أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الفتلي - الوعاء النذري















المزيد.....


الوعاء النذري


عادل الفتلي

الحوار المتمدن-العدد: 4717 - 2015 / 2 / 11 - 23:09
المحور: الادب والفن
    


.. صرخ موظف الاستعلامات المتسلط والذي لاتجيد ملامحه الابتسامه قط وكانه كتلة لحم مترهلة تهتز لصوته المقزز للنفس وهو يتوعد كل المراجعين, لن تنجز اي معاملة ويحلم من يتسلمها قبل الساعه الثانية بعد الظهر مشيرا بسبابته نحو باب دائرة العقاري العامة وماعليهم الا ان يتدبروا امورهم في ذلك النهار الصيفي اللاهب فما كان مني الا ان اترك ذلك المبنى الغاص بالمراجعين الى حيث لاادري,المهم ان اخرج لاستنشق شيء من الهواء غير الموجود اساسا لارتفاع درجة الحرارة بعد ان استنشقت مايكفي من روائح المتعرقين وماجادت به دورة المياه المعطلة والتي لم تجد من يلبي شكوى المتضررين والمتاففين مما ينبعث منها ويصلح ماافسده الاهمال وسوء الاستخدام فتركوها لتقوم بواجبها هي الاخرى وتطرد من كان في نيته الانتظار فلم تكن اقل وطأة من موظف الاستعلامات نفسه.. فوجدت نفسي امام المبنى بمواجهة الشارع الضاج بحركة السيارات ومرور السابلة والمكتظ بمكاتب السياحة والسفر وعشرات الاعلانات الضوئية تملا جهتي الشارع معلنة عن رحلات برية وبحرية وجوية عبر العالم , ما اثار استغرابي واستهجاني وسخريتي .. اي رحلات واي عالم, و هل نحن مرحب بنا كبقية خلق الله وهل ترك لنا ولاة امرنا حق الانتماء لهذا العالم, نعم لم احظى بمتعة السفر من قبل لكن مابلغ سمعي ممن وفقوا لهذه المتعة التي هي بمثابة حلم للكثيرين ان جواز سفرنا نحن العراقيون يشكل شبهة جنائية لحامله يخضع لكثير من عمليات الفحص والتدقيق ونظرات الارتياب والسؤال والتحقيق عند كل مداخل وبوابات الدنيا..ضحكت في سري وحمدته تعالى على موظف الاستعلامات وغلاظته وشكرت ربي لست من الحالمين بالسفر وذلته, فرحت اتلفت يمينا ويسارا علني اجد مقهى..آه كم انا بحاجة الى شربة ماء بارد اطفيء بها نار عطشي وكأس شاي علها تخفف الم الصداع الذي لازمني وانا في مواجهة ذلك الاهوج الذي ادمن الصراخ واعتاد على استنشاق تلك الروائح ففقد كل احساس له ليحصن نفسه من اي ضرر قد يلحق به..يالحظي ليس هناك اثر لما ابحث عنه حتى الذين صادفتهم من المارة وبائع السكَائر المتخذ من الرصيف محلا لرزقه اكدوا ان لاوجود لاية مقهى هنا فكل مكاتب السياحة والسفر لديهم مطابخهم الخاصة وعمال لهذا الغرض..يا الهي الحر يشتد وانا اتصبب عرقا ومازال هناك متسع من الوقت وكوني لست من سكنة بغداد خشيت ان ساقتني قدماي لن تضمن لي العودة الى نفس المكان, ترددت قبل ان ادنو مرة اخرى الى بائع السكَائرالقابع تحت مضلته من حرارة الشمس متغلبا على خجلي راجيا ان لااسبب له ازعاجا وعادة ماتكون امزجة الناس في هكذا ساعة من نهارات الصيف خارج نطاق العقلانية والتحمل فبادرته بالسلام للمرة الثانية مع اعتذار مصحوبا بابتسامة متملقة ساردا له بعض معاناتي وماجرى لي شاكيا له مابقي من الوقت وانا من سكنة المحافظات متوسلا به اين يمكنني ان اجد دورة مياه قريبة..نهض الرجل متاثرا بكلماتي معتذرا مني لما لحق بي وسار بي لخطوات ممسكا بيدي معبرا عن تودده وهو يشير بسبابته اليسرى مخاطبا اياي, اترى ذلك التمثال الماثل في اول الشارع؟؟ اجبته نعم اراه..قال,هناك ستجد كل ماتحتاجه من ماء ودورة مياه نظيفة ويمكنك ان تقضي وقتك حيث التكييف المركزي والاجواء اللطيفة,,تأملته مستغربا متسائلا,
اكيد انها دائرة مهمة وكيف لي ان ادخلها؟ ومن يسمح لي بذلك؟ ابتسم لي الرجل,الم تسمع بالمتحف العراقي؟؟ الم تزره يوما؟
بلى سمعت!! لكني لم ازره ولم يخطر في خلدي يوما ان امر به..
