أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - شيء من الحقيقة والسوريالية.














المزيد.....

شيء من الحقيقة والسوريالية.


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5581 - 2017 / 7 / 14 - 14:49
المحور: الادب والفن
    


كنت في البادية عندما سمعت صوت متضرع يهجس باسمي:
ـ عبد الله، عبد الله؟
التفت حولي لاقتفي الأثر. علّني أعرف مصدر هذا الصوت القادم من وراء الأفق. حدقت في الفلاة، في الخلاء المفتوح، أصغيت السمع أكثر. شممت رائحة الفجر المحمل بالفيض والطلق، رائحة بقايا عشب، بقايا زهر، بقايا ربيع مضى. كان صوتًا يتراقص على الظمآ، فيه رائحة حلم لم يكتمل. ظمأ للذاكرة القادمة. وحده الصوت جاء متكئًا على الصمت فوق هذا المدى البعيد. استرقت النظر ملتفتًا أكثر، لأعرف على هذا النداء الغريب.
كان صهيل خيل فاض على أطراف البادية الطافحة بالمدى.
لم تنطق البادية، بقيت مسترخية فوق وجه الأفق، فاتحة نهديها للريح، طافية فوق وسع المدى، تزفر الصفاء والهدوء. فتحت عيني مرة ثانية على وسع لاستبصر أكثر. قلت:
ـ يا صوت، من أنت؟ من أين مكان تتحدث؟ لماذا لا تريني وجهك؟ هل أنت بشارة، نداء الله، بقايا ربيع.
ـ لست هذا أو ذاك. أنا سيلفا، صديقة الأمس. هل تتذكرني يا عبد الله؟
عادت ذاكرتي إلى ذلك الينبوع. ذلك البريق القديم. وشوشت في سري، ثم رحت اهجس. تحول إلى همس، خرج من حنجرتي كما يخرج الماء من النبع النقي، البريء.
ـ سيلفا؟ الطبيبة الجراحة. الفنانة الجميلة التي كانت تمثل على المسرح وتعزف على آلة الدودوك؟
ـ نعم. أنا هو. من الجميل أنك تذكرتني!
ـ بالطبع أتذكرك. أين أنت الأن؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟ إلى البادية الخالية من الناس والشجر؟
ـ الأن، ليس وقت الحديث عن الوقائع والاسئلة الغامضة. تعال، اتجه صوب الخابور القريب من الشدادة. أنا هناك. سنتكلم بعمق أكثر بمجرد أن تصل.
لم أستطع كتم رغبتي:
ـ ماذا تفعلين فوق الأفق، على ضفاف نهر الخابور، في البادية السورية؟
هل تركت تلك المدن الساحرة والبحر الخلاب، والتاريخ، وسحر الجمال؟ لماذا تركت استانبول، طرابزون، المدن الجميلة الدافئة، البحار العظيمة لتأتي إلى منعطف ضيق في مكان مملوء بالخلاء والهواء؟
تأففت سيلفا من إلحاحي. من الأسئلة المكورة والمكررة.
ـ أنا مرمية على الضفة اليمنى من الخابور. مقطوعة الرأس يا عبد الله. دمي الذي تعرفه، مسفوح. لقد فاض فوق الماء والعشب والزهر. تعال وأنظر، كيف يسيل ببطء ويمتد على كل الأطراف، ويتسلل إلى شقوق الأرض والسماء.
وقفت في مكاني منبهرًا من هذا الكلام الثقيل.
ـ ماذا تقولين؟ مقطوعة الرأس؟ هل هذه أحجية، أضغاث أحلام، كابوس ثقيل معلق في الفضاء؟ من فعل ذلك، معقول ما تقوليه؟
ـ وما هو الغير معقول يا عبد الله؟ تعال بسرعة لتتفرج على هذا المهرجان السوريالي الغريب والغامض. أصبحنا فرجة ألم، أضحوكة. نحن جثث، مجرد موتى يا عبد الله. تلك المرأة التي تعرفها صديقة المسرح والموسيقا والله والجمال مجرد مقتولة على الأرض، خامدة الصوت.
ركعت على الأرض. ورفعت رأسي. ووجهته نحو الأفق بزاوية تميل إلى السماء. متعلثمًا لا أقوى على هضم الكلمات. جامدًا في مكاني، محاطًا بالقهر المجهول الذي يرزح فوقي.
صوت آت من ضفاف بعيدة، ضفاف مجهولة مشبعة بالغرابة. بقيت أذني متجهة صوب الصوت البعيد.
كانت الشمس كعادتها تبتسم غير آبهة بي، بما يجول في عقلي وقلبي. تقتحمني الكلمات، وصوت سيلفا، الإنسان، الإنساني:
ـ الإنسانية مهزلة، مسخرة يا عبد الله!
صرخت بملّ صوتي:
ـ سيلفا، ماذا تقولين؟
ـ الإنسانية مجرد مهزلة يا عبد الله. والإنسان أكبر مهزلة صنعها القدر، الكون. والوجود في عدمه.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة إلى الانقلاب الأول
- الانقلاب الأول في سوريا
- الرأسمالية واقع موضوعي
- النص والحياة
- الطريق إلى أصفهان، جيلبرت سينويه وابن سينا
- فصل من رواية في الأرض المسرة
- من ذاكرة الجزيرة السورية 2
- لبنان والبحر وهمسات الريح
- رواية يريفان
- من ذاكرة الجزيرة السورية 1
- مقالة في العبودية المختارة
- طيور الشوك
- استراتيجيات الغرب وجاذبية الشرق الأوسط
- الخبز الحافي
- النظام الأمريكي بعد الحرب الباردة
- هل الظلم وحده يصنع ثورة..؟!
- ما تخلفه الحروب الدامية على المرأة
- التنظيم في رواية قبلة يهوذا
- الصين في رواية
- الثورة والنهج الأمريكي الجديد


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - شيء من الحقيقة والسوريالية.