أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - لو لم يكن ادريس البصري وزيرا للداخلية لكان في المعارضة -- من الجنرال محمد افقير الى ادريس البصري الى مستشار الملك فؤاد الهمة















المزيد.....


لو لم يكن ادريس البصري وزيرا للداخلية لكان في المعارضة -- من الجنرال محمد افقير الى ادريس البصري الى مستشار الملك فؤاد الهمة


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 5057 - 2016 / 1 / 27 - 20:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لو لم يكن ادريس البصري وزيرا للداخلية لكان في المعارضة
من الجنرال محمد افقير الى ادريس البصري الى فؤاد الهمة
من تابع ويتابع تاريخ وزراء الداخلية بالمغرب منذ سنة 1956 ، سيلاحظ ان وزيرين فقط من باقي كل الوزراء ، هما من تركا آثارا وندوبا مست اكثر من موقع وجهة ، كما سيلاحظ وجود اختلاف في الممارسة طبعت اسلوب الرجلين لأسباب تعود بالدرجة الاولى الى نوع ومتانة العلاقة بين الوزير وبين الملك . ان الوزيرين المعنيين هما وزير الداخلية الجنرال محمد افقير ، ووزير الداخلية الذي ترقى الى وزير دولة في الداخلية ادريس البصري المقبور .
ان افقير كجنرال وكوزير للداخلية جاء من الجيش ، وبعد كل ما راكمه من تجارب قاسية بايطاليا بالحرب العالمية الثانية ، كان اقوى وزير . بينما ادريس البصري الذي جاء من البوليس حيث كان مفتشا للشرطة ، ثم اصبح عميدا مكلفا بالاستعلامات ، قبل ان يحط الرحال بوزارة الداخلية في بداية سبعينات القرن الماضي ، وبالضبط قبل اعلان المسيرة نحو الصحراء ، كان اقدمهم من جهة وأجبنهم من جهة اخرى ، لأنه قارب ستة وعشرين سنة كوزير للداخلية ، ولم يضع حدا لسلطته سوى تقديمه ككبش فداء وضحية ، ليتحمل تبعات وأوساخ نظام الحسن الثاني ، من قبل محمد السادس الذي كانت له عليه انطباعات خاصة ، بسبب تراكمات دخل فيها الشخصي بالزمني .
ان من يتمعن النظر في وجه الجنرال محمد افقير المليء بثقوب تفجيرات القنابل والعبوس قمطريرا ، ووجه ادريس البصري البشوش البشاشة المصطنعة ، سيتضح له الرعب عند الاول ، وسيتضح له الكياسة والبشاشة عند الثاني ، رغم ان ما وراء الابتسامة المغشوشة ، والمظهر الخادع المنافق ، كانت تكمن اكبر طبائع الاستبداد والتسلط والقهر . الم يشترك ادريس البصري مع الجنرال محمد افقير في تصفية العديد من الخصوم وبطرق ملتوية تم فضحها في حينه رغم ان الفرق بينهما ، هو ان افقير استعمل المسدس الكاتم للصوت ، في حين استعمل البصري الهراوة والقنابل المسيلة للدموع ، وأطلق الرصاص الحي على المتظاهرين في عدة محطات سوداء من تاريخ القمع بالمغرب .
ان وجه وزير الداخلية الجنرال محمد افقير المرعب يشبه وجه عقاب او تمساح ، بينما يشبه وجه ادريس البصري وزير الداخلية وجه المرحوم مولاي امبارك السباعي رئيس رابطة ( الشرفاء الأدارسة ) وصاحب السّيكار الكبير ، ومدير جريدة ( النسب ) ، رغم في بلد العجائب والنكث لا يقرأ ولا يكتب من هو مدير جريدة . كما يمكن تشبيهه بأحد المغنيين المغاربة محمود الادريسي . هذا هو الانطباع الذي كانت تخلفه صورة ادريس البصري عند من كان يتابع الشأن العام عن قرب .
