أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - - اتصال - قصة قصيرة














المزيد.....

- اتصال - قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5157 - 2016 / 5 / 9 - 09:52
المحور: الادب والفن
    


كنت جالسا على مقعد عريض مائلا بصدري للأمام. بيدي اليمنى سماعة الهاتف ملصقة بإذني. على أريكة عن يساري رقدت عمتي بجلباب منزلي واسع وقد فردت ساقيها أمامها. في مواجهتها جلس ابن اختي على كرسي يحدق بي من دون سبب واضح. راحت عمتي تصف له امرأة ما من أقاربنا بأنها غبية وحمارة إذ لم تستطع تربية أبناءها ولا الحفاظ على البغل زوجها، وأخذت تدلل على ذلك بحماقات تلك المرأة. كانت الكلمات ترن قرب أذني من دون أن أعي معناها، فقد استولى على التوتر وأنا أرهف السمع للطرف الآخر على الهاتف. المكالمة من إذاعة أو جريدة في انتظار تعليق مني على الأوضاع. ولم تكن تلك الأوضاع التي ينبغي أن أتحدث عنها حاضرة في ذهني، ولا كنت أدرى بالدقة من هو الطرف الآخر، ولا حتى إن كان إذاعة أم جريدة. كان تركيزي كله منصبا في الانصات إلي الصمت ووشيش السماعة ومحاولة التقاط كلمات الصوت المهشم وتفسير ما يقوله. في ذلك الوقت أخذت ثرثرة عمتي تستثير أعصابي، وتشحذ توتري، فأشعر أني على حافة الاقدام على فعل متهور لوقف كل ذلك. هززت السماعة بيدي لكي تفهم أنني مشغول بمكالمة مهمة. رجوتها: " هناك موضوع مهم. وأنا لا أكاد أسمع ما يقوله الطرف الآخر. من فضلك الزمي الصمت شوية. شوية بس". نظرت إلي بجانب عينها كأنما تستوثق أن شيئا ما بدر مني، صوتا أو تعليقا أو ملاحظة، ثم واصلت حديثها وهي تؤكد ما تحكيه بدوائر وإشارات من أصابع يديها. ضغطت السماعة على أذني بقوة أشد. جاءني من بعيد صوت رجل يلقي التحية. ربما كان قد قدم لي نفسه لكني لم أسمعه. رحبت به. سألني إن كنتُ من قرية بشلا بالدقهلية؟ وضحك ضحكة متقطعة. لم أفهم أهمية ما يسأل عنه أو موضعه من المكالمة. وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها باسم القرية، لكني من باب مسايرة الحديث قلت: " بالطبع. بشلا معروفة. لكني من بلدة مجاورة". تقطعت ضحكته ثانية في وشيش الصوت وقال: " نحن أقرباء إذن". قلت وأنا أحاول أن أتذكر اسمه إن كان قد قدم لي نفسه:"طبعا أقرباء". هتف بصوت خشن أقرب إلي الفظاظة:" المهم أن تكون مستعدا". أدركت أنه يقصد التعليق الذي ينبغي أن أدلي به للإذاعة أو ربما للجريدة أو كالة أنباء. قلت: " نعم. مستعد. بالتأكيد". رنت في الجو قهقهة عالية من عمتي. خطفت نظرة سريعة إليها فوجدتها تبتسم بسعادة وهي تضع يدها على فمها، وابن أختى يبتسم لها ووجهه يشع بالسرور. الآن سيفتحون الميكروفون من الطرف الآخر لتسجيل كلمتي، وهي مستغرقة في ثرثرتها. نهرتها:" هذا عمل. من فضلك اسكتي شوية. لا أسمع ما يقولونه، ولا أدري حتى المطلوب مني". رمتني بنظرة جامدة لا مبالية تنطوي على ازدراء خفيف، فلم أدر بنفسي إلا وأنا أنهض واقفا وأجذبها من قفاها فيرتفع جسمها في الهواء. أردت أن ألقي بها خارج الحجرة مثلما ترمي قطة، لكني تذكرت على نحو مبهم أنها عمتي وأنها سيدة مسنة فأرخيت قبضتي وتركتها، واتجهت إلي حيث يجلس ابن أختى. جذبته من قميصه ودفعته بعنف خارج الحجرة وهو صامت لا يقول شيئا. عدت إلي الحجرة فوجدت عمتي وقد لزمت الصمت أخيرا. أمسكت السماعة لأواصل ما انقطع فسمعت صوتا نسائيا ينادي: " آلو.. آلو ؟". هتفت:"أيوه. آلوه. أنا معكم. أيوه". لكن الصوت تلاشى كأنما ابتلعته من بعيد قوة خفية. صحت بقوة:" آلو؟!". لم أسمع إلا وشيشا عميقا كصوت رمال الصحراء. جلست متكدرا بعكارة ومرارة. ثرثرة عابرة حالت بيني وبين أن أعلم من الذي خاطبني وما الذي كان مطلوبا مني.
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تيران وصنافير .. وحرية التعبير
- صحافتنا المصرية تاريخ من الحرية
- صياد الأرواح
- عدمية وخراب الأدب الصهيوني
- لحظات لن يغغر فيها الوطن الصمت .. حول جزيرتي صنافير وتيران
- تمثال للأم الشجاعة
- علاء الديب .. شجن الوحدة والاغتراب
- طوب علينا يارب
- حاكموا الوزير أو أفرجوا عن أطفال المسيحيين
- من تنوير العقل إلي تنوير الشعور
- يهدمون بيت أحمد رامي في القاهرة!
- الشاي والناس
- من الذي يتجرأ على تعديل نجيب محفوظ ؟!
- نوبة عباس الطرابيلي
- آليونا - قصة قصيرة
- معرض الكتاب .. تنوير لا يصل لمستحقيه !
- المسيحي الذي قرأ الفاتحة لأجل الوطن !
- التعريب .. خطوتان إلي الأمام
- الدفتر الكبير .. فن الكراهية
- عيد ميلاد شيماء الصباغ


المزيد.....




- الكاتب لوران موفينييه يفوز بجائزة غونكور الأدبية عن روايته - ...
- وفاة ديان لاد المرشحة لجوائز الأوسكار 3 مرات عن عمر 89 عامًا ...
- عُلا مثبوت..فنانة تشكيليّة تحوّل وجهها إلى لوحة تتجسّد فيها ...
- تغير المناخ يهدد باندثار مهد الحضارات في العراق
- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - - اتصال - قصة قصيرة