|
انقلاب الجابون و أزمة الديمقراطية
شريف مانجستو
الحوار المتمدن-العدد: 6109 - 2019 / 1 / 9 - 17:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قال المُفكّر البوسنى على عزت بيجوفيتش : أثبت علم النفس الجماهيرى ، أنه من المُمكن التأثير على الناس من خلال التكرار المُملّ ، لإقناعهم بخرافات لا علاقة لها بالواقع. و ما يحدّث فى بلاد العالم الثالث من ترويج مُريع للخُرافات ، أصبح لا يتقبله أى منطق أو عقلٌ رشيد. فالجابون دولة صغيرة فى منطقة أفريقيا الوسطى الغربية. دولة تُعانى من ثُنائية بغيضة . ألا و هى ثُنائية أفقر شعب و أغنى طبقة اجتماعية مُسيّطرة على مقاليد الحُكم و المال. قام بالأمس الأول ، انقلاب غير مُكتمل الأركان قام به قاد عسكرى أرعن. الهدف من هذا الانقلاب ليس إزاحة الطُغمة الجاثمة على صدور القوم. و لكنه انقلاباً من أجل تكريس المزيد من الاستغلال و القمع و الإفساد باسم الوطنية. و للأسف قطاع كبير من دول العالم الثالث فى أفريقيا و الشرق الأوسط ، تعتمد على مُفردة الوطنية - القبيلة - الطائفة. و كُلها أمورٌ كريهة، طالما يستخدمها البراجماتيون لمآربهم الخاصة. المنقلبون أرادوا دماءً و أرادوا قتلاً و مزيداً من الطبقية. و أهل السُلطة ليسوا أفضل حالاً من المنقلبين. فالحاكم لديه شلل نصفى . ورث الحكم عن أبيه الديكتاتور. عائلة " بونجو " هى التى تقود البلاد و العباد. عائلة " بونجو " هى التى تُدير ثروات الجابون من بترول و حديد و منجنيز. إن راح " بونجو " ، ظهر للشعب " بونجو " جديد. و إذا أُصيب " بونجو " بمرض عُضال ، استعد " بونجو " آخر لكى يمتطى جواد الطمع و الصولجان فى الجابون!!. التردى الاقتصادى فى الجابون دفع القطاعات الشعبية إلى الخروج للشارع ، كبديل احتجاجى لموقف السُلطة المُتعنّت تجاه الفقراء. صندوق النقد الدُولى ساهم نسبياً فى تكريس حالة التضخم فى الجابون. مما دفع بعض المُنتسبين إلى الطبقة الوسطى ، إلى السقوط المُدوّى فى مستنقع البؤس و الضحالة. فشل الانقلاب على " بونجو " .. و السبب فى هذا الفشل أن " بونجو " رُغم إصابته بالشلل النصفى ـ إلا أن الدولة و مؤسساتها ، تُدين له بالولاء. و الجيش الجابونى " الضعيف تنظيمياً " يدعم " بونجو " و لن يرضى له بديلا. و النُقطة الغريبة فى هذا الوضع . هو وجود حاكم مريض - لا يقوى على إدارة شئونه الخاصة - يُدير شئون دولة لها موارد و لها شعب يحتاج إلى العمل و التنظيم. ما يحدُث فى الجابون .. يتشابه نسبياً مع الوضع فى الجزائر. و المعنى فى بطن الشاعر!!. و لكى نكون مُنصفين.. علينا أن نُدرك أن الوضع فى أفريقيا ، لا علاقة له بتداول السُلطة كفكرة مركزيّة تخضع لها الأحزاب و المؤسسات العميقة فى تلك الدول. حيث إن فكرة الانقلابات نابعة من حُب السيطرة ، المدعوم من أطراف أوروبية . و الهدف هو شفط ثروات تلك الدول ، لصالح الأطراف الأوروبية ، و بعض الكومبرادور فى الداخل. لذلك فمفهوم الديمقراطية فى أفريقيا غائب ، و يحتاج إلى توضيح و نضال ضخم ضد القبلية و التفرقة الإثنية فى هذه القارة السمّراء. أعود سريعاً إلى وطننا الحبيب. حيث التصريح الرسمى من الحكومة المصرية ، الداعم لنظام " بونجو " . و كان منطق الحكومة المصرية ، هو حماية الجابون من فوضى الانقلابات ، والتى تُصاحبها قتل و تشريد و تهجير ، بسبب