ان المغاربة لم يكونوا يروا في وجه ادريس البصري وملاحمه الخادعة ، وبخلاف وجه الجنرال محمد افقير الذي كان يرعبهم ، ما يدهشهم او يستفزهم او يثير فيهم ذرة من الشك او التساؤل . و لعل مشكلة ادريس البصري انه لم يكن يثير في عامة الناس اي شيء . فهو لم يلبس بذلة عسكرية ولا شارك في حروب عالمية ، كما لم يشاهد في الشوارع يطارد الباعة المتجولين ، كما انه لا شأن له بالضرائب او المالية .. لخ ، ولكنه مع ذلك ، فهو موجود في كل شيء كظله ، وبل وموجود في الظل نفسه . فمنذ ان تم تعيينه على رأس وزارة الداخلية ، وهو يراقب ( هموم ) الشعب المغربي بعين يقظة وحذرة . وبه ما يفسر للناس قدرته على السيطرة والاستمرار . ان ادريس البصري في مدى خمسة و عشرين سنة ، جعل من وزارة الداخلية اقوى حزب منظم في المغرب . فهو عندما جاء الى هذه الوزارة ، فان قدومه كان في مرحلة قلقة تميزت بالعنف والقمع . ولكنه استطاع ان يفهم بسرعة ان القمع ضروري ، ولكن لا مستقبل للقمع إلاّ مع التطويع والتهجين والتدجين . لذا اخذ يزحف على جميع الوزارات ويدخلها كمن يفتح قلاعها المنيعة ، فأصبحت وزارة الداخلية في عهده تسمى بأم الوزارات ، ثم بعد ذلك اغار على المنظمات الحزبية والنقابية ، فأصبح هو المحاور الاول المفضل من قبل الخصوم قبل الاصدقاء . لقد طور اساليب غزوه ، فاستقطب لوزارته كل راغب في التعاون الى ان اصبح اسمه ( بدل اسم وزارته ) مذكورا على كل لسان يفتح الباب ويوصده . يأمر ويترك الانطباع بأنه عبد مأمور من قبل سيده ، يعنف ويُسلّسْ ، يوحي بالانقياد ويبدو في نفس الوقت حرونا . ولكنه جاء الى وزارة الداخلية ايضا في مرحلة كانت اقامة المسلسل الديمقراطي الحسني ممكنة ، ثم اصبحت ضرورية . فظهر ادريس البصري بعد ذلك في هذا المسلسل المسرحية ، وكأنه يفتح الطريق امام جميع الطامعين في الحياة الوديعة خاصة من احزاب المعارضة الاصلاحية ، من اتحاد اشتراكي ، الى حزب التقدم والاشتراكية الى شخص بنسعيد آيت ايدر ، الى النقابات التي كان نجما في احدى مؤتمرات الكنفدرالية الديمقراطية للشغل التي حضر افتتاحه بدعوى من الزعيم التاريخي والأبدي نوبير الاموي . وإذا افترضنا ان المرحلة التي توزّر فيها المرحوم بنهيمة كانت عابرة ، فلا بد من الافتراض ان ادريس البصري جاء من الناحية الواقعية والرمزية الى وزارة الداخلية بعد محمد افقير كرجل ساعة . ومع ان السيد ادريس تربى في حضن بنهيمة الذي تربى بدوره في الحضن الأفقيري ، إلاّ انه سرعان ما فهم أن زمن الارهاب الدولتي ، لا يمكن ان يلبس دائما نظارة سوداء ، ولا ان يعرض وجهه القبيح باستمرار . وفهم قبل هذا وبعده ان الدسائس هي بالضرورة انجح وسيلة لممارسة السياسة .
ومع ذلك فلعلّ هناك مفارقة رهيبة تفرض نفسها من باب المقارنة السريعة . ذلك ان عهد افقير إذا كان قد تميز بتحطيم الافراد ، فقد تميزت عهود ادريس البصري بخلخلة الجماعات وتشتيتها والنفاد بسرعة الى قلبها . وما اغرب هذه المقارنة السريعة . فحين انتقل المغرب من المرحلة السوداء الى المرحلة ( الوردية ) ، لم تغير السلطة في الحقيقة إلاّ طبيعة اسلحتها . ان تاريخ المسدس الاوتوماتيكي كان قد ولى ، وظهر ان القنابل المسيلة للدموع اصلح لمواجهة الجموع الحاشدة قصد تفريقها او ارباكها .