اذاً هي فرصتك وانت في امس الحاجة له..
ودعني الرجل عائدا الى مكان رزقه وانا بدوري شكرته وهممت الى حيث البناية ولاهم لي سوى ان اجد دورة مياه وبعدها يكون الامر هينا لم لا ازور المتحف مادام هناك متسع من الوقت ويقال انه يضم اثار اعظم حضارة عرفتها البشرية ويقصده افواج من السياح ياتون من اقصى بقاع الارض لزيارته وها انا وجها لوجه امام تمثالا ترابي اللون يعلو قامتي نحو خمس الى ست مرات ساندا كفيه على بطنه كأنه قام ليؤدي فرضا للصلاة ينتصب على دكة خلف سور حديدي ممتد على طول البناية تحيط به حديقة يبدو عليها اهتمام القائمين على خدمة المتحف وعلى يمينه بابا كبيرة تفتح بطريقة السحب يبدو انها لدخول العجلات شيد بمحاذاتها غرفة واسعة وانيقة واضح انها مخصصة لافراد حراسة المبنى وعلى بعد خطوات منهم بابا اصغر لاستقبال الزائرين قد فتحت الى الداخل وبخطوات مترددة ومتباطئة احاول ان لا الفت نظر احد للارتباك الذي اصابني وانا اتفحص المبنى من الخارج مبهورا تعتريني رغبة قلقة لما ينتظرني في جوف هذا الصرح الذي ساقتني اقدام القدر اليه دون خيار او تخطيط مسبق فهممت للدخول لاكسر حاجز ترددي موهما لمن يراني يحسبني معتادا على ارتياد هذا المكان,,خطوتان واذا بصوت يامرني بالتوقف يسالني صاحبه وهو يتقدم مني..الى اين يارجل.؟؟
التفت يمينا حيث مدخل العجلات الذي تركها حارسها متوجها الي كان يرتدي بزة عسكرية ويده اليمنى تتدلى بها بندقية الية فبادرته بالسلام متصنعا بابتسامة على محياي معتذرا قد اكون ارتكبت حماقة دون قصد,
قال. ان كنت تروم زيارة المتحف تفضل للتفتيش اولا واهلا ومرحبا بك في اي وقت,
فاجبته على الفور.نعم نعم عزيزي انا حاضروفقكم الله,
تفتيش بسيط وتمنى لي طيب الوقت مشيرا لي الى بوابة دخول المتحف التي تبعدنا بضعة امتار,ولبشاشة هذا الحارس وبساطته ولهجته الجنوبية المحببة ماشجعني ان استاذنه للسؤال عن وجود دورة مياه في هذا المبنى فابتسم وهو يشير لي قائلا هاهي امامك في مرآب السيارات,ودون ان اعي هرولت مسرعا وكاني لم اعد بحاجة الى اي شيء اخر..كم شكرت الرجل الطيب بائع السكَائر وانا ارى وجهي الموحل بالعرق والتراب بمرآة كبيرة ونظيفة تعلو صفا منظما من مغاسل الفخار البيضاء فوق كل واحدة منها قنينة زجاجية ثبتت على الجدار مليئة بصابون غسل اليدين السائل المعطر ولفائف المناديل الورقية وضعت بشكل انيق,اشعر بالامتنان لذلك الحارس الطيب الذي هداني لهذا المكان الجميل والنظيف ليت في دائرة العقاري هكذا نظافة وهكذا اهتمام وهي لاتبعد عنهم سوى امتار,خرجت من هذا المكان وانا في افضل حالاتي بعد ان ازحت عن بدني ما كان يثقلني من عرق وغبار واليت على