجيش وأن الجنود الذين كانوا ينزلون للمدينة للترفيه والسهر في مراقص وبارات المدينة في يومي نهاية الاسبوع كانوا يقومون بسرقة الدراجات الهوائية من المدينة ويرجعون بها الى معسكرهم ويتركونها أمام هذه الابنية ، لذلك تعود أهالي المينة في حينها للبحث عن دراجاتهم المسروقة من أمام هذا المعسكر قبل أي مكان آخر .

أفلاس الشركة للمرة الثانية و (الاخيرة )

سبق وأن تطرقنا الى تعرض الشركة الى تفتيش دقيق من قبل الدوائر الرقابية المختصة للدولة ، وتبين أن الشركة كانت تتهرب من دفع الضرائب المستحقة التي كانمت تقع على عاتقها ، وانها كانت تستخدم الكثيرين من السواق ولفترات طويلة بطريقة غير رسمية ( عمل أسود) وترتب من ذلك ديون وغرامات كثيرة على الشركة بلغت أكثر من نصف مليون يورو حسبما علمت من بعض الزملاء ، لذلك اعلنت الشركة افلاسها وتم تغيير اسمها ونقلت ملكيتها الى اسم زوجة صاحب الشركة ، الاجراءات القانونية التي تمت بموجبها ذلك لا اعرفها ولا افهمها ، المهم هكذا سرب ونقل الينا الموضوع ، واعتقد لب الموضوع كان : انها شركة ذات مسؤولية محدودة لذلك تمكنت من التواصل والاستمرار.
دخلت الشركة ازمة مالية ، ورواتبا لم تعد تدفع في وقتها المقرر ، كانت في البداية تتأخر لمدة عشرين يوما ومن ثم تجاوزت الشهر ، وبعدها تجاوزت الشهرين وثلاثة و وصلت مرات الى اربعة اشهر ايضا ، كنا نذهب الى مسؤول مكتبة الشركة وصاحبة الشركة وزوجها الذي ظل يشرف على الشركة بطريقة غير رسمية ونتوسل اليهم مرة ومرتين وثلاثة الى أن يقوموا بتحويل راتنبا لمدة شهر ، وأستمر الامر على ذلك اكثر من اربعة سنوات ، كانوا دائما يتحججون ويقدمون اعذارا مختلفة ، مثل شركات التأمين تتأخر في دفع مستحقاتنا من الاجور ، مصاريف الشركة ازدادت ، الايرادات قلت ، يوجد فساد في الشركة ، السواق يقومون بتقديم الاجازات المرضية بصورة غير اعيادية وغير ضرورية ويترتب علينا دفع مستحقاتهم ، وغيرها من الاسباب ، بات حالنا مثل حال كوردستان العراق التي تعرضت لأزمة مالية خانقة حسبما يروج لها ورواتب المواطنين لم تعد تدفع ايضا لشهور وسنين ، لأن الفساد الاداري والمالي كان قد نخر في كل مفاصل ودوائر ومؤسسات الاقليم ، طبيعي أن يحصل ذلك لأن الاقليم بل العراق كله محكوم من قبل مافيات سياسية مختلفة .
سيارات التاكسي للشركة باتت مهترئة وقديمة جدا وغير صالحة للاستخدام حتى ان بعض الزبائن كانوا يعلقون ساخرين وقائلين عندما نركب في تاكسياتكم نشعر احياننا بأننا سنقع منها ، والبعض الاخر يقول نستغرب من ادارة بلدية المدينة كيف انها تقبل بوجود هكذا سيارات تاكسي في مدينتها ، رائحة الدخان والزيوت السامة كانت تفوح من اغلبية سياراتها ، بعض عمال ورشة التصليح هربوا من الشركة ، والبدلاء كانوا ايضا غير جاديين في عملهم ، لأن الشركة لاتوفر لهم قطع الغيار اللازمة والضرورية للتصليح ولأن رواتبهم ورواتب بقية العاملين في الشركة من موظفين ومسخدمين كانت ايضا تتأخر ، لذلك هرب البعض من المستخدمين الاخرين ايضا .
بالفعل الفساد استشري في الشركة ، والاكثرية الساحقة من السواق والمستخدمين والمشرفين كانوا يسرقون منها بدون رحمة ، لذلك بقيوا فيها لمصلحتهم الشخصية .