يبدو ادريس البصري في علاقته بالسلطة كان كالعاشق الولهان المتيم بحبها ، يتصدر جميع المنابر ، وحين لا يكون في الواجهة عليك ان تفترض انه يحرك من هم فيها . ومن موقع السلطة ، يبدو خدوما ، مطيعا ، حركيا ، ضابطا لجميع الخيوط التي تربطه بها . والاهم في هذا الموقف انه لا يتكلم باسمه ، لأنه يراها ( اي السلطة ) وظيفة ، ويرى نفسه ( ادريس البصري ) آلة ، والآلة قد يسمع لها صوت ، ولكنها لا يمكن ان تتوقف عن الحركة والدوران إلاّ وفي علاقته بهذه السلطة يكون قد بنى حصنا واقعيا ، ورمزيا لم يسبق لأي وزير ان بناء في المغرب منذ بداية القرن العشرين ، مع استثناء واحد قد يكون هو الصدر الاعظم المقري .. و مع الفرق أن السلطة التي يعتمدها ادريس البصري كانت مُهابة يخشاها الكل ، وعاطفية يرضاها الكل ايضا . وهو بهذا المعنى مخيف وودود . لا يرفض طلبا ، ولكنه لا يقبل من الطلبات ايضا إلاّ ما يطلبه لتعزيز سلطته المعنوية والرمزية ، فهو كان ناجحا في الابتزاز السياسي حين يطيح بخصومه الذين يصبحون من اكبر مريديه .
ولهذا وجد فيه الساسة خصمهم ، فتعاركوا معه وجها لوجه ، دون ان يفقدوا هيبتهم ولا ان يفقد هو صرامته . ولكنه يبدو في الحوار دائما مطرقا لخصمه وكأنه يشعره بالتنازل له ، بينما هو في اشد حالاته انتباها يفكر في اسلوب السيطرة عليه . و لأول مرة اذا استثنينا تلك المراحل المضطربة من بداية الاستقلال التي كان فيها وزير الداخلية طرفا في الحركة الوطنية ( ادريس المحمدي ) ، يجد الساسة انفسهم امام رجل متفتح ، ينفذ ماله قدرة على تنفيذه في الحال ، ولا يرجئ إلاّ ما يتطلب الاستشارة او القرار الاعلى ، بل ولأول مرة يجد الساسة انفسهم امام وجه لا يرتدي اي قناع . وجه عروبي مألوف يقدر فيهم ما لهُمْ من تجربة ونضال وتاريخ ، فأصبحوا تدريجيا يقصدونه بدون بروتوكول كلما ارادوا التعبير عن ضيقهم منه وبه . فحق ان يوصف ادريس البصري هذا بالذات ، بأنه الرجل المرغوب والمرفوض . وحتى حين يرخي الساسة العنان لمناضليهم لكي يسبوه بالشعارات العنيفة في المهرجانات الحزبية ، او في التظاهرات العمالية ، او حتى في الصحافة اليومية ، فإنهم يدركون كما يدرك هو ، ان الخروج عن المألوف ، هو الذي يمنح اللعبة السياسية بين المحاور والمحاور ما تتطلبه من اقنعة .
والواقع ان ادريس البصري كرّس في الاذهان انه فوق الاحزاب ( لأنه رجل سلطة ضرورية ايضا ) . ومن هذه الزاوية فانك سوف تجد ان لكل حزب سياسي شخصا او اكثر ، يستطيع ان يتّصل به مباشرة ، لأنه بمثابة القناة الواصلة بين التذمر والقرار . كما تستطيع ان تجد ، ان لإدريس البصري قدرة عجيبة على الاتصال الفوري بمن يود الاتصال به من الساسة في اي وقت شاء . والحقيقة انه اذا كان من الواجب الحديث هنا عن اية ضرورة محتملة ، فهي الضرورة المتبادلة بين الاحزاب السياسية ووزارة الداخلية . وهي ضرورة تتحدى جميع الاعتبارات التنظيمية ، والأعراف البروتوكولية ، والتناقض السياسي ايضا .
البصري البوليسي اذن ابن العائلة السياسية في السلطة ، سيكون من الضروري ان نعرف بعد ذلك ، فيما إذا وصلت المعارضة الى السلطة ، هل يمكن لإدريس البصري ان يبقى في الحياد منها . إن تواجده الى جانب عبدالرحمان اليوسفي في حكومة انتقال كرسي الحكم من ملك الى آخر، يشهد ان البصري هو جزء من تلك المعارضة التي افرغت المعارضة الحقيقية ، من اي مشروع جاد للمعارضة ، وهو ما يفسر ان البصري كبوليسي احترافي ومن الطراز الممتاز ، يكون قد بنى مدرسة بوليسية مخابراتية ، لا تزال الى اليوم ترسم المشهد السياسي بما يٌثبّتْ للديمقراطية الخصوصية ، من الديمقراطية الحسنية × الى الديمقراطية المحمدية . لقد ذهب البصري الشخص ، لكن بقي البصري المشروع ، وبقي البصري المدرسة التي تضم أزلامه الذين تربوا فيها ، ولا زالوا يواصلون نفس النهج ، وبنفس الاساليب التي عفا عنها الزمن .
