أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - مازن كم الماز - عن عبد الناصر , حوار مع سلامة كيلة و جوزيف سماحة















المزيد.....


عن عبد الناصر , حوار مع سلامة كيلة و جوزيف سماحة


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 4942 - 2015 / 10 / 1 - 19:20
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


قبل أسابيع كتب الرفيق سلامة كيلة عن عبد الناصر و قبل أيام أعادت طريق اليسار , الناطقة بلسان تجمع اليسار الماركسي السوري , نشر تحليل للراحل جوزيف سماحة يتناول عرفات و عبد الناصر , هذه السطور هي محاولة لمناقشة المقالين المذكورين

المشكلة في تحليل جوزيف سماحة للعلاقة بين عرفات و اليسار الجديد و عبد الناصر هي محاولته , من منطق يساري قومي , الدفاع عن ديكتاتورية عبد الناصر و اتهام تجربة اليسار الجديد في الستينيات من خلال نقد علاقته بالمقاومة الفلسطينية و عرفات و عبد الناصر .. تزداد المشكلة عمليا لدرجة أن تختفي تقريبا لأن اليسار الجديد ( الذي يعود لعقدي الستينيات و السبعينيات ) ليس له أي أصدقاء اليوم , حتى من كانوا محسوبين عليه يومها انقلبوا على تجربتهم أو استقالوا من تحرريتهم و تبقرطوا أو أصبحوا سلطويين , أفضلهم أو أكثرهم صدقا صمت أو تحول ثوريا أصوليا متفقها في الفقه الماركسي لأحد الكنائس أو الفرق الماركسية العديدة المتخاصمة و التي يكفر بعضها بعضا .. نقد نقد سماحة لليسار الجديد هي محاولة لإحيائه ثم تجاوزه , في هذه الأيام بالذات , بهدف الربط بين تجربة اليسار الجديد و نقده لنظام عبد الناصر و أشباهه و منتجاته الأخيرة ( السيسي , الأسد الابن , الخ ) و بين تجربة الجماهير في ثورات الربيع العربي , في السعي لإنتاج فكر تحرري محلي و التأسيس لتجارب تحررية جماهيرية مستقلة مستقبلية خارج إطار مشاريع الهيمنة السلطوية المختلفة , و أيضا نقد "الحلول" السلطوية التي تشبه مشروع عبد الناصر سواء على صعيد الخطاب أو المنظومة الفكرية أو السياسية

