أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 18















المزيد.....

سيرَة أُخرى 18


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5085 - 2016 / 2 / 25 - 08:39
المحور: الادب والفن
    


1
كازابلانكا؛ إنه عنوان أحد أشهر أفلام السينما الكلاسيكية، الهوليوودية ( انتاج عام 1942 ) ومن بطولة نجمتها الفاتنة، انغريد بيرغمان. في بداية تعرّفي على المغرب، قبل حوالي ثمانية أعوام، أعتقدتُ أن مدينة الدار البيضاء ( casablanca ) ستكون هيَ وجهتي الدائمة. ولكن، على الرغم من تأثري الشديد بذاك الفيلم ( وربما بسببه على الأصح )، لم تعجبني هذه المدينة. لم أرَ فيها المدينة الرومانسية، الغامضة والحالمة، التي كانت محط الهاربين من النازية في أوروبة الثلاثينيات والأربعينيات ـ كما عرضها الفيلم. الشعور نفسه، انتابني إلى هذا الحدّ أو ذاك أثناء تعرّفي على عاصمة النور؛ باريس. فباستثناء حيّ مونمارتر، لم يبقَ في العاصمة الفرنسية ما يدلّ على أنها كانت في القرن المنصرم مركزَ الفنون والآداب، الغربية.
زرتُ مدينة الدار البيضاء عدّة مراتٍ، عابراً. كنتُ مضطراً للقدوم عبْرَ مطارها في طريقي إلى مراكش؛ دار الإقامة. كذلك الأمر، عليّ كان أن أعبُرَ تلك المدينة الكبرى في طريقي بالقطار من مراكش إلى العاصمة المغربية الرباط. في كلّ مرة، كنتُ أقضي ليلة واحدة في أحد فنادق الكازا ( كما يسمي المغاربة الدار البيضاء اختصاراً ) ثمّ أقوم نهاراً بجولة خِلَلَ مركزها، الممتدّ الأبعاد. من يجتازها في القطار، فإنه يلاحظ أيضاً أنها ليست مدينة واحدة، بل ثلاثاً على الأقل، مفصولة عن بعضها البعض بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية. بيْدَ أنّ الدار البيضاء، كما هو معروف، مدينة صناعية أساسية. ثمّة، تنهض البنوك الكبيرة على شكل أبراج متسامقة، فيما دخان المصانع يغشى السحابَ. على الرغم من وجود الساحات العديدة، الفائقة الأناقة، إلا أنني كنتُ أفتقدُ لتلك الحيوية المُعتاد عليها في مراكش وخصوصاً في ساحتها الأشهر؛ " جامع الفنا ". الغريب، أنّ المكان الوحيد تقريباً، الذي كنتُ أرتاح لحميميته ثمّة، ما كان سوى محطة القطارات الرئيسية. ومقارنة مع كورنيش طنجة، كمثال، فإنّ مثيله الكازاوي كئيبٌ ومُضجر، لا بهجة فيه سوى للرجال اللاهثين خلفَ فتيات الليل.

2
" شارع مولاي رشيد " المراكشي، يجتازُ جنائنَ جميلة، منظّمة أو متناثرة، كائنة على جانبيه. صادَفَ أن استُهلّتْ جولتك عبْرَهُ، ابتداءاً من خروجكَ خِلَلَ بوابة السور من جهة " المأمونية ". المستديرة، التي يلتقي عندها عدة شوارع، تستقبلك بنوافيرها الفاتنة. ثمّ لا تلبث أن تُسلّمَ إلى العَرَصَة الشاسعة، المُتخمة بمختلف أنواع الأشجار المثمرة؛ هناك أين تُقام بشكل دوريّ مدينةُ ألعاب الأطفال الكبرى. تتحوّلُ بعدئذٍ بخُطاك إلى ذلك الشارع المعنيّ، الملكيّ الإسم، مُفَضّلاً السيرَ في جهته اليمنى. في خلفيّة المشهد، تتجلّى لعينيك جبالُ الأطلس، المهيبة والحالقة. الثلوجُ، المُجلّلة قممَ الجبال، تُسْحَرُ في الغروب إلى لونٍ ورديّ بفعل أشعة الشمس. أما عند الظهيرة، فإنّ الشمسَ المنتصرة تطمسُ تماماً منظرَ الجبال، مُحيلةً إياها إلى ما يُشبه السُحُب البيض. بدَورها، تتبدى غابات الزيتون، المُشكّلة " حدائق المنارة "، وكأنما هيَ متّصلة مع الأفق في خلفيّة المشهد نفسه.
ها أنتَ ذا على طوار " شارع مولاي رشيد "، المليء بحركة العربات والحافلات. الدراجات النارية، تطيرُ هنا بسرعةٍ لا ضابط لها، والكثير منها يقودها فتياتٌ، متطايراتُ الشّعر. ولكن، ما أسرعَ أن تَجْذُبَ عينيكَ مناظرُ الجنائن المونقة، المتألقة تحت شمس الظهيرة. خمائلُ أزهار من كلّ ضربٍ، أجَماتٌ وأشجارٌ مثمرة. زهرة الذهب ( أو أقحوان غريب كما تُعرف بالشام )، تُشكّل هنا خمائل رائعة مُتداخلة مع خمائل الخُبازى. أشتالُ البوكسيا، فقَدَ أغلبها أزهارَه بفعل موجة الأمطار الأخيرة. أما شقيقاتها، المحميّة ضمن أجمات تاج النار، فإنّ أزهارها ما فتأت متفتّحة بعدة ألوان. تاج النار، تبدو أجماتها كتلالٍ مُتماوجة يبلغ علو بعضها قامة رجل، وقد اشتعلتْ أزاهيرُها بلونيّ الأحمر والأصفر. أحياناً تراها كخمائل متشابكة الأيدي، محوّطةً شجرة برتقال أو زيتون. في الجهة اليمنى، القصية، تتماهى جنائن هذا الطوار مع حدائق النزل والفنادق. ثمّة، تبدو عرائشُ المجنونة، المتسلقة شرفات تلك المباني بألوان أزاهيرها العديدة، وكأنها نوافيرٌ مسحورة.