وبمعيار معين يمكن القول مع ذلك ، ان هذا الرجل لو لم يكن في السلطة ، لكان في المعارضة ، فهو الوزير الوحيد الذي قرر في لحظة تأمل ، ان يستوعب بعض أمانيها من غير ان يرى في ذلك اي تطاول عليه , وهو الوزير الوحيد الذي لا يتقن في علاقته بالمعارضة كتابات البيانات المضادة . اما بيانات الحقيقة فهو يرى فيها مضيعة كقول الحقيقة . ذلك ان اسلوبه المباشر هو، المباغتة ، والاتصال المباشر ، والمصارحة ، والقبول بالآخر طمعا في الاستئناس به او اليه . من يستطيع ان ينكر من الصحفيين ان ادريس البصري لو لم يكن موجودا على راس وزارة الداخلية ، لوجب اختراعه او ايجاده . فهو الذي حوّل هذا القطاع ولو نسبيا الى سلطة رمزية . وما ذاك إلاّ لأنه فهم بحنكته في ادارة البوليس ، ان التتبع والمراقبة ، والمنع ، والاستنطاق ، وممارسة بعض الوان التعذيب ان اقتضى الامر ذلك ، لم تعد تجدي كثيرا في الوصول الى الحقيقة المفترضة . هناك طرق اخرى ولم يكن يحتاج ذلك ، إلاّ الى شيء من الذكاء السلطوي . ولهذا مد ادريس البصري جميع الجسور الممكنة مع عالم الصحافة ، ولم يرفض يده إلاّ من رأى فيها اكثر من السلام الحار . ولهذا ايضا صار بمقدوره ان يصبح مع الوقت محررا اساسيا في جميع الصحف . ولم يكن علي يعته زبونه مخطئا عندما نعته ب " صديق الصحافيين " .
ولست ادري ان كان الالتباس آت من ان ادريس البصري ، كان يحرص ايضا على ممارسة مهامه الثانوية في وزارة الاعلام كرجل مهنة ، كان يتولاها احد مجرميه عبدالسلام الزيادي ، ويحب ان يظهر هنا وكأنه العارف بالمشهد الاعلامي بما فيه . ثم يجب ايضا ان يفهم الآخرون دائما انه ( استاذ جامعي ) قبل ان يكون شرطيا بحكم التكوين ، رغم ان مجموعة قوم هم من كتب وحرر له الدكتوراه التي ناقشها بقاعة مغلقة على ايدي زميله وصديقه الاستاذ روسييه بجامعة غرونوبل بفرنسا . لذا فوصوله الى الجامعة كان يثبت ان الشرطة خلافا لما يشاع عنها ، هي قادرة على تكوين دكاترة ، وإن كانوا مُزورين على شاكلة تزوير الانتخابات التي برع فيها .
ويمكن الافتراض بان ادريس البصري قد مر بمحن كثيرة ، اشقها على نفسه كانت منذ البداية ، محنته على راس وزارة الداخلية . وحين تسأل لماذا ؟ يقول لك العارفون : لأنها الوزارة التي ارادت ان تضع كل المجتمع في صندوق من زجاج ، لكي تراقبه باطمئنان وهدوء و دقة . ولكنها ما نجحت ، ولم يسبق ان نجحت باستمرار في وضع نفس الصندوق الزجاجي لإضفاء المصداقية على الانتخابات الجماعية والتشريعية .
فمن يصدق ان ادريس البصري الذي امتحن نفسه ومحن الجميع ، بأنه ليس وزيرا للداخلية ، ومن يكذبه إن ادعى يوما في ذلك بأنه يمارس الاعلام ايضا ؟ ثم الم يكن من الاجدر ان نركّب له مهنته بطريقة اخرى لكي نخشاه ونرتاح منه ؟ اي ، ان نقول عنه دفعة واحدة : انه وزير الداخلية والإعلام المُلم بالأحداث الجسام في اليقظة والمنام . ولمزيد من الايضاح يرجى العودة الى كتابه ( رجل السلطة ) . ففيه تعريفات اخرى تؤكد هذه المهنة .