خلافات عرقية و طبقية قديمة. الأغرب هو منطق بعض المعارضين لنظام السيسى فى مصر. حيث بدأوا الحديث بسُخرية من دعم نظام السيسى لمفهوم الشرعية فى الجابون. و كأنهم يقولون كيف لانقلابى أن يدعم الحكومات الشرعية؟؟!!. و هنا عندى قولان. الأول : النظام فى الجابون ليس شرعياً بالطريقة المعروفة. ثانيا : من حق أى نظام أن يدعم ما يُريد ، و يقف ضد ما يُريد. و هذه هى السياسة التى تعتمد على فن المُمكن. ففى الشرق الأوسط .. رأينا النظام الثيوقراطى - الشمولى فى السعودية يدعم ثورة الشعب السورى فى 2011. و رأينا هذا النظام يقف ضد ثورة الشعب البحرينى ، بل قام النظام السعودى بقمع هذا الحراك الشعبى. تحت ذريعة أن الشيعة يتحركون فى المنامة ، و علينا قمعهم بكل حسم. و رأينا النظام الإيرانى الشمولى يدعم ثورة الحوثى فى اليمن . و يقف بكل قوة مع نظام الأسدى بسوريا ضد الثورة ، و التى تحوّلت تدريجياً إلى حرب أهلية ، دفعت أطراف دولية للانخراط فيها للحفاظ على مصالحها الاقتصادية. فالبراجماتية هى الحاكم الأوحد فى عالم السياسة و الاقتصاد. فهُناك دولٌ ساندت الاستبداد و ساندت التطرف الدينى فى منطقة. ثم تخرج علينا فى ثوب الواعظين فى منطقةٍ أُخرى!!. يا لها من مأساة سوداء !!. و ختاماً . عندى تحفّظ على هجمة أنصار الإخوان المسلمين على النظام المصرى بسبب دعم الأخير للشرعية فى الجابون. فجماعة الإخوان المسلمين لم نرى منها أى رفض لدعم النظام الحاكم فى قطر لها و لشرعية الدكتور - محمد مُرسى الرئاسية. خصوصاً أن النظام القطرى نظامٌ انقلابى بامتياز. حيث من دواعى صدمتى و تعاستى. أن تتحدث قطر عن الديمقراطية و حقوق الإنسان و الشرعية ـ و هى ليست واحة للديمقراطية ، و ليست منتجع للتنوير. فالمنطق ينتحر يومياً من التناقضات و لابُد. فالانقلاب فى الجابون لن يأتى بجديد. و دعم الأنظمة أو الانقلابات فى عالمنا المريض لن يصنع الفارق.
#شريف_مانجستو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجمع محاكم التفتيش العربية
-
أمن المواطن الإسرائيلى
-
غروب الإرهاب
-
صرخات و طلقات
-
هل يحتفل الإخوان المسلمين ببراءة مُبارك ؟
-
سيف البرادعى المكسور
-
الأغبياء
-
حقائق تأبى الغفلة ( 1-2 )
-
عالم عيال عيال
-
الحب من غير أمل
-
سماء سوريا مُحرقة
-
إسرائيل كيان إرهابى
-
لحن الأمل
-
طنط سامية شنن
-
شاطىء الحقد
-
عصام حجى .. بين الرغبة والهذيان
-
جمهورية تركيا الإخوانية المُتحدة
-
الصحة المصرية فى خطر
-
الإجابات السبعة لأسئلة يسرى فودة (2-2 )
-
الإجابات السبعة لأسئلة يسرى فودة (1-2)
المزيد.....
-
هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟..
...
-
شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
-
الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
-
-مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في
...
-
البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال
...
-
جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
-
القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ
...
-
الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
-
فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
-
إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|