أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - الروح في عالم الزبالة














المزيد.....

الروح في عالم الزبالة


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 02:25
المحور: الادب والفن
    


من أين لك ان تبني تصورات انطلاقا من عالم الزبالة؟ في الحقيقة اصبحت الزبالة ذات عنوان سياسي بارز منذ خرج اللبنانيون متظاهرين في حركة احتجاجية ضد اكوام الزبالة التي اكتسحت بيروت درة الشرق الاوسط في الستينات. الشرق الاوسط كله غارق في الزبالة اليوم.
قبل تظاهرات لبنان بسنوات. منذ سنة 2008 التي تكـتسي بدورها بعنوان سياسي بارز في تونس النوفمبرية حينها لما خرجت مظاهرات احتجاجية عارمة في مدينة قفصه، و لكن الموضوع كان حول الظلم في التـشغيل بشركة فسفاط قفصه. كانت معارك حامية ضد بوليس بن علي. بن علي الذي تفاوضت حكومته ساعتها مع النقابيـين اللذين قادوا الحركة الاحتجاجية و ابرزهم القيادي "عدنان بالحاج"، الذي اصبح اليوم عضوا في برلمان تونس الحرية في انـتخابات حقيقية،ثم زج بهم في السجون اثر محاكمة زائفة تحاكي زيف السلطة برمتها في كل شيء، حتى ان الحلاقة اصبحت سيدة تونس الاولى و صنعت لها دكتوراه، و كيف لا وقد طبعت النظام السياسي بمبدأ التجميل الظاهري لأقبح الوان البشرة البشرية الانتهازية المافيوزية الحقيرة.
ساعتها رضيت بالعمل في مصبات الزبالة التابعة لوزارة البيئة في اطار شركة لتجميع و تحويل النفايات المنزلية، و مازلت الى اليوم. ساعتها كنت اخرج من مكتبي لأتابع حركة تستهويني و هي رفع الرافعة للناقـلة و صبها للزبالة في الحاوية المعدة لذلك. ساعتها و كل يوم يتملكني تصور يثلج صدري و هو ان هؤلاء العمال البسطاء الطيـبين اللذي ينظفون البلد من الزبالة ستصب شاحناتهم ذات يوم زبالة السلطة الجاثمة على الصدور. السلطة التي بقيت مندهـشا من تركها لي اشتغل في شركة تابعة لإحدى وزاراتها و انا المدرج ضمن المغضوب عليهم باعتباري معارضا و مشاغبا قديما لم يقدم صكوك التوبة من كهنة السلطة. المهم كان عزائي اني أشتغل اخيرا في مكتب و امامي جهاز حاسوب و لي من الوقت الكافي لأطالع الكتاب الذي احمله معي، و هي عادة لازالت متواصلة معي الى اليوم. كان لي عزاء آخر و هو احد زملائي في العمل و هو سائق احدى شاحنات الشركة الناقلة لحاويات النفايات، و هو معز البحري الذي اصبح رئيسا لنقابتـنا في الشركة التي تأسست بعد الثورة. كان معز ينقـلني الى العمل و يرجعني في المساء الى منطقـتي. يوميا كانت تدور بيننا نقاشات سياسية. الرجل كان يسب و يلعن النفايات التي تحكم في البلد، و كان لي متـنفـسا في تبيئة نفسي مع عالم النفايات.
منذ سنة 2010 الى اليوم انـتـقلت الى خطة متـنـقـل بين مراكز التحويل الاربعة و مكنتـني الشركة من دراجة نارية. تلك المسافات الطويلة التي اقطعها في الشتاء كانت حزينة و لكن لم يطل الامر كثيرا حتى تحولت البلاد الى نار تـتسع دائرتها في كامل البلد. بعد تاريخ 06 جانفي 2011 حيث قـتل البوليس ستة افراد في منطقة الرقاب من سيدي بوزيد تيقـنت انها ثورة حقيقية ستطيح بالنظام. بما اني لا أثـق إلا في معز البحري فاني صارحته ساعتها بأنها ثورة و بأن زين العابدين سيسقط، إلا انه انكر علي هذا الرأي و قال انه شعب جبان. قلت ان الجبن و الشجاعة متحركان و ليس ثابتين ثم ان التونسي ليس بجبان و انما يميل الى السلام. اما الآن فهناك دماء قد سالت و مستحيل ان يركن الشعب. حين تصل الامور الى صفاقس ثم تونس سيتهاوى النظام. مادام اليوم ضعيف و يلتجئ الى القـتل فماذا سيصنع مع انـتـفاضة صفاقس و تونس؟..
