|
تسول شوارعي وأيضاً عقلي ..
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 5869 - 2018 / 5 / 11 - 23:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تسول شوارعي وأيضاً عقلي ..
مروان صباح / لم أكن بحاجة للإنتماء إلى ثقافة التسول بقدر ما كانت الشوارع دالة في تشكيل معرفي لدي ، لما أخفته هذه الظاهرة وراءها ، وببساطة شديدة ، عندما تتحول الحالة من فردية هنا وهناك ، لتصبح ظاهرة منتشرة بشكل منظم ، تكون القصة قد تحولت بالفعل من مباردة فردية إلى فكرة تجسدت بين أفراد ثم منظومة ، الأول احتكم ممتهنها على الجهل ، والأخر ، احتكم واضعها على الخباثة ، وقد تكون مصر سباقة بين الدول العربية في انتشار مهنة التسول ، كونها الأكبر تعداداً للسكّان ، ففي فيلم المتسول لعادل امام ، اظهر السيناريو عن أزمة التسلق والسقوط بين الطبقتين ، الوسطى ، وأخر ، تجاوزت خط الفقر أو تلك التى تترنح بينهما ، فعندما المجتمع يتلقى هزيمة على مستوى أفقي ولا يعمل على تلافيها ، يبدأ الفرد في البحث عن طوَّق النجاة من أجل إنقاذ عيشته ، احياناً نجده مختلف أو متطرف ، فكيف إذاكانت الأكثرية تحت خط الفقر .
تحول التسول إلى مهنة منظمة لا يستهان بها . قد يختلف الكثير حول نوعية التنظيم ، لكن في نهاية المطاف ، هناك إطار قد شُكل ، بل لا يُخفي ذاته ، يعيه الفرد في المجتمع ، تماماً ، كما تعيه الجهات المسؤولة ، يحارب ممن لديهم قناعة راسخة ، بأن تلك الشريحة خارج دوائر العُوذ أو هناك من يجد أنها ذريعة مناسبة للهروب مِنْ استحقاق الصّدقة أو المساعدة ، في جانب أخر من المسألة ، هذه الفئة تلاحق من الجهات ذو الاختصاص ، لكن الجهتان ، الأفراد والمؤسسات ، عاجزتين عن تقديم حلول جذرية ، بل التعامل معها ، يرتهن دائماً إلى صيغ مزاجية ، لا يمكن للمرء ، تنبؤ النتائج التى يمكن أن تصدر عن تصرفات محدودة من الفرد أو المؤسسة .
لو أبتعدنا عن صفة المؤامرة ، وأخذنا من المؤامرة ما تختص به ، كونها فقط للأذكياء وبالقدر ذاته أبتعدنا عن المسلمات ، كونها صِفة الجبناء ، الذين لا يؤمنون بالمؤامرة ، سنجد بأن المجتمع العربي يتلقى العبارات ويكررها دون أن يشارك في صياغتها ، بل الخطورة تكمن في الواقع ، لأنه خاضع فقط للتأويل والتفسير ، بينما كان الأجدر ، أن يُواجه الواقع بالتفكير ، ثم وضع الحلول ، بل أيضاً ، سنكتشف أمر بالغ الأهمية ، وهو معادل موضوعي ، عندما المؤسسة تعيش مرحلة لا مؤسسة ، بالطبع ، لا يمكن لها بناء مجتمع متوازن اجتماعياً ، لأن بإختصار ، تصفية الحسابات مع القائم ومعالجة أسبابه ، يأتي فقط من مجتمع قادر على التنبه إلى المؤامرة ، بحاضرها الآني وعمقها المستقبلي ، وهذا ، يفسر تجاوز حالة التسول من نسبته المعقولة وتحوله إلى إطار منظم ، بهذا المعادل ، تكون المؤامرة استفحلت والجبناء تحالفوا مع الذرائعين ليكتمل الفارق الإجتماعي ، الذي يمهد إلى انحطاط شامل .