نفسي الا ان اشكر رجل الامن الطيب جزاء ماقدمه لي من خدمة ودون ان اطلب منه استقبلني بقنينة كبيرة من الماء البارد , آه كم انا عطش وهذا الرجل يغمرني بكرمه وحسن خلقه , حقا اشعر بالعجز عن شكره وامتناني لانسانيته , تركته واجتزت ممرا مائلا الى جهة يسار الحديقة عبر الممر الذي يقطعها الى نصفين وماهي الا عدة امتار لاجد نفسي امام بابا زجاجيا فتح تلقائيا ولجته فاغلق نفسه بنفسه ..الله مااجمل هذا الشعور كاني خرجت من فصل الصيف الى فصل الربيع نسمات من الهواء المنعش تحتضنني وتبدا بازالة عرقي اغمضت عيني لاستنشق المزيد من الهواء النقي المعطر ماهذا اين انا في قاعة كبيرة تحيط بها دواليب من خشب الصاج القوي منها قطع الى رفوف تحمل على ظهرها مخطوطات وملفات مرتبة ومنها مصمم على شكل طاولات كبيرة مغطاة بزجاج سميك تحتوي بدواخلها على نسخ عملاقة لمخطوطات مفتوحة منها ماكتب بالعربية ومنها بالعبرية و السريالية والهيروغليفية والسومرية انا لااجيد سوى العربية ولكن هذا ماقراته على اوراق لوحات التوضيح بالتاكيد انها اشياء خطيرة ومهمة هذا ماخيل الي وانا اجوب ببصري في تلك القاعة التي تسلب الارواح قبل الانظار انتبهت الى وجود رجل بكامل اناقته واقفا بالقرب من طاولة عليها بعض الاوراق وجهاز حاسوب رسمت على محياه ابتسامة لطيفة دنوت منه وبادرته بالسلام معتذرا اني لم انتبه لوجوده لفخامة المكان ومساحته,وبنفس ابتسامته التي تشرح النفس والقلب استقبلني.اهلا ومرحبا بحضرتك ولاعليك من الاعتذار ونحن هنا في خدمتكم.. شعرت بالخجل من كياسته وادبه الجم ولطف اخلاقه,يبدو انه تمرن على فن التعامل والرقي في الاسلوب لاهمية المكان الذي يقصده الغرباء قبل اهل البلد الذين لا اراهم يرتادون هذا الصرح العلمي والثقافي والحضاري الا ماندر ودليلي لاوجود لاحد غيري ولم ار من سبقني او من لحقني بالدخول فدفعني الفضول لان اسأل الموظف المحترم ولا اظنني ساتسبب في تاخيره او اشغاله عن مهام عمله بل قد اكون في كلامي معه ساشعره بشيء من الارتياح .فبادرته دون اية مقدمات,,
- عذرا ايها السيد المحترم ,هل المتحف دائما بهذا الحال؟؟
- محافظا على نفس ابتسامته المعهودة,اي حال تقصد سيدي؟
- لم ار احد غيري! قد يكون السبب انه وقت دوام؟
- هو هكذا الحال دائما ونادرا مايقصد العراقيون متحفهم
- عجيب!!طيب رحلات لطلبة الجامعات والمدارس مثلا حتى هؤلاء غير معنيين بتاريخهم؟
- نعم سيدي حتى هؤلاء يفضلون الحدائق والمتنزهات ,
- انا اسف جدا ايها الطيب قد اكون اثقلت على حضرتك باسئلتي ولكن بالتاكيد رجال السياسة والوزراء حريصون على زيارة المتحف مع ضيوفهم ليروهم قدم ومجد حضارتهم من باب المفاخرة..