قد يتساءل القارئ الكريم عن ما العلاقة بين العنوان وبين الموضوع وقد تركزت المقارنة بالأساس فقط بين الجنرال محمد افقير وبين البوليسي الاول في زمانه ادريس البصري ؟
ان الجواب من خلال الاخذ بعين الاعتبار بشخصية كل من افقير والبصري كأقدم واجبن وزير لا يتصرف إلاّ بأوامر سيده .
فهل يتوفر فؤاد الهمة الذي كان وزير الداخلية الحقيقي برتبة وزير منتدب ، على مناقب البصري ، وليس افقير التي تبقى مناقبه خاصة تعكس فترة زمنية عايشتها السنوات الاولى من استقلال ايكس ليبان الخياني .
من خلال المقارنة بين البصري وبين فؤاد الهمة الذي حاول تقليده والسير على خطاه رغم انه لعب الدور الاساس في تقزيمه وإبعاده ، فإننا نكون بمن يقصي على البصري ، لأن لا قياس مع وجود الفارق الكبير بينهما . ان ما ذكرناه من خصائص ومناقب عند البصري ، لا يتوفر عليها اطلاقا فؤاد الهمة لأسباب معروفة . لكن دعونا نجتهد ولنحاول العثور على شيء قد يشتركان فيه ، وشيء قد يختلفان فيه كذلك .
1 ) ان الظروف التي جاء فيها ادريس البصري الى وزارة الداخلية تختلف عن تلك الظروف التي جاء فيها فؤاد الهمة اليها . ان ادريس البصري جاء الى الوزارة بعد الوزير بنهيمة الذي جاء بعد افقير . والكل يتذكر الندوة الصحفية التي القاها بنهيمة بعد انقلاب افقير الفاشل ، حين اعتبر افقير ذكيا باغتنامه ضرب الطائرة الملكية في السماء ، وهو الوصف الخطأ الذي لم يتقبله الحسن الثاني اطلاقا ، ويكون بذلك البصري قد تلفق الاشارة ، ويكون بذلك قد سجل اول دخوله كفاتح لوزارة الداخلية التي تعتبر مفاتيح ابواب المخزن السميكة .
اما عن ظروف مجيء فؤاد الهمة ، فكان ان وجد البصري قد فرّش له البساط الاحمر ، لمّا اصبحت جميع الاحزاب تؤمن بالملكية بعد ان طلقت الجمهورية . ولا غرابة عندما تجد حزب اليسار الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، يناديان بملكية برلمانية بالتوافق مع القصر . ولا غرابة ان وجدنا حزب النهج الديمقراطي ينشد الدولة الديمقراطية ، وتحت اي عنوان ، ملكية برلمانية بالتوافق مع الشعب وليس مع القصر ، او نظام جمهوري ديمقراطي على الطريقة الاوربية . وهذا مع التنبيه الى ضعف النقابات وتراجعها في الساحة ، وتعويضها بالنضالات القطاعية ، مع الارتماء الكامل للقيادات البورصية في حضن المخزن ابتداء من( ا م ش ) – الى – ( ك د ش ) .
2 ) ان من وجه المقارنة كذلك ، ان البصري جاء الى الداخلية من قطاع البوليس ، فهو كان مفتشا ، وأصبح عميدا مكلفا بالاستعلامات العامة بمدينة الرباط ، اي جاء من القاعدة . بينما نجد ان قدوم فؤاد الهمة كان من اعلى ، او من القمة ، حيث تم اختياره في البداية ليدرس مع ولي العهد محمد السادس بالمعهد الملكي . وحيث صاحب البصري البوليس ، وكل القوات العمومية ، ودوائر الشرطة ، كان الهمة يتنقل بين ازقة القصر الملكي كتلميذ ، وكزميل وكصديق حميم لولي العهد الذي سيصبح ملكا فيما بعد .
3 ) وعندما اصبح ادريس البصري وزير للداخلية ، انطلقت المسيرة الخضراء نحو الصحراء ، فخبر غمارها وفشل . اما الهمة فقد وجد ان الامم المتحدة من مجلس الامن ، الى الجمعية العامة ، الى الاتحاد الاوربي ، الى البرلمان الاوربي ، الى محكمة العدل الاوربية ، الى الاتحاد الافريقي ، الى كل العالم يتشبثون بحل الاستفتاء وتقرير المصير ، ويعترفون بجبهة البوليساريو كممثل شرعي ووحيد لشعب الصحراء الغربية ، وهناك اكثر من 39 دولة تعترف بالجمهورية الصحراوية التي اضحت عضوا كامل العضوية بالاتحاد الافريقي ، وخروج المغرب من هذا الاتحاد الذي كان قد ساهم في بناءه الى جانب الرؤساء الافارقة التاريخيين .