موت صاحب الشركة

تمرض صاحب الشركة وأصاب بمرض في ساقه وبات يستخدم الكرسي الكهربائي لفترة ، وكثيرا ماكان يجلب معه كعادته العديد من علب البيرة ويشربها في مكتبه ، بعدها بفتره اصيب بالسرطان وعلى اثره انتقل الى رحمة الله ، تولى الاشراف على الشركة من بعده ولداه اللذان كانا مهندسين كبيرين في شركة سيارات فولكس فاكن الشهيرة عالميا ، ولكنهما لم يكونا يودان الاستثمار فيها والتفرغ لادارتها واصلاحها ، بل اكتفيا بمساعدة والدتهما والحضور بين حين واخر الى مكتبتها وتصريف بعض اعمالها .

أقتراح

قدمت اقتراحا الى زميلي السائق الالماني الطيب والمحترم والمثقف (الحاصل على شهادة الماجيستير ) بأن نذهب نحن ثلاثة الى اربعة سواق للاجتماع بأبني صاحبة الشركة ونشكي اليهما معاناتنا الحقيقية لعلهما يجدا حلا لنا ، بالفعل بعد تحديد موعد للاجتماع بهما ذهبنا نحن اربعة سواق وتكلمنا بالتفصيل عن معاناتنا ، وعدونا بأنهما سيبذلان قصارى جهديهما لتخفيف البعض من معاناتنا وأقترحا بان نجتمع كل ثلاثة اشهر معهما لبحث احتياجاتنا ومشاكلنا ، لكن في الحقيقة لم نجد تغيرا ملحوضا في وضعنا بالرغم من مرور اكثر من شهر ، ولأن الرواتب اصبحت تدفع متأخرة مدة ثلاثة او اربعة اشهر كما ذكرنا ، مما دعا السواق مضطريين الى استقطاع رواتبهم من الدخل اليومي للتاكسي ، أي يحتفظون لأنفسهم بوارداتها و الى حين اكتمال مستحقاتهم .

بعض جوانب الحياة في الشركة

البعض القليل من السواق تركوا الشركة وذهبوا للعمل في شركات اخرى ، الا أن الاكثرية بقيت وذلك لأن الامتيازات المعنوية والنفسية والصحية واللوجستية التي كنا نحصل عليها لم تكن متوفرة في غيرها من الشركات ، فمثلا الحرية هنا كانت شبه كاملة ، السائق غير ملزم بمواعيد العمل ، يأتي للعمل ويذهب للبيت ساعة مايريد ، كثيرا ماكنا نذهب للاعراس لمدة خمسة اوستة ساعات ثم نرجع للعمل ، نذهب الى الحفلات التأبينية (المآتم والتعازي) والمقابر لمدة ساعتين او ثلاثة ثم نرجع للعمل ، نذهب الى البيت لاستقبال الضيوف لبعض الوقت ثم نرجع للعمل ، البعض من السواق يذهبون الى عشيقاتهم ويقضون معهن نصف ليلتهم ويرجعون للعمل ، كما أن الكثيرين يأخذون معهم سيارات التاكسي الى بيوتهم ويذهبون ليتسوقون ويقضون بها حاجياتهم اليومية ، التعود على هكذا نظام ولسنين عديدة جعل الكل مدمنين عليه وبات من الصعب الاستغناء عنه .
وعلى ذكر موضوع مغامرات السواق مع النساء ، قال احدهم : وبينما كنت أضاجع احدى زبوناتي ليلا في التاكسي الذي اركنته في باحة الشركة ، سمعت طرقات على نافذة التاكسي وتفاجأت بصاحب الشركة يقول لي ، أفعل ماتشاء ولكن ليس هنا ، كان الاجدر بك أن تفعل ذلك في ساحة او باحة الماركت المجاور للشركة كونها فارغة و لا أحد يتردد اليها ليلا .
يقول سائق آخر : بينما كانت زبونتي تتحدث لي عن الجنس أثناء السير في الطريق ، اخرجت قضيبا بلاستيكيا وقالت لي انا استعمله كل يوم ، فمددت يدي اليه ورميته من النافذة فأستشاطت غضبا وقالت لي : كيف تسمح لنفسك ان تفعل ذلك ؟ فأمسكت بيدها ووضعته على قضيبي وقلت لها هذا طبيعي وحقيقي وهو رهن اشارتك ليقوم بالواجب والخدمة ليل نهار وساعة ماشئت ، فهدأت وفرحت للأمر.
سائق اخر يقول : في حالة عدم توفر مكان مناسب ( شقة أو أوتيل ) فأنا أضاجع فرائسي من النساء في باحة مقبرة المدينة بعد أن اركن سيارتي التاكسي فيها .
وهاهو سائق اخر يضاجع احدى زبوناته المختلات عقليا ، وترتب على ذلك دخوله في محكمة ودفعه غرامة مالية كبيرة .

