أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مبارك في محكمة -ماعت-















المزيد.....

مبارك في محكمة -ماعت-


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 15:11
المحور: المجتمع المدني
    


مبارك في محكمة "ماعت"
تراها حسناءَ نحيلةً تسرُّ الناظرين. في يمينها ميزانٌ مضبوطةٌ كَفّتاه على القِسْط، فأنّا لمثلها أن يحيدَ ميزانُها. فوق رأسها الأشمِّ ريشةٌ ناعمةُ الزغب انتزعَت من ذيل نعامة مختالة بحُسنها. وفوق عينيها عُصبةٌ معقودةٌ خلف شعرها الفرعوني الأجعد.
أما الميزانُ، فرمزٌ للعدل الذي لا يضيم. وأما الريشةُ فرمزٌ للضمير الذي لا تأخذه غفوةٌ، وأما عصابة العينين فرمزٌ للعماء عن النوازع والأهواء والخضوع للمراتب والطبقات.
إنها جدّتي الميثولوجية الجميلة "ماعت" ربّة "العدل والحق والنظام الكوني والخلق الطيب"، في ثقافتنا المصرية القديمة، كما عرفناها من كتاب "العبور إلى النهار" (كتاب الموتى)، وكما نرى جداريتها الضخمة على جدران المحاكم في مصر، وفي عديد دول العالم. على جداريات المعابد، تراها تقبض بيسراها على مفتاح الحياة (عنخ) وباليمنى تمسك صولجان الحكم. هي المسؤولة عن حساب الموتى في المحكمة الأوزورية. فكانت تأمر أنوپيس بوضع قلب المتوفى في كفّة ميزان، وفي الكفّة الأخرى تضع ريشتَها. فإن هوى القلبُ، فلأنه مثقلٌ بالخطايا؛ فيلتهمه على الفور الوحشُ "عمعموت"، وإن خفّ القلبُ عن الريشة فلأنه خفيفٌ بلا دنس، فيُعادُ القلبُ إلى موقعه بالصدر، لينطلق المغفور له إلى الفردوس الأبدي، بعدما يكون قد أتمّ سرد الاثنين وأربعين اعترافًا أمام اثنين وأربعين قاضيًا يترأسهم أوزوريس: لم أقتل، لم أسرق، لم أتسبب في دموع إنسان، لم ألوث مياه النهر، كسوتُ العاري، أطعمتُ الجائع، رويتُ الظامئ، كنتُ عونًا لليتامى والأرامل.... الخ.
وإذن، فالعدالةُ عمياءُ مثل معصوبةُ العينين حتى لا ترى إلا الأدلة الثبوتية المتوفرة. لو نقُص دليلٌ فقد يُبرَّأ مجرمٌ أو يُجرّم بريء. وفي "محاكمة القرن"، برأت الأدلةُ، بين يدي القاضي، الجميعَ من دم الشهداء، فبات علينا منذ اليوم أن نبحث عن قاتلهم الحقيقي لنقتصّ منه. ولكن هل بوسع قضاة العالم ومحاكم الدنيا، أو بوسع "ماعت" ذاتها، أن تُبرّئ نظامه مبارك من تهم أخطر من دم الشهداء الذين هم أحياءٌ عند ربهم يُرزقون؟
من بوسعه تبرئة نظامه من تجهيل المصريين على مدى ثلاثين عامًا في ظل أسوأ نظام تعليم في العالم؟ من بوسع تبرئة نظامه من إمراض الشعب المصري بالفشل الكلوي والكبدي والسرطان الذي ضرب الأطفال والأمراض المزمنة التي تسببها الأمصال الفاسدة، في ظل أسوأ نظام صحي في العالم؟ من المسؤول عن إفقار المصريين فزاد الفقراء عددا وفقرًا في عهده حتى باتت متطلبات الحياة الأولى حلما بالنسبة لمعظم هذا الشعب التعس؟ وعن أطفال شوارع ولدوا في عهده وكبروا ليتحولوا من البراءة إلى الدنس فيتحولون إلى مجرمين وخارجين عن القانون؟ وعن العشوائيات التي تنخر في خاصرة مصر على نحو مخجل حتى غدت حزمة من عيدان الخشب حلمًا عزيزًا لأسرة تقطن علبة من الصفيح الصدئ تقلّصت أحلامهم في بناء سقف لهذه المهانة المُسماة بيتًا حتى لا تنخر عظامَهم أمطارُ الشتاء وجنون الهجير؟ وعن إهدار الأموال العامة وتشجيع اللصوص على احتكار ثروات مصر، ووأد الأحزاب المصرية وإخصاء المعارضة؟ وعن الفتنة الطائفية التي ولدت في عصر السادات وحماها مبارك لكي يستخدمها كارتًا أحمر يضرب به الشعب كلما ود تزوير الانتخابات أو تمرير غلاء الأسعار وتقليص الأجور؟ وعن إشاعة الفوضى والقمامة في الشارع المصري وغياب دولة القانون وفوضى المرور وحوادث الطرق غير المسبوقة عالميًّا، وحين منّ الُله على مصر برجل مثل اللواء المحترم أحمد رشدي، وزيرًا للداخلية، ليعيد ضبط الأمور، تُحاك له مكيدة للتخلص منه إكرامًا لعيون تجار المخدرات الذين يمارسون عملهم في أمان تام في ظل نظام مبارك وآله؟ مَن المسؤول عن رِخَص المواطن المصري وتدني قيمته في كل الدول التي لا تحترم آدمية الإنسان كونه إنسانا؛ لأنه رخيص في بلده بالأساس، ومن هان على بلده هان على الدنيا؟ وعن سفر بنات مصر، هربا من الفقر والعوز، ليعملن خادمات في دول الخليج ثم يُعاملن كجوارٍ وملكات يمين لأمراء النفط؟ مَن المسؤول عن إهانة المرأة في عهده وتكريس فكرة أنها خادمة للرجل ووعاء لشهواته وأمراضه لأن جهازه الإعلامي والتعليمي ومنابره الدينية تكرس تلك الأفكار ليل نهار، دون أن يبدي اعتراضًا ولا حسما جراء ذلك؟ مَن المسؤول عن انقسام الشعب المصري إلى شريحتين عجيبتين: فقراء يأكلون من القمامة، أثرياء يتنقلون بين القصور، والثالث بينهما مرفوع؟ مَن المسؤول عن تحول المواطن المصري المثقف إلى كيس فارغ لا يقرأ ولا يفكر ولا يتأمل ولا يحب الموسيقى ولا الفنون ولا الآداب ولا القراءة؟ مَن المسؤول عن تخريج أميين لا يعرفون كتابة أسمائهم كل عام من الجامعات والمعاهد؟ مَن المسؤول عن تدني النظرة إلى حضارتنا المصرية العريقة حتى صدق البسطاءُ منا، أقوالَ الرعاع بأنها حضارة وثنية وكل هذا الغثاء، بينما دول العالم المتحضرة تدرّس لأطفالها اللغة الهيروغليفية وتعلمهم تشريح الهرم وتاريخ الأسر القديمة والميثولوجيا المصرية الفاتنة؟ مَن المسؤول عن تزوير التاريخ في الكتب المدرسية حتى طلعت أجيالٌ لا تعرف ماذا حدث ولماذا حدث ومتى حدث فترعرعت العنصرية والطائفية والجهل والغباء لأن رؤوس الصغار تم غسلها بالديتول وحقنها بفيروسات كذوب تكرس البغضاء والفرقة والجهل بالماضي. مَن المسؤول عن انحطاط الفنون في عهده ذاك الذي بدأ مع انفتاح السادات ولم يبذل مبارك طوال ثلاثين عامًا أي جهد في إصلاح هذا الخلل المجتمعي الرهيب؟ مَن المسؤول عن التدين الشكلي الزائف الذي ضرب أوصال المجتمع المصري فغدت البنت محجبة والشاب يعمر المساجد في حين يفعلون في السر كل الموبقات والدنايا والانفلات الأخلاقي والكذب والإهمال والرشاوى والتحرش وقذارة السلوك وبذاءة اللفظ؟