- ضحك الموظف المهذب وكأنه لم يضحك من قبل!!!!
- ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- عذرا ايها الرجل الطيب وممتن لحضرتك لانك حقا اضحكتني ومن كل قلبي واسعدتني بحسن ظنك بالاخرين وان كانوا السياسيون انفسهم,,يالقلبك الطيب وهذا مايميزنا نحن العراقيون ليس فقط حضارتنا اننا دائما مانحسن الظن,,واعلم ياسيدي ان ساستنا بكل اطيافهم واشكالهم اخر مايمكن ان يمر على افكارهم هي الحضارة ولايمكن ان تعني لهم شيئا لامن قريب ولامن بعيد وهم اخر من يفكرون ان يرتادوه لانه يشعرهم بعدم الانتماء فيرعبهم ويرفضهم ولهذا تراهم يقصدونه سارقين ناهبين ليبدلوه باموال , من يدفع لهم يقدر عظمة مايشتري وهم لايقدرون , هل لي ان اسألك لو سمحت؟
تحجرت في مكاني وكاني احد اشياء هذا المكان وانا اصغي لملامحه التي تغيرت وابتسامته هي الاخرى تبدلت وعيناه , مالي ارى عيناه اغرورقت بالدمع , يا الهي مالذي فعلته بهذا الشاب المهذب ليتني لم ادنُ منه ولم اكلمه يا لهذه المواجع المكبوتة , اللعنة على لساني ليته سبب الما لذلك الموظف السمج لكنت سعيدا وفخورا به,,
- نعم اسأل ياصديقي اتمنى اجد جوابا شافيا لكل اسئلتك,
- الك والدين؟؟؟
- ياالهي ماذا اصاب الرجل وهل هذا سؤال..نعم عزيزي يرحمهما الله تعالى,
- اذاً هما متوفيان رحمهما الله,الك ان تبيع قبريهما اذا جاءك من يجزيك العطاء,,
- ياويلي جن الرجل,استغفر الله تعالى ربي واتوب اليه ضربتني في قلبي والله وهل هناك مجنون على وجه الارض يرضى بذلك, وكأني ضغطت على زر ما كان لي ان اضغطه وعلى وجه السرعة نحى بوجهه عني ليتدارك دمعة ماعادت تهوى البقاء فتناول منديلا ورقيا من علبة كانت على طرف طاولته مسح به عينيه واخذ نفسا عميقا كانه يعيد به توازنه والتفت الي بحياء متأسفا فتناول دفتر ايصالات كان بجانبه قطع منه ورقة صغيرة وناولني اياها ودون ان اساله عرفت قيمة المبلغ المكتوب على تلك الورقة كرسم دخول فدفعته وكان زهيدا , فاشار لي الرجل بسبابته الى الجهة التي خلفي مباشرة , وكانها اشارة الى نهاية اللقاء بيننا,
- من هنا الدخول سيدي عبر هذا السلم المؤدي الى القاعة رقم (1) فهززت راسي مبتسما عرفانا بشكري وامتناني له.