يتجاهل سماحة تماما أن هزيمة 67 لم تكن نتيجة قرار دولي , كانت بالأساس , كما رأى اليسار الجديد يومها عن حق كما أعتقد , نتيجة أزمة النظام الناصري نفسه .. و يصر سماحة على اعتبار عبد الناصر المركز الفعلي "لحركة التحرر الوطني العربية" ( دون أن يسميها ) حتى بعد الهزيمة , و دون أن يحدد كيف يمكن لنظام مأزوم لدرجة الهزيمة شبه الماحقة من أن يقلب هزيمته إلى انتصار أو حتى أن يستمر بالمقاومة , إن كان هذا ما يهدف إليه هذا النظام أساسا ... و هذا أيضا تبرئة لعبد الناصر من أفعال شريكه و نائبه و وريثه السادات , وصولا إلى مبارك و السيسي , من حقيقة أن هؤلاء لم يكونوا إلا رؤوساء لنفس النظام الناصري بكل أدواته و آلياته و أن أي تغيير قاموا به في السياسة الداخلية أو الخارجية كان هدفه تحقيق مصالح نفس الطبقة التي أنتجها مشروع عبد الناصر بشكل أفضل من سابقيه , كانت تلك اجتهادات مختلفة داخل نفس الطبقة الحاكمة لتحقيق أفضل لمصالحها .. خروتشوف و بريجنيف , يلتسين ثم بوتين ليسوا إلا أبناء نفس البيروقراطية التي أسس ستالين عظمتها و مجدها بالحديد و النار , أما أي تغيير في شكل هيمنتها على المجتمع فقد فرضته الظروف الآنية على أولئك القادة , أو اجتهاداتهم أو "مواهبهم" الشخصية الخ ... ربما أيضا غير صحيح ما قاله سماحة من أن هجوم اليمين العربي على الناصرية قد ازداد بعد هزيمة 67 , بعد الهزيمة - النكسة , كان "تصالح" يمين الزعماء العرب مع "اليسار الناصري" تعبيرا عن تغيير عميق في سياسة النظام الناصري نفسه سيبلغ ذروته فيما بعد مع السادات .. كما أن سماحة يتجاهل أن اليسار الجديد انتقد كلا من عبد الناصر و اليمين العربي بنفس الدرجة .. مثل هذه الإدانة ليست جديدة , لقد خبرتها أجيال من الثوريين طوال الحرب الباردة و بين الحربين العالميتين أيضا .. أصل هذه الإدانة لنقد اليسار الجديد لعبد الناصر هو الزعم الذي روج له الستالينيون أو المكارثيون طوال الحرب الباردة , و حتى اليوم بعد تغيير تسمية المعسكرين المتنافسين , عن استحالة وجود تيار تحرري مستقل خارج الطرفين السلطويين أو الشموليين المتحاربين .. يومها اختار الكثير من الاشتراكيين التحرريين , بمن فيهم الأناركيون طبعا , و حتى الفلاسفة أو الكتاب الإنسانيين أن يناضلوا ضد كلا النظامين الشموليين , و فعلتها الجماهير أيضا , سواء في برلين 53 أو هنغاريا 56 أو باريس أو براغ أو شيكاغو 68 الخ ... الخلاف الأساسي مع تحليل سماحة هو في أحكام مثل : "أن عبد الناصر كان , بعد الهزيمة , الزعيم العربي الأكثر وزنا .. ذلك لأن الجماهير العربية ... لم تضع البوصلة بعد و استمرت تدرك أن الرجل لم يقل كلمته بعد" .. "الزعيم" , "زعيم بإرادة الجماهير" , هذه هي حدود المتاح للجماهير في تحليل سماحة : أن تصفق للزعيم , هذا هو تقسيم العمل الذي يفترضه سماحة كبديهية : الزعيم يفعل , يخطب غالبا إذا أخذنا عبد الناصر بالذات , و على الجماهير أن تصفق , تعمل , تموت , دائما بصمت .. أما عن عبد الناصر الذي لم يقل كلمته , الحقيقة أن عبد الناصر قد قال كلمته بالفعل , قالها في اغتيال فرج الله الحلو و شهدي عطية الشافعي و إعدام خميس و البقري و حتى سيد قطب إذا شئتم , في معسكرات التعذيب حتى الموت في الصحراء و السجن الحربي , في إعلام التطبيل و التزمير : إعلام الدربكة ( حسب باسم يوسف ) , في بناء بيروقراطية حاكمة عسكرية أمنية تحكمت بكل شاردة و واردة في البلاد , في موت آلاف الفلاحين الفقراء دون أن يتمكنوا من إطلاق رصاصة واحدة في صحراء سيناء , و موت إخوة لهم دون أي معنى في جبال اليمن البعيدة .. بالنسبة لسماحة تشكل هذه الدماء تضحية ضرورية , أو عرضا جانبيا , لا يكفي أو لا يصلح للحكم على الزعيم , لمحاكمته و لا حتى لانتقاده ..