4 ) كذلك لا ننسى ان ادريس البصري كوزير دولة في الداخلية عاصر حرب الصحراء في كل اطوارها . اما الهمة فهو عاصر مرحلة اللّاحرب واللاّسلم منذ التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار ، وتحت اشراف الامم المتحدة في سنة 1991 . وهو الاتفاق الذي اضحى اليوم مهددا بسبب عجز الامم المتحدة عن تطبيق بنود ومضمون الاتفاق ، وبسبب عجزها في تطبيق قراراتها المتواصلة بخصوص نزاع الصحراء الغربية .
5 ) عندما كان ادريس البصري وزيرا للداخلية حصلت جريمة فندق اسني ، وهو لم ينتظر طويلا حين وجه اصبع الاتهام الى الجزائر ، وفرض التأشيرة على الجزائريين ، فردت الجزائر على قرار فرض التأشيرة بأكثر منها ، حين اغلقت الحدود نهائيا مع المغرب / والتي يتوسل النظام المخزني اليوم اعادة فتحها باحر من الجمر .
اما عندما كان فؤاد الهمة وزيرا منتدبا في الداخلية حصلت تفجيرات الدارالبيضاء ، وبعده حصلت تفجيرات مدريد . وبخلاف ادريس البصري الذي اتهم الجزائر ، حصر فريق الهمة البحث في المنفذين الأكباش ، وأهمل المشرفين والمخططين والموجهين ، وهو ما سبق لعبدالاله بنكيران ان طالب من اجله من الملك بإعادة فتح التحقيق ، وسماه ادريس البصري من منفاه بباريس " مغربية مغربية " اي اولئك الذين نعتهم بالتماسيح والعفاريت .
6 ) بخلاف سجن تزمامارت الرهيب الذي كان تحت مسؤولية الادارة العامة للدراسات والمستندات ( الجنرال احمد الدليمي ) والدرك الملكي من خلال ( حميدو لعنيكري والكلونيل فضول ) ، فان جميع السجون السرية كانت تحت اشراف المديرية العامة للشؤون الداخلية بوزارة الداخلية ، ومديرية مراقبة التراب الوطني ، والقوات المساعدة والأمن الوطني : اما فؤاد الهمة ومن معه فهم مسئولون عن جميع الفظائع والجرائم ضد حقوق الانسان التي حصلت بغرف التعذيب ، وبالسجون قبل وبعد تفجيرات الدرالبيضاء . حيث استقبلت السجون في ظرف قياسي اكثر من 7000 ضحية خضعت لاستنطاق رهيب لم تعرف الانسانية مثيله في التاريخ .
7 ) عندما كان الجلاد ادريس البصري على رأس وزارة الداخلية بعث بأحد مجرميه وهو ينتمي الى الادارة العامة للأمن الوطني لاغتيال المتطرف الاسلاموي عبدالعزيز النعماني ، فتم تنفيذ العملية بتغطية ادارة الاستعلامات العامة الفرنسية ، وليس بتغطية مديرية مراقبة التراب الفرنسية ، والاغتيال حصل على متن القطار الرابط فلانس وباريس ليلا .
اما عندما كان فؤاد الهمة وزيرا منتدبا في الداخلية ، جرى اغتيال هشام المنظري برصاصة في الرأس . ومثلما استفادت عملية اغتيال النعماني من الغطاء البوليسي الفرنسي ، استفادت عملية اغتيال المنظري من تغطية بوليس رئيس الوزراء الاسباني زباطيرو حين سجل الدعوى ضد مجهول ، رغم انه كان يعرف القاتل الحقيقي .
وكيفما كان الحال ، فإدريس البصري الذي عرف بالبوليسي الاول ، والمخبر الاول ، والجلاد الاول ، والمستبد الاول ، بنى مدرسة من الطراز البوليسي المخابراتي الرفيع ، وهي لا تزال الى الآن تفعل فعلتها في كل المجالات ، وإن اصبحت اليوم رديئة بفعل رداءة من ورثها ، وهو الرديء الاول فؤاد الهمة الذي لا يتورع في الاعتداء على الناس ظلما الى جانب مربعه البوليسي المجرم .