تدهور الصحة

تعودت على تناول الخمر بشكل يومي منذ عام 1992 ، واستمريت على ذلك المنوال اكثر من عشرين سنة ، بعد الانتهاء من العمل الليلي كنت انتاول الخمر مع الاكل الدسم حتى في ساعات الصباح الباكر ، كان النوم عندي مضطربا للغاية ولم اتمتع بلذته ونعمته الا ماندر ، كل تلك الاسباب أدت بالنتيجة الى حدوث حالات خفقان القلب وعدم انتظام دقاته ، وكذلك تهيج المعدة واصابتها بالبكتريا الحلزونية ، مرت اكثر من اربعة سنوات ومشاكل المعدة لم تنتهي عندي بعد ، اجريت عملية الفحص بالناظور للمعدة والقولون عدة مرات واخذت المضادات الحيوية ضد البكتيريا مرتين .
الجلوس لفترات ظويلة ادت الى مشاكل صحية جمة في العمود الفقري والركبتين و الجهاز الهضمي والمجاري البولية ، اجريت عملية جراحية في الركبة اليسرى ، وبالرغم من ذلك لا زلت اعاني من التنمل المزمن في القدم والرجل لنفس الجهة ، كما اصبت بحساسيتي سكر الفاكهة وسكر الحليب ومشتقاته ، لذلك كان لابد من التفكير الجدي للتحول الى العمل في النهار ، كون العمل ليلا بالفعل مدمر للصحة ، الانسان وكل المخلوقات يجب ان تعمل وتتكيف وتتأقلم وفق نسق ونظام الطبيعة ، وأن لايعمل بالضد منها و الا سيكون مصيره الهلاك ، لكن المشكلة كانت تكمن في الظروف السيئة والمحرجة جدا التي كانت تمر بها الشركة ، ولم تكن هنالك فرصة للعمل فيها نهارا ، وحتى أن توفرت فأن المشكلة التي كنت سأواجهها هي ان السيارتان او الثلاثة الشاغرة نهارا كانت تصدر منها غازات ونفايات سامة اشبه بتلك التي تصدر من مناجدم الفحم . بينما السيارة التي كنت اشتغل عليها ليلا كانت جيدة نسبيا من حيث نظافتها ولكنها كانت تتعطل دئما و لايتم تصليحها بالصورة المطلوبة .
حصلت على تقرير من طبيب العائلة تنص على تعذر قيامي بالعمل ليلا لأسباب صحية ، ومسؤول مكتب الشركة وهو شاب تركي لطيف ومحترم وافق على تزويدي بكتاب (تأييد) يفيد بعدم وجود فرصة للعمل في الشركة نهارا ، التقرير والكتاب كانا سيساعداني الى حد ما لدى دائرة العمل لتبربر اسباب عدم تواصلي في العمل لدى تلك الشركة .