نقطة الجدال الأساسية مع دفاع الرفيق سلامة عن عبد الناصر , عن ديكتاتوريته بالتحديد , هو ربط الدفاع عن الحرية و نقد الديكتاتورية بالفكر الليبرالي حصرا , و إنكار أن يكون من الممكن الدفاع عن الحريات و انتقاد الديكتاتوريات و مقاومتها إلا من موقف ليبرالي , ديمقراطي برجوازي فقط .. الحديث عن غياب بديل ديمقراطي أو عن وجود بديل ديمقراطي وحيد , ليبرالي , برجوازي أو متبرجز , مرتبط فقط بالقصر و المندوب السامي ليس إلا استمرار لتلك الفكرة .. الديكتاتورية ضرورية , بل الضرورة الوحيدة أمام الناس , عندما يكون هؤلاء الناس جهلة و مهمشين , هذا الذي قاله الرفيق سلامة إن لم اكن مخطئا .. مرة أخرى المشكلة الأساسية مع تحليل الرفيق سلامة و سماحة لعبد الناصر هي المكانة التي تعطى للجماهير و حريتها في مشاريع يفترض أنها تمثل الجماهير و تقول أنها تسعى لتحقيق حريتهم .. عندما يكون القمع أو الديكتاتورية , عسف أجهزة الأمن , السلطة المطلقة أو شبه المطلقة لطبقة بيروقراطية تنصب نفسها بديلا عن الناس , الوطن , الأمة , الطبقة , قابلا للتبرير أو أن يعتبر جزءا ضروريا من البديل "الحقيقي" "التقدمي" عن أنظمة استغلال أكثر تقليدية أو ليبرالية , فهذا يستحق وقفة كما أعتقد ..

لا اعتقد أن أية سلطة تتجاوز في اهتمامها بمن تحكمهم , حدود الضروري لتبقي هؤلاء المحكومين خاضعين لها .. أية سلطة تدور حول نفسها فقط , و كلما امتلكت أدوات قمع أكثر , و جهاز بروباغاندا أو كذب أكثر فعالية , و كلما ضعفت مقاومة محكوميها لها , ستتصرف بصلف و استهتار أكبر بمن تحكمهم , هنا لا تلعب الإيديولوجيات أكثر من وظيفة البروباغاندا , فعلاقة أية سلطة بمحكوميها لا تتحدد بإيديولوجية تلك السلطة بقدر ما يحددها الشكل الفعلي لتلك العلاقة .. هذا لا يعني أبدا أن السلطة التي تستخدم صناديق الاقتراع كوسيلة إخضاع و هيمنة هي أفضل بالضرورة , لكن هذا يعني بكل تأكيد أن السلطة التي تقمع الجماهير , و لو باسم الجماهير نفسها , ليست إلا نظاما استغلاليا قمعيا هرميا لا يشكل بأي حال أية خطوة تقدمية نحو تحرر الناس الفعلي من اي استغلال أو اضطهاد

أيضا فإن أي نظام أو سلطة تقدم من الخدمات او "المنافع" لمحكوميها بالقدر الذي تحتاجه هي لا هم , بالقدر المفيد لها هي بالذات , لهذا مثلا طورت البرجوازية منظومة التعليم العام مع صعود سلطتها , مع الإبقاء على شكل التعليم الذي يناسب حاجة البرجوازية الحاكمة لا هدف تحرر الجماهير ..

أعتقد أن عبد الناصر لم يفعل أكثر مما كان ضروريا لكي "يحرر" المصريين الفقراء من سلطة القصر السابقة و يبقيهم بنفس الوقت بكل دقة تحت سلطة نظامه و طبقته الحاكمة .. لم يكن مستعدا ليقدم لهم أكثر من ذلك , بل كان على استعداد , و فعل ذلك بالفعل , ليقف بكل أجهزة دولته القمعية في وجه اي صعود حقيقي للجماهير أو أي فعل مستقل عن أجهزته البيروقراطية - الأمنية

أيضا لا الحاكم , و لا أي نخبة ما , بل الناس أنفسهم هم من يدركون بالفعل مصالحهم المباشرة و هم المؤتمنون الوحيدون على هذه المصالح

و لا توجد اية حلول اقتصادية جدية و لا حقيقية للفقر أو البطالة مثلا خارج ما يمكن للناس أن يبتكروه أو أن يقرروه بأنفسهم مباشرة , "الحلول" التي يقدمها اي نظام هنا لا تتجاوز مصالحه المباشرة و الحد الضروري لبقائه و استمراره