خطوات وانا اقف على مدخل القاعة الاولى , يالله انها واسعة وطويلة , تيار من الهواء البارد ينعش اوصالي,انارة مبالغ فيها تعكس بضوئها على ارضية المكان المكتسية بارقى واغلى انواع الرخام فتبدو كزجاج او ماء يرى من خلاله سقف القاعة, ساعة كبيرة مستندة الى جدار لفت انتباهي حركة وصوت رقاصها الذي يكبرني حجما وينبهني ساعتان فقط تفصلني عن موعد مراجعة دائرة العقاري وماعلي الا ان اسرع لجهلي بحجم البناية وعدد قاعاتها فرحت اجوب مقتنيات القاعة الموضوعة بدراسة وعناية فمنها ماهو بحجم الكف ركن على رفوف زجاجية داخل دواليب كبيرة محمية بالواح من الزجاج السميك وعلى جانبي القاعة ومنها ما لايمكن زحزحتها عن مكانها الا برافعات عملاقة وفي وسط القاعة ايضا هناك طاولات مغطاة بالواح من الزجاج تحتوي على الكثير من التماثيل والاواني الخزفية والحلي الذهبية ومنحوتات نحاسية من ادوات طهي واسلحة ومعدات صيد وتوابيت حجرية وخشبية لنقل الموتى لاتشبه التي نستخدمها في زماننا من حيث الشكل والحجم, كم تمنيت ان يكون لي متسع من الوقت وانا اتنقل بين جهتي القاعة واقرا ماكتب عن طبيعة هذه الاثار التي حفظت نفسها لالاف السنين وشهدت عصورا كان اهلها اسياد هذه الارض ولاتشكل شيئا لجهلة الخلق ممن يعدونها مصنوعات طينية او خشبية متهالكة وغيرهم يعرفون قدرها ويعدونها كنوز لاتقدر بمال ولايتورعون ان يجهزوا جيوشا للهيمنة عليها..
غادرت القاعة الاولى وانا مبهورا ولو لم اكن على عجالة من امري لكنت تمعنت وتمتعت اكثر,يالله القاعة الاخرى تبدو اكبر وابهى من الاولى وماتحتضنه اجمل واروع, من اين ابدأ رؤوس تماثيل لرجال ونساء كتب على يمين كل منهم اسم صاحبه ومكانته مصوغات ذهبية تملا المكان وان كانت خلف الزجاج استغربت لعدم وجود رجل امن لحراسة هذه المقتنيات قد يكون هناك كاميرات للمراقبة.الهدوء يعم المكان لااسمع سوى صوت خطواتي, شيء من الخوف اعتراني وانا استحضر في مخيلتي بعض افلام الغرب في مثل هكذا اماكن, استعذت من نزغات الشيطان واستغفرت الله, بدا اهتمامي بجمالية المكان وعراقة آثاره تخبو تلفتُ يمينا وشمالا علني اجد من أأنس لوجوده واواصل معاينتي فلم ار سوى خيالي على الزجاج يرافقني , تماسكت ورحت اقنع نفسي..تجلد ايها الجنوبي.بساتين النخيل تقطعها ليلا على قدميك لزيارة قريب او صديق لك,اعوام قضيتها على جبهات القتال ولياليها الموحشة لازالت عالقة على جدران ذاكرتك, ورأيت مارأيت فلم تكن كغيرك مترفاً وانت الان في قلب العاصمة الامنة وفي عز ظهرها الصيفي..ابتسمت كاني خجلا مما راودني وما استذكرته وانا انقل خطواتي ببطء واذا بي كاني على باب محافظة ذي قار هاهي اذاً قيثارة سومر التي يعرفها كل العراقيون وراوا صورها على الكثير من المنتوجات تكاد تكون واسد بابل والثور المجنح ابرز الاثار واشهرها, بنهم اتطلعها واتفحص هيئتها وطريقة صنعها بنظري من خلف الزجاج الذي يفصلني عنها ليتني اتمكن من لمس اوتارها لاسمع صوتها فقرات اللوحة التي على يمينها..انها قيثارة سومر وتعرف ايضا بقيثارة اور وجدوها في مقبرة الملكة شبعاد والتي كان اسمها ايضا بو آبي التي عاشت في الـ2450 ق.م .ووو...