ثمة قائمة طولى من الاتهامات ممهورة بالأدلة، تحملها "ماعت" بين يديها لتقرأها أمام التاريخ، لتدين عصر مبارك ونظامه بعيدًا عن قتل الثوار.
ويبقى أن أشهدَ له بأنه يظل أفضل من نظرائه الذين تركوا بلادهم وهربوا. مثلما أشهدُ أن لا مقارنة ثمة بينه، كرجل عسكري حمل لواء مصر وحارب من أجلها، وبين الجاسوس التعس "مرسي"، فالإخواني الخائن وزبانيته اللئام لا يفوقهم سوءًا بشر فوق الأرض.
يتبقى أن أتبع الآية القرآنية: “ولا تبخسوا الناسَ أشياءهم"، فأشهدُ له بإنهاض البنية التحتية (infra structure) المنهارة بمصر في العشر سنوات الأولى من عهده، وإطلاق ثورة في الاتصالات والمدن الجديدة والجسور وغيرها، فقد تعلّمت من الهندسة أن أحلل الأمور بدقة وأعطي كل أمر ما يستحق دون أن يجور خيرٌ على شرٍّ أو يجور شرٌّ على خير، لأن أسلوب "اللوكشة الواحدة" لا يليق إلا بالرعاع والحوشة والسوقة.
السيد محمد حسني السيد مبارك، راجع مقالي القديم في عهدك: "احذرْ كتاب التاريخ" لتعرف إنك مدانٌ في نظري، وإن برأك القانون وأنصفتك الأدلة، سوى أن "ماعت" تُدينك، والتاريخ.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء الرئيس السيسي بالأدباء والمثقفين
- ماذا ينقص ثورتنا؟
- كوني زوجة عظيمة لرجل عظيم
- البودي جارد
- عودة الرقيق الأبيض على يد داعش
- لغة السلف
- أنا الجبرانية الجميلة
- الإخوان ظاهرة صوتية
- كأننا نتعلّم (4) رفاهية الرسوب
- فايزة أبو النجا
- الأوركسترا المصري
- -ماهي- الجميلة والذكور الثلاثة
- صباح الخير يا صبوحة
- الذي رفض أن يكون إنسانًا
- الركضُ تحت المطر
- كأننا نتعلّم! (2) احتراق التلاميذ!
- -مؤشر السعادة- المصري
- كلمة الشاعر اللبناني شربل بعيني لتقديم الشاعرة فاطمة ناعوت ق ...
- يومٌ لجبران وفيروز
- كأننا نتعلّم! (3) الحاج -عبدة-


المزيد.....




- إجلاء مئات المهاجرين المتحدّرين من جنوب الصحراء من مخيمات في ...
- إجلاء قسري لمئات المهاجرين المتحدّرين من جنوب الصحراء من مخي ...
- وقفة أمام مقر الأمم المتحدة في بيروت
- نائب مصري يحذر من خطورة الضغوط الشديدة على بلاده لإدخال النا ...
- الأمم المتحدة: فرار ألف لاجئ من مخيم إثيوبي لفقدان الأمن
- إجلاء مئات المهاجرين الصحراويين قسرا من مخيمات في العاصمة ال ...
- منظمة حقوقية: 4 صحفيات فلسطينيات معتقلات بينهن أم مرضعة
- السفير الروسي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا المستقيل يبحثان ...
- قرابة 1000 لاجئ سوداني يفرون من مخيم للأمم المتحدة في إثيوبي ...
- جامعة كولومبيا تكشف تفاصيل حول المحتجين المعتقلين بعد اقتحام ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مبارك في محكمة -ماعت-