إن أفضل الاقتصاديين الذي عرفتهم , على الإطلاق , هم الفقراء أنفسهم , ذاك الذي يستطيع أن "يتدبر أموره" بملاليم أو قروش زهيدة , لا يمكن لأي عقل أن يصدق أنها تكفي لإطعام إنسان أو عائلة لشهر أو حتى لأسبوع ... بعد أن قاسمت الفقراء , مضطرا لا مختارا , لقمة خبزهم المرة , يمكنني أن أتحدى أي اقتصادي على وجه الأرض , كان أو سيكون , مستخدما أية نظرية اقتصادية يريد , أن يحاول فقط البقاء على قيد الحياة براتب موظف عادي في أي بلد عربي أو براتب عامل غير ماهر في أي من بلدان العالم الثالث .. كطبيب , كنت أراهم على أبواب المستشفيات يحاربون من أجل حياة من يحبون , يبيعون كل ما يملكون فقط كي يموت أحبتهم بكرامة , بينما الجميع "ينصحهم" و ينتقدهم دون أن يكلف أحد نفسه ليقدم لهم حتى أي مبلغ تافه من المال , و عندما يجوعون أيضا يكتفي الجميع بمراقبتهم , بشفقة أحيانا و بلامبالاة غالبا , أذكر ذات مرة أبا فقيرا ( و ما أكثرهم ) "قرر" أن يخرج طفلته الرضيعة على مسؤوليته من المستشفى لأنه لم يعد قادرا على دفع تكاليف علاجها , كانت تحتضر , كان احتضارها بالنسبة للمستشفى يعني أرباحا , لكن من دون النقود لن تحصل الصغيرة على أي علاج في هذا المستشفى "الكبير" , المستشفى وجد ليخلق ربحا لأصحابه لا ليعالج المرضى , هكذا هي الدولة أيضا , أية دولة , و بالأخص دولة عبد الناصر .. السلطة , أية سلطة لا تطعم الفقراء , لأنها لا تكترث بالفقراء , إنها تكترث فقط بسادتها و حراسهم , في الحقيقة لا يحتاج الفقراء إلى أية سلطة أو نظام كي يعيشوا , هذه الأنظمة لا تطعمهم , لا أحد يساعدهم عندما يجوعوا أو يطردوا من أعمالهم أو من بيوتهم , الفقراء دائما خارج اي نظام , العكس هو الصحيح : الفقراء , العمال , الفلاحون : هم من يطعمون من يجلس على عرش السلطة , و إن حدث و قررت سلطة ما أن تطعم الفقراء ( كما فعل ستالين و ماو و عبد الناصر من قبل , و عدا عن أنها مقابل كل جائع تطعمه ستجوع أو ستقتل الآلاف , يكفي أن نذكر المجازر الرهيبة بحق ملايين الفلاحين في روسيا الستالينية و الصين الماوية تحت اسم "تحويل الريف إلى الاشتراكية" أو "القفزة الكبرى إلى الأمام" ) فإنها تفعل ذلك فقط لأن ذلك مربح لها , تماما كما كان جوعهم و موتهم و مرضهم مربحا من قبل لسادة آخرين , إنها "تطعمهم" مما ينتجون و يزرعون لأنها تريد أن تحتفظ لنفسها بموقع السلطة , موقع "تحديد" من يعمل و من يزرع و من يأكل و من يملك مفاتيح السجن الذي يجب على الجميع أن يعيشوا فيه بلا استثناء , يصبح الطعام و التجويع بيد هذه السلطة سلاحا اجتماعيا , أخطر سلاح اجتماعي , لفرض الرضوخ و السمع و الطاعة على الجميع , تجوع السلطة من يخرج عليها و "تطعم" من يرضخ لهيمنتها مما يزرعه هو نفسه , لا تملك هذه السلطة حلولا , لا مبادرات و لا خطط و لا إيديولوجيا و لا أي شيء : ما تملكه في الواقع ليس إلا السلاح الذي يمكنها بواسطته أن تنتزع منه ما يزرعه و أي شيء يملكه حتى حياته إذا فكر بمقاومتها , هذا هو السلاح الحقيقي , الوحيد , بيد أية سلطة , كل سلطة .. و مثل هذه السلطة لا تحتفظ لنفسها , لحراسها و كنهتها و زعمائها , بما يكفي من تعب و شقاء محكوميها ليأكل سادتها حتى التخمة فقط , بل ما يكفي أيضا لتشغيل أبواق النفاق و التطبيل و التمجيد للزعيم و النظام , و أيضا لبناء مجد الزعيم و النظام في معارك الموت المليونية التي