الانتقال للعمل في شركة اخرى

لولا أن أبن عمي كان قد عمل لعدة سنوات لدى الشركة الجديدة التي انتقلت اليها ، ولولا أن صديقا اخرا لي كان لايزال يعمل فيها ، ولولا مساعدتهما لي نفسيا ، و لولا كون كل شيء في الشركة الجديدة كان منتظما وعلى مايرام ، مثل سيارات المارسيدس الفارهة والجديدة ، دفع الرواتب في نهاية الشهر بشكل منتظم ، حسن معاملة صاحبها ، لما كنت سأتمكن من الانتقال والعمل في الشركة الجديدة .
المشرف والمسؤول على مكتبة الشركة الاولى ابدى اسفه لأنتقالي الى شركة اخرى وطلب مني الرجوع اليهم ثانية ، قلت له لو اشتريتم سيارات جديدة فسوف ارجع اليكم بالرغم من الازمة المالية التي تمرون بها ، فقال حسنا اذا اشتريناها فسأخبرك بالامر لكي ترجع الينا .

اندماج شركتين

كان صعبا جدا عليّ ان امر من امام الشركة القديمة للذهاب الى عملي في الشركة الجديدة ، واثناء ذلك كان ينتابني وضع نفسي سيء للغاية وكنت اشعر بضيق في التنفس ومعدتي كانت تتألم جدا ، ولكنني حاولت أن اطمئن واقنع نفسي بأنه لابد من قبول الواقع والوضع الجديد لأن الحياة والوجود كله هو في تغير وتحول . عملت في الشركة الجديدة بتأريخ 1/ 5/ 2017 و بعدها بخمسة ايام حدث شيء غريب الا وهو نقل الشركة القديمة بأكملها للاندماج بشركة اخرى قوية ومنظمة ، كانت غاية صاحب الشركة الاخيرة هو الاستيلاء على تاكسيات الشركة القديمة مقابل دفع ديونها حسبما سمعته ، خلال شهرين كنت اذهب عدة مرات الى المقر الجديد وبعد التوسل الكثير تمكنت الحصول على رواتبي المتبقية لديهم ، وكان الجو هناك كئيبا بالنسبة لي سوى سماع الضحكة الجميلة العالية والمستمرة لصديقنا الالماني الطيب ميشائيل .

النصف ملاك

أنه ميشائيل ذلك الزميل الالماني الحاصل على شهلدة الماجيستير من جامعة بريمن ، وبالرغم من ذلك يعمل بصفة سائق تاكسي ومنذ سنوات طويلة ، هذا الزميل أن لم يكن( ملاكا فهو نصف ملاك بكل تأكيد) ، كونه انسان طيب الى ابعد الحدود و يحمل قيم اخلاقية وأدبية عالية ، كريم وعزيز النفس ، لا يعرف معنى للحسد والطمع ، يريد الخير للجميع وخاصة لزملائه الاجانب ، يناقش ويدردش مع الكل ، متفائل دئما وضحكته العالية و المستمرة والبريئة لاتفارق حديثه ابدا .
لاحظت عدة مرات أن بعض السواق الاجانب كانوا يتجاوزون على حقوقه وأن تصرفاتهم وسلوكياتهم تلك كانت تشمئزني ، الا أن ميشائيل كان مع ذلك يضحك معهم ويحبهم ، بل و يساعدهم ايضا عند الحاجة ، قلت له ميشائيل أنا اعرفك ، أنت نصف ملاك ولكن رجاءا في الاقل ذكر أولئك ضعيفي النفوس بأنهم يتجاوزون على حقوقك ، كان يجيب كلامك صحيح وشكرا لمشاعرك اتجاهي ولكن المفروض عليهم أن يعوا ذلك من ذواتهم ، قلت لأحدهم لماذا تتجاوزون على حقوق ميشائيل ؟ أجاب هو لايزعل ويقبل بالآمر . أجبته أن قبل هو بالآمر كيف تقبل انت الامر على نفسك ؟!
ذلك هو الفرق بين نماذج البشر ، وأقل وصف او لقب يستحقه مني ميشائيل هو أن أنعته ب : النصف ملاك .

