|
ما بعد رحيل الرئيس جلال الطالباني
بدل فقير حجي
الحوار المتمدن-العدد: 2139 - 2007 / 12 / 24 - 01:18
المحور:
القضية الكردية
سنسبق الزمن قليلا و هنا بالتأكيد أعني الزمن المالوف و المتعارف عليه في عقولنا وقوانيننا و تقاويمنا لنصل الى يوم محدد و ساعة محددة و دقيقة محددة الا و هي لحظة وداع و مفارقة الرئيس مام جلال للحياة . و ان كان مجرد تصور و افتراض الحالة و الحدث بحد ذاته مبعثا و نذيرا للشؤم و البلاء و الشرّ في رأي البعض الا ان ذلك في رأينا حالة صحية كوننا لانبحث في العواطف و المشاعر و كونها مؤطرة و خاضعة لقوانين و سنن الطبيعة و التي سببتها الالهة منذ البدء على جميع البشر و لم يستثني منها احدا ، من جهة اخرى فأن الموت و عقائد مابعده و مايترتب منه يعتبر جزءا اصيلا من فلسفة و ميثولوجيا حضارة ميسوبوتاميا بصورة عامة و الجزء الكوردستاني منه بصورة خاصة و يتجلى ذلك واضحا في ملحمتي كلكامش البابلية و الامير مح الكوردية ، و من ثم لأسباب اخرى موضوعية و منهجية و هي الاهم سنذكرها في سياق المقال هذا ..
عموما ان لموت الانسان تأثير عظيم نتيجة الفراغ الكبير الذي يتركه ، الا ان ذلك يقتصر على الدائرة الضيقة الاولى من حوله و التي تضم ذويه و احبائه و اصدقائه ، اما موت القادة و الرؤساء و الملوك و خاصة في الدول الغير ديمقراطية فأن تاثيره يتعدى ذلك بكثير و يشمل حلقات اوسع و اشمل و اعظم و احيانا عدة تسبب في قلب الموازين و تغير مجرى الكثير من الاحداث و تفرز برامج و خرائط جديدة لعلاقات جديدة على المستويين و البعدين التكتيكي و الاستراتيجي و في الصعيدين الداخلي و الخارجي .
الرئيس جلال الطالباني (مام جلال ) هو رجل دولة من الطراز الاول بأمتياز و هو احد اكبر قادة الحركة التحررية النضالية الكوردستانية الجنوبية و منذ اكثر من ثلاثة عقود ، لذا فأنه بغيابه و رحيله الدائم و الابدي سيتسبب حتما في حدوث جزءا مما ذكرناه و خاصة على صعيد الاسرة الكوردستانية ، و بما ان الاكراد يمثلون احد المكونات و الاطراف الثلاثة الرئيسية في العراق فأن التأثير سيشمله ايضا و لكن بدرجة اقل بكثير من الحالة الاولى خاصة و ان الولاء و الانتماء لدى العراقيين لم يعد على اسس وطنية ، بل اضحت و ستبقى لأمد طويل الاثنية و العرقية و الطائفية و المذهبية و التحرك و السير وفق و ضمن الاجندات الاقليمية و الخارجية هي المرجعية و الاطار و الغطاء و الهدف الذي يعملون في ظله و لأجله . و قد تتدخل قوى دولية و اقليمية للحفاظ على التوازن الذي سيختل في حال رحيل الطالباني بين القوتين الرئيسيتين في اقليم كوردستان العراق و المتمثلة بالحزبين الرئيسين الديمقراطي الكوردستاني و الاتحاد الوطني الكوردستاني و بالطبع فأن ذلك التدخل لن يكون من اجل كرم و سواد عيون الاكراد و لكن بالتأكيد من اجل اجندات خاصة تحفظ و تأمن لهم مصالحهم .
لنبحث الموضوع داخليا اي ضمن الاسرة الكوردستانية او الكوردية تحديدا .
الطالباني من مواليد 1933 قرية كلكان ـ كويسنجق ـ اربيل .. انظم الى الحزب الديموقراطي الكوردستاني ( اتحاد الطلبة ) و هو في سن الرابعة عشرة من عمره ومن ثم اصبح عضوا في لجنة مركزيته عام 1951 و هو لايزال في الثامنة عشر ، و بعدها بثلاثة سنوات 1954 انتخب ليصبح عضوا في المكتب السياسي للحزب المذكور ، تخرج من كلية الحقوق بغداد لعام 1959 ، و كان الطالباني من اشد المعجبين بشخصية البارزاني مصطفى على اعتباره الاب الروحي للشعب الكوردي و قائد ثورته التحررية و هو الذي اشترى احدى شعرات رأسه في ايام الدراسة بمبلغ ثلاثة دنانير وذلك يعني الشيء الكثير و الكبير ، و بالمقابل فأن البارزاني ايضا تأثر به و احبه و أطلق لقب ( المام ) اي العم على ذلك الشاب الثائر و ذلك لحكمته و دهائه و حنكته و فطنته الفائقة و المتميزة . و لكن ذلك العقد الاجتماعي و السياسي او العلاقة الروحية و النضالية بينهما لم تدم طويلا لأسباب تتعلق بتركيبة القيادة الرجعية و العشائرية للحزب و اسباب اخرى ذات صلة برفضه للمفاوضات التي كان يجريها البارزاني مصطفى مع الحكومة العراقية انذاك ، وكانت النتيجة انه قاد مع ابراهيم احمد سكرتير الحزب فيما سمي بأنشقاق المكتب السياسي و المدعوم من ايران عام 1964 ..