يروح الفقراء ضحيتها من أجل مجد السادة .. ليس فساد عبد الناصر و ديكتاتوريته صدفة , و لا عرضا جانبيا خبيثا أو حميدا , و لا مرضا خاصا بالرجل , إنه جوهر النظام الذي صنعه .. إذا كان المطلوب القضاء على الجهل فإن تطور هذه الأنظمة ( الناصرية : الستالينية الشرقية ) قد انتهى إلى تعميم الجهل من جديد و حول التعليم مرة أخرى إلى ميزة اجتماعية خاصة بأبناء الطبقة الحاكمة و بعض المتنفعين , إذا كان الهدف منع التهميش فلا أفهم الفرق الحقيقي بين تهميش الفلاحين على يد إقطاعي شركسي أو تركي أو قاهري أو على يد ضابط من ميت غمر مثلا .. و إذا كان المطلوب إنهاء الاستعمار مثلا كما يقول سماحة في مقاله , فإن داعش أيضا "حررت" سوريا و العراق من سيطرة القوى الكولونيالية , أفغانستان طالبان و المزرعة الكورية العائلية لكيم إيل سونغ و أولاده هي أيضا "حرة" من الاستعمار .. في ظروف العولمة السائدة , يمكن لأمثال كاسترو و تشافيز فقط أن يساوموا و يلعبوا بين القوى المهيمنة , تماما كما فعل عبد الناصر و البعث في أيام "عزه" المشؤومة , ببساطة لأنهم لا يؤمنون بنضال الجماهير العفوي , ليس فقط لأنهم لينينيون , كل السلطويين من أي مذهب سياسي أو فكري كان لا يؤمنون بنضال الجماهير العفوي و يصرون على أن تكون الجماهير دائما تحت وصاية أحدهم , وصايتهم هم بالذات , أن تبقى هذه الجماهير مقموعة مهمشة فقط , و في ظل حكم قوى تدعي الثورة و التغيير , تصبح أية مقاومة من الجماهير لهذه الهيمنة أو اية محاولة للعيش بحرية أو لانتزاع شيء مما تنتجه من أيدي السادة , تصبح مبررا لارتكاب أبشع المجازر , كما شاهدنا في روسيا الستالينية و صين الثورة الثقافية و كمبوديا بول بوت , لا يختلفون بشيء عن أي طاغية أو مستغل أو مستبد آخر , جميعهم يكفر الهراطقة , جميعهم يكفر أي حالم بالحرية , يسميه طوباويا أو عميلا أو مجنونا , جميعهم يخير الناس بين "جنة" الخضوع لهم و بين "جحيم" معسكرات الغولاغ و أقبية قاسم و عبد الناصر و السراج و الأسد الأب أو الابن أو داعش .. أما القوى الصاعدة اليوم , أو غدا , فهي لم تصعد لأنها تقدم حلولا جدية لأزمات هذا العالم أو لا لأزمات مجتمعاتها , إنها تصعد بحكم العطالة الذاتية عند سادة الأمس و بفعل همجيتها و عنادها في الهيمنة على الآخرين و استهتارها أولا بمن تدعي تمثيلهم و حمايتهم ( اضطر جوكوف أكثر من مرة ليصدر أوامر لضباطه لكي يمتنعوا عن التضحية الرخيصة بالجنود السوفييت في معارك عبثية ضد الوحش النازي , عشرين مليونا روسيا ماتوا في "الحرب الوطنية العظمى" ؟ ثلاثين مليونا ؟ ستالين نفسه لم يحاول أن يعرف الرقم , و لا أعتقد أنه كان يكترث , هي نفس السلطة التي تزعم أنها انتصرت لأنها ما تزال تحكم حتى إذا دنس الغزاة أرض "الوطن" و قتلوا أبناءه الفقراء بالآلاف - يونيو حزيران , نفس السلطة التي ترسل أبناء "شعبها" في هجمات انتحارية ضد العدو "لتحقق النصر" - نظام ملالي إيران و داعش و نظام اليايان الإمبراطوري العسكريتاري , لكن أيضا ستالين و ماو ) ... هناك حقيقة مهمة جدا عن الربيع العربي يجري تجاهلها عن عمد و طمسها عند اللزوم , هي النضال الذاتي للجماهير كمحور مركزي لفكرة الثورة , و أيضا أشكال التنظيم الذاتي التي صنعتها الجماهير في الأيام الأولى لثوراتها عندما أدارت الفضاء العام عمليا دون أي وجود حقيقي لأي شكل من أشكال السلطة خارج أو فوق