أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - تفاصيل الموت والحياة














المزيد.....

تفاصيل الموت والحياة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5161 - 2016 / 5 / 13 - 20:25
المحور: الادب والفن
    


عام 1958 قام العراق بثورة على النظام الملكي، وابتهج بها جمال عبد الناصر فطلب من المسئولين عن الإذاعة مخاطبة أم كلثوم لتشدو بأغنية تهنئة لشعب العراق، وكتب الشاعر محمود حسن إسماعيل قصيدة"بغداد ياقلعة الأسود"، وذهب بها المسئولون لأم كلثوم فأصرت أن يلحنها رياض السنباطي وكان وقتها على خلاف معها، لهذا أضافت" لكن لا تبلغوه أنني أنا من سيغني الأغنية". بالفعل لحن لسنباطي القصيدة على أنها لمطربة عربية وحينما استلم مدير الاذاعة اللحن صارحه بأنه لأم كلثوم فقال له السنباطي: " طيب خذ ورقك واتكل على الله". وأصبح المشروع مهددا بالتوقف، فخاطب المسئول مكتب عبد الناصر، وفي اليوم التالي فوجيء السنباطي بهاتف وعلى الطرف الآخر جمال عبد الناصر يرجوه أن يسمح لأم كلثوم بغناء اللحن. لم يعترض السنباطي لكنه رجا عبد الناصر" حاضر ياريس، بس ما تخليهاش لاتسلم علي ولا تكلمني"! مايهمنى هنا إدراك عبد الناصر لأهمية حشد كل التفاصيل في سبيل مشروعه، هكذا كان محمد علي باني نهضة مصر يكتب خطابات للمبعوثين في الخارج ويسألهم بدقة عن مقدار ما حققوه من نجاح في كل مادة يدرسونها. التفاصيل تقوم بالدور الحاسم في تاريخ الزعماء والبسطاء. في الفيلم الجميل "طريق كارليتو" (1993) بطولة آل باتشينو، إخراج بريان دي بالما، نرى رجل عصابات يخرج من السجن بعد خمس سنوات، معتزما أن يبدأ حياة جديدة بعيدا عن الجريمة، لكنه يتورط بالمصادفة في شئون العصابات فيصبح هدفا وطريدة، ومع ذلك فإنه ينجو من كل مصائد الموت حتى لا يعود يفصل بينه وبين النجاة سوى خطوة واحدة أمام سلم القطار، يرتقيه وينطلق إلي حياته الجديدة التي أرادها، لكن التفاصيل التي بدت له عديمة القيمة تبرز في هذه اللحظة وتقتله! لقد قام بكل شيء على الوجه الأكمل، ونجا من القوى الكبرى لكنه لم ينتبه إلي التفاصيل الصغيرة جدا. فقد حدث أن آل باتشينو تشاجر قبل ذلك بشكل عابر مع مجرم شاب فأهان الشاب وحقره وطرده من الكباريه، وفي اللحظة الأخيرة عند سلم القطار يفاجيء آل باتشينو بذلك المجرم يذكره بنفسه مبتسما قبل أن يسدد إليه طعنة الموت. لقد خطط لكل شيء ونجح في كل شيء، لكنه لم يتصور أن تفاصيل إهانة عابرة هي التي ستحدد مصيره. ليس رجال العصابات الأقوياء، ولا وابل الرصاص، ولا التفجيرات، لكن قتلته التفاصيل الصغيرة التي لا ننتبه إليها. الفيلم مأخوذ عن قصة " بعد ساعات" للكاتب " إدوين توريس"، عمل سينمائي رائع، كان يمكن أن يسقط في نطاق أفلام العصابات الاعتيادية لولا عبقرية التوقف عند فكرة الموت بالتفاصيل. ولا أظن أن هناك زعيما بارزا في التاريخ السياسي أهمل التفاصيل، لأنه كما يقول المثل الانجليزي"" في التفاصيل يكمن الشيطان" أي لب الموضوع. وقد التقيت بمناضلين عظماء كانوا لايقرءون من الوضع السياسي سوى خطوطه العامة الصحيحة،وبآخرين كانوا لا يشاهدون إلا التفاصيل،أما الذين نجحوا في ترك بصمة فهم من جمع التفاصيل الصغيرة إلي الخطوط العامة في وجه واحد كل ارتجافة فيه بأهمية كل ملمح. وليس عبثا في الأدب والفن أن يقال:"الفن هو التفاصيل"، ولا عبثا أن يقول الكاتب الروسي تشيخوف:" إذا لم تلمس التقدم في التفاصيل الصغيرة فلا جدوى من البحث عنه في الأشياء الكبيرة". إنها التفاصيل التي نهملها ثم نفاجيء بها قبل خطوة واحدة من حياة جديدة.
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - اتصال - قصة قصيرة
- تيران وصنافير .. وحرية التعبير
- صحافتنا المصرية تاريخ من الحرية
- صياد الأرواح
- عدمية وخراب الأدب الصهيوني
- لحظات لن يغغر فيها الوطن الصمت .. حول جزيرتي صنافير وتيران
- تمثال للأم الشجاعة
- علاء الديب .. شجن الوحدة والاغتراب
- طوب علينا يارب
- حاكموا الوزير أو أفرجوا عن أطفال المسيحيين
- من تنوير العقل إلي تنوير الشعور
- يهدمون بيت أحمد رامي في القاهرة!
- الشاي والناس
- من الذي يتجرأ على تعديل نجيب محفوظ ؟!
- نوبة عباس الطرابيلي
- آليونا - قصة قصيرة
- معرض الكتاب .. تنوير لا يصل لمستحقيه !
- المسيحي الذي قرأ الفاتحة لأجل الوطن !
- التعريب .. خطوتان إلي الأمام
- الدفتر الكبير .. فن الكراهية


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - تفاصيل الموت والحياة