ـــ في عام 1966 تحالف الطالباني مع الحكومة العراقية ضد البارزاني مصطفى .
ـــ في عام 1970 حل الطالباني مجموعته و ساهم في توحيد جناحي المكتب السياسي بعد المفاوضات التي اجراها البارزاني مصطفى مع الحكومة العراقية و اسفرت عنها اعلان بيان اذار للحكم الذاتي .
ـــ 1975 ابرم اتفاقية الجزائر المشؤومة بين شاه ايران و صدام حسين و بأشراف هاواري بومديان ، تنازل فيها صدام عن نصف شط العرب و اراضي عراقية لصالح ايران مقابل وقف الاخيرة في دعم الثورة الكوردية و التي انهارت على اثر تلك الاتفاقية ، وفي العام نفسه اسس الطالباني في سوريا حزبه الاتحاد الوطني الكوردستاني .
ـــ 1/ 6 / 1976 قاد الطالباني الكفاح المسلح ضد النظام العراقي .
ـــ 1978 ـ 1987 حصل طيلة هذه الفترة معارك و مناوشات مستمرة بين حزبي البارزاني مسعود و الطالباني .
ـــ 1984 اجرى الطالباني المفاوضات مع حكومة بغداد ، الا انها باتت بالفشل بسبب خلافات حول كركوك و مناطق اخرى ، اضافة الى تهديدات و تدخلات تركية .
ـــ 1987 اعلان تشكيل الجبهة الكوردستانية و ضمنت ثمانية احزاب بما فيهما حزبي الطالباني و البارزاني مسعود.
ـــ 1992 اجراء الانتخابات في كوردستان تمخض عنها تشكيل البرلمان و اعلان حكومة الاقليم مناصفة بين حزبي الطالباني و البارزاني .
ـــ 1994 ـ 1998 اندلاع معارك ضارية وطاحنة بين حزبي الطالباني و البارزاني اودت بحياة اكثر من اربعة الاف( بيشمه ركه ) من الجانبين و صاحبت تلك المعارك تدخلات لقوات الجيش العراقي و التركي و الايراني ، خاصة و ان البارزاني مسعود استدعى وحدات الجيش العراقي لمساعدة قواته في بسط نفوذها على مدينة اربيل ..
ـــ 1998 بتوسط و ضغوط امريكية و بريطانية ابرم اتفاقية سلام في واشنطن بين الطالباني و البارزاني .
ـــ 2007 ابرم اتفاقية استرتيجية بين الطالباني و البارزاني و حزبيهما .
اذن هنالك تاريخ و سنوات حافلة و مليئة بالعداء و الاقتتال و الكراهية بين الطالباني و البارزاني و حزبيهما ، وان دول الجوار العراقي خاصة سوريا و تركيا و ايران تعادي قضية الشعب الكوردي و تسعى جاهدة الى احداث و خلق الشرخ و التصدع و العداء بين القائدين المذكورين ، و الانظمة العراقية المتعاقبة هي الاخرى كانت تدق نفس الاسفين بينهما و بأستمرار .
و اذا كان لسان حال الواقع يخبرنا و يعلمنا بأن القيم و المبادئ العقائدية و الروحية للشرق المسيحي و البوذي مبنية على فلسفة التسامح و المحبة و اللاعنف ، فأن الحالة على عكسها في الشرق الاسلامي حيث الثقافة و النزعة السائدة و الطاغية على عقلية و سلوكية اغلبية الناس هي السعي للتفرد بالسلطة ـ الاستيلاء و الهيمنة على الموارد و الثروات ـ الحقد ـ الكراهية ـ الاقتتال و الانتقام و الثأر ـ انتهاك حقوق و حرمات الاخرين ، و الشعب الكوردي ليس مستثنيا مما ذكرناه ، بل الانكى من ذلك انه اغبى الشعوب الاسلامية قاطبة و الدليل على ذلك ان الاخرين يتبنون الاسلام كأداة و وسيلة لتحقيق مآربهم و اهدافهم القومية فيما الاكراد كانوا و لايزالوا يفضلون خدمة الاسلام قبل كل شيء ، الامثلة و الشواهد على ذلك كثيرة و اشهرها تأريخيا ما خاضه صلاح الدين الايوبي من حروب ضد ( الصليبيين) ، واخرها الاصوات التي قدمها الاكراد في الانتخابات التركية لحزب العدالة و التنمية الاسلامي التركي .