هذه الجماهير .. بعد هزيمة قوات الأمن المركزي في جمعة الغضب أصبح الفضاء العام في مصر , سواء في القاهرة و بدرجات متفاوتة في الأقاليم , تحت إدارة الجماهير , و على إيجابياتها و سلبياتها شكلت اللجان الشعبية , كما كان الحال في تونس أيضا قبل 14 جانفي بقليل و غيرها أيضا , الشكل الجديد لإدارة شعبية ديمقراطية مباشرة للفضاء العام .. لكن بعد تنحي المخلوع في 11 فبراير قبل الجميع بخدعة مغادرة الميادين و شاركت النخب الثورية في الدعوة إلى إعادة النظام في كل مكان و الانخراط في ألاعيب المساومات السياسية الفوقية و برامج التوك شو كبديل عن الحوار المباشر في الشارع , الذي لا يخضع لسلطة أحد عمليا و لا ضوابط له إلا إرادة الناس أنفسهم , هذا ما لا يريده أحد ... الرفاق التروتسكيون المصريون ( مع كل التقدير لنضالاتهم ضد مبارك - مرسي - السيسي , خاصة أنهم يخوضون اليوم بعض المعارك ضد "العرص" منفردين في مواجهة قمع يزداد وحشية مع تصاعد أزمة النظام و هستيريا سيده ) أسرعوا إلى أحد منظريهم "العالميين" ( مولينو ) ليكتب لهم ما اعتقدوا أنه ضربة قاضية للأناركية التي تمتعت بنفوذ قوي بين شباب التحرير و الألتراس الخ , يدور حول تسخيف أي نضال عفوي للجماهير و إنكار إمكانية أي تسيير ذاتي من قبل الجماهير لحياتها و يصر على أن المخرج الثوري الوحيد لأزمة النظام القائم هو في خضوع الجماهير لقيادة ثورية , مؤتمنة بالكامل على الثورة , مفوضة بجلب الحرية للناس الذين عليهم فقط أن يسيروا وراءها بعد أن يتوقفوا عن محاولاتهم العبثية الطفولية لتسيير حياتهم مباشرة , هذا هو المقترح الوحيد الذي يمكن لأي ماركسي أن يقدمه للجماهير خاصة في لحظات صعود نضالها العفوي : تسخيف و إنكار اية أهمية أو فعالية للنضال الذاتي للجماهير و أية إمكانية لتسيير حياتها ذاتيا مباشرة , كما فعل الناس بالفعل أثناء و بعد انتفاضات 2010 - 2011 , و بدلا من هذا النضال الجماهيري أو التسيير الذاتي يقترحون عقائدهم الأصولية , ما يعتقدون أنه حقيقة مطلقة , و يصرون على تحفيظ الناشطين كتبهم نصف المقدسة أو المقدسة , حسب درجة سلفية أو أصولية كل تيار ماركسي , و من ثم يدربونهم على القياس و غيره من طرق استنباط الأحكام من نصوصهم المقدسة تلك , تماما كالفقه الإسلامي أو أي لاهوت .. إنني أعتقد , و الله و ماركسيونا أعلم , أن القضية اليوم هي في مراكمة خبرات النضال الذاتي و التسيير الذاتي للجماهير في الثورات , و في تطوير و إطلاق الإبداع الشعبي الثوري في هذا المجال .. القضية ليست في النقد لمجرد النقد , القضية الأساسية من نقد الأصوليات الماركسية , السلطوية في أفضلها و الأصولية أو الشمولية في أسوأها , و ليبرالية المنظمات غير الحكومية و عسف الأنظمة القائمة و تهافت "البديل" الإسلامي و زيفه الخ : هو في التشديد على أن جوهر الربيع العربي , و ما سبقه من حركات تحررية من نقد اليسار الجديد ( في الستينيات و السبعينيات ) التحرري لأنظمة عبد الناصر و شبيهاتها في سوريا و العراق و الجزائر الخ و انتفاضات جماهيرية : انتفاضات 1968 و 1971 ثم 1977 في مصر و انتفاضات الخبز في الثمانينيات انتهاءا بربيع 2010 - 2011 , هو النضال الذاتي للجماهير و التشديد على أشكال التسيير الذاتي التي خلقتها الجماهير , كجوهر وحيد عمليا للبديل التحرري الثوري عن الأنظمة القائمة و كأساس مفترض لتجارب ثورية قادمة