لقد نجح البصري كأول بوليسي ، وأول جلاد بفضل احتكاكه مع عصابة من المجرمين القتلة من امثال الاخوان محمد وعبدالحق العشعاشي ، عبدالسلام الزيادي ، حفيظ بنهاشم ، حسين بنحربيط ، عبدالعزيز علابوش ، حسين جميل ، حميد البخاري ..؟ لخ ، في حين فشل الهمة فشلا ذريعا في المهام التي انتدب اليها ، بسبب احتكاكه بمجرمين رديئين وسخين وجبناء من امثال الرديء الجبان والخسيس المدعو الشرقي ضريس الذي عينه عاملا ثم واليا ، ثم مديرا عاما للأمن الوطني ، وأخيرا وزيرا منتدبا في وزارة الداخلية . اضافة الى المجرم الوالي السابق بمديرية مراقبة التراب الوطني ، والوالي الحالي ومستشار المدعو الشرقي ضريس في الشؤون الخسيسة والنذلة المدعو نوالدين بن ابراهيم . اضافة كذلك الى الجلاد المجرم المعتدي الآثم المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني ، الى الجزار الجنرال حميدو لعنيكري الذي انقلبوا عليهم بصناعة مقالب شيطانية غاية في المكر والخبث .
ورغم فشل فؤد الهمة في جميع الملفات التي اوكلت له ، ورغم رفع صوره اثناء مسيرات حركة 20 فبراير، والمطالبة بإبعاده ومحاسبته ، عيّنه الملك مستشاره السياسي والأمني ، ليس بفضل تكوينه وتخصصه ، بل عينه لأنه زميله وصديقه .
الآن رغم ان فؤاد الهمة يسيطر على وزارة الداخلية من خلال مستشاره المدعو الشرقي ضريس ، ويسيطر على كل الاجهزة الامنية والمخابراتية من خلال الجلاد المدعو عبداللطيف الحموشي ، ويسيطر على المفتشية العامة للقوات المساعدة ، وعلى المفتشية العامة للوقاية المدنية ، ويسيطر على الجيش من خلال الجنرال العجوز عروب ، فان مقارنة الهمة الفاشل بالبصري البوليسي الذي مارس البوليسية في طرازها الرفيع ، تبقى مقارنة غير مقبولة بسبب انعدام عناصر المقارنة و لأنه إذا قارنا بين العصا والسيف نكون بمن يقلل من قيمة السيف .
فأمام كل هذه الدسائس والجرائم المرتكبة في حق الوطن وفي حق الناس ، من قبل اشخاص همهم السيطرة والبطش ، والاعتداء ، والنهم ، والنهب ، الم يحن الوقت لهذا الشعب ان ينتفض لإزالة غبار الحكرة عن اكتافه .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مملكة السويد تقرر عدم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية -- حين ي ...
- شيء من الدراما : الأبسينية دون كيتشوتية مُتطورة لحل ازمة الث ...
- الدولة البوليسية : ان الشكل الاكثر بشاعة للقهر هو استغلال اج ...
- المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليساريو
- تحليل : في استحالة ثورة شعب مخزني اكثر من المخزن
- فشل القصر الملكي في تدبير ملف الصحراء
- محكمة العدل الاوربية تلغي الاتفاق التجاري حول المواد الفلاحي ...
- فشل زيارة المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة السيد كر ...
- الى الجلاد المجرم الجبان المدعو عبداللطيف الحموشي المدير الع ...
- تهديد البوليساريو بالعودة الى الحرب
- بين رسالة بانكيمون وخطاب العيون ورقة حمراء في وجه الملك
- المنع من مغادرة التراب الوطني او اغلاق الحدود
- من اغتال الشهيد المهدي بن بركة
- إمّا جمهورية تندوف ، وإمّا الاستفتاء وتقرير المصير
- تداعيات اعتراف مملكة السويد ب - الجمهورية الصحراوية -
- محاكمة البيضاء
- اسباب التطرف ودواعيه
- تحليل للنظام السياسي المغربي
- أي صراع نخوض ؟
- حملة تضامن دولية مع الصحفي المغربي علي لمرابط المضرب عن الطع ...


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - لو لم يكن ادريس البصري وزيرا للداخلية لكان في المعارضة -- من الجنرال محمد افقير الى ادريس البصري الى مستشار الملك فؤاد الهمة