أنفكاك الشركتين

بعد انقضاء عدة اشهر ولعدم تمكن صاحب الشركة القوية من تحقيق مآربه وأطماعه تجاه شركتنا القديمة المريضة بل الميتة سريريا ، أعلنوا أنفكاك الشركتين بعد تكبد القوية لمبلغ كبير من الخسارة ، وبعدها تم اعلان الافلاس النهائي والاخير للشركة القديمة التي عملت فيها لمدة اربعة عشرة سنة ، وخسر بعض الزملاء رواتبهم لعدة اشهر ، والبعض الاخر تمكن الحصول على مستحقاته من دائرة العمل .
تغير وقت العمل
بعد انقضاء عدة اشهر على العمل في الشركة الجديدة ، ونتيجة لتدهور وضعي الصحي تمكنت من الضغط على صاحبها للانتقال للعمل في النهار ، وها قد مضى اكثر من سنتين على تركي للعمل الليلي .

الفروقات بين العمل في الليل والنهار

1.العمل في الليل مضر بالصحة وفي النهار مفيد للصحة .
2.الانسان الذي يعمل في الليل غير طبيعي من كل النواحي ، بينما الذي يعمل في النهار فهو طبيعي جدا .
3.الايجابية في العمل الليلي هي أن الشوارع فيها شبه فارغة وأكثرية الاشارات المرورية الضوئية منطفئة وذلك كله يوفر الحركة الانسيابية للتنقل اي السرعة تكون اكثر .
4.اكثرية الزبائن في الليل هم من فئة الشباب والسكارى وبعض المسافرين ، بينما في النهار ألاكثرية هم من كبار السن والمرضى والمعاقين والموظفين والعمال وتلاميذ المدارس المعاقين .
5.السياقة في النهار اسهل خاصة في الشتاء اثناء هطول الامطار وتساقط الثلوج ، ولكن في الوقت نفسه تحتاج السياقة في النهار الى المزيد من الصبر والتأني بسبب الازدحام المروري .
6.يمكن اجراء عملية التبول في الكثير من الاماكن ليلا ، بينما في النهار انت مقيد ، وللعثور على مكان مناسب يكلف ذلك وقتا ، وبالطبع يترتب عليك غرامة مالية ان تم ضبطك من قبل الشرطة و أنت تتبول خارج دورات المياه ، أي في الاماكن المفتوحة .

حفلة توديع

بعد أعلان شركتنا القديمة لأفلاسها بفترة قصيرة و أنتقال معظم السواق للعمل لدى الشركات الاخرى ، قامت صاحبة الشركة المعلنة أفلاسها مع ولديها بتنظيم حفلة توديع في باحة الشركة ودعت فيها السواق جميعا للمشاركة فيها ، شاركت أنا أيضا بالحفل لمدة نصف ساعة تقريبا والتقطت معهم بعض الصور التذكارية .

حنين

بالرغم من الغاء شركتنا الاولى وعملي لدى شركة اخرى منذ مايقارب الثلاثة سنوات ، الا أن أشتياقي وحنيني لايزال باقيا للايام الخوالي ولايزال العديد من السواق وأنا بضمنهم نستخدم الساحة التي من امام بنايتها كموقف للتاكسي . وللاسف حتى الشجرة المعمرة التي كانت امام باحة الشركة تم قطعها وأزالتها لأسباب لا أعلمها ، الحنين لذلك المكان ولأولئك الزملاء سيستمر والى ألابد .



#بدل_فقير_حجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة نصوص للديانة الايزيدية
- نصان دينيان للايزيدية عن الخليقة
- يوميات سائق تاكسي في المانيا / الجزء التاسع
- يوميات سائق تاكسي في المانيا / الجزء الثامن
- يوميات سائق تاكسي في المانيا / الجزء السابع
- يوميات سائق تاكسي في المانيا / الجزء السادس
- يوميات سائق تاكسي في المانيا الجزء الخامس
- يوميات سائق تاكسي في المانيا الجزء الرابع
- يوميات سائق تاكسي في المانيا الجزء الثالث
- يوميات سائق تاكسي في المانيا . الجزء الثاني
- يوميات سائق تاكسي في المانيا
- اسنان الرئيس بارزاني
- ما بعد رحيل الرئيس جلال الطالباني


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدل فقير حجي - يوميات سائق تاكسي في المانيا / الجزء العاشر