و رغم ان لكل من الطالباني و البارزاني و حزبيهما سجل حافل من التاريخ البطولي و النضالي العظيم و المشرف الا انهما يفتقران الى ثقافة و تقاليد الديمقراطية ، فالاتحاد الوطني هو ليس سوى مؤسسة لمجموعة من الاقطاب و الشخصيات يقودها الطالباني ، والديمقراطي الكوردستاني هو مؤسسة لعائلة واحدة فقط يقودها البارزاني . و ان السلطات في اقليم كوردستان العراق ليست لها اية استقلالية بل انها جهات تمثيلية و تنفيذية تعمل وفق القرارات السياسية الصادرة من الحزبين و القائدين الانفين الذكر .
اذن برحيل الطالباني و استنادا الى ماذكرناه و تطرقنا اليه فأن هنالك مجموعة من الاحتمالات و السيناريوات الواردة و المفتوحة التي يمكن ان تحدث .
1ــ حدوث انشقاق بين اقطاب و قيادات الاتحاد الوطني الكوردستاني لعدم وجود اتفاق عام بينهم على من يخلف الطالباني خاصة و ان الامين العام المساعد نوشيروان مصطفى قد استقال من موقعه .
2ــ الاحزاب الاسلامية الكوردستانية المدعومة و المساندة من السعودية و ايران ستبدء بالتحرك و الاستفادة من الفراغ الذي سيحدث جراء رحيل الطالباني و من الانشقاق الذي قد يحصل بين صفوف حزبه و ستحاول ان تفرض نفسها كقوة او طرف رئيسي بديل للاتحاد الوطني و ستمهد بذلك الطريق لتتحول فيما بعد الى ( حماس ) كوردستان .
3ــ احتمال بقاء الاتحاد الوطني قويا موحدا وارد ايضا ، خاصة اذا ما اقدم الرئيس الطالباني و هو على قيد الحياة بتحويل تنظيمه الى حزب مؤسسات او اذا ما ابدى قادته الاخرين ما بعد رحيل الطالباني العزيمة و الاصرار على وحدتهم و عملوا بكل تفان و نكران ذات و شفافية لحماية الاتحاد من الانهيار او الانشقاق و حولوه الى مؤسسة ديمقراطية ليبرالية حقيقية وقوية .
4 ــ من الممكن ان يندمج الاتحاد الوطني مع الديمقراطي الكوردستاني او بالاحرى ان ينصهر فيه بكل بساطة و هدوء ووفق صفقة تضمن بعض المصالح و المواقع للكوادر القيادية للاتحاد ، وقد يبادر حينها البارزاني الى طمئنة اولئك القادة و الكوادر الذين كانت لهم مواقف متطرفة و متشددة ضد الديمقراطي الكوردستاني و يضمن لهم سلامتهم من منطلق ومبدأ و قاعدة ( كل من يعلن الولاء للبارزاني و يدخل حزبه فهو آمن ) و لكن عملية الاتحاد و الانصهار برمتها لن تكون في صالح هامش الديمقراطية الموجودة في اقليم كوردستان .
5ــ رحيل الطالباني قد تمثل فرصة للبارزاني لمعاقبة الاتحاد الوطني الكوردستاني و القضاء عليه ( خاصة في حال انشقاقه ) كونه يمثل تراث وحزب الند و الخصم و( العدو ) التاريخي اللدود للعائلة البارزانية .
6 ــ هنالك احتمال اخر وارد و هو ان البارزاني مسعود سيثبت انه قائد حكيم ومثالي وجدير بأن يصبح ابا روحيا للاكراد و سينجز و يحقق انتصارا تاريخيا عظيما لهم و مكانة محترمة للاجيال القادمة من عائلته و ذلك عبر تسنمه لموقع سيادي رمزي اعلى في الاقليم و من ثم القيام بالتنسيق و العمل الدؤوب و الجاد مع قيادة الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكوردستاني و الاتحاد الوطني الكوردستاني بغية اجراء الاصلاحات الجوهرية و الجذرية و الفعلية فيهما و من ثم تحويلهما الى تنظيمين و مؤسستين ديمقراطيتين منافستين يعملان وفق و ضمن الدستور العلماني الذي سيشرع في الاقليم ..
#بدل_فقير_حجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيطاليا تطلق سراح جنرال ليبي متهم بجرائم حرب
-
بنما تتقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة بشأن تهديد ترامب بالاستيل
...
-
الاحتلال يشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
-
بنما تشتكي للأمم المتحدة عقب تهديد ترامب بالاستيلاء على قنات
...
-
إيران تترأس مجموعة آسيا والمحيط الهادئ في مجلس حقوق الإنسان
...
-
جريمة في السعودية.. ضرب على الرأس وقتل وتنفيذ الإعدام بحق ال
...
-
اعتقال آمر الشرطة القضائية الليبي في إيطاليا بمذكرة من الجنا
...
-
الأمم المتحدة: إعادة تسمية المواقع الجغرافية بما فيها خليج ا
...
-
الأمم المتحدة: 897 شاحنة مساعدات دخلت غزة يوم الثلاثاء
-
زاخاروفا ترد على شولتس: إذا كان أحدهم يريد تعليم العالم حرية
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|