3
مراكش، تُعَدّ من أهم مراكز الثقافة الإنسانية. فعدا عن معالمها وأوابدها، فإنها الوحيدة بين الحواضر المُحتفظة في حياتها اليومية بالتراث الشعبيّ. في ساحتها الأشهر، " جامع الفِنا "، يتمّ على مدار ساعات النهار والليل إحياءُ تقاليد الحكواتي ( الحلايقي باللهجة المحلية ) علاوة على الموسيقيين والمنشدين والراقصين ونقّاشي الحناء وقارئي الكف والحواة وغيرهم. إلا أنّ المسؤولين ثمّة، يبدو أنهم لا يهمهم من أمر المدينة سوى كونها إحدى وجهات السياحة الدولية الأبرز. على الرغم من ذلك، فإن هؤلاء لا يريدون صرفَ المال على ترميم وتجميل وتحسين المدينة. بل لم يتورّع بعضهم عن التخطيط لإزالة تلك الساحة، بغيَة جعلها كراج سيارات يدرّ المال على الخزينة. آنذاك نهضَ نزيلُ مراكش، أديبُ اسبانيا الكبير خوان غويتيسولو، لتنظيم حملة عالمية لحماية الساحة، أجبرت أولئك المسؤولين على إلغاء خطتهم. غلّ هؤلاء الأخيرين، لم يهدأ. إذ قاموا مؤخراً بإزالة مشتل بيع الأزهار والشجيرات والعرائش، الذي كان يُضفي الفتنة على ساحة " جامع الفنا ".
تخرج نهاراً إلى مركز المدينة القديمة، عبْرَ درب " دوّار كَراوة "، وإذا به مليئاً بالحُفر. ويقال لك ثمّة، أنهم جاؤوا لإصلاح الدرب منذ أشهر ستة ولم يعودوا. مساءً، تؤوب عن طريق مدخل " حيّ الملّاح "، وإذا به على الحالة نفسها. في السويد، وهيَ ليست مقصداً سياحياً عدا عن كون نصف العام فيها شتاءً مثلجاً، يتمّ إصلاحُ أكبر الشوارع في مدينةٍ ما خلال يومين أو ثلاثة. كذلك الأمر بالنسبة لأعمال النظافة بمراكش، وخصوصاً في الأحياء الحديثة. ففي المدينة القديمة، يحتفظ الأهالي بالقمامة لحين مجيء العمال. فيما تجدُ الحاوياتِ الكبيرة بحيّ راقٍ، مثل " غيليز "، متخمة بالقمامة والهررة تعبث بها وتنثرها أرضاً. الرقابة الحكومية، من ناحية أخرى، شبه معدومة. على ذلك، نجد أنّ لائحة الأسعار في المطاعم تخضع لمزاج أصحابها ومستخدميها، الجشعين. كلّ هذا فيما اللصوص والنشالين، وحتى المُشلّحين، يعيثون فساداً هنا وهناك دونما رادع. ثمّ تدّعي الجهات المسؤولة أنّ انخفاض مستوى السياحة، هوَ بسبب أعمال الإرهاب في أماكن أخرى بالعالم.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( اسمُ الوردة )؛ الرواية كفيلمٍ فذ
- لقطة قديمة
- سيرَة أُخرى 17
- امرأة سمراء
- سيرَة أُخرى 16
- المتسوّلة
- سيرَة أُخرى 15
- درهم
- سيرَة أُخرى 14
- خفيفاً كعصفور
- سيرَة أُخرى 13
- أقوال غير مأثورة 2
- شريحة لحم
- إغراءُ أغادير 5
- إغراءُ أغادير 4
- إغراءُ أغادير 3
- إغراءُ أغادير 2
- إغراءُ أغادير
- سيرَة أُخرى 12
- الجيفة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 18