ياإلهي خيال ما يقطع حبل قراءتي ومتعتي لاح على لوح الزجاج ,التفت مسرعا ,يــاالله واخيرا الحمد لله شعرت بارتياح كبير قد حضر من يشاركني جولتي ليبدد علي وحشتي بقيت متسمرا في مكاني اطالع ذلك الرجل الذي ادار ظهره لي ويبدو انه منشغلا كانشغالي به واستغرابي منه , اليس من الادب ان يلقي السلام وهو لم ير وجودا لغيري في هذه القاعة,, ثم ماهذا الذي يرتديه قفطانا سميكا من الصوف يغطي كل اجزاء بدنه رمادي اللون بغطاء راس ,, آآآه الان فهمت يبدو انه سائح ربما من دول امريكا اللاتينية وهذه طبيعة ازيائهم التقليدية , اطال الوقوف حانيا راسه لا اعرف بماذا هو منشغل وانا اقف خلفه على بعد امتار منه اتامل متعجبا من طوله الفارع وعرض منكبيه وضخامة جسده وكأنه محاربا اغريقيا او مصارعا رومانيا تقدمت بضع خطوات من جهته اليمنى متعمدا ان احدث صوتا للفت انتباهه وقفت بمحاذاته تاركا بعض المسافة لاشعره بوجودي وليتسنى لي رؤية وجه هذا العملاق البشري , لم يابه بوجودي وهو يتنقل ببطء بعكس اتجاهي وكانه يحرص على تجاهلي ولجم فضولي تجاوزني من خلفي وانا اتظاهر بشدة اهتمامي وحرصي على قراءة ما مكتوب على القطع الاثرية,, والحق اني كنت اترقبه وصار اهتمامي بوجوده وبمظهره المثير للغرابة وبتجاهله المريب لوجودي اكثر بكثير من اهتمامي بتركة اعظم حضارة على وجه الارض, استرقت النظر اليه وهو يقف في منتصف القاعة ويأبى الا ان يكون ظهره لي, لم لا اباغته من جهته الاخرى لأكون وجها لوجه معه , احدث نفسي وانا اتجه اليه بخطوات ثقيلة من خلفه لأتجاوزه وفجأة سار معتدلا وسط القاعة وكأن مابقي من الدواليب على يمينه وشماله وماتحتويه من قطع ومقتنيات لاتعنيه البتة , بثقة الملوك خطى ماشيا مغادرا القاعة الى اخرى وانا اتبعه على حذر..اثارني تجاهله ما موجود في بداية القاعة من آثار واتجاهه يسارا الى حيث وجود دكات عرض عليها اواني واباريق واشياء غريبة اجهل ماهية استخدامها , قصدها وكانه يعرف المكان جيدا لاحاجة له بالبحث والتقصي لم اره يتلفت كما هو الحال معي ومع اي زائر اخر كأمر طبيعي ,, وقف ناكسا راسه وكانه على شفى قبر يؤدي مراسم الزيارة وقراءة الفاتحة , دقائق مرت كدهر وانا اراقبه , لم يأبه لوجود لوحات التحذير المعلقة على الجدار(لطفا ممنوع اللمس) والمترجمة لاكثر من لغة فراح يتحسس الاشياء بانامله وكأنه يتفحص ملامح وجه حبيبة له واشياء لا ارى بمقدوري ان احركها في مكانها لثقل وزنها , حملها بيسر بكفيه وقربها من وجهه لا اعرف ليتأملها ام ليشمها يترائى لمن يراه انها اشياء عايشها وتعني له الكثير, وما اثار حفيظتي واستغرابي وقوفه امام دكة لا وجود لأثر عليه سوى لوح طيني حمله بين يديه , استشاطت نار فضولي فهممت تنقلني قدماي لاكون على يمينه ولأدنو منه اكثر فبان لي اللوح وحروفه المسمارية التي اعتدنا ان نراها في كتب التاريخ في مراحل الدراسة المتوسطة والاعدادية,, دون ان ارى يديه المغطاة باكمام قفطانه الصوفي فحاولت ان القي نظرة سريعة على ملامح وجهه المخفي بغطاء رأس القفطان فلم تحالفني سرعة مباغتتي الا برؤية النصف الاسفل من لحيته الكثيفة والتي لا اراها تشبه لحى القطيع التي اعتدنا رؤيتهم , كل محاولاتي وحركاتي البائسة والتهريجية وهو لم يحرك ساكنا تأففت ، ونظرت لساعتي لم يبق لي سوى 40 دقيقة على موعد مراجعتي ..