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في صحف صباح -العيد- , و كلمة إلى الرفيق جدا فؤاد النمر ...
- أريد رفاقا لا قطيعا - سجناء مجموعة خلايا مؤامرة ( إضرام ) ال ...
- حفلة سمر لأجل نهاد المشنوق
- عن الحراك الشبابي , في لبنان و العراق
- ذكريات غير لبنانية عن حدث لبناني
- عندما يدس لاسلطوي أنفه فيما لا يعنيه : بعض الأفكار عن الستال ...
- أزهار التحرير لإيميليا سيرغويرا
- الخطاب الذي منع رافاشول من إلقائه أمام المحكمة , مهداة للشبا ...
- عندما تفشل الثورات , محاولة لتحليل الربيع الثوري العربي
- من كتاب ميخائيل باكونين : الماركسية , الحرية , و الدولة
- الاتحاد السوفيتي ضد الاشتراكية - نعوم تشومسكي
- دروس و أهمية كرونشتادت لالكسندر بركمان
- أناركي في غرام ماو - رسائل هربرت ريد -من الصين- .. مع مجموعة ...
- مرة أخرى عن تشارلي هيبيدو : عندما يحطم الآخرون أصنامنا دون أ ...
- عن العلويين السوريين
- خمينية آدونيس و داعشية صادق جلال العظم
- نحو إلحاد تحرري - 2 : سام هاريس , الملحدون الجدد , و الإسلام
- نحو إلحاد تحرري - مقاربة لرؤية د . وفاء سلطان لمفهوم الإله ف ...
- دفاعا عن الحرية في سوريا -الحرة- ....
- هل أتاك حديث المؤامرة


المزيد.....




- أمير الكويت يأمر بحل مجلس الأمة ووقف العمل بمواد دستورية لمد ...
- فرنسا.. الطلبة يرفضون القمع والمحاكمة
- البيت الأبيض: توقعنا هجوم القوات الروسية على خاركوف
- البيت الأبيض: نقص إمدادات الأسلحة تسبب في فقدان الجيش الأوكر ...
- تظاهرات بالأردن دعما للفلسطينيين
- تقرير إدارة بايدن يؤكد أن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة لا ...
- بالنار والرصاص الحي: قرية دوما في الضفة الغربية.. مسرح اشت ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق العمل جزئيا بالدستور حتى أربع ...
- مجلس الأمن يؤكد على ضرورة وصول المحققين إلى المقابر الجماعية ...
- بالفيديو.. إغلاق مجلس الأمة الكويتي بعد قرار حله ووقف العمل ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - مازن كم الماز - عن عبد الناصر , حوار مع سلامة كيلة و جوزيف سماحة