و اليوم، بعد لقاءاتـنا المتعددة عبر التصورات الذهنية، فانه اصبح من الاكيد ان نجزم بان قيمة الانسان في خلقه عالما ذاتيا في الوعي و الروح اكثر شساعة بآلاف الاميال من محيط عـيشه المباشر. فأنا اتمثل نفسي قابعا في مكتبي بكتابي الذي امامي كعنوان استـثـنائي يجذب عمال النفايات العينية و سائقي شاحنات الزبالة و يخلق لهم اعتزازا بمهنتهم برغم تورط المجتمع في النظرة الاحتـقارية لهذه المهنة. صرح لي بعضهم بالقول انهم حين يلتـقون بأكوام الزبالة التي تملأ الشوارع اليوم فإنهم يتذكرون المفكر القابع في مكتبه بمصب الزبالة فيشعرون بأنهم اسياد البلاد. البلاد التي ثارت فيها الزبالة ففاضت على جميع الأمكنة. الثورة التي كان عنوانها الرئيسي تطهير البلد من زبالة سلطوية غرقت جل شوارعها اليوم في الزبالة. الثورة رفعت الغطاء الذي كان يغفر جميع قذارات المجتمع و اليوم الجميع امام قذاراته التي يرمي بها بلا خجل في الشوارع.
ففي الاسبوع الفارط دخل الى مكتبي "بن عبدالله" في مصب طينه و هو سائق شاحنة بلدية، و لنا نـقاشات سياسية عديدة بعد الثورة حيث اطال لحيته و يدافع عن حركة النهضة، و كان يحلو له النقاش معي برغم هجوماتي على حركة النهضة، و كان قد اعترف ذات مرة انه حين يفكر بعقـله فانه يدرك ان مصلحته تـقـتضي اختيار الجبهة الشعبية و لكن قـلبه مع النهضة. المهم اني لا انزعج من اي رأي بل هو صديقي بما انه يناقـش و يفكر. في الاسبوع الفارط جذبه كتابي الجديد الموضوع على مكتبي لسبب باراسيكولوجي. مسك الكتاب و سأل عما يتحدث، فـقـلت انه يتحدث عن اعـظم فيلسوف و هو "هيغل". سألني ماذا يقول في الدين فجذبت الكراس التي أسجل فيها بعض المقـتطفات مما أقرا و قرأت له هذه الفقرة:
" حين نتحدث عن حب الله، فإننا لا نتصور الله على انه مجرد موضوع يمكننا ان نتعلق به، بل نحن نتصوره على انه مبدأ الحركة التي تـشيع فينا، و أصل الفعل الذي يصدر عنا، و ان كان الله في ذاته مغايرا لنا."
يعني اننا في حب الله نحب انفسنا و نحب انفسنا في حبنا للاه، و لكنه الحب الذي يتجه الى السمو اي حب اسمى ما فينا و توق الى كمالنا..
يبدو انه لم يفهمني جيدا و لكنه ادرك ان اليساريـين او المثـقـفين و المتـفـلسفين يؤمنون بالله كذلك و لكن بطريقـتهم التي هي نتاج الثـقافة و الفكر. ادرك ان الفارق في القراءة و الثـقافة. سألني عن دراستي الجامعية فأخبرته اني دارس في الحقوق. تسائل عن سر اشتغالي في هذا العمل فقـلت له:
ـ نحن اليساريـين مغضوب علينا قبل الثورة و بعدها.
فقال:
ـ قبل الثورة الزين و بعد الثورة النهضة.
ابتسمت و تخيلت ان اليسار بدأ يدخل الى قلبه مثلما دخل الى عـقله..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقضاء السنة الداعشية
- تموت الحرية حين لا تقرع اجراسها باستمرار.
- ما أنا إلا أبي
- الجمالي السياسي التونسي
- من رعود -شكري بالعيد- الى سيدني
- بين الدائرة الجهنمية و المائية عالميا و عربيا
- القيامة السعودية
- برامجنا تعليمية ام تجهيلية
- لمن تبكي سيدي الرئيس؟
- في مواجهة اوكار الارهاب الممتدة
- اسقاط المقاتلة الروسية في تونس
- ما وراء احداث باريس
- عمال صفاقس يؤكدون الثورة
- اتحد يا يسار العالم
- الاحتمال المفقود في هجمات باريس
- - حمه الهمامي- ، الزعيم النبيل
- اللحظات الحتفية على عتبات المطلق
- العنف و العاطفية
- بؤس الغد على وجوه الأطفال
- ورطة اسرائيل


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - الروح في عالم الزبالة