وبصوت مسموع , يا الهي الوقت يداهمني وانا اجهل كيفية الخروج من هذا المكان .
لم يكن معي الرجل ولن يسمعني مادامه لايفهم لكلامي اي معنى..فضحكت وتمتمت في صوت مسموع ايضا..
- ماهذا الهراء يارجل اتراك قطعت الاف الاميال لتترك كل هذه الاثار الكبيرة والمثيرة للاهتمام وتقف كل هذا الوقت امام دكة خالية الا من لوح طيني وليتك تجيد قرائته والله حقا انك مجنون بل انا المجنون اضعت وقتي معك.
وهممت ان اغادره لاجد لي مخرجا فلم يعد لي متسع من الوقت وما هي الا خطوة مني واذا بهمس رخيم لم يصادف مسامعي من قبل كأنه تيار ريح شديد يشل حركتي ويكبل اقدامي , همس اقوى من اي صراخ سمعته لا يمكن ان يكون لأنسان مهما بلغت قوته , همس بلغتي العربية التي افهمها وبلكنتي العراقية التي اعتدتها , همس بشجن مرير لمارد كسير وبشحرجة بكاء الملوك الجبابرة..
- انه مكان الوعاء النذري ياغبي.!!!!!!!!
وغادر المكان بنفس مشيته الواثقة الى حيث باب الخروج.
تحجرت في مكاني لا اقوى على اي حركة فاغر الفاه وعيناي تراقباه ..الى ان تلاشى , تبعته متثاقلا الى الباب نفسها ,, ماهذا.. انها قاعة الاستعلامات, لاوجود لاحد فيها فقط الموظف المهذب منشغل بحاسبته , اشعر اني منهك وانا ادنو منه ملقيا عليه السلام فبادرني بعد ان رد السلام
- اتمنى قضيت معنا اوقاتا طيبة,
- حقا هي متعة كنت بحاجة اليها والشكر لكم ولحسن خلقكم , واسمح لي ان اسالك عن الرجل الذي خرج قبلي للتو لا اعرف اين اختفى وبهذه السرعة وددت ان اخرج معه لألتقيه هنا..
- بابتسامته المحببة عفوا سيدي اي رجل تقصد؟ لم يخرج احد غيرك
- ارجوك ايها الطيب لاتشككني بنفسي, منذ لحظات سبقني رجل بالخروج كان معي داخل المتحف وان لم تره عند خروجه بالتاكيد تتذكره عند دخوله , الرجل الذي كان يرتدي قفطانا صوفيا سميكا,,دعني اذكرك اكثر,,صاحب اللحية الكثيفة ووو..
قاطعني بقهقهة استفزت اعصابي,,
..اهدأ اهدأ ارجوك ياسيدي, اولا لم يدخل المتحف اليوم احد غيرك وهذه تذاكر الدخول تشهد على صحة كلامي ثم من هذا الذي بأمكانه ان يتحمل ارتداء قفطانا صوفيا كما تذكر ونحن في منتصف شهر تموز!!!!!!!!!!!!



#عادل_الفتلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواقع التواصل الاجتماعي رحمٌ ولود لافكار اليهود
- مجاهدو الفلوجة..والشرف الرفيع
- ثرثرة من افواه وقحة
- صحافة التاتو والبوتكس وليالي الأنس
- ضربة معلم
- تصرفات مريبة
- نحن وحكامنا
- صقر بيت فويلح
- وهل يخفى القمر...؟
- شئنا أم أبينا
- وقائع جلسة في بر اللاأمان
- توبة مومس
- الق الاعلام العربي.. وماخفي
- الغضب الساطع آت
- سمفونية التغيير
- انا لااكذب لكني اتفلسف
- الكبار يهاجرون والصغار يتشاجرون
- مقرات ديمقراطية
- سيدي الرئيس


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الفتلي - الوعاء النذري