خلال الانحطاط ، يتضخم الفارق ويصبح الطرفين لا يروا بعضهما البعض سوى أعداء ، بل ، يتمترس كل طرف بخندقه ، ينطلق كل واحد منهما من معتقدات وليس حلول ، وهذا يفسر لجوء هذه الشريحة لإنشاء تسول منظم ، لأن الاعتقاد الأخطر في نظري ، يكمن في أعتقد هذه الشريحة ، بأن الشغل الطبيعي ، ليس سوى عمل مجاني أو استغلال من رب العمل للعامل ، من هنا ، تكشف لنا المرحلة الانحطاطية عن السبب الرئيسي في انتشار مهنتين ، المومسات والمتسولين ، ساعات قليلة وإيرادات كبيرة ، بل ، الاهانة والبهدلة هي واحدة ، لأن ، معظم المهن البسيطة ، وهي الأغلب في المجتمعات التى تبتعد عن انتاج الفكر والصناعة أو الزراعة ، يتعرض أصحابها للاهانة والتحرش الجنسي ، بالرغم من تدني أجورها ، بالطبع يسبق هذا النهج ، تساقط تدريجي للمنظومة الاخلاقية أو تغيبها عن السلوك الإنساني ، فيصبح كل شيء معقول أو مقبول ، الذي يترتب على المجموعات الواقعة تحت هذه المنظومة إيجاد حلول أسهل من أجل تأمين دخل أكبر .
تماماً ، ينطبق هذا الحال ، على منتج الدخان ، وايضاً مسوقه ، في قرارة نفسه ، يعلم علماً يقيناً ، أن الدخان بأشكاله ، سبب أساسي في إصابة الانسان بالمرض ، لكن ، من أجل اكتساب المال ، يُضحي اولاً بضميره وثانياً بالآخرين ، وعندما يصادف مومس أو متسول على الطريق ، يتساءل عن الأخلاق التى غابت هذه الأيام أو عن أسباب التى دفعت الانسان امتهان مهنة التسول ، بل يتعجب ، كيف له الوقوف تحت أشعة الشمس أو في جو بارد ممطر يتظاهر بالمسكنة من أجل حفنة من المال .
بطبيعة الحال ، المعادلة الدائمة للحياة البشرية ، الأغلبية فقراء وهناك قلة من الأغنياء ، لكن المال الهائل لدى الأغنياء ، لم يتحول هذا الكم إلى تراكم إنساني ، لمعرفة خصائص الاجتماع الأهلي ، لأن العلوم الاجتماعية ، قادرة على احداث منعطفات حلولية ، جذرية ، تضع حد للفارق بين الطرفين ، بل ، كانت ومازالت القلة ، مبدعة في توسيع الفجوة وتعميق الانحطاط . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكرى الخامسة لرحيل ابو محمود الصباح / ياسر عرفات ابو صالح اخ
...
-
في ذكرى رحيل ابو محمود الصباح .
-
البقرة والملك مفتاح المملكة اليهودية ...
-
بين الاهتداء إلى الذات والتيهة داخل الذات .
-
دولة اللصوص
-
تحالفات ما قبل القيامة .
-
تغير نمط التفكير ..
-
الانحياز الكامل
-
السادة معهد غوتة المحترمين ..
-
نبيه بري يأسف وباسيل يفشل في تقمص شخص بشير الجميل .
-
الحقيقة ليست خيانة للحق .
-
الاستفادة من الماضي ، يعطي نفس أطول للانتفاضة الحالية
-
إيقاع القوة والخوف
-
توازن القوة / يكفل الخروج من دائرة التخبط والابتزاز
-
ترمب يغرق بالمحاباة ..
-
عدم استفهام ما يطرحه الشعب
-
بين التظلم والتميز / تجتمع حضارات العالم عند أبواب القدس
-
تدخل روسي في المنطقة / تحول إلى واقع / هل المنطقة على كفاءة
...
-
لا مكان للمحنطون بين الأحرار ..
-
ما أبعد وأعمق من القدس ...
المزيد.....
-
زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
-
دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما
...
-
الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
-
شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
-
اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا
...
-
بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس
...
-
إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
-
دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با
